حوادث المرور: وفاة 44 شخصا وإصابة 197 آخرين خلال الأسبوع الأخير    بحث فرص التعاون بين سونلغاز والوكالة الفرنسية للتنمية    ملابس جاهزة: اجتماع لتقييم السنة الأولى من الاستثمار المحلي في إنتاج العلامات العالمية    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    جامعة بجاية، نموذج للنجاح    السيد مراد يشرف على افتتاح فعاليات مهرجان الجزائر للرياضات    قسنطينة: افتتاح الطبعة الخامسة للمهرجان الوطني "سيرتا شو"    الطبعة الرابعة لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي : انطلاق منافسة الفيلم القصير    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: حضور لافت في العرض الشرفي الأول للجمهور لفيلم "بن مهيدي"    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    وزير النقل يؤكد على وجود برنامج شامل لعصرنة وتطوير شبكات السكك الحديدية    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    وسط اهتمام جماهيري بالتظاهرة: افتتاح مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    بطولة وطنية لنصف الماراطون    سوناطراك توقع بروتوكول تفاهم مع أبراج    الجزائر تحيي اليوم العربي للشمول المالي    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالم الأنظمة التي لا يمكن إسقاطها
نشر في الحياة العربية يوم 18 - 02 - 2019

لم يسبق في الأزمنة الحديثة ان كان نضوب أسباب الشرعية معضلة كونية الى هذا الحد، ولو تفاوت مداها بين الأمم. فعوامل التصدّع ومظاهر الترهّل في النظم السياسية – والعقود الاجتماعية التي تحيل اليها – موغلة ونافرة على امتداد الكوكب، انما بتراتبية لا يجوز اهمالها بين الحالات. اذ لا يمكن المماثلة بين تصدّع أو شرخ في دولة أمة ما بعد صناعية، مطمئنة الى ديمقراطيتها التمثيلية منذ عقود طويلة وتعاني من جحود متفاقم بما راكمته، وبين ترنّح أو ضمور في دولة طرية العود في الديمقراطية ضعيفة الأخذ بالتقاليد الليبرالية، وهذه بدورها غير الدولة الذي أطيح فيها بتجربة «الزرع الديمقراطي» الوجيزة والمتخبطة منذ سنين. لكل حصته من التصدّع، وكل تصدّع في النظام السياسي اذا تجذّر يترتب عليه تصدّعاً في نموذج الدولة القائم، وفي نموذج الدولة الأمة على الصعيد العالمي، انما التصدّع والنضوب في موارد الشرعية يكاد يجد في كل أرض مندوحته، وفي كل لغة سرديته.
بالتوازي، لم يسبق أن كانت النظم السياسية عبر العالم، على اختلاف المنزلة وتقاسم عناصر التكلّس والتسوّس، هي الى هذا الحد عصية عن السقوط، أو عن الانتقالات الجذرية. ظاهر الأمر اذا، منذ سنوات، أننا في عالم من الأنظمة المتصدعة جميعها، بنسب وأشكال مختلفة، انما التي لا يمكن، في اللحظة التاريخية الراهنة، اسقاط أي منها.
لم يكن هذا حال التاريخ من قبل، الذي سار طيلة العقود الماضية على ايقاع تهاوي نظام سياسي مرة هنا ومرة هناك، سواء للأحسن أو للأسوأ. النظم السياسية في اللحظة الراهنة، سواء احتسبت ديمقراطية أو سلطوية أو مستبدة، لم تعد تسقط، لا بل يظهر كأنها تحتمي بسمتها «الآيلة للسقوط» لتحافظ على نفسها لمدة أطول. النقص في الشرعية يبدو «معولماً» الى درجة تقي النظم السياسية شمالا وجنوبا من سوء العاقبة.
كم تدوم هذه الحالة بعد؟ يوم أو شهر أو سنة أو عقد اضافي كامل؟ من يكسر هذا الامتناع المتوازي عن التساقط، رغم تراجع الشرعية، بل بفضل هذا التراجع؟ ليست كل الاجابات على نفس القدر من الجدية، انما كل الاجابات والاحتمالات جائزة. ليس بالضرورة ان يطاح بالنظام السياسي الأضعف من حيث شرعيته قبل نظام يبدو، بالمعطيات، أكثر مكنة. بخاصة في عالم يعكّز فيه كل نظام مصاب بتصدع أو بتآكل في موارد شرعيته على سواه، أو يستثمر في مصائب سواه.
تتكلّس أسباب الشرعية ثم تتآكل كلما كان من المتعثّر في وضع بلد ما، الاجابة الشافية على سؤال «من هو صاحب السيادة؟»، أو كلما جاءت الاجابة الخطابية مفصولة عن واقع الأشياء. والشرعية في هذا تزيد أو تنقص. المأسسة الزائدة لها تنغص حيويتها وتنقّصها، وعيشها كما لو أنها زمن تأسيسي مفتوح يؤدي بها الى التلف.
قبل الحداثة كانت كل شرعية متنزلة من فوق، من عالم الغيب، أو متحدرة من قديم، من غياهب الزمان، وما كان هناك بهذا المعنى متسع لأزمة الشرعيات، بل للطعن بشرعية هذا أو ذاك من الحكام، تسويغاً للخروج أو لتبديل الدولة من سلالة إلى سلالة.
مع الحداثة، أزمة الشرعية تتعدى المطاعن بشرعية هذا أو ذاك، وتتصل بأزمة مفهوم الشرعية نفسه حين ترسم منبثقة من جسم جماعي، من شعب أو من أمة، لا من «فوق» ولا من «قديم»، انما من «الآن وهنا»، من «المجتمع» أو «الشعب» أو «الأمة»، أو من شيء من هذا وذاك.
يصير الشعب بجعله مصدرا للسلطات والشرعيات وصاحبا للسيادة هو التحت والفوق في آن، اذ تلتغي القسمة بين «الراعي والرعية» التي كانت ترسم اطار كل «سياسة شرعية» في الزمن السابق على القطيعة الكونية، غربية الدفع والمركز، التي نسميها الحداثة.
الحداثة كقطيعة مع زمن الشرعيات «المتنزلة من فوق» او «المتحدرة» من زمن ذهبي، والمتطلعة الى شرعيات منبثقة من الشعوب ومدسترة وممأسسة في الوقت نفسه، لم تستطع مع ذلك حل الاشكالية الأساسية، اشكالية «كيف يتجسد» صاحب السيادة حين يكون ملموسا الى هذا الحد، الشعب، ومجردا او خياليا الى هذا الحد، الشعب. الاجابات تراوحت بين من يرى ان الشعب لا يتجسد الا في نفسه كسلطة تأسيسية دائمة، وبين من يرى ان الشعب يتجسد توكيلياً في مؤسسات دستورية تفصل بين زمن التأسيس وبين زمن المأسسة، وبين من يرى ان الشعب يتجسد تفويضياً في فرد واحد هو ضمير كل الشعب (سواء تمثل هذا بدينامو منعش للمؤسسات يقيها التجوف والتغول والتلف او بمخرب للمؤسسات). لئن كانت السلطة التأسيسية الدائمة يوتوبيا، فقد ظهر أن التجسيدين – التوكيلي من الشعب للمؤسسات والتفويضي من الشعب لصاحب الكاريزما – أسطورتان سياسيتان، بل أكثر: العنصر الأسطوري فيهما لا يغلّف «نواة عقلانية» تشرح كيف يمكن حل مشكلة الشرعية، بل أيضا، الى جانبها، نواة «تفكيكية» تقول لنا أن هناك مشكلة شرعية في مفهوم الشرعية ذاته.
فرنسا، المجر، فنزويلا، السودان، نماذج يمكن ان يعترض مدبجو «المقارنات المضمونة» عن زجها في معرض واحد، واجمالها كلها باشكالية تآكل الشرعيات. وبالفعل، المسافة شاسعة بين تآكل الشرعية في نطاق الديمقراطية التمثيلية (فرنسا في الأزمة الحالية المعبر عنها في حركة السترات الصفر) وبين تخلّع المؤسسات في نطاق الإنحراف عن الديمقراطية (حال المجر) وبين «حرب انفصال» بين رئاسة لا تعترف ببرلمان وبرلمان لا يعترف بالرئيس (فنزويلا) وبين تآكل الشرعية في نطاق غير ديمقراطي من الأساس (حال السودان). مع كل هذه المسافات، يبقى ان البشر ليسوا مختلفين الى هذه الدرجة، وعمق المشكلة، سياسيا في كل هذه البلدان واحد، وهو نفسه في حال أمريكا او روسيا او الصين اليوم، كل بمقداره. عصر ما بعد الأيديولوجيات السردية الكبرى هو عصر سطوع أزمة الشرعية السياسية المتفاوتة بين البلدان.
في كل هذه النماذج قلق على الشرعية، استشعار بنضوب مواردها، تعويل على الخوف من المجهول، تعويل على نقص الشرعية الفادح أكثر عند الآخرين. اللوحة كاملة: عالم من الانظمة المتفاوتة جدا، انما التي تعاني كلها من شحوب في الشرعية، من مأسسة تخنق الحيوية، أو من حيوية تمسخ المأسسة، ومع هذا، عالم من الأنظمة المطمئنة حتى اشعار آخر، بأن هناك تواطؤا سحريا يقيها جميعها سوء العاقبة، ولا يزيله غير السحر الأسود.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.