أوصى المشاركون من الخبراء والمسؤولين في الجلسات الوطنية للإصلاح الجبائي بضرورة استرجاع الثقة بين المواطنين والإدارة الضريبية، وهو الأمر الذي لن يتحقق دون تجسيد العدالة الجبائية بين أجراء وأغنياء الجزائر، حيث تبقى جيوب الجزائريين المستهدف الأول لملء خزائن الدولة من الجباية العادية، بينما يفلت أصحاب الأموال الطائلة من الأثرياء من مقصلة الضرائب. وكان الوزير الأول، عبد العزيز جراد، قد اعترف أمام الحاضرين في الجلسات الوطنية للإصلاح الجبائي، المنظمة الأسبوع الماضي بقصر المؤتمرات، بعدم وجود عدالة جبائية، قائلا: "إن الجباية التي تقتطع مباشرة من الدخل لأبرز مثال على عدم وجود عدالة ضريبية". نفس الموقف بدر في وقت سابق عن مجلس المحاسبة في تقريره حول مشروع الميزانية لسنة 2016، حيث اعترف هذا الأخير بارتفاع قيمة الضرائب المفروضة على أجور الجزائريين الذين ساهموا بطريقة غير مباشرة في تعزيز موارد الخزينة العمومية من الضرائب. وأكدت مصادر عليمة، في تصريح ل"الخبر"، أن قيمة الضرائب المقتطعة من أجور الجزائريين في شكل ضريبة على الدخل الإجمالي "إي أر جي" تبقى تمثل أكثر من 25 في المائة من إجمالي الجباية العادية المحصلة من طرف مصالح إدارة الضرائب. وحسب نفس المصادر، فإن "إي.أر.جي" تبقى الضريبة الوحيدة التي تحصل من طرف إدارة الضرائب دون عناء، حيث تقتطع مباشرة من الأجور قبل صبها في جيوب الجزائريين. في السياق ذاته، كشفت ذات المصادر عن اقتطاع ما قيمته 800 مليار دينار سنويا من أجور العمال أي 80 ألف مليار سنتيم، في الوقت الذي لا تتجاوز قيمة الضرائب التي كان يدفعها أثرياء الجزائر في شكل ضريبة على الممتلكات 100 مليون دينار سنويا (10 ملايير سنتيم)، وهو ما يترجم مدى الهوة الشاسعة بين طبقتين من الجزائريين، الأولى تعيش الغنى الفاحش، أما الثانية فتلامس عتبة الفقر المدقع. ولا تعكس قيمة الضرائب على الممتلكات المحصلة طيلة السنوات الماضية الثروات الطائلة التي جمعها مليارديرات الجزائر من نهب أموال الشعب، بعد أن هرب الجزء الأكبر منها إلى دول أجنبية ترفض حاليا التعاون مع الجزائر لتسهيل مهمة استردادها. وتعتبر جيوب الطبقة المتوسطة من العمال الفئة الأكثر استهدافا من الاقتطاعات بالنظر إلى العدد الهائل من الجزائريين من ذوي الدخل المحدود وهي غالبا الفئة التي يتراوح دخلها حسب التقديرات الإحصائية ما بين 30 ألف و50 ألف دينار، وذلك رغم إلغاء الضريبة على الدخل الإجمالي بالنسبة لذوي الدخل الأقل أو يساوي 30 ألف دينار وذلك بموجب ما تضمنه قانون المالية التكميلي لهذه السنة. أما عن مشروع رقمنة الإدارة الجبائية، والذي مثل أهم توصيات الجلسات الوطنية للإصلاح الجبائي، تساءلت المصادر ذاتها عن مصير مشروع مماثل أطلقته إدارة الضرائب بالتعاون مع شريك إسباني منذ عشر سنوات وصرفت عليه ما يتجاوز 27 مليون أورو، لتبقى إدارة الضرائب تبحث إلى غاية الآن عن نظام معلوماتي فعال للحد من ظاهرة التهرب الضريبي. فهل سيتم تحيين هذا النظام؟ أم طي صفحته نهائيا رغم اعتماده حاليا من طرف بعض المراكز الضريبية؟ وفي سياق مغاير، أكدت المصادر نفسها على ضرورة توفير الوسائل المادية والبشرية لتكثيف عمليات الفحص الضريبي، حيث يبقى العدد المحدود لمراقبي الحسابات أحد أهم العراقيل التي تحول دون تراجع ظاهرة التهرب الضريبي، حيث تحصي إدارة الضرائب ما يقل عن 200 مراقب موزع عبر كامل التراب الوطني، توكل إليهم مهام الفحص الضريبي.