بيَّن القرآن الكريم لعباده المؤمنين أهمية الكلمة الطيّبة وعظيم أثرها واستمرار خيرها، وبيّن خطورة الكلمة الخبيثة وجسيم ضررها وضرورة اجتثاثها، يقول جلّ جلاله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} إبراهيم:24-26. لقد حثّ ديننا الحنيف النّاس على انتقاء الألفاظ الطيّبة الّتي تدخل السّرور على النّاس، فقال الله عزّ وجلّ: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} البقرة: من الآية 83. وها هو سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم -المثل الأعلى لأمّته- لم يكن فظًا غليظًا، بل كان سهلاً سمحًا، ليِّنًا، دائم البشر، يواجه النّاس بابتسامة حُلوة، ويبادرهم بالسّلام والتّحية والمصافحة وحُسن المحادثة، علَّمنا أدب التّخاطب وعفّة اللّسان فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: ”ليس المؤمن بالطّعان ولا اللّعان ولا الفاحش ولا البذيء” رواه ابن الحاكم في المستدرك على الصّحيحين. ولم يبح الله جلّ جلاله لعباده الجهر بالسُّوء إلّا في أحوال محدّدة كحالة التظلّم فقال تعالى: {لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} النّساء:148. قال العارف بالله يحيى بن معاذ رحمه الله: ليكن حظُّ المؤمن منك ثلاث خصال لتكون من المحسنين، إحداها: إن لم تنفعه فلا تضرُّه، والثانية: إن لم تسرُّه فلا تغمّه، والثالثة: إن لم تمدحه فلا تذمّه. وإن كان المسلم مطالب بإحسانه للنّاس كافة، فإنّ هذا المطلب يتأكّد في حقّ أصناف من النّاس هي الأولى بهذا الخُلُق، ومن هؤلاء: الوالدان، فهما أحقُّ النّاس بالتّعامل معهم بهذا الخُلق الكريم ولأنّ المولى عزّ وجلّ أمر ببرّهما والإحسان إليهما، ومن الإحسان إليهما اختيار الطيّب من الأقوال عند الحديث إليهما: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} الإسراء:23. وقد كان كثير من السّلف رضوان الله عليهم إذا تكلَّم مع أمّه لا يكاد يُسمَع من شدّة حرصه على خفض صوته تأدّبًا، وكان بعضهم يمرُّ كلّ يوم على أمّه فيقول: (رحمك الله كما ربيتني صغيرًا)، وكان بعضهم يتأدّب في الكلام مع والديه كأنّه أسير لديهما. الزوجان، باعتبارهما الأساس الّذي تُبنى عليه البيوت، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الروم:21. فيحتاج الزّوجان لاختيار أحسن الألفاظ للتّخاطب بها ولإبداء مشاعر الحبّ والرّحمة تجاه بعضهما. في حين تشتدّ حاجة الزّوجين إلى هذا الخُلُق عند ثورة الغضب وسبق اللّسان بالخطأ والزّلَل من أحدهما تجاه الآخر، وما أحسن ما قاله أبو الدّرداء رضي الله عنه لزوجته في بداية أمرهما: ”إن لقيتني غضبان فرضّني، وإن لقيتك غضبى رضيتك، وإلّا فلنفترق”.ولتكن كلماتنا مفتاحًا للخير، مِغلاقًا للشرّ، نبني حياتنا بوحيٍ من هدي نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، نتنسّم عبير شذاها مستجيبين لنداء ربّ العالمين {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} البقرة:83.