توقع تساقط الثلوج على عدة ولايات بوسط وشرق الجزائر ابتداءً من الخميس    إصدار أول مداولة تحدد شروط التعيين    إطلاق خدمة دفع حقوق الطابع عبر البطاقة البنكية والذهبية    أسئلة النصر والهزيمة    المصادقة على مشروع قانون التنظيم الإقليمي    الشروع في إنجاز آلاف السكنات بعدة ولايات غرب الوطن    عجائز في أرذل العمر يحترفن السّرقة عبر المحلاّت    ليبيا : وفد عسكري يفحص حطام طائرة الحداد في أنقرة    تونس : المؤبد على 11 متهماً باغتيال مهندس "كتائب القسام" محمد الزواري    الصومال : تمديد بعثة الاتحاد الأفريقي حتى 2026    نسعى بالدرجة الأولى إلى تعزيز مواكبة ديناميكية التطور التكنولوجي    عشرات المصابين بالرصاص الحي والاختناق    نثمن "عاليا "التنسيق المتواصل والمكثف بين البلدين الشقيقين    المجلس الشعبي الوطني يفتتح أشغال جلسة علنية    نهدف إلى إنشاء ومرافقة 10 آلاف مؤسسة مصغرة سنويًا    نص قانون المرور يعكس الالتزام بتوفير متطلبات ومستلزمات الأمن    حجز أزيد من 500 ألف قرص من المؤثرات العقلية    "ضرورة ترسيخ الفعل الثقافي الحي داخل المؤسسة المسرحية"    افتتاح الطبعة ال17 للمهرجان الوطني للأهليل    نزوح 2615 شخص من ولايتي جنوب وشمال كردفان    خرق فاضح لأحكام محكمة العدل الأوروبية    رهان على الفلاحة والصناعة للدفع بالتنمية    العدالة القوية حامية المجتمع من كل التهديدات    قانون الجنسية كفيل بإحباط المخططات العدائية ضد الجزائر    مركز بحث في الرياضيات التطبيقية لدعم اتخاذ القرار الحكومي    الخط السككي المنجمي الغربي خطوة عملاقة في التنمية الاقتصادية    آلاف المنتجات المستوردة أصبحت تنتج محليا منذ 2020    عندما يستخدم البرد سلاحا للتعذيب    الذكاء الاصطناعي صالح لخدمة الإسلام والمرجعية الجامعة    "العولة".. إرث وهوية تأبيان الزوال    زكري يتحدث عن إمكانية تدريبه منتخبَ السعودية    بيتكوفيتش يحدد أهدافه مع "الخضر" في "كان 2025"    عرض خليجي مغرٍ للجزائري عبد الرحيم دغموم    بوعمامة في جامع الجزائر    معنى اسم الله "الفتاح"    وزيرة الثقافة تطلق ورشة إصلاح شاملة لتعزيز الفعل المسرحي في الجزائر    وزير العدل: القانون الأساسي للقضاء لبنة جديدة لإرساء عدالة قوية ومستقلة    .. قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا    انطلاق فعاليات الطبعة ال17 للمهرجان الثقافي الوطني للأهليل بتيميمون    البنك الوطني يطلق تشكيلة خدمات ومنتجات    ضبط أزيد من قنطار من الكيف    مستعدون لتقديم كل ما لدينا من أجل الفوز    الخضر يستهدفون دخول كأس إفريقيا بقوة    ناصري يُثمّن المؤشرات الإيجابية    محرز الأعلى أجراً    تمديد آجال الترشح لجائزة الرئيس    انهيار جزء من مسجد سيدي محمد الشريف بالقصبة    غلق العديد من الطرقات بوسط البلاد    الرابطة الأولى موبيليس : الكشف عن برنامج الجولة ال14    تغلب ضيفه مستقبل الرويسات بثنائية نظيفة..اتحاد العاصمة يرتقي إلى الوصافة    التقوى وحسن الخلق بينهما رباط وثيق    الجزائر ماضية في ترسيخ المرجعية الدينية الوطنية    اتفاقيات لتصنيع أدوية لفائدة شركات إفريقية قريبا    التكفل بمخلفات المستحقات المالية للصيادلة الخواص المتعاقدين    الجزائر مستعدة لتصدير منتجاتها الصيدلانية لكازاخستان    صحيح البخاري بمساجد الجزائر    صناعة صيدلانية: تسهيلات جديدة للمتعاملين    انطلاق المرحلة الثانية للأيام الوطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة التحرير الجزائرية برواية أحد قادتها.. قراءة في كتاب
نشر في الحياة العربية يوم 07 - 11 - 2021

ألهمت ثورة الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي (1954 1962) عديد الكتَّاب والمؤرخين. وربما كان كتاب محمد حربي هذا واحداً من أهم ما كُتب عن الثورة، التي حلل وقائعها؛ أولاً لتمكّن المؤلف من المنهج العلمي، وثانياً لأنه كتب من داخل الثورة، ما أهله كي يصبح واحدا من أهم مستشاري أحمد بن بلا، أول رئيس للجزائر المستقلة.
قدّم حربي لكتابه بدراسة عميقة، ولكنها مقتضبة عن شتى البنى الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية للمجتمع الجزائري؛ وهي بنى لم تكن مؤهلة لتوفير النصر لتلك الثورة؛ بسبب تفتُّت تلك البنى، وتخلُّفها.
تحت عنوان "الأسس التاريخية للنزعة القومية الشعبية (1920 1946)"، جاء الفصل الأول؛ ملقياً الضوء على القهر الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، والثقافي، الذي مارسه المحتل الفرنسي، فضلاً عن إلحاق الجزائر بفرنسا، ناهيك عن الأثر السلبي لتفتُّت المجتمع الجزائري على حركته الوطنية، ما عزَّز الدور السياسي للشرائح الوسيطة.
في أفريل 1946، قرر فرحات عباس أن يخوض حزبه (الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري) الانتخابات التشريعية؛ فالبرجوازية تتطلع للتحدث باسمها الخاص. بينما استمرت الحركة المصالية في مقاطعة الانتخابات.
حمل الفصل الثاني عنوان "عصر المسجلات: جماعتان وحكم واحد، هو مصالي (1946 1948)"، حيث عاد مصالي الحاج، فأقنع اللجنة المركزية لحزبه (حزب الشعب الجزائري) بالتراجع عن مقاطعة الانتخابات، ومحوَر الحزب الأخير نضاله ضد خصومه السياسيين، حول موضوعات دينية. وسرعان ما انشق المصاليون إلى مجموعتين متعاديتين. وتوالت المؤتمرات الحزبية، على مدى العامين 1946، و1947. ثم كان اندماج "حركة انتصار الحريات الديمقراطية"، والمنظمة الخاصة. إلى أن اقتنعت الأكثرية بانسداد الطريق الانتخابي.
ألقى الفصل الثالث حزمة من الأضواء على اللجنة المركزية لحزب الشعب، في نهاية ديسمبر 1948، وخطَّأت الأحداث أولئك الذين بحثوا، بصورة مرتبكة، عن مخرج قانوني لقضية الجزائر. وقدم آيت أحمد تقريراً، تبنته اللجنة المركزية؛ تضمَّن شكل النضال من أجل التحرُّر، والكفاح المسلح، وثمة بند عن "وضع الحزب"، و"المستقبل". وبدأ السعي وراء خلفاء في الوطن العربي.
عن "تطور الحركة البربرية وأزمة 1949" كان الفصل الرابع؛ بدءاً بأهداف الحركة، وتجلياتها. وقد تمخضت الحركة عن كشف مدى ضعف الجناح الجذري في "حزب الشعب".
حمل الفصل الخامس عنوان: "حياة المنظمة الخاصة وقوتها"، ما بين العامين 1947 1950، بادئاً بإرساء المنظمة الجديدة، ما بين فبراير 1947، وديسمبر من السنة نفسها، قبل الإعداد لحرب التحرير، ما بين شتاءي 1948 و1949. وفي الشهر التالي اتجهت "المنظمة" نحو المأزق.
عني الفصل السادس ب "حركة انتصار الحريات الديمقراطية عشية الأزمة (1946 1953)"، بعد محاولات يمينية، أوصلت أعضاء القيادة إلى قطيعة فيما بينهم.
غطّى الفصل السابع "انشقاق الحركة فيما بين 1953 1954″، بعد أن وضع مصالي الحاج نفسه في مواجهة اللجنة المركزية للحركة؛ فجمع ضده الخصوم. ثم دخل كريم، وعمران في مواجهة، فتحلت "مجموعة قسنطينة" بعدم ديمقراطية الاجتماع، وظهر حذر المجموعة من محمد بوضياف، وتعمقت الانقسامات.
استعرض الفصل الثامن "الاتجاهات الثلاثة عشية الثورة"، حيث شهد جهاز الحركة تحوُّلاً مهماً، إذ قضت قرارات مؤتمر للحركة، انعقد فيما بين 14 و17 يوليو 1954، بتطهير الحركة، وبتعديل الهيئات القيادية، والقطع مع توجُّه المركزيين.
جغرافياً، من أصل 30 عضواً في المجلس الوطني للثورة، كان 10 من ولاية الجزائر، و4 من أقاليم الجنوب، و4 آخرين من ولاية قسنطينة، و9 من ولاية وهران، و2 من القبائل؛ ما أكد هيمنة المدن على المجلس، بينما كان مستوى تعليم القياديين المصاليين أعلى من مستوى تعليم الناشطين، لكنه أقل من مستوى المركزيين.
سياسياً، قرر المؤتمر إعادة النظر في السياسة الانتخابية، والوحدة، ورفع مستوى المسؤولين؛ بفتح مدارس كوادر، وتعزيز العلاقات مع الأحزاب الفرنسية، والحركات الوطنية للشعوب المضطهَدة، وإشراك المرأة في النضال، والمبادرة إلى التعريب، ما جعل مؤتمر هورنو فاتحة تعبئة شعبية كثيفة، الخطوة الأهم في التحضير لخوض الكفاح المسلح.

نظّم الاتجاه المركزي نفسه، على مرحلتين؛ ففي الوقت الذي عقد المصاليون مؤتمرهم، عُقد كونفرانس، ضم الكوادر، والفروع، وطلبوا من مصالي الحاج إعادة النظر في مواقفه.
اجتماعياً، استند القادة المركزيون إلى البرجوازية الصغيرة، والعناصر البرجوازية، المعنية بالنضال السياسي.
استعرض المؤلف ما اعتبره "خصائص الجماعة المؤسِّسة لجبهة التحرير الوطني". وقد خرجت الجبهة إلى العلن، يوم 1/11/1954، بعد أن كانت تأسست، قبل 9 أيام. لاحظ المؤلف بأن أصول "الجبهة" تثير مسألتين مهمتين، أولهما لماذا تشبث أبو الثورة، زمناً طويلاً، باللجنة الثورية من أجل الوحدة والعمل، والثانية مصدرها التكتم حول النقاشات السياسية، التي دارت خلال الأزمة.
عن "نجاح المشروع الانتفاضي (1954 1956)"، كان الفصل التاسع، بالجزم أن "جبهة التحرير الوطني" كانت ناتج انشقاق. ولم تعد "اللجنة الثورية للوحدة والعمل" موجودة، رسمياً. قبل أن يعرض المؤلف للوضع عشية الثورة، والانغراس السريع، الذي حققته.
في الفصل العاشر، جرت ملاحقة "الالتحاقات في جبهة التحرير الوطني (1955_1956)"، بدءاً من "الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري"، إلى "المركزيين"، فالتحاق العلماء، مع إخفاق "الحزب الشيوعي الجزائري"، إلى "ولادة الاتحاد العام للشغيلة الجزائريين".
تولى الفصل الحادي عشر، تتبع "حرب في الحرب: جبهة التحرير الوطني ضد الحركة الوطنية الجزائرية (1954 1962)"، التي ازدادت اشتعالاً، منذ العام 1955، وإن تمخض العام التالي عن ميزان قوى لصالح "الجبهة" في هذا الصراع. ثم كانت "فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني"، التي سعت إلى الهدنة بين الطرفين الجزائريين المتصارعين.
لم تكن الهيئة التنفيذية للجبهة قيادة جماعية، وكل القضايا كانت تتم تسويتها خارج المؤسسات القائمة، وحلَّت روابط المصالح الشخصية محل الصلات السياسية؛ فاستعرت الخلافات الشخصية داخل قيادة الجبهة.
اهتم الفصل الثاني عشر، بتغطية "الوجه الأول لجبهة التحرير الوطني (1954 1956)"، ملقياً الضوء على "النزاعات بين القادة"، ثم "الإعداد لمؤتمر الصمَّام"، منذ مارس 1956، فالقوى المادية للثورة، وصولاً إلى "البرنامج السياسي"، الذي قام على فكرتين سياسيتين: استقلال الأمة، ووحدة الشعب، دون أي تمييز بين الطبقات، فضلاً عن "الشعبوية"، ناهيك عن "النزعة الاجتماعية المحافظة".
نأتي إلى تنظيم الجبهة، بدءاً من "البنى الإقليمية"، فالتنظيم العسكري، ومبادئ القيادة، دون أن يهمل المؤلف الالتباسات حول مؤتمر الصمَّام، وتركيب الهيئات القيادية، ومعناها السياسي، فالأزمة الداخلية، ثم "الصراع على الأرض"، و"المساجلة مع لجنة التنسيق والتنفيذ، بين موقفي آيت أحمد، ومحمد خيضر"، إلى "شجار بين أشخاص"، الذي اندلع بين بيلا، وبوضياف، من جهة، والمستفيدين من مؤتمر الصمام، من جهة أخرى. ودار هذا الشجار، "من أجل البروز، والاستعلاء، في بعض جوانبه"، إلى "صراع بين عرب وبربر".
لاحق الفصل الثالث عشر: "إخفاق عبان (1956 1957)"، ذلك أن الجبهة لم تجعل من توطيد دعائم جيش التحرير مركز الثقل لعملها السياسي، كما أن الجبهة عمدت إلى تصليب لهجتها، في مواجهة اتساع دائرة الشراسة الاستعمارية الفرنسية. كما أن فيدرالية فرنسا، رأت أن فرنسا على حافة الإفلاس المالي، وأن الرأي العام الفرنسي لن يقبل بإطالة أمد الحرب في الجزائر؛ ما أوصل إلى استنتاج مؤداه أن "الإرهاب" سيساهم في اختزال أمد الحرب.
حاقت بالجبهة هزيمة ساحقة، في الجزائر العاصمة، بينما حقق المجتمع الكولونيالي اندماجه بالجيش الفرنسي، وأخضع الحاكمية العامة لذاته. وسرعان ما سلّم "الحزب الاشتراكي الفرنسي" السلطة في باريس لأنصار "الحرب إلى النهاية".
لم تكن الهيئة التنفيذية للجبهة قيادة جماعية، وكل القضايا كانت تتم تسويتها خارج المؤسسات القائمة، وحلَّت روابط المصالح الشخصية محل الصلات السياسية؛ فاستعرت الخلافات الشخصية داخل قيادة الجبهة. وهبّت روح البيروقراطية على عالم القيادات. واستدرج القادة العسكريون عبان، معارضهم الأكبر، واغتالوه، بذريعة "إنقاذ الثورة!" بينما كان كل ذنب عبان محاولته تسييس العمق لثورة شعبوية، على قطيعة مع الحركة الوطنية.
التقط المؤلف في الفصل الرابع عشر، "وضع القيادة بدون استراتيجية (1955 1958)"؛ فإذا كانت الخطوات الأولى للثورة قد نجحت، فبسبب تواضع قوة الجيش الفرنسي في الجزائر، أولاً، وللدعم المبكر الذي تلقته الثورة من جارتيها، تونس ومراكش، إلا أن هذين العاملين سرعان ما تلاشيا، ما أوقع الثورة في مأزق عميق، ونزاعات متعددة. وختم حربي كتابه باستعراض تاريخ الجزائر، من أحمد بن بيلا، إلى الشاذلي بن جديد، قبل أن يُعزِّز كتابه بجملة من الملاحق الهامة.
وبعد، فهذا كتاب جدير بالقراءة، من قبل كل من يهمه أمر حركات التحرر الوطني عموماً، والعربية منها على وجه الخصوص، ليسبح القارئ بين 361 صفحة دسمة من القطع الكبير. والشكر موصول لصاحب الترجمة الرصينة، كميل قيصر داغر، الأستاذ اللبناني في الجامعات الفرنسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.