أحمد طالب الإبراهيمي في ذمة الله    التكوين المهني دعامة أساسية لنهضة الجزائر الجديدة    جلاوي، يترأس جلسة عمل وتقييم مع إطارات القطاع    فلسطين : 6 شهداء برصاص وقصف الاحتلال    غوستافو بيترو : "حانت ساعة الحياة أو الموت"    قسنطينة : حجز وإتلاف مواد غذائية غير مطابقة    وفرنا أكثر من 385 ألف منصبا تكوينيا عبر مختلف المؤسسات    سكيكدة : حجز 630 قرص مهلوس    أرحاب تُعطي إشارة انطلاق دورة أكتوبر    هذا جديد البحث العلمي    ربع مليون شهيد وجريح ومفقود فلسطيني    66 عاماً على اشتباك الحي الأسود بثنية الحد    غزّة.. إلى أين؟    الجزائر تقرّر زيادة إنتاجها من النفط    انطلاق الموسم الفلاحي الجديد    الجزائر تعيش على وقع شراكات هامّة    توقيف شخص بتهمة نشر الكراهية عبر تيك توك    الأدب ليس وسيلة للمتعة فحسب بل أداة للتربية والإصلاح    تدابير جديدة لإعادة إدماج المحبوسين اجتماعيا ومرافقتهم    مجالس الأقسام للفصل في التماسات إعادة الإدماج    تعاون جزائري– عماني في البتروكيمياء وتسويق الطاقة    هدفنا تحقيق انسيابية تجارية أكبر نحو إفريقيا    معالجة مليون حاوية بميناء الجزائر منذ بداية 2025    سنواصل في تحسين الظروف المهنية والاجتماعية للأساتذة    جمعية ترفض أي اتفاق يشمل ثروات الصحراء الغربية    غويري يريح بيتكوفيتش قبل مبارتي الصومال وأوغندا    بوقرة يطلق خطة التتويج العربي وإصابة وناس تُخلط أوراقه    تعزيز ثقافة التطوع والمشاركة    انطلاق الجائزة الكبرى لتسلق الجبل بالدراجات الهوائية    تميّز سياحي وكنوز قلّ نظيرها    انتقادات ألمانية لعمورة وانقسام بخصوص مستواه    المغرب على صفيح ساخن    الأغواط.. مقوّمات سياحية تفتح آفاقا استثمارية واعدة    الوادي : إنتاج أزيد من 110 آلاف قنطار من الفول السوداني    إبراهيم بوغالي يعزي في رحيل أحمد طالب الإبراهيمي : الجزائر تودّع رمزًا كرّس حياته لخدمة الوطن    رئيس مجلس الأمة : التكوين المهني فضاء لبناء الكفاءات وصناعة المستقبل    محمد صغير سعداوي : مواصلة تحسين الظروف المهنية والاجتماعية للأستاذ    ملتقى وطني نوفمبر المقبل : طوفان الأقصى في القصيدة الجزائرية بين جذور القضية والتمثلات الفنية    المدية : تظاهرة "القراءة للجميع" لتعزيز فعل المطالعة العمومية    فتاوى : إنشاء صور لذوات الأرواح بالذكاء الاصطناعي    سر عظيم لاستجابة الدعاء الخارق    تفاصيل عملية تسليم فضل شاكر نفسه إلى السلطات اللبنانية    للمانغا الجزائرية هوية وخصوصيات    دعما لفلسطين.. إيقاف مباراة في إسبانيا    إبراز أهمية إدارة وثائق البنوك والمؤسسات المالية    الفاف تُحذّر    قفزة نوعية مُنتظرة بالعاصمة    تحسبا لمباراتي الصومال وأوغندا.. مفاجآت وأسماء جديدة في قائمة "الخضر"    قائمة المنتخب الوطني للاعبين المحليين : غياب مبولحي ومحيوص وعودة سعيود وبولبينة    إيلان قبال يوجه رسالة حماسية للحارس لوكا زيدان    عرض تجربة "كناص" في الابتكار بمنتدى كوالالمبور    هذه مخاطر داء الغيبة..    إلتزام الجزائر بترسيخ البعد الإفريقي في سياستها الصحية    ضبط نشاط شركات التنظيف في المستشفيات    أم البواقي : تنصيب أزيد من 100 مستخدم شبه طبي بالمؤسسات الصحية العمومية    الحكمة بين اللين والشدة    فتح التسجيلات في القوائم الاحتياطية للتكوين شبه الطبي    التعارف في سورة الحجرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شكوك حول اعتراف أوروبا بفلسطين..
نشر في الحياة العربية يوم 09 - 08 - 2025

تسونامي مزدوج ضرب ساحة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بأعلى تدرجات "ريختر" خلال الأسابيع القليلة الفائتة. اعترافات (أو وعود بالاعتراف) بالجملة والمفرق بالدولة الفلسطينية صدرت عن عواصم غربية وعالمية، معظمها من الرعاة الدائمين لإسرائيل ومشروعها الصهيوني في المنطقة، تزامنا مع موجة إدانات وتنديدات بجرائم الإبادة والتجويع والتطهير التي يمارسها الكيان الإسرائيلي ضد شعب فلسطين، بالأخص في قطاع غزة
هذا تطور غير مسبوق منذ بدء الصراع قبل ثمانية عقود. هذا انقلاب إستراتيجي في المشهد سيكون له ما بعده في قادمات الأيام والمواجهات.
الاعترافات الغربية بالدولة الفلسطينية جاءت متأخرة جدا، وفي بعض الأحيان مثقلة بالشروط التي يصعب ابتلاعها وهضمها، ما حدا بكثير من المراقبين، فلسطينيين، ومن أنصارهم، للنظر إلى هذا التطور النوعي الهام، نظرة شك وريبة، بل واتهامات بنصب الكمائن والفخاخ، مستحضرين كل ما في "نظرية المؤامرة" من مقولات وأدوات لتفسير الظاهرة، محذرين من مخاطرها الجمة على الشعب والقضية والحقوق والكفاح العادل والمشروع من جهتنا، نتفهم هذا الحذر وتلك المخاوف، وإن كنا لا نوافق على هذه القراءة.
خصوم المقاومة، على اختلاف مرجعياتهم ومشاربهم، نظروا باهتمام لهذا التطور، بيد أنهم لم يتوانوا لحظة واحدة عن نزع هذا الإنجاز عن المقاومة وطوفانها، وفضلوا رده إلى الكارثة الإنسانية التي حلت بالقطاع وأهله، وأحيانا إلى "حنكتهم الدبلوماسية" التي لم تجلب نفعا ولم تدرأ ضرا، غير مترددين في ذروة التسونامي عن تدبيج بيانات الإدانة والتنديد بالسابع من أكتوبر/ تشرين الأول، مرددين صدى "الاشتراطات" الغربية للاعتراف بفلسطين دولة مستقلة، باعتبار التقيد بها شرطا مسبقا لترجمة المنجز المتأتي عن الكارثة.
ينسى هؤلاء، عن سبق إصرار وترصد، أن غزة ومقاومتها هي حكاية التلازم الشرطي بين الكارثة والبطولة. فلولا ثبات المقاومة وصمودها، وقدرتها على إدارة حرب السنتين كما لم تفعل الجيوش العربية مجتمعة، ولولا الهستيريا التي تسببت بها للجيش والأمن والمستوى السياسي، لما أمكن لمفاعيل الطوفان أن تأخذ مجراها، ولما أمكن استحداث كل هذه التحولات في الرأي العام العالمي الذي أخذ ينعكس على مواقف الأنظمة والحكومات والبرلمانات.
نسي هؤلاء أو تناسوا أن ما أنجزه الفعل المقاوم خلال أقل من عامين، عجزت عن إنجازه مئات المؤتمرات والمبادرات والقرارات الدولية والمرجعيات التي شكلت ملامح ما أُسمي ذات يوم ب"عملية السلام"، طوال سنوات وعقود.
أما حكاية الكارثة، وبلوغها ذرى غير مسبوقة على امتداد التاريخ والجغرافيا، فينسى "العقلانيون الجدد" في عالمنا العربي، أن وزرها إنما يقع على كاهل عجزهم وتواطئهم وفشلهم حتى في إدخال لقمة طعام أو شربة ماء لغزة من دون "إذن إسرائيلي مسبق"، وغالبا بعد معاناة وطول انتظار مذل.
ما كان لهذه الكارثة أن تطول وتستطيل، لو أن قرابة "الدزينتين" من الدول العربية قررت الالتزام بالحد الأدنى من مواثيق العمل العربي المشترك، ولوحت بما في حوزتها من أدوات قوة وضغط سياسية ودبلوماسية واقتصادية على أقل تقدير.
أيا يكن الأمر، فإن تسونامي الاعترافات بالدولة الفلسطينية لا يجوز أن يُقرأ بعين التهوين أو التهويل. فهذا التسونامي، من جهة، هو الوجه الآخر لتسونامي الإدانة والتنديد بالفاشيين الجدد، وهو يؤسس سياسيا ومعنويا وقانونيا لمشروع قيام الدولة بما هي تجسيد للكيانية الوطنية الفلسطينية.
أما الحذر من مغبة انصياع فلسطينيين للائحة الشروط المسبقة الثقيلة للاعتراف، فلا يجوز أن يحجب عن ناظرينا أن ثمة منجزا يتحقق أمامنا، وبأسرع مما كنا نظن.
أما لعبة "التهويل" و"التطبيل" و"التزمير" لهذا المنجز، التي ينخرط فيها خصوصا أنصار نظرية "الدولة على مرمى حجر"، فهؤلاء لا يتعين الالتفات كثيرا لمواقفهم وصياحهم، فهم سبق أن أسبغوا على "سلطة لا سلطة لها" صفة الدولة، وظنوا أن فرش البساط الأحمر واستعراض حرس الشرف على مداخل مقراتهم قد مكنهم من قطع أكثر من نصف الطريق نحو الدولة، مع أن مساحة سلطتهم في تناقص مستمر، وتتناقص معها مظاهر هيبتهم وسيادتهم على رقعتهم الصغيرة في عاصمتهم المؤقتة.
الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية لا تعني بالضرورة قيام هذه الدولة، أو أنها باتت قاب قوسين أو أدنى. تلكم مهمة كفاحية قد تحتاج سنوات وعقودا. تلكم قضية كفاح ستحتاج إلى نقل الراية من جيل إلى جيل.
فنحن هنا نتعامل مع كيان: دولةٍ ومجتمع، ينجرف بتسارع مدهش نحو التوحش والفاشية، وإلى أن يتآكل بفعل عناصر التسوس من الداخل أو بفعل الضربات من الخارج، أو كليهما معا، فإن زمنا صعبا ومكلفا سيمر على الفلسطينيين وحلفائهم وأنصارهم.
من حقنا أن ننظر بكثير من الشك والريبة لمواقف فرنسا، وبريطانيا (وألمانيا التي ما زالت خلفهما) المحملة بالشروط المسبقة: الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، انتخابات بلا حماس، نزع سلاح المقاومة، إصلاحات في السلطة تنزع عنها أي ملمح وطني، وتنزع عن شعبها ذاكرته التاريخية الجمعية.
من حقنا أن نقلق من النوايا الخبيئة والخبيثة الكامنة وراء أكمة الاشتراطات المذلة هذه، ولكن من واجبنا أن نرفضها، وأن نتمسك بما هو حق لنا، وأن نذكر هؤلاء أنهم يقيمون أفضل العلاقات مع حكومة مجرمي الحرب، المتهمين بالتطهير والإبادة وفرض المجاعة على أطفال غزة ونسائها.
من حقنا أن نسائلهم عما تبقى لهم من قيم وضمائر، وهم يرون أمثال بن غفير وسموتريتش يجلسون على مقاعد حكومة يقيمون معها أوثق العلاقات، وما زالوا يزودونها بما تحتاج إليه من أسلحة وذخائر.
لكن قبل أن نسائل هؤلاء، علينا أن نسائل الفريق المتنفذ في رام الله، وهو الذي يبدو بغير حاجة لمن يقنعه أو يضغط عليه للقبول بهذه الاشتراطات المذلة.
فهذا الفريق يروج منذ سنين لتجريد المقاومة من سلاحها، وهو أتبع القول بالفعل في جنين وطولكرم وفي عموم الضفة الغربية، وهو يصدر مرسوما رئاسيا مفخخا، استبق به مطالب المستشار الألماني، بإجراء انتخابات بلا حماس ولا فصائل مقاومة، انتخابات من لون واحد، ينافس فيها فريق أوسلو نفسه على مقاعد المجلس الوطني، وربما نرى أمرا مماثلا حال جرت انتخابات رئاسية وتشريعية، كأن تنحصر المنافسة على مقعد الرئاسة بين محمود عباس و"أبو مازن".
هنا مكمن الخطر وعلة العلل، هنا الثغرة و"حصان طروادة" التي يسعى كارهو الشعب ومقاومته للنفاذ من خلالها، لتمرير بعض من أجنداتهم السوداء.
وهنا بالذات، يتعين أن تنصب الجهود وتتوحد، لسد الثغرات قبل رص الصفوف، فمثلما كان أداء السلطة "كعب أخيل" حرب السنتين الفائتتين، فإن استمرار هيمنة هذا الفريق وتفرده بمقاليد السلطة والقرار و"الشرعية"، هو "كعب أخيل" الجولة السياسية والدبلوماسية القادمة، والرامية إلى تخليص "الاعترافات بفلسطين" مما علق بها من شروط ومطالب إسرائيلية بامتياز، حتى وإن جاءت بلسان ألماني أو فرنسي أو إنجليزي مبين.الاحتفاء بتسونامي الاعتراف والإدانة المزدوج يجب ألا يبدد الحذر والانتباه، فنحن قد نكون بإزاء "جُحر" جديد لطالما لُدغنا منه مرات ومرات، كأن يُطلب منا دفع الثمن كاملا، مسبقا ومقدما، فيما تسليم "البضاعة" ما زال مرجأ، وبالتقسيط الممل. أو أن يُطلب قطع رأس المقاومة، والهرولة للاعتراف بيهودية الدولة العبرية والتطبيع معها، على أمل أن تكون هناك دولة فلسطينية ذات يوم، ومن دون أن يكلف "القوم" أنفسهم عناء "التفصيل" في موضوع الدولة، لا من حيث حدودها وسيادتها وعاصمتها، ولا من حيث الإجابة عن سؤال: من هم مواطنو هذه الدولة العتيدة؟
في حرب عنوانها: "الفوز بالنقاط"، وليس بالضربة القاضية الفنية، يُحرز الفلسطينيون تقدما ملموسا، تعترف به إسرائيل وأقرب أصدقائها المخلصين، وينكره فريق منهم وبعض أشقائهم، برغم الكلفة الإنسانية المروعة التي يتكبدونها.
والأرجح أنهم سيكونون في مكانة أفضل، وهم يتحضرون لخوض جولات ومعارك جديدة من هذه الحرب، نعرف أنها آتية حتما، وإن كنا نجهل متى وكيف وبأي أدوات.
الجزيرة. نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.