تلعب الجمعيات التاريخية والثقافية في الجزائر دورًا محوريًا في صون الذاكرة الوطنية والمحافظة على التراث النضالي، من خلال نشاطات توثيقية وتربوية تهدف إلى إبراز مراحل الكفاح الوطني ونقل قيمه إلى الأجيال الصاعدة. وقد ساهمت هذه الجمعيات، عبر مبادراتها المنتظمة، في تعزيز الوعي بتاريخ الثورة التحريرية والتعريف برموزها ومآثرهم. وفي هذا السياق، تعتبر مؤسسة 8 ماي 1945 من أبرز الهيئات المنخرطة في جهود الحفظ والتوثيق، حيث أوضح رئيسها، المجاهد عبد الحميد سلاقجي، أنّ المؤسسة عملت على جمع شهادات المجاهدين والمناضلين وأبناء الشهداء الذين عاشوا محطات حاسمة من تاريخ الجزائر إبان الاستعمار. وقد تمّ تسجيل هذه الشهادات بالتنسيق مع مؤسسات إعلامية وطنية، بهدف وضعها تحت تصرف الطلبة والباحثين، في انتظار استكمال مشروع إنشاء مرصد وطني故 لذاكرة 8 ماي 1945، الذي من شأنه أن يضم أرشيفًا غنيًا من الصور والوثائق. كما ساهمت المؤسسة في إنجاز فيلم وثائقي يوثّق تسلسل الأحداث التي أعقبت مجازر 8 ماي 1945 وصولًا إلى اندلاع ثورة أول نوفمبر، ضمن جهود وزارة المجاهدين لصون الذاكرة الوطنية. من جهتها، تواصل مؤسسة ذاكرة الولاية الرابعة التاريخية، التي أسسها المجاهد الراحل يوسف الخطيب، العمل على جمع وتوثيق الشهادات المتعلقة بالولاية الرابعة. وحسب الكاتب العام للمؤسسة، يحيى الشلفي، فقد تمكنت اللجنة العلمية من تسجيل أكثر من 3.000 شريط سمعي بصري وجمع نحو 2.000 صورة تاريخية، ما ساعد في التعرف على شهداء لم تكن هوياتهم أو رتبهم العسكرية معروفة. وتعمل المؤسسة حاليًا على تحويل هذه الشهادات إلى نصوص مكتوبة لتسهيل الاستفادة منها أكاديميًا وبحثيًا. وفي إطار إحياء المناسبات الوطنية، تنظم المؤسسة فعاليات داخل المؤسسات التربوية والجامعية والمراكز الثقافية عبر الولايات التي شملتها الولاية التاريخية الرابعة، بهدف غرس الوعي التاريخي لدى الجيل الجديد وتعريفه بشخصيات المقاومة والثورة. أما الجمعية الوطنية لضحايا الألغام، فتركز جهودها على ملف الألغام التي زرعتها فرنسا خلال الاحتلال، والتي ما تزال مخلفاتها تشكل خطرًا على السكان. وفي هذا الإطار، دعا رئيس الجمعية، المجاهد محمد جوادي، إلى ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها والاعتذار عنها. وتعمل الجمعية، من خلال الندوات واللقاءات، على توعية الطلبة والمتربصين في مؤسسات التكوين حول ضحايا الألغام ومعاناة المتضررين. ومن الجمعيات النشطة أيضًا جمعية "مشعل الشهيد" التي تأسست سنة 1999، والتي اكتسبت حضورًا وطنيًا لافتًا بفضل تنظيمها الأسبوعي ل"منتدى الذاكرة"، حيث تستضيف شخصيات وطنية ومؤرخين لطرح قضايا تاريخية مرتبطة بالحركة الوطنية والثورة التحريرية. كما تنظم الجمعية أسبوعًا ثقافيًا-تاريخيًا سنويًا بمناسبة اليوم الوطني للشهيد، إلى جانب مسابقات وأنشطة تربوية بالتنسيق مع مديريات التربية، بهدف غرس قيم الوطنية وربط الناشئة بتاريخ بلادهم. وتعكس هذه الجهود مجتمعة الدور الحيوي الذي تضطلع به الجمعيات التاريخية والثقافية في الحفاظ على التراث الوطني، وتحصين الذاكرة الجماعية، وتعزيز الروابط بين الأجيال عبر رواية تاريخ نضالي مشترك صنع هوية الجزائر المستقلة.