حدثني جدي أنه في زمن الانتداب البريطاني لفلسطين كان هنالك مختارا لإحدى القرى الصغيرة في فلسطين, وكان هذا المختار ظالما لقريته ومسيئا لأهلها وعمل جل جهده لإلحاق الأذى بهم وبممتلكاتهم وكان متعاونا مطواعا لقوى الاحتلال يخدمهم بكل الوسائل ظنا منه أن الاحتلال هو مصدر قوته وسلطانه ونفوذه.وكان للسلطات الحاكمة في تلك الأيام قوة أمنية خاصة بالقرى تسمى الفرسان... تشبه قوى الدرك في هذه الأيام, وكانت تمثل رمزا للقمع والتنكيل, فكانت عند استدعائها لأقل مشكله في إحدى القرى تحضر بأفرادها وخيلها وتمكث في تلك القرية أياما عديدة تعيث فيها فسادا فتسجن شبابها وتخرب ممتلكاتها وتدوس على زرعها وتمارس كل أساليب القمع فيها, ناهيك عن تكاليف إقامة أفرادها إذ ينزلون في أحسن بيوت القرية ويتطلبون أفضل الأطعمة ويصرون على تناول ما لذ وطاب من اللحوم والطيور, وتخيل ما يشكله هذا من عبئ على أهل القرية الذين كانوا بالكاد يحصلون على فتات قوتهم وقوت عائلاتهم, حتى أصبح أهل القرى يعتبرون زيارة قوات الفرسان لهم أسوأ من أي كارثة.وكان صاحبنا هذا(أي المختار) يتلذذ في استدعاء الفرسان للحضور إلى القرية بسبب أو بدون سبب, فيكفي أن يمرّ به أحد من أهل القرية دون طرح السلام عليه أو تحيته ليكون هذا سببا له للانتقام, أما قوات الفرسان فلم يكن يعنيهم التأكد من صحة التهم الملفقة,بل لم يحتاجوا أصلا لوجود أي تهمه ضد أحد لتدفعهم للحضور للقرى,إذ كان ذلك من دواعي سرورهم لما شكلت هذه الزيارات من مصدر رزق لهم ووسيله لإستمتاعهم بالوجبات الشهيه والغنائم السهلة المنال. استمر هذا الحال لسنوات عديدة ومعاناة أهل القرية تزيد ووضعهم يصير من سىء إلى أسوأ وطغيان هذا المختار يطال كل فرد منهم صغيرا وكبيرا.وبعد سنوات طوال أصاب المختار مرض عضال أقعده ولم يجد له الأطباء شفاء, وتدهورت حالته الصحية وازدادت سوءا يوما بعد يوم وأيقن أن الموت مدركه لا محاله. وفي يوم من الأيام وهو في هذه الحالة الصحية المتدهورة طلب من زوجته أن تستدعي له أهل القرية فلما حضروا جميعا استجمع قواه لمخاطبتهم وقال لهم:يا أهل قريتي, أنا اعلم أنني قد أسأت لكم كثيرا في حياتي, وأنا الآن على فراش الموت, وأشعر بالذنب لما اقترفته تجاهكم وبحقكم, وأريد قبل أن أرحل عن هذه الدنيا أن أقوم بعمل لعلني أكفر به ولو قليلا عن ما سببته لكم من إساءات.استغرب أهل القرية من حديث الرجل وسألوه عن ما يريد؟؟ فقال لهم:بعد موتي أريدكم أن تربطوا جسدي بحبال وتجروني في كل شوارع القرية، وبهذا آمل أن أكفر قليلا عن بعض إساءاتي لكم,وأريدكم أن تعدونني بموافقتكم على تنفيذ هذا الطلب.دهش الحضور لما سمعوه ولكن في نفس الوقت انتابتهم غبطة كبيره لما كان في قلوبهم من غل لهذا الظالم, فوافقوا على طلبه دون تردد.بعد ذهابهم حضرت زوجته التي كانت تسترق السمع من وراء الباب وقالت له يا هذا ما الذي طلبته من أهل القرية؟؟أجننت ؟؟فأجابها الرجل: اسمعي يا امرأه، بعد موتي وفور مباشرة أهل القرية بجر جسدي في شوارع القرية تنفيذا لوصيتي ,عليك أن تهرعي فورا وتطلبي لهم الفرسان !!!!!!!!وفعلا قام أهل القرية بعد موته بتنفيذ وصيته وقاموا بجر جسده في شوارع القرية وسارعت زوجته بإبلاغ الفرسان فحضروا للقرية وسجنوا الكثير من أهلها وعاثوا فيها فسادا وتنكيلا بصوره لم يسبق لها مثيل.وأصبح هذا العمل الخسيس مثلا دارجا لوصف مدى خسة وسوء أي شخص أو مسؤول لا يخلف بعد موته إلا الدمار والسمعة السيئة فأصبح المثل الشعبي : (مثل مختار القرية الفلانيه خرب بيتنا في حياته وفي مماته)!!!!وهنا ننتقل إلى واقعنا المرير,الكثير من حكامنا وخصوصا من طال بهم الأمد في الحكم ,(ولا داعي هنا لذكر أسماء معينه) قد عاثوا في الأرض فسادا خلال فترة حكمهم وساعدهم في ذلك من التف حولهم من الفاسدين والمستفيدين, وشهدت الأوطان في عهدهم حالة من التردي السياسي والإقتصادي والاجتماعي وتفشي الفساد واختفاء للحريات لم يسبق لها مثيل. والآن وبعضهم على وشك الرحيل يأبوا إلا أن ينهوا فترة حكمهم وقد أورثوا بلادهم وشعوبهم مزيدا من المشاكل والانقسامات والحروب والتي لا يعلم نتائجها وعواقبها إلا الله والراسخون في العلم, والتي قد يستغرق أصلاحها عشرات السنوات, أما إذا سمح لهم بتطبيق سياسة المختار فقد يصل التردي والدمار إلى مرحله ستصبح فيها عملية الإصلاح شبه مستحيلة في المستقبل المنظور.وقى الله شعوب هذه المنطقة من شر ما هو قادم,اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم,وأرنا فيهم وبأمثالهم يوما تشف به قلوب قوم مؤمنين.