تحول مركب الحديد والصلب المتواجد بالمنطقة الصناعية "بلارة" ببلدية الميلية في ولاية جيجل، إلى عنوان يترجم نجاح الاستثمارات في إطار الشراكة الجزائرية–القطرية بصفة خاصة والعربية- العربية عامة، كونه تمكن في ظرف وجيز من تلبية حاجيات السوق المحلية من مادة حديد التسليح، وولوج الأسواق العالمية عن طريق تصدير فائض الإنتاج، إضافة إلى خلق عدد معتبر من مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة، ما جعله يحظى باهتمام بالغ من طرف مسؤولي البلدين من خلال الانطلاق في مشروع لتوسعته. أشرف قبل أيام كل من رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون وأمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على هامش القمة العربية التي انعقدت بالجزائر، على تدشين مركب بلارة للحديد والصلب التابع للشركة الجزائريةالقطرية للصلب، وإطلاق مشروع لتوسعته تنفيذا لمذكرة التفاهم التي تم التوقيع عليها في شهر فيفري الماضي بالعاصمة الدوحة من طرف سفير الجزائربقطر مصطفى بوطورة عن الجانب الجزائري ورئيس مجلس إدارة "قطر ستيل أنترناشيونال" خالد بن حمد العبيدلي عن الجانب القطري بمناسبة زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية إلى قطر. وسيساهم المشروع المذكور في الرفع من قدرة إنتاج المركب مستقبلا إلى أربعة ملايين طن سنويا، حيث أشار مسؤولو الشركة إلى أهمية ذلك في ضمان تنويع المنتوج ودعم ومرافقة مختلف الشركات الصناعية والتحويلية في الجزائر، إضافة إلى تلبية حاجيات السوق الوطنية وزيادة حجم الصادرات، وهو الهدف الذي تم تسطيره عند إنشاء الشركة.
مشروع التوسعة سيرفع من عدد العمال إلى أربعة آلاف
ويوصف مركب بلارة للحديد والصلب بكونه أكبر قطب صناعي واقتصادي بالمنطقة، ومن أهم مصانع الحديد على الصعيد القاري، حيث يتربع على مساحة تقدّر ب 216 هكتار، وكان قد شرع في إنجازه سنة 2015، بعد ميلاد الشركة الجزائرية – القطرية للصلب التي تأسست سنة 2013 في إطار شراكة أبرمت وفق قاعدة 51/49 ممثلة في كل من مجمع سيدار والمجلس الوطني للإستثمار من جهة، ومجمع قطر ستيل أنترناشيونال من جهة ثانية، وذلك بغلاف مالي قدّر بأزيد من 2 مليار دولار. ويضم المركب في مرحلته الأولى تسع وحدات، ويتعلق الأمر بوحدات الدرفلة، الأفران الكهربائية، إنتاج الجير، وحدة إنتاج الغازات الصناعية، وحدة استقبال ونقل المواد الخام، وحدة معالجة المياه ومحطة توليد الطاقة الكهربائية، وذلك بقدرة إنتاج إجمالية تفوق مليوني طن سنويا من مختلف أنواع حديد التسليح ذات أقطار تتراوح بين 8 و40 ميليمترا ولفائف الأسلاك الحديدية، والتي شرع في استغلالها على مراحل بدءا من شهر أكتوبر من سنة 2017، بعد تدعيمها بأحدث التقنيات العالمية سواء في مجال الجودة، أو فيما يتعلق بالأمن والسلامة وكذا الحفاظ على البيئة. وحسب إدارة الشركة الجزائرية–القطرية للصلب، فإن المركب يشغل حاليا أزيد من 2430 عامل من بينهم 2241 من الجزائريين، في ظل توقعات ببلوغ حوالي أربعة آلاف عامل بعد دخول مشروع التوسعة مرحلة الاستغلال.
توقعات بتصدير ما قيمته 220 مليون دولار هاته السنة
وعلى الرغم من كون المركب شرع في الإنتاج بصفة تدريجية في شهر أكتوبر من سنة 2017، إلا أن القائمين عليه يؤكدون بأن دخوله مرحلة الاستغلال الفعلي لم يكن إلا في شهر فيفري من سنة 2021، وذلك في أعقاب تشغيل وحدة الاختزال المباشر التي تعدّ القلب النابض للمصنع، بطاقة إجمالية تقدّر ب 7500 طن يوميا من الحديد وبمعدل تشغيل يصل إلى ثمانية آلاف ساعة في السنة، حيث تعمل الوحدة بالاعتماد على تقنية أمريكية فائقة التطور يطلق عليها إسم "ميدركس" والتي تعتبر الفريدة والأكبر من نوعها في العالم، من حيث أنها تقوم بإنتاج الحديد المختزل بنوعين البارد والساخن دو جودة عالية بنسبة نقاوة تفوق 94 بالمائة، إضافة إلى كونها تسمح بخفض تكلفة الإنتاج من خلال توفير الطاقة والحفاظ على البيئة. وتمكّن المركب بفعل ذلك من مضاعفة الإنتاج والشروع في التسويق نحو دول عربية وأوروبية، حيث تم تحقيق 110 مليون دولار خلال سنة 2021 كعائدات لعمليات التصدير التي مست 180 ألف طن من حديد التسليح بأنواعه والبلاطات. في وقت تتوقع فيه إدارة المركب بلوغ 220 مليون دولار كرقم أعمال خاص بالتصدير هاته السنة، بعدما تم استهداف أهم الأسواق في كل من قارة أوروبا، إفريقيا، آسيا وأمريكا، حيث تشير الأرقام بأنه تم خلال النصف الأول من السنة تصدير حوالي 200 ألف طن بقيمة مالية قدرت ب 140 مليون دولار. واعتبر مسؤولو المركب بأن قدرة الشركة الجزائرية–القطرية على دخول الأسواق العالمية، خاصة ما تعلق بالصين، إيطاليا والولايات المتحدةالأمريكية، ومنافسة مختلف الشركات الدولية التي تنشط في هذا المجال يأتي بالنظر إلى جودة المنتوج الذي تقوم بتسويقه، سيما وأن المركب –حسب ذات المصدر- تحصّل خلال السنة الماضية على الشهادة العالمية لنظام إدارة الجودة "إيزو 9001" من طرف المنظمة الدولية للمعايير، وهو النظام الذي يقوم على مراقبة مستوى الجودة وإدارة العمليات في الشركة ويوضح المعايير والطرق التي يمكن من خلالها الارتقاء بالخدمات إلى أعلى المستويات، كما يساعد على تطوير آلية أداء الأعمال في مختلف المجالات، إضافة إلى تمكنه من بلوغ مليون ساعة عمل بدون حوادث.
المركب ساهم في تزويد مستشفيات الوطن بالأكسجين
ويأتي دخول الشركة الجزائرية–القطرية للصلب إلى الأسواق العالمية رغم العراقيل التي واجهتها من جراء تداعيات وباء كورونا خلال سنتي 2020 و2021، والتي وصلت إلى حد توقف بعض وحداتها عن النشاط، خاصة بعد الاضطرابات التي شهدتها السوق الدولية وارتفاع أسعار الحديد الخام الذي يتم جلبه من الخارج، وكذا تضاعف تكاليف النقل البحري للبضائع. بمقابل ذلك تمكنت الشركة في إطار المسؤولية الاجتماعية من تزويد العديد من مستشفيات الوطن بمادة الأكسجين الطبي على مدار عدة أشهر، والمساهمة في التكفل بمرضى كوفيد 19، وذلك بعد تشغيلها لوحدة فصل الغازات التي انطلقت في البداية في إنتاج 40 ألف لتر يوميا، قبل رفع إمداداتها من هاته المادة إلى أزيد من 80 لترا يوميا في شهر أوت من سنة 2021، بعد تسجيل تزايد في الطلب على الأكسجين بمختلف المؤسسات الاستشفائية بالتزامن مع ارتفاع عدد الإصابات بالوباء في أوساط المواطنين.
نهائي الحديد بميناء جن جن... استثمار آخر
كما تدعّم مركب الحديد والصلب لبلارة مؤخرا بنهائي للحديد تم إنجازه على مستوى ميناء جن جن، بهدف تسهيل عمليات التموين بالمادة الأولية وتصدير مختلف المنتجات، ويتربع النهائي المذكور على مساحة إجمالية تقدّر بعشر هكتارات مفتوحة على الرصيف الغربي للميناء، وبقدرة تخزين تفوق 573 ألف طن، حيث شرع في استغلاله تدريجيا خلال الأشهر الأخيرة في مجال الشحن والتفريغ، وتمكّن من استقبال أكبر باخرة تجارية منذ نشأة الميناء سواء بالنظر إلى حجمها، حيث بلغ طولها 292 متر وعرضها 45 مترا، أو فيما يتعلق بالحمولة التي قدّرت ب 105 ألف طن من خام الحديد الموجّه للمصنع. ومن شأن هذا النهائي أن يسهّل على الشركة الجزائرية–القطرية للصلب، القيام بمختلف المعاملات التجارية، خاصة بعد ربطه بالمركب بواسطة خط للسكة الحديدية مواز لخط جيجل - قسنطينة على مسافة تقدّر ب 49 كيلومترا، والذي أنجز في إطار مشروع أشرفت عليه المؤسسة الوطنية للسكك الحديدية، حيث أمر والي الولاية في زيارة قادته مؤخرا إلى ميناء جن جن، بضرورة الشروع في استغلال هذا الخط لتفادي الازدحام المروري الذي يشهده الطريق الوطني 43.
الرهان على دخول منجم غار جبيلات مرحلة الاستغلال
وتراهن الشركة الجزائرية – القطرية للصلب على منجم غار جبيلات بولاية تندوف لضمان تخفيض تكلفة الإنتاج وتقليص فاتورة الاستيراد ومن ثم التأثير بشكل إيجابي على أسعار مادة حديد البناء التي تعرف ارتفاعا في السوق الوطنية والدولية. وبرأي مسؤولي الشركة، فإن دخول المنجم المذكور الذي شرع في العمل به خلال الصائفة الماضية حيز الاستغلال مستقبلا سيعود بالفائدة على مركب بلارة ويرفع من قدرته التنافسية على الصعيدين الوطني والدولي، خاصة وأن المصنع يعتمد منذ بداية نشاطه على خام الحديد المستورد من الخارج والذي يعرف سوقه اضطرابات وعدم الاستقرار منذ تفشي جائحة كورونا.