في ختام زيارته لمؤسسات تابعة لقطاعه،وزير الاتصال،محمد لعقاب،من وهران: انهينا إعداد مشروع صندوق دعم الصحافة وسنعرضه على رئيس الجمهورية    قالت تحسبا للانتخابات الرئاسية المقرر يوم 7 سبتمبر المقبل: حركة البناء الوطني تنظم ندوة خصصت لشرح خطتها الإعلامية    خلال إشرافه على افتتاح ندوة ولائية للأئمة بتمنراست،يوسف بلمهدي: التوجه للبعد الإفريقي عبر الدبلوماسية الدينية أمرا في غاية الأهمية    نشاط "سيدار" لن يتأثّر بحادث وحدة تحضير المواد والتّلبيد    احتضنته جامعة محمد الصديق بن يحي بجيجل: ملتقى وطني حول دور الرقمنة في مكافحة الفساد والوقاية منه    عطاف يجري محادثات مع الأمين العام للأمم المتّحدة بنيويورك    الجزائر تنجح في تحقيق تأييد دولي "ساحق" لأم القضايا    الجزائر تقدّم 15 مليون دولار لصالح الأونروا    فوكة في تيبازة: افتتاح مركز تحضير النخب الوطنية بمعايير عالمية    اصطياف 2024..فرصة إبراز وجهة الجزائر السّياحية    خلق أزيد من 3000 منصب عمل دائم في المرحلة الأولى من العملية: تسليم قرارات تغيير النشاط وتعديل الشكل القانوني لفائدة المستثمرين بقسنطينة    إيران وسياسة الدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط    عميد جامع الجزائر يستقبل المصمّم    أتلانتا يقصي ليفربول من الدوري الأوروبي    هلاك 5 أشخاص وإصابة 175 آخر بجروح    رقمنة السّكن الاجتماعي.. وإطلاق "عدل 3" قريبا    اتّساع حظيرة المركبات يفرض استعمال تقنية الخرسانة الإسمنتية    ارتفاع جنوني في أسعار الخضر بعد رمضان    وزارة الثقافة تقدّم ملف الزّليج لدى اليونيسكو    36 مؤسسة إعلامية أجنبية ممثّلة في الجزائر    لا بديل عن رفع مستوى التّكفّل بمرضى القلب والشّرايين    نعمل على تقليل ساعات انتظار الحجاج بالمطارات ال 12 المبرمجة    حزب التجمع الجزائري يعقد اجتماعا لمكتبه الوطني تحضيرا للانتخابات الرئاسية    الأندية الجزائرية..للتّألّق وتحقيق أفضل نتيجة    حفل افتتاح بهيج بألوان سطع بريقها بوهران    الإدارة تقرّر الإبقاء على المدرّب دي روسي    "الهولوغرام" في افتتاح مهرجان تقطير الزهر والورد بقسنطينة    في إطار دعم الاستثمار: ترحيل استثنائي لعائلين بأولاد رحمون بقسنطينة لتوسعة مصنع    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم ملتقى حول التنمية البيئية    فايد يشارك في أشغال الاجتماعات الرّبيعيّة ل "الأفامي"    ألعاب القوى/مونديال-2024 / 20 كلم مشي: الجزائر حاضرة بستة رياضيين في موعد أنطاليا (تركيا)    ادعاءات المغرب حول الصحراء الغربية لن تغير من طبيعة القضية بأنها قضية تصفية استعمار    العاصمة.. تهيئة شاملة للشواطئ وللحظيرة الفندقية    هؤلاء سيستفيدون من بطاقة الشّفاء الافتراضية    حصيلة شهداء غزة تتجاوز 34 ألف ومناشدات لتوثيق المفقودين    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    المهرجان الثقافي الوطني لأهليل: أكثر من 25 فرقة تشارك في الطبعة ال 16 بتيميمون    "صديق الشمس والقمر " تفتكّ جائزة أحسن نصّ درامي    الملتقى الدولي "عبد الكريم دالي " الخميس المقبل..    المجمّع الجزائري للّغة العربية يحيي يوم العلم    وهران.. تعزيز روح المبادرة لدى طلبة العلوم الإنسانية    قطاع المجاهدين "حريص على استكمال تحيين مختلف نصوصه القانونية والتنظيمية"    باتنة.. إعطاء إشارة تصدير شحنة من الألياف الإصطناعية إنطلاقا من الولاية المنتدبة بريكة    انخفاض عبور سفن الحاويات في البحر الأحمر بأكثر من 50 بالمئة خلال الثلاثي الأول من 2024    ليفربول يرفض انتقال المصري محمد صلاح للبطولة السعودية    بلعريبي يتفقد مشروع إنجاز المقر الجديد لوزارة السكن    فلسطين: 50 ألف مصلي يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    الإذاعة الجزائرية تشارك في أشغال الدورة ال30 للجمعية العامة ل"الكوبيام" في نابولي    تصفيات مونديال أقل من 17 سنة/إناث: المنتخب الوطني ينهي تربصه التحضيري بفوز ثانٍ أمام كبريات الجزائر الوسطى    تجارة: زيتوني يترأس إجتماعا لتعزيز صادرات الأجهزة الكهرومنزلية    هيومن رايتس ووتش: جيش الإحتلال الصهيوني شارك في هجمات المستوطنين في الضفة الغربية    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألبير قصيري: أن تعيش لتكتب.. وتكتب لتعيش
نشر في الخبر يوم 09 - 05 - 2014

لم أكن لأزعج هدوءه، وأربك رغبته، لولا أنني رأيت القوم يحتفون بمئوية ألبير كامو، وهو من هو، ويمرون مرور الكرام، على مئويته هو، وهو من هو.. لم أشأ أن أكون صاحب التذكير، لكن قدرا ما جعلني كذلك، فلم أتنصل من مسؤوليتي تجاهه، وهو الكاتب الذي أسرني أسلوبه، وملأني شغفا، كتابة هي الحياة نفسها، وحياة هي الكتابة ذاتها، وها محبتي المعلنة لرواياته ومجموعته القصصية، كلها مكتوبة بلغة فرنسية آسرة، ترجمت منها روايتان (شحاذون ومعتزون) و(السخرية والعنف)، وما تزال البقية تنتظر التفاتة ما، لتقديمها ناصعة، سلسلة، أبية مثل كاتبها، إلى قراء الضاد.
بطاقة هوية:
ولد ألبير قصيري في القاهرة يوم 3 نوفمبر 1913، منحدرا من عالة غنية نسبيا، ذات أصل إغريقي أرثوذوكسي من قرية القصير بالقرب من حمص السورية، وقد استقرت عائلته في القاهرة في نهاية القرن 19، لتتخذ لها لقبا جديدا مستوحى من بلدتها الأصل، فأصبحت تسمى عالة قصيري.
تابع ألبير دراسته في مؤسسات مسيحية في القاهرة، ومنذ سن العاشرة شرع في الكتابة، وحينما بلغ 17 سنة بدأ في نشر قصص قصيرة في مجلات قاهرية.
في سنة 1938 انضم ألبير إلى مجموعة (الفن والحرية)، والتي كانت أول مجموعة سوريالية في العالم العربي، بيد أن لقاء قصيري بالكاتب العالمي هنري ميلر كان حاسما بالنسبة له، حيث نشر مجموعته القصصية الأولى (الرجال الذين نسيهم الرب) عام 1940، والتي ترجمها ميلر نفسه إلى الإنجليزية، مقدما الكاتب كاكتشاف مميز بالنسبة له، وللقارئ الأنجلوفوني، وقد لعب ألبير كامو أيضا دورا في حياة الكاتب حيث قام بنصح إدموند شارلو بقراءة هذا الكاتب، لينبهر شارلو ويسهم في التعريف بألبير، كما أن الصحفية والناشرة جويل لوسفيلد أعادت بعثه من النسيان مرة أخرى، بحوار طويل في ثمانينيات القرن الماضي، لتتبعه بإعادة طبع كل أعماله التي هي المجموعة القصصية التي سبق ذكرها، وسبع روايات هي:
(منزل الموت الأكيد) 1942، (كسالى الغابة المثمرة) 1948، (شحاذون ومعتزون) 1955، (العنف والسخرية) 1964، (مؤامرة المشعوذين) 1975، (رغبة في الصحراء) 1990، (ألوان المجاعة) 1999، وكانت سنة 1999 هي العام الأخير في الألفية الماضية، وهي التي قرر فيها قصيري أن يتوقف عن الكتابة، لأنه وصل إلى قناعة مفادها أنه قد قال كل شيء.
تحصّل قصيري عام 2005 على جائزة بونستون من شركة (ناس الأدب) على مجموع أعماله وأيضا على الجائزة الكبرى للفرانكفونية، كما تم اقتباس فيلم من روايته (شحاذون ومعتزون) من قِبل المخرجة أسماء البكري، وكان من بطولة صلاح السعدني ومحمود الجندي وأحمد آدم وآخرين.
توفي ألبير قصيري يوم 22 جوان 2008، في غرفته في نزل (لا لويزيان) في سانت جرمان دي بري، الغرفة التي اتخذها مسكنا له مدة ستين عاما.
فلسفة قصيري:
يعدّ قصيري أحد الكتاب الكبار الذين يحترمون الكتابة، لا يكتب إلا عندما تمسه حاجة للكتابة، ولا يقول أكثر مما يحتاجه، بطيء يرى أن الرواية يجب أن تكون بطيئة وأن تبني بناء سميكا يقويه الزمن، وإنه بالتالي يضم رأيه لرأي القائلين إن “ما يدعو إلى الدهشة حقا، أن يذهب الروائي إلى نصه، بعدة قديمة، متجاهلا سطوة الآن، فهو ينظر إلى نفسه في المرآة كل يوم، ثم يكتب سيرة أخرى، يتلقى بريده الإلكتروني من قارة أخرى، ويكتفي بما يشاهده من نافذته المواربة وشارعه الضيق”.
وبالتالي فقد كان قصيري يعتبر روايته (فكرا) لا دخل للخيال فيه، وكان يحرص على أن يوصف بالكاتب لا بالروائي لأنه رجل يكتب ما يفكر فيه فعلا، ولأنه أيضا منسجم مع أفكاره، حيث نستطيع أن نتلمس بسهولة ملامح ألبير قصيري، بين ملامح أستاذ الفلسفة الذي ترك مهمته كمدرس في الجامعة ليصبح متسولا في حارات القاهرة، ذائبا وسط البسطاء، مستطعما سعادة العيش بينهم، ف(ألبير) يشبه (جوهر) بطل (شحاذون ومعتزون)، إلى حد كبير، لأن (ألبير) نفسه ترك كل عمل، ليتفرغ للعيش، والاستمتاع بدقائقه ولحظاته حد النخاع، لم يكن يعمل، وكان يعيش من عائدات كتبه، وبعض اللوحات التي يهديها له أصدقاؤه، فيبيعها وقت الحاجة.
من ناحية أخرى بما أن قصيري يرى في الرواية وسيلته المثلى لتمرير أفكاره، فقد جعل من ست (أمينة) امرأة متمردة على الرجل، مديرة بيت مواعيد، تتحكم في أهواء الرجال وشهواتهم، على عكس نظيرتها ست (أمينة) عند نجيب محفوظ التي هي امرأة خاضعة، تنفذ بلا احتجاج يذكر أوامر سي السيد، ومن هنا فإن قصيري أراد أن يمنح للمرأة حرية ما، ويعطيها دورا وصوتا، مثلما أراد أن يحرر (جوهر) من رق الوظيفة ووهم المكانة الاجتماعية، وإذا كانت كل رواية “تحكي من خلال حبكتها قصة إبداعها الخاص، قصتها الخاصة”، فإن روايات ألبير قصيري تحكي قصة واحدة، هي قصة المهمشين، المنسيين، الذين ليس لهم صوت مسموع، والذين يهمسون في زوايا الحارات، تحاول كل رواياته أن تمدّ هؤلاء بصوت ما، وأن تحكي قصصهم، وتتنفس أجواءهم، وتتلمس مواطن ألمهم، بسخرية أقرب للألم، وبألم أقرب للسخرية، فكتابة قصيري الفذّة قادرة على ذلك، وهذا ما أثار دهشة كتاب كبار مثل (هنري ميلر) و(ألبير كامو)، والشيء المدهش حقا هو أن ألبير قصيري لا يكتب إلا ما يؤمن به ويعتقده بل ويعيشه، ولا ينفصل عن كتابته أبدا، ولا يستعجل نتائجها، ولا يلهث وراء جائزة أو اعتراف ما من أحد، يكفيه فقط اعتراف الحياة نفسها، ويا له من اعتراف.
وخلاصة فلسفة ألبير قصيري أن الذي لا يملك شيئا هو السعيد، لأنه ليس لديه ما يضيعه، أو يفقده فيحزن عليه، عدم الملكية هي الحكمة، لقد كان يكره أن يكون محاطا بالأشياء، ولذا فإنه لم يسع إلى تملّك شيء ما، لا منزل، ولا سيارة، ولا غيرها، لقد عاش في غرفة فندق (لا لويزيان) مدة ستين عاما، ومات هناك، دون تركة غير كتبه، ورواياته الرائعة التي تركها لنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.