الاجتماع التشاوري الأول بين قادة الجزائر وتونس وليبيا: تأكيد على ضرورة توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيق    في إطار متابعة تنفيذ برنامج التحضير القتالي لسنة 2023/2024: الفريق أول لسعيد شنڤريحة في زيارة عمل إلى الناحية العسكرية الثالثة    محمد عرقاب : نحو استحداث 4 معاهد تكوينية متخصصة في مجال المناجم    يعقد هذا الجمعة بتركيا.. مجلس الأمة يشارك في مؤتمر "رابطة برلمانيون من أجل القدس"    عطاف يؤكد:الوضع المأساوي في قطاع غزة سيبقى على رأس أولويات الجزائر في مجلس الأمن    تكفل الدولة بالمواطن متواصل..!?    وزير الداخلية: استلام 134 منطقة نشاط مصغرة مع نهاية 2024    أفراد الفرقة الإقليمية للدرك الوطني بجسر قسنطينة بالعاصمة: وضع حد لنشاط عصابة إجرامية تحترف سرقة السيارات    المجمع الجزائري للغة العربية : الإعلان عن تأسيس الجائزة الوطنية في علوم اللغة العربية    وهران: إيفاد لجنة من وزارة التربية الوطنية للنظر في أسباب سقوط سقف لقسم بمدرسة ابتدائية    طاقة ومناجم: "نسعى الى استغلال الأملاح الناتجة عن تحلية مياه البحر"    لا بديل عن الرقمنة في جرد وأرشفة الملفات القضائية    80٪ من الجزائريين يستفيدون من الانترنت    استعراض آفاق قطاعات النقل والرقمنة في الجزائر    ضرورة توفر وسائل إعلام قوية لرفع التحديات    الشفافية والصرامة في إعداد دفتر شروط التجهيزات الطبية    تطوير المنصة الرقمية للمستثمرين في الصناعة الصيدلانية    تم معالجة 40 ألف شكوى تلقاها وسيط الجمهورية وطنيا    لا تزال الأزمة تصنع الحدث في الساحة الرياضية: بيان رسمي .. اتحاد العاصمة يعلّق على عدم إجراء مباراته أمام نهضة بركان    لا مفر من الرحيل عن ليل: بعد إهانة ليل.. صديق آدم وناس يكشف "المؤامرة "الفرنسية    «داربي» عاصمي واعد من أجل مكان في النّهائي    تضاعفت قيمة عمورة السوقية 4 مرات: سانت جيلواز.. عمورة للبيع لمن يدفع أكثر من 20 مليون يورو    الخطوط الجوية تعلن عن عرض جديد    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    العاصمة.. إحصاء 248 مشروع تنموي في مختلف القطاعات    برج بوعريريج.. مشروع ازدواجية الطريق الوطني رقم 76 يرى النور قريبا    مطالب بحماية الشعب الصحراوي من الاضطهاد المغربي    المنتخب الوطني يتعادل أمام نظيره التونسي    توظيف التراث في الأدب.. عنوان المقاومة..    البنك الوطني الجزائري: رقم الأعمال يرتفع بأكثر من 27 بالمائة في 2023    المدرسة العليا للدّفاع الجوي..صرح علمي بكفاءات عالية    قصف ومجازر وسط القطاع واقتحامات للمسجد الأقصى    فلسطين: انتشار مكثف لجنود الاحتلال في القدس وغلق كافة الممرات المؤدية للمدينة    الإحصاء للعام للفلاحة : تحضيرات حثيثة بولايات جنوب الوطن    مسؤول أممي: نشعر بالذعر من تقارير عن وجود مقابر جماعية في غزة    فرصة جديدة لحياة صحية    رأس الحمراء و"الفنار".. استمتاع بالطبيعة من عل    دعوة لإنشاء جيل واع ومحب للقراءة    بطولات رمز المقاومة بالطاسيلي ناجر..تقديم العرض الشرفي الأول للفيلم الوثائقي الطويل "آق ابكدة .. شمس آزجر"    القضاء على إرهابي واسترجاع مسدس رشاش من نوع كلاشنيكوف بمنطقة الثنية الكحلة بالمدية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    القرار سينفذ هذا الصيف: منع كراء عتاد الاستجمام و زوارق النزهة بشواطئ عنابة    ساهم في فوز فينورد بكأس هولندا: راميز زروقي يتذوّق أول لقب في مشواره    استدعاءات الباك والبيام تُسحب بداية من 9 ماي    وزارة الفلاحة تنظّم ورشات لإعداد دفاتر أعباء نموذجية    مؤشرات اقتصادية هامة حقّقتها الجزائر    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    90 % من الجوعى محاصرون في مناطق الاشتباكات    بن ناصر يُفضل الانتقال إلى الدوري السعودي    الشباب السعودي يقدم عرضا ب12 مليون يورو لبونجاح    مصادر وأرشيف لتوثيق الذاكرة بجهود إفريقية    الدورة 14 مرفوعة إلى الفنان الراحل "الرازي"    رفع مستوى التكوين والاعتماد على أهل الاختصاص    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية لرواية " مراهق في الصحراء" للدكتور حسان الجيلاني
من أدب الشباب إلى أدب الصحراء ... بين التجريب والتأسيس
نشر في الجمهورية يوم 24 - 02 - 2014

يُصنَّف الكاتب والباحث الدكتور "حسان الجيلاني" كمبدع من جيل السبعينات من القرن الماضي ، عرف بكتابته لفن القصة القصيرة ، كما عرف كمحرر صحفي بجريدة "النصر" في مطلع الثمانينات من القرن العشرين، وأستاذ جامعي بجامعة قسنطينة تخصص علم اجتماع . وأول ما ظهر من مصنفاته ؛ قصة طويلة بعنوان : "لقاء في الريف"، طبعت سنة:(1980) والتي تعد أولى مؤلفاته التي تقارب- حاليا- العشرين كتابا، تتوزع بين البحوث العلمية الاجتماعية ؛ وهي التي تشغل نصف عدد مؤلفاته على وجه التقريب ، إضافة إلى إبداعاته الفنية والأدبية والموزعة أيضا بين: ثلاث مصنفات في أدب الرحلة، وكتاب مذكراته في جزأين والذي يحمل عنوان:"قصة العودة" وفي فن السرد فللكاتب مجموعة قصصية بعنوان : "الطالب الذي فقد ظله"، وفي فن الرواية له ثلاث روايات إضافة إلى قصة :"لقاء في الريف"، وباستثناء القصة المذكورة فإن تاريخ طباعة مؤلفاته السردية قد تأخر إلى سنة:(2007) بما فيهم المجموعة القصصية . وهو ما يفسر غيابه النسبي عن الساحة الأدبية ونقص حظوظه من الدراسات النقدية لفترة عقدين من الزمن ، وهي الفترة التي انشغل فيها الكاتب بالوظيفة الجامعية داخل الوطن أو خارجه ، مع العلم بان الكاتب كان قد التحق بجامعة طرابلس- ليبيا- كأستاذ في فترة معينة من تسعينات القرن الماضي.
أما عن روايته الأخيرة والتي تحمل عنوان : "مراهق في الصحراء" فهي رواية من الحجم المتوسط تقع في:(104) صفحات طبعت سنة(2012). ويمكن تصنيف هذه الرواية على أنها من أدب الشباب ، لا لكونها موجهة للشباب فحسب بل لكونها تحمل هموم الشباب وأحلامهم، وتعالج يومياتهم وانشغالاتهم في فترة تاريخية ما، تؤطرها زمنيا فترة ما بعد الاستقلال، ومكانيا مدينة "الوادي" بالصحراء الجزائرية.
مشاهد سردية مرقمة
قسم الكاتب "حسان الجيلاني" روايته إلى عشرة فصول ، كما قسم كل فصل منها إلى مشاهد سردية مرقمة ؛ يختلف عددها من فصل إلى آخر.
تدور أحداث رواية "مراهق في الصحراء" في مدينة"وادي سوف" بالجنوب الشرقي؛ وهي من الواحات الصحراوية المعروفة بكثبانها الرملية المتحركة بفعل رياحها الموسمية، كما تعرف باشتداد حرارتها في فصل الصيف . يعتمد سكانها المعروفين بتسمية السوافة ( جمع مفرد سوفي) في حياتهم على زراعة النخيل ، وكذا التبادل التجاري بحكم موقعها الجغرافي الذي يتوسط ثلاث دول مغاربية، أما المحيط الزمني للرواية فقد حددته أحداثها السردية بنهاية الستينات أو بداية سبعينات القرن الماضي . وفي هذا الفضاء الجغرافي والزمني تدور أحلام شباب "سوف" الشباب المتطلع إلى حلم تغيير واقعه الاجتماعي والمادي؛ في هذه البيئة المعزولة عن الحياة والجرداء من المرافق الضرورية إلا ما نزر. حلم الشباب – هنا- هو الانطلاق نحو فضاء أرحب وحياة أفضل ، هذا الشباب المكبل بالعادات والتقاليد، المحاصر بالممنوعات والمحرمات، وكل ما يعيق حريته في ممارسة رغباته المكبوتة، في وسط اجتماعي محافظ؛ تمنع فيه المرأة من مغادرة البيت دون مراقب محرم، وعند الضرورة القصوى، ناهيك عن محادثتها للأغراب والتي تعتبر فضيحة كبرى، أما الشباب من الذكور والمُزاول معظمه الدراسة – عكس الفتيات -، فهو حر في تنقله حاملا عواطفه ورغباته ، باحثا عمن يشاطره أحلامه ويحقق مكبوتاته، فهو دؤوب في مسعاه حتى وإن كانت جُل محاولاته فاشلة، هكذا كانت حياة ومغامرات : "خليفة" و"الهاشمي" ومن معهما؛ من أبطال هذه الرواية؛ وهم من الشباب المراهق كما قدمهم لنا الكاتب ، فمغامراتهم محدودة وساذجة، في محيط اجتماعي مغلق، ولعل الأمل – لديهم – يكمن في الفتيات الوافدات من بيئات أخرى، البيئات الأكثر تفتحا، كالوافدات من" تونس" مثلا(ص10) أو من مدينة "عنابة"(ص18) ولقد كانت للبطلين تجربة مع شقيقتين وافدتين من "عنابة" إلا أن نتيجة هذه التجربة كانت وخيمة عليهما، حيث انتهت العلاقة الغرامية الموهومة (من طرف واحد) بلكمات على الوجه وتمزيق للثياب وبعثرة للمحفظة والدفاتر المدرسية ، وهي الصدمة التي صحا عليها المراهقان لينتبها إلى واقعهم الاجتماعي ، وليبدأ الأمل من جديد بإعادة جمع الدفاتر الممزقة وكتابة الدروس والانطلاق نحو الامتحان المدرسي بهمم عالية لتحقيق الأحلام الممكنة. وبها يسدل ستار رواية "مراهق في الصحراء".
هذه الأحداث السردية البسيطة والتي جمع الكاتب أغلبها من واقعه الاجتماعي إذ نجد فيها جوانب كثيرة من سيرته الذاتية ، فبالإضافة إلى أن الكاتب هو ابن مدينة "الوادي"، فهو كذلك ابن زمن أحداث الرواية، فقد عاش الكاتب بالأحياء التي ورد ذكرها، ودرس بالمدارس المذكورة في الرواية كدراسته ب"المعهد الإسلامي" بالإضافة إلى أن الكاتب وهو يؤثث للرواية؛ كان يستطرد كل مرة للحديث عن الواقع الاجتماعي والثقافي الفعلي للمدينة، حيث وصف الأحياء وحركيتها، والمعالم الثقافية والاقتصادية، إلى جانب العادات والتقاليد، وكانت كلها جزء من الديكور الاجتماعي والاقتصادي لهذه الواحة الصحراوية غداة الاستقلال ..
فنية الأحداث : يبدو الكاتب في المراحل الأولى للرواية كما لو كان يبحث عن رأس الخيط لحبك أحداث روايته، لذا فقد شد خيطها السردي في البداية، بعلاقات أبطاله العاطفية العابرة حتى وإن كانت فاشلة ، تلك العلاقات التي لم تكن مؤسسة، تم ما لبث أن ربط عواطف بطليه (خليفة والهاشمي) بالعائلة (السوفية) القادمة من مدينة "عنابة"، وهي عائلة صغيرة متكونة من أم (مُقعَد) وفتاتين بالغتين اقتسمهما البطلين مناصفة، وتبدأ الرحلة نحو تحقيق المرغوب، وتتصاعد عواطف شبابية بريئة ببساطتها ، وصادقة رغم سذاجتها ، وبرومانسية بسيطة؛ بساطة هؤلاء الشباب . وإذا استثنينا المحاولات الأولى (الفاشلة) فإن الكاتب قد نجح في شد ذهن القارئ إلى هذه الأحداث الاجتماعية والعاطفية ، إذ استطاع أن يجذب انتباه قارئه وتعاطفه مع البطلين، بفنية جميلة ولطيفة -أحيانا- ليتابع القارئ هذه المغامرة إلى نهايتها. ولعل النهاية الصادمة لمشاعر المراهقين سيختلف حولها القراء،خاصة عندما يكون هدف الرواية معاكسا لأماني ورغبة القراء من الشباب.
تأثيث الرواية ...و تحقيق الهدف
مال أسلوب الكاتب إلى المباشرة، والاستطراد أحيانا، خاصة عندما يتعرض لتأثيث روايته، وهو ما يعكس حرص الكاتب على تحقيق هدف آخر،ألا وهو التأريخ لهذه المدينة الصحراوية المُتشبِّثة بالعرق الشرقي، الضاربة بأصالتها في عمق التاريخ ، ولعل التركيز على الحي الشعبي الذي يحمل تسمية" تِكْسبت" هذه التسمية الأمازيغية القديمة فيها ما يوحي بذلك، أما الواقع الاجتماعي فقد توسع الكاتب في توصيفه، بداية بوصف المرأة الصحراوية وما يحيط بها من أغلال اجتماعية، إلى عادات أهل المنطقة كأُسَر ومجتمع، إلى جانب مَسْحِ الكاتب لحركية الأحياء الشعبية بالمدينة،وبما يمتاز به كل حي؛ فعلى سبيل المثال، حي:"شقيقة النجار" بأهاليه وزواره والشباب الملازم لكثيبه الرملي الذي كان يعج بالسياح الأجانب. وحي "القواطين" بخيامه التي نصبها الجيش–غداة الاستقلال- للأهالي وحركية سكانه المهاجرين الوافدين من "دولة تونس" . إلى حي:"أولاد أحمد" وحائط الجبانة بحركية رُوَّاده ، بما فيهم أصحاب المواعيد غير البريئة. أما الجانب الاقتصادي فلا يتوانى الكاتب في التطويف بنا في سوق المدينة، بكل ما فيه من حراك تجاري، وهو السوق الكبير لكل منطقة "وادي سوف" ؛ فهذه بضائع ومعروضات مختلفة،وهؤلاء مدَّاحون وبرَّاحون تجتمع حولهم المارة والزبائن، ولم يغفل الكاتب، في معرض تأثيثه للرواية،عن الحياة التعليمية ومرافقها، على الرغم من بساطتها ومحدوديتها، فبالإضافة إلى المساجد ودورها التربوي والتعليمي، فهناك بعض المدارس الابتدائية،مع التركيز عن "معهد التعليم الإسلامي" الذي ينتمي إليه أبطال الرواية، أما التعليم الثانوي فلم يكن متوفرا؛إذ كان طلبته يتوجهون إلى مدينة "تقرت" أو "الأغواط". ومن العادات التي حرص الكاتب على تسجيلها ؛ كوثيقة تراثية في تاريخ المنطقة؛ هي الاحتفال السنوي الذي يُحْييه البدو والرحل الذين ينزلون إلى المدينة في فصل الخريف لإحياء: (( وعدة الحاج أحمد)) حيث يضربون خِيَامهم على الكثيب الرملي قرب "جبانة أولاد أحمد" ويقومون بزيارة الأولياء مُتضرِّعين ومُتوسِّلين، ذابحين الشياه ومجذوبين في (حضْرتهم). أما الشباب المراهق فله نزوات أخرى، خاصة عندما يبدأ جولاته من خلف أستار الخيام ، لما تُضرب دفوف ( الحضرة) ليلا..
لغة ... مرنة وموحية
المتتبع للغة الرواية عموما سيدرك مدى تحكم الكاتب في أسلوبه السردي، وكيف يُطوّعه بمرونة وخفة تُحسب للكاتب ، فلغة الكاتب مرنة وموحية، خفيفة مداعبة أحيانا ، فهي لغة واصفة لمحيط الأحداث، ماسحة لمظاهر الحياة بدقة وجمالية ، فكان وصفها الخارجي أفضل من الداخلي إذا قصدنا به الجانب النفسي؛ إذ قدم لنا الكاتب أبطاله بطريقة نمطية ، لا نكاد نلمس الخصوصية النفسية للأبطال ، خاصة بين البطلين الرئيسيين ، وفي كل الحالات فقد نزل الكاتب بلغته إلى مستوى لغة الصحافة في مباشرتها ، مستعملا ألفاظا فصيحة وموحية في اغلبها، مع توظيف محدود لبعض الألفاظ العامية المحلية بقصد الإيحاء أو الرمز أو لتكثيف المعنى، مثلما وظف الكاتب الشعر العربي القديم، كما وردت بعض الأمثال سواء منها الشعبية كقوله:(( ..يأكل الغلَّة ويسُب الملَّة.(ص10))أو الأمثال العربية كقوله: ((مُغني الحي لا يُطرب.(ص14)) وقد ورد هذا المثل أكثر من مرة ، وعلى العموم فإن كل هذا التوظيف قد خدم أسلوب الرواية، وجعله أكثر تنوعا وإيحاءا، إضافة إلى تخصيب المعنى وتقريبه من ذهن المتلقي، بل وإخراجه مجسدا في صور أجميل. أما لغة الحوار فقد جاءت فصيحة في أغلبها، مرنة وواقعية،عكست عفوية الشباب في التعبير عن تصوراته وأحلامه، وما يمكن أن يقال عن لغة الرواية عموما هو أنها : حتى وإن لم تكن شاعرية جميلة مثلما هو مطلوب في الرواية المعاصرة ؛ فإنها جاءت مرنة مُيسَّرة بعيدة عن التعقيد والجمود؛ كما لو كانت مُراعية لأذواق ومستويات الشباب الموجهة إليهم ،على اعتبار أن لغة أدب الشباب أرقى من لغة أدب الطفل في المستوى، وأقل مستوى من لغة الرواية العادية . وإن كان لابد من ملاحظة في هذا المجال، فإنها ستكون موجهة إلى ضمير الحاكي، فالحاكي هنا كان الكاتب الذي سرد لنا أغلب أحداث الرواية ، فكنا نُحبِّذ لغة المتكلم بدل لغة الغائب ،حتى يكون القارئ أقرب إلى نفسية هؤلاء الشباب ، فالوصف بلغة الحاكي (الكاتب) كان متعاليا محافظا عن وقاره ، وكأني بالكاتب يريد أن يوضح الفارق في المستوى الفكري، خاصة وإن هناك العديد من المواقف الساخرة من تصرفات أبطال الرواية، قد تصل إلى درجة الاستخفاف بغرورهم أو تسرعهم –مثلا- وهو الأمر الذي قد يستثقله القارئ.
ومن باب التجريب؛ وظف الكاتب أسلوب "المقامة" ، ففي الكثير من المقاطع نقرأ أسلوبا مسجوعا مترادفا كأنه فصل من مقامة ، فحتى وإن جاء خفيفا وملحا؛ إلا أن طابع التكلف فيه قد أضر بلغة الأسلوب، وأحيانا بالمعنى أيضا كمثل قوله:(( فثورة البنات المراهقات لا شك أنها بركان..وما يريد الشباب إلا أن يثور البركان وتتحرر النسوان..- إلى أن يقول- لعلهن يفرغن المكبوتات ..ويعشن في ثبات ونبات..(ص 39)) فإننا نلاحظ أيضا كيف أن الكاتب يستنجد بلهجات أخرى لإنقاذ جُمَله المسجوعة، وهو الأسلوب الموظف في عدة مواضع من الرواية. ويجدر التذكير هنا بان الجمل المسجوعة؛ ميزة أساسية تميز فن المقامة كنوع أدبي سردي قائم بذاته . ومادمنا قد أتينا على ذكر ألفاظ اللهجات الأخرى، فهناك عديد الألفاظ من هذا النوع سعى الكاتب إلى توظيفها، ولا ندري ما الذي يهدف الكاتب من وراء ذلك، وعلى سبيل التمثيل لها نورد بعض التراكيب أو الألفاظ الوافدة من لهجات أخرى ،نلاحظ مثلا قوله: ((..مش بطَّالة..ص58))-((..ساعة المغربية..ص12))ومن الألفاظ:(( الحرميات.ص104—النسوان.ص39-إلخ))..
أما التراكيب فقد جاءت سليمة سلسة ومؤدية للمعاني فيها كثيرا من الرشاقة والخفة الهادفة، وقلَّ ما نسجل بعض الهنَّات ، كالقلقة المتأتي من اهتزاز المعنى في قوله – يصف جمال فتاة وافدة: ((.وفدت فتاة جميلة سافرة من تونس العاصمة..(ص10))فالكاتب يصف الفتاة بالجمال (وهو ثناء جميل)ثم بالسفور(عدم التقيد بالحجاب؛كذمٍّ أخلاقي)، ثم نلاحظ استعمال الضمير الغائب في قوله:((...وإذا هو يحتضن هي،،، في ساعة.....(ص12))وكذا في قوله:((..وقد عنفوها وطردوها إلى بيتهم ..ص10)) ويقصد الكاتب:.. إلى "بيتها" ..وقد يكون للطباعة أخطاؤها أيضا خاصة وأننا لاحظنا بعض الأخطاء والتي لا يمكن إلا أن تكون مطبعية كما في الألفاظ التالية:- بدئوا (ص8)- يبدءون(ص8)- لخافهم من(ص101)بدل:لخوفهم من.إلخ
وما يمكن ملاحظته عن لغة الرواية؛ وفي عرضها لبعض المواقف التعليلية؛ هو توظيف الأسلوب العلمي، وأحيانا التحليل الاجتماعي والنفسي؛ تماشيا وثقافة الكاتب؛ كمتخصص في علم الاجتماع، ومن ذلك تحليله العلمي العميق لواقع المرأة السوفية ومحيطها الاجتماعي، وإبرازه للعلاقة بين النمو الجسمي والنمو النفسي في سن المراهقة ، والربط بين شدة الحرارة والمراهقة (ص08) وما إلى ذلك من المواقف العلمية التحليلية.
وأخيرا فقد يلفت انتباه القارئ مجانية عنوان الرواية (مراهق في الصحراء) وكان يمكن أن يكون أكثر إيحاءا وعمقا ، خاصة وانه لم يكن دقيقا في عَنْونته للرواية؛ إذا علمنا بأن هناك بطلين متلازمين (مراهقين لا مراهق واحد) هما اللذان حركا أحداث الرواية إلى نهايتها ، فهما : ((مراهقان في الصحراء)) أما إذا حسبنا كل الأصدقاء، فهم:(( مراهقون في الصحراء)) كما كان على الكاتب أن يبتعد عن العناوين الجاهزة؛ إلى ما هو أكثر ظلالا وإيحاءا بأحداث الرواية،خاصة وأن الكاتب قد ابتعد عن توظيف الأسلوب الشاعري الذي أصبح من متطلبات الرواية الحديثة...
خاتمة الأحكام
نؤكد في آخر قراءتنا هذه؛ بأن ما سجلناه من ملاحظات، وما خرجنا به من أحكام؛ هي وليدة وجهة نظرنا؛ من الزاوية التي نظرنا بها لهذه الرواية الشبابية المتميزة، وما قمنا به من جهد، هو من باب الاجتهاد النقدي، والحكم - في نهايته - متروك للقارئ الحصيف، خاصة وأن في الرواية الكثير من مصادر القوة ومن الجاذبية الفنية، كما أنها من الروايات القليلة –في الوقت الراهن- التي تشدك من بدايتها إلى نهايتها، إضافة إلى كون فضاءاتها وعوالمها شبابية حالمة وجذابة؛ يطرق بها الكاتب باب"أدب الشباب" كتجربة أولى مؤسسة لهذا الفن الأدبي، والذي لازال انتشاره محدودا، ويحتاج إلى شيء من الوقت حتى تحدد معالمه، وترصد خصائصه الأدبية ومميزاته الفنية، كنوع أدبي قائم بذاته يضاف إلى آداب أخرى؛ كأدب الطفل والأدب العام والأدب النسوي هذا الأخير الذي لازال هو الآخر يتحسس طريقه . كما أنها رواية صحراوية تشد القارئ بذهبية رمالها، وبنعومة كثبانها وبطيبة أهلها،وسط واحة نخيل وارفة وجميلة، نوجه كلامنا هذا إلى بعض النقاد والدارسين الذين ما فتئوا يتداولون مصطلح نقدي جديد أصبح يعرف ب:(أدب الصحراء). وعلى ضوء ما ذكر؛ خاصة وأن فنيات الرواية وخصائصها تكون قد جمعت بين الأدبين المذكورين (أدب الشباب وأدب الصحراء) . لذا نجد أنفسنا مترددين إلى حد ما؛ ونحن نطرح التساؤل النقدي التالي:
أولا: هل قصد الكاتب حسان الجيلاني من روائيته هذه؛ تجربة الخوض في أدب الشباب عُنوةً؟
ثانيا: هل كاتبنا متابع لنشاط بعض الملتقيات الجنوبية والتي أصبحت تطرح النص الروائي الصحراوي
كنص له خصوصياته الفنية ؟. وتعقيبا على ذلك ، فأنه يمكن أن نتوقع الإجابة عن السؤال الأول بالإيجاب ، نظرا لكون أدب الشباب قد أصبح واقعا ممارسا، حتى وإن لم تكتمل صورته الفنية ، مما يرجح نية الكاتب في تجريبه لهذا الفن الأدبي أولا ثم بتوظيف أبطاله من شباب الصحراء ثانية ؛ خاصة وأن معين الكاتب جاهز للأخذ من السيرة الذاتية . أما الجواب عن السؤال الثاني فإننا نعتقد بان الأمر يحتاج إلى تدقيق وتأني، كما يجدر التذكير بأن ميلاد أي مصطلح(نقدي) قد يكون في متناول الكثير من الباحثين، إلا أن الإلمام بتعريف هذا المصطلح وخصوصياته قد لا يكون من الأمر المُيسَّر، وإن كنا نشجع الإبداع والإضافات الأدبية والنقدية مهما كان نوعها ومصدره؛ إلا أن هذا لا يتعارض مع الدعوة إلى التدقيق في الأمر، والتأني فيه، والسعي إلى إيجاد البيئة الملائمة، والتأثيث الفني الملازم؛ حتى لا يأتي المولود الأدبي الجديد بطريقة قيصرية ....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.