- التسابق وراء الربح السريع وراء إتجاز عدد كبير من المتر المربع كثيرا ما يُغيّبُ أهل الاختصاص عن مجالات كان بستوجب إشراكهم فيها ومشاريع كانت ستكون أكثر دقة ونجاحا لو أستشير فيها خبراء وأساتذة الجامعة الذين كوّنوا طاقات شابة نجحت في الميدان، وأسسوا لطرح أكاديمي مناسب لكل التطورات الميدانية، وعندما يتعلق الأمر بالعمران في مدينة وهران والهندسة والتخطيط المعماري فالأكيد أن الوجهة ستكون نحو أحد الأساتذة الباحثين والناشطين في مجال المدينة، الدكتور طهراوي الجيلالي أستاذ بكلية الهندسة جامعة محمد بوظياف بوهران،مدير نشر مجلة مدينتي المهتمة بمجال العمران عموما، طرحنا عليه موضوع هذا الملف فرد بتحليل شخص فيه الظاهرة من كل الأبعاد وعرض المخططات التقنية بين النظري والملموس، وتأكدنا من خلال تفسيراته لوضع العمران بوهران أنه بالفعل هناك فوضى تكشف الحلقة المفقودة التي يغطيها أهل الاختصاص من خبراء ومهندسين شباب وأكاديميين.. - كيف تشخصون ظاهرة التوسع العمراني في مدينة وهران التي تميزت منذ الاستقلال بطابع معماري ذو خصوصية أثرية؟ ^ مدينة وهران مثلها مثل الكثير من المدن الكبرى تمارس جاذبية كبيرة لسكان الجهة والوطن، وذلك لما توفره من فرص عمل وإمكانيات التطور الإجتماعي، إضافة إلى النمو الديمغرافي الطبيعي (الزيادة في الولادات). هذا النزوح ولّد زيادة محسوسة في الكثافة السكانية التي تجاوزت إمكانية استيعاب الحظيرة السكنية الموروثة من الحقبة الإستعمارية، وحتى التجمعات السكنية التي شيدت على حافة المدينة الأوروبية في الثمانينات مثل ( يغموراسن، العثمانية، الصديقية وحي ايسطو..) لم تَكْفِ للاستجابة للطلب المتزايد على السكن، مما دفع البعض إلى اللجوء لعملية توسيع وتمديد السكنات الفردية استجابة للضغوطات العائلية المتجددة (زواج الإبن أو البنت، الحاجة إلى محل تجاري..)، في ثمانينات القرن الماضي لوحظ تفشي هذه الظاهرة في الأحياء ذات الصبغة السكنية الخاصة...(حي الشهداء، الصديقية، قمبيطة، و مطلع الفجر، وحي البدر، وحي أسامة، وحي السلام وغيرها)، مما مهّد لظاهرة التدخل في البنايات حسب الوسائل الموجودة في غياب تقنين الطابع العمراني، حاول المُشَرّع تدارك الوضع بترسيم قانون التعمير والتهيئة المعمارية عند نهاية 1990، وكان القانون رقم 29/90، لكن هذا القانون كان تطبيقه متفاوتا في الميدان - على أي أساس يعتمد مخطط شغل الأراضي، وهل توافق البنايات المنجزة حديثا محاور هذا المخطط؟ ^ مخطط شغل الأراضي هو أداة حديثة للتخطيط والتغيير العمراني والحضري، وهو يعد الإمتداد المباشر لتوصيات المخطط الرئيسي والتوجيهي للتهيئة والعمران للجهة المعنية، وفي الحالة التي تخص وهران، ( التجمع العمراني لوهران الكبرى) فإن كلتا الأداتين ظهرتا بموجب قانون 90/29 المؤرخ في 01-12-1990، المذكور أعلاه، ويعتمد مخطط (مسح الأراضي) pos) أساسا على توجيهات المخطط العام للهيئة والتعمير (pdau)، وذلك بغية تحقيق تناسق وتكامل في النظرة المعمارية لكل حي ومن تم للمدينة ككل، لكن هذا الهدف لم يتجاوز في الكثير من الحالات الحدود النظرية، وبقي حبرا على ورق، في حين تفاقمت التدخلات غير المنسجمة على الأحياء والعقارات. - وما هي الأهداف المحددة في مخطط شغل الأراضي؟ ^ من خصوصيات مخطط شغل الأراضي وأهدافه الكبرى: تحديد الإستخدام الرئيسي لكل مجال لتنظيم النمو الحضري، وضع معادلة ونسبة لشغل الأرضية الحضرية، تحدد الإرتفاع المسموح به لكل حي حسب خصوصيته. تحديد مقاييس العمران العامة كالمساحات، العلو، والأحجام وأنماط البناء، مع تعريف المرافق المسموح بها من الممنوعة في كل حي، لذا لا يصعب على القارئ لهذه الأسطر والمُلاحظ للبنايات في مختلف أحياء المدينة أن يستنتج التباعد الكبير بين ما ينص عليه القانون والمخطط ووضعية العمران في أرض الواقع - نلاحظ تنامي بنايات جديدة ذات 8 أو 10 طوابق في أحياء قديمة لا تتجاوز فيها العمارات التي تعود إلى الوجود الاستعماري طابقين او ثلاثة على الأكثر، هل ما يحدث أمر طبيعي من حيث الجانب التقني والجمالي؟ ^ ظاهرة تنامي البنايات العالية والأبراج في المناطق السكنية تعد تناقضا صارخا مع أدوات التعمير (pdau و pos) التي خصصت لها الدولة مبالغ مالية ضخمة ومكاتب دراسات، ومجهودات جسدت في مخططات وتقارير وتصويبات، من هذا المنظور نستطيع القول بأن هناك خلل كبير في النظرة المستقبلية للتطور العمراني والحضري، أما من المنظور الإجتماعي وإذا أخذنا بعين الإعتبار موازين القوى الفاعلة في المجتمع، نلاحظ أن هذه الظاهرة تجسد نظرة "تكالب" حول الربح السريع المترجم بالسعي وراء انجاز أكبر عدد من المتر المربع لبيعه على صيغ مختلفة بأسعار معتبرة، هذه الطريقة تعبر عن الأولوية المعطاة للجانب الكمي على حساب الجانب النوعي للبنايات والتجمعات، وهذا أمر غير صائب من المنظور العقلاني - ماهي النقاط الأساسية التي يتم الاعتماد عليها لانجاز عمارات شاهقة؟ ^ هذه النقاط منصوص عليها في القانون المتعلق بالتعمير وخصوصا في أهداف مخطط شغل الأراضي كما أشرت في الإجابة السابقة، ولكن المشكل عندنا في الممارسات والتجاوزات المتتالية التي عمقت التناقضات بين التوجيهات العمرانية من جهة والتطورات الميدانية من جهة أخرى - وماهي نظرتك كمختص وأستاذ جامعي لمستقبل العمران في مدينة وهران، وكيف نبني مدن جديدة بهندسة معمارية حديثة دون الإساءة الى حضارة معمارية قائمة بداتها؟ ^ في حقيقة الأمر، مع مرور الزمن وتراكم "الاحباطات" المعمارية في المدينة وضواحيها وامتداداتها ولدت لدينا نظرة مشوشة وغير واضحة لمستقبل العمران في المدينة الذي أصبح يقابله وجهات نظر عديدة لا تتسم بالاستمرارية والتسلسل الضروري لمشاريع التهيئة، ويحضرني في هذا الإطار ذكرى الإحباط الحضري الذي عاشه المهتمين بالتطور العمراني في السنوات القليلة الماضية، حيث كانت هناك ترتيبات حثيثة ودراسات متقدمة حول مدينة جديدة في حدود وادي تليلات، وعندما تغير والي وهران آنذاك سرعان ما تغير موقع المدينة الجديدة إلى ضاحية مسرغين، هذا دليل على أن التخطيطات والتوجيهات التقنية كثيرا ما تعرف تغييرات بعيدة كل البعد عن المعطيات التقنية والخصوصيات العمرانية، وأنا لا أقصد أن الموقع الأول أحسن من الموقع الثاني، ولكن طريقة تغيير الوجهة لها تفسيرات تسمح لنا التصور بأنها بعيدة كل البعد عن المبررات التقنية، لكن بطبعي المتفائل بالطاقات البشرية والشابة خاصة، أتطلع الى إستدراك الأمر والتدارك العقلاني للوضع، وإعادة الإعتبار للتهيئة العمرانية والحضرية في وهران