"الحرب ومخيّمات اللاجئين قرّبتني من الإنسان" حاورها: محمد. ح فاطمة حمدي واحدة من الصحفيات اللواتي سجلن حضورا مميزا في مجالهن، بدأت مهنة المتاعب في سن ال17 كأصغر صحفية جزائرية، تنوعت تجاربها بين الصحافة المكتوبة والإذاعية والتلفزيونية، وبين القسم الثقافي والتغطيات الميدانية؛ حيث غطت الحرب على غزة سنة 2012 وزارت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ومخيمات اللاجئين الصحراويين. في هذا الحوار نكتشف جوانب أخرى من تجربتها الإعلامية. بدأت العمل الصحفي في سن مبكّرة جدّاً، وكنتِ حينها "أصغر صحفية جزائرية"، أية طريق قادتك إلى العمل الإعلامي؟ لم أحلم يوما بدخول مجال الإعلام، كان دائما حلمي قيادة الطائرة، كنت أريد تحقيق حلم والدي الذي حصل على منحة في مجال الطيران بعد نيله شهادة البكالوريا سنة 1976 في الفرع التقني وكان من بين الأوائل، لكن ظروفه العائلية وقتها لم تسمح بحكم أنه الابن الوحيد لأسرته، أجريت تربّصا في إحدى الجرائد الأسبوعية، قبل حصولي على شهادة البكالوريا، وقد أبدى رئيس التحرير إعجابه بأسلوبي في مجال الروبورتاجات، واقترح أعليّ الانضمام إلى طاقم التحرير بمقابل رمزي، وقتها كان المبلغ محفّزاً، ومن هنا انطلق مشواري في مجال الإعلام في سن السابعة عشر عاماً، وهنا تم تكريمي من قبل العديد من المؤسسات أذكر أولاها متحف "المجاهد" كأصغر صحافية في الجزائر، حاورت وقتها العديد من الشخصيات السياسية والثقافية التي كان لها الفضل في تكوين شخصيتي الإعلامية التي اتضحت معالمها بعد دخولي للتلفزيون الجزائري قبل ست سنوات من اليوم، وأيضا تنشيطي لبرنامج إذاعي عبر أمواج الإذاعة الثقافية تحت عنوان "عالم الشباب"، لأكون رئيسة القسم الثقافي بيومية الأحداث، وبعدها توالت الخبرات الإعلامية، لأصل إلى القسم الدولي الذي استقريت فيه منذ ثلاث سنوات بيومية البلاد. هل كان لأبيك دور في توجيهك نحو الإعلام؟ نعم.. كان والدي يشجّعني دائماً على خوض مجال الإعلام، بحكم عمله في المجال، خاصة بعدما تأكد من عدم التحاقي بمدرسة الطيران رغم حصولي على شهادة البكالوريا في فرع علمي، لكن معدلي وقتها لم يكن كافيا لتحقيق حلم الطفولة. لوالدي الفضل في دخول مجال الإعلام والمواصلة فيه رغم كل الصعوبات التي واجهتني والتي لا تزال تواجهني. لن أنسى أول كلمة قالها لي بعد صدور أول مقال لي في الجريدة؛ قال لي: "هذا المجال للأقوياء، أذكري دائما أنك مسؤولة أمام الله وأمام التاريخ على كل كلمة تصدر من قلمك.. اعلمي أن هذا المجال لم يخلق لأي كان بل خلق للمتميزين فقط.. إنكم زبدة الزبدة فكوني كذلك". عملت طويلاً في المجال الثقافي، ماذا وجدت في هذا التخصص وما الذي أضافه إلى تجربتك؟ العمل بالقسم الثقافي كان بمثابة مواساة لي على عدم دخولي إلى عالم الطيران، بحكم أنني التقيت فيه بأكبر الكتاب والأدباء في العالم العربي والعالم أيضا، خاصة وأنني أعشق القراءة والروايات التي كبرت عليها من خلال مكتبة والدي الذي ورثها بدوره عن جدي رحمه الله. استطعت من خلال القسم الثقافي محاورة شخصيات تعرفت عليها في وقت سابق من خلال صفحات الكتب، منها من عشقت إبداعاتها ومنها من أردت أن أقدم لها انتقادات وآراء، العمل في القسم الثقافي سمح لي بفعل ذلك لكن المؤسف هو أن الإعلام في الجزائر لا يولي أبدا أهمية للصحفي في القسم الثقافي، ودائما تعمل الجرائد على توجيه الأسماء الصحافية الجديدة إلى الثقافي على أساس أنه يليق بالمبتدئين، كما يحز في نفسي أن أول صفحة يتم التضحية بها في الجريدة لنشر الإشهار هي الصفحة الثقافية. خضت تجربة تلفزيونية عبر التلفزيون الجزائري من خلال مجموعة من البرامج، حبذا لو تحدثينا عنها؟ كان التلفزيون الجزائري بمثابة أولى خطواتي في مجال السمعي البصري، سأبدأ بقصة دخولي للتلفزيون، وقتها نزلت ضيفة على برنامج "صباح الخير" بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير كأصغر صحافية بالجزائر، وبعد انتهائي أبدى المخرج إعجابه بأدائي أمام الكاميرا، وبعدها بأيام قليلة تم الاتصال بوالدي من قبل الإعلامي حكيم إقدلان الذي كان وقتها يحضر لإعداد برنامج للأطفال، فوجد أنني الشخص المناسب لتقديمه، وكانت هذه أولى خطواتي في السمعي البصري لتتوالى التجارب في التلفزيون الجزائري، ولكنني أرى دائما أنني لم أقدم ما كنت أصبو إليه، ولم أواجه الكاميرا بما لدي ولم تأتني بعد فرصتي التي ما زلت أنتظرها كي أفجّر طاقاتي. ارتديت الحجاب في خضم عملك بأحد البرامج بالتلفزيون، كيف جاءت هذه الخطوة وهل أثرت على عملك التلفزيوني وطموحك؟ الحجاب هو قناعة شخصية وقرار شخصي بحت، واتخاذه كان خطوة في حياتي أسأل الله الثبات فيها.. ولكن للأسف هذا لا يمنع أنه لا يزال الحجاب في الجزائر في العديد من المؤسسات عائقاً في وجه المرأة التي أثبتت قدرتها على الوصول لأعلى المراتب، لذلك ومن هذا المنبر أدعو كل المسؤولين في الجزائر كسر هذه العقدة وأشير هنا إلى أن الإعلامية المحجبة وصلت في العالم إلى تقديم نشرات إخبارية في أمريكا وبلجيكا وغيرها من الدول الغربية في الوقت الذي تعتبر بعض الدول العربية والإسلامية أن الحجاب هو سمة من سمات "التخلف"، إنه لأمر مؤسف، ألا تدعو هذه الجهات إلى حرية الفكر والعقيدة، ألا تدعو إلى تحرر المرأة ؟ إذا لماذا ندعم المرأة بالتنورة القصيرة ونعتذر منها رسميا في حين نكبح المحجبة، لماذا نعتبر التنورة القصيرة حرية شخصية في حين نعتبر الحجاب رجعية وتخلفا؟ هنا يجب أن نتوقف طويلا ونعيد حساباتنا.. يجب تقييم الإعلامية على حسب موهبتها وزادها العلمي والثقافي وليس على خياراتها الشخصية العقائدية كانت أو غير ذلك.. أنا إعلامية محجبة أدافع عن حرية المعتقد مهما كان لأني مؤمنة أنه "لكم دينكم ولي ديني" وأنه "لا إكراه في الدين".. لذلك وبدون مبالغة وجدتني بعد قرار حجابي أمام حرب أبناء "الكار" مثلما يصفهم البعض الذين أرادوا إبلاغي أن حجابي سيمنعني من الظهور مجددا عبر الشاشة ولكني أعلم أنني سأصل إلى حلمي وسأواصل مشواري وسأثبت أحقيتي بالعودة لمواجهة الجمهور والوقوف أمام الكاميرا. تحصلت على جائزة "نجمة الإعلام" سنة 2012 حدثينا عن التجربة وما تقييمك للمسابقات الإعلامية في الجزائر؟ حصولي على جائزة أحسن تحقيق في مسابقة نجمة الإعلام سنة 2012 كان بمثابة النفس الجديد لي مهنيا، وكم نحن بحاجة لمثل هذه المسابقات التي تضع رجال ونساء الإعلام في تنافس دائم، نحن بحاجة لتحريك الركود الذي ساد الإعلام في الجزائر، هذه الأخيرة هي بحاجة أيضا لأقلام مسؤولة ومهنية خاصة، ومثل هذه المسابقات تدفع الإعلامي نحو الأمام وتكرس الاحترافية بلا شك رغم أنني أرى دائما أن هنالك نقصا في مجال المنافسات والمسابقات في الإعلام. غطيت الحرب على غزة سنة 2012، وزرت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وغيرها من الأعمال الإنسانية، هل نستطيع القول أنك وجدت هويتك الإعلامية؟ طبعا، وجدتني أخيرا في العمل الإنساني، هويتي الإعلامية بعد ما يقارب الثماني سنوات في المجال بدأت تتضح، خاصة من خلال تجاربي في العمل الإنساني في مختلف مخيمات اللاجئين في العالم، أشعر أنني مسؤولة أمام الله أولا وأمام ضميري المهني لنقل معاناة هذه الفئة التي بدأت تتسع في العام وتكبر بشكل مخيف، الحديث الآن عن ملايين اللاجئين في العالم عن ملايين الأطفال المشردين بلا وطن ولا مأوى. ماذا عن كتابك الذي ألفتيه عن الصحراء الغربية؟ الكتاب جاء بعنوان "السياج" وصدر باللغتين العربية والفرنسية تزامنا والطبعة الأخيرة للصالون الدولي للكتاب، هو يتحدث عن تجربتي الإنسانية التي خضتها في مخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف وحتى الأراضي الصحراوية المحررة من خلال زياراتي المتكررة إلى هناك، الكتاب إنساني بحت وليس له علاقة بالسياسة، حاولت من خلاله نقل معاناة الطفل الصحراوي في وضع إنساني أقل ما يوصف به "كارثي"، أردت القول من خلال هذا العمل أن العالم كله مسؤول على ما يحدث في اللاجئين في العالم وليس فقط الصحراويين.. لا أصعب على إنسان من العيش في غير وطنه في ظرف مؤقت لا هو مواطن ولا هو غير ذلك.