الوزير الاول يلتقي عضو المجلس الرئاسي الليبي: الكوني يدعو الرئيس تبون لمواصلة المساعي لتجنيب ليبيا التدخلات الخارجية    رئيس المجلس الوطني الكونغولي في زيارة رسمية إلى الجزائر    يُبرز التطور الذي عرفه قطاع البناء في الجزائر: 900 مشارك في الطبعة 26 لصالون باتيماتيك    اتحاد الفلاحين يدعو للانخراط بقوة في الإحصاء العام: توقّعات بتحقيق نتائج إيجابية جدا في إنتاج الحبوب    خلال استقباله رئيس الفيدرالية الجزائرية لصناعة الأحجار والمواد المعدنية: عرقاب يبحث تنفيذ الاتفاقية مع الجمعية الإيطالية لمنتجي الرخام    دعا الدول الاسلامية إلى اتخاذ قرارات تعبر عن تطلعات شعوبها: الرئيس تبون يشدّد على محاسبة مرتكبي جرائم الحرب    أكّدت أن أي عملية برية ستؤدي إلى شل العمل الإنساني    وزير الداخلية إبراهيم مراد يشرف على تمرين مشترك ويؤكد: يجب تجسيد التعاون بين الحماية المدنية في الجزائر و تونس    في دورة تكوينية للمرشدين الدينيين ضمن بعثة الحج: بلمهدي يدعو للالتزام بالمرجعية الدينية الوطنية    مساع لتجهيز بشيري: الهلال يرفض الاستسلام    البطولة الإفريقية للسباحة والمياه المفتوحة: 25 ميدالية بينها 9 ذهبيات حصيلة المنتخب الوطني    رئيس الاتحادية للدراجات برباري يصرح: الطبعة 24 من طواف الجزائر ستكون الأنجح    بهدف تحسين الإطار المعيشي: انطلاق عديد مشاريع التهيئة الحضرية بمختلف البلديات بقسنطينة    وزيرة الثقافة زارتها بعد إعلان مرضها    مديرية الاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة المراسل الصحفي عبد الحليم عتيق    على هامش أشغال مؤتمر القمة 15 لمنظمة التعاون الإسلامي ببانجول: العرباوي يجري محادثات مع نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي    الأمين العام لحزب جبهة التحرير،عبد الكريم بن مبارك،من تمنراست: حزب الأفلان سيخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة موحدا ومتماسكا    قمّة كلاسيكية مثيرة بين "أبناء سوسطارة" و"الكناري"    تقدير لجهود الجزائر في توطين الصّيرفة الإسلامية    برنامج الجزائر الجديدة في حاجة إلى المؤمنين بالمشروع الوطني    تباحث سبل تعزيز التّعاون الثّنائي    بعد رواج عودته الى ليستر سيتي: إشاعات .. وكيل أعمال محرز يحسم مستقبله مع الأهلي السعودي    طريق السلام يمرّ عبر تطبيق الشرعية الدولية    غيريرو يغيب عن إيّاب رابطة أبطال أوروبا    إقبال واسع على معرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط    طاسيلي للطّيران..رحلتان يوميا على خط الجزائر - باريس    من ظاهرة النصب والاحتيال عبر الأنترنت الدرك الوطني يحذّر..    هذه تواريخ سحب استدعاءات المترشّحين    ثلاث ملاحم خالدة في الذّاكرة الوطنية    جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تنظم لقاءً    موقع إلكتروني لجامع الجزائر    على الجميع الالتزام بالمرجعية الدّينية الوطنية    المجلس الشعبي الوطني : يوم برلماني حول "واقع سياسة التشغيل في الجزائر"    بموجب مرسوم تنفيذي : إنشاء القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة لمازونة بولاية غليزان وتعيين حدوده    جيجل: إعادة فتح حركة المرور بجسر وادي كيسير بعد إصلاحه    الأيام السينمائية الدولية بسطيف: 21 فيلما قصيرا يتنافس على جائزة "السنبلة الذهبية"    "معركة الجزائر" تشحذ همم الطلبة الأمريكيين للتنديد بالعدوان الصهيوني على غزة    التوعية بمخاطر الأنترنت تتطلب إدراك أبعادها    فلسطين: ارتفاع حصيلة الشهداء جراء العدوان الصهيوني على غزة إلى 34 ألفا و683    الصحة العالمية: هجوم الكيان الصهيوني على رفح قد يؤدي إلى "حمام دم"    حماية الطفولة: السيدة مريم شرفي تستقبل من قبل وزير المصالح الاجتماعية بكيبك    الجزائر تستنفر العالم حول المقابر الجماعية بغزّة    ميلة: قافلة طبية لعلاج المرضى بسيدي مروان    إجراءات للوقاية من الحرائق بعنابة: تزويد محافظات الغابات في الشرق بطائرات "الدرون"    رئيس الجمهورية يهنئ نادي فتيات أقبو    المعالم الأثرية محور اهتمام المنتخبين    أول وفد لرياضيينا سيتنقل يوم 20 جويلية إلى باريس    النزاع المسلح في السودان.. 6.7 مليون نازح    اقترح عليه زيارة فجائية: برلماني يعري فضائح الصحة بقسنطينة أمام وزير القطاع    الالتقاء بأرباب الخزائن ضمانا للحماية    البروفيسور الزين يتوقف عند "التأويلية القانونية"    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    برنامج مشترك بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أريس كلثوم: مجاهدة قهرت السجان بكبريائها
ابنة شهيد وأرملة آخر
نشر في المساء يوم 06 - 03 - 2016

عندما يتعلّق الأمر بالأرض والوطن، لا مكان للجدال والنقاش فالمرأة مثلها مثل الرجل تحمل من الكبرياء والأنفة ما يجعلها في صدارة الأحداث وفي الصفوف الأولى لأي عمل عنوانه الكفاح والنضال من أجل الوطن والإنسان، والمجاهدة كلثوم أريس من نساء الجزائر الكثيرات اللواتي قدّمن النفس والنفيس لتحيا الجزائر حرة مستقلة، فقدّمت والدها إلى محراب الشهادة، ومثله زوجه، فترمّلت وهي صبية لم تتجاوز الثامن عشرة، وبقيت على عهد الشهداء بعد الاستقلال، وتخطت كلّ الصعاب من أجل أن تحافظ على ما يربطها بالذاكرة.
الحديث مع المجاهدة أريس كلثوم لا يخلو من الشجون والحسرة، مثلما لا يخلو من الذكريات المؤلمة التي خلفها المستعمر الفرنسي، حالها في ذلك حال الآلاف من الجزائريين والجزائريات الذين عرفوا التهجير والتعذيب وذاقوا الويلات، تهمتهم الوحيدة أنّهم عشقوا الجزائر وأرادوا لها الأفضل، ولنهل شيء ولو يسير من مسيرة نضالها، استضافت هذه المجاهدة "المساء" في بيتها وفتحت معها ملفات الجهاد والشهادة وواجب الحفاظ على الذاكرة.
البداية كانت من دشرة "إقجدال" ببلدية آيت شافع دائرة أزفون ولاية تيزي وزو، حيث ترعرعت المجاهدة التي كانت تتميّز منذ صغرها بالحيوية، الفطنة والذكاء، ولا زالت كذلك، علاوة على جمالها الذي يخطف الأبصار، حيث تحمل ملامح أوروبية بعينين الزرقاوتين، وتشير مستضيفتنا إلى أنّها تنتمي إلى عائلة التحقت باكرا بالعمل الثوري فزوجها الوناس أريس ووالدها أحمد أريس وكذا أشقاؤها أكلي، ارزقي وسعيد وعلي كلّهم التحقوا بالثورة في لحظاتها الأولى إلى جانب آكلي بلوصيف، محند وعلي بوسوالم، والسعيد بوسوالم، وشكّلوا بذلك في الرعيل الأوّل ممن التحقوا بالجبل في المنطقة، وأضافت أنّها عانت ألم التهجير مع أفراد عائلتها التي شتّتها المستعمر إلى مداشر اعزوزن، اولخو وثيفزوين، وكذا لعزيب وابحريزن، كما عرفت قهر السجن ولوعة فراق ابنها الوحيد "سعذي".
"نا كلثوم" هجّرت نحو دشرة "لعزيب" وهناك قدّمت الدعم للمجاهدين بعد أن قدّمت للوطن أعز ما تملك، بالمؤن والعتاد والدعم المعنوي إلى جانب مجاهدة أخرى هي "فاظمة قارو"، وهنا أشارت إلى أنّها كانت تجمع المؤن والنقود ثم تعيد توزيعها على عائلات المجاهدين، كما كانت تشرف على إعداد الطعام للمجاهدين عندما يأتون لتفقّد أحوال القرية، موضّحة انّها كانت عندما تجمع المؤونة والأغطية من عند العائلات كانت تخبئها داخل "زنبيل" وتغطيها برفث الحيوانات وتحمله على حمار، كي لا يكتشف أمرها الجنود الفرنسيون، وتقوم بجولتها متحدية في ذلك الخوف والأعين الراصدة.
وتروي قصة حدثت معها، عندما بنت غرفة صغيرة بقرية "لعزيب" اتّخذتها مكانا لتخبئ فيه المؤونة والمساعدات الموجّهة للمجاهدين، وكان احد الحركى يرى في الليل ضوءا خافتا فيه، فما كان منه سوى ان اعلم الجنود الفرنسيين بذلك والدليل على ذلك أنّني حامل، فقدم ضابط فرنسي برتبة "ملازم" معروف باسم "الروجي" وطلبني من بين جماعة من النسوة كنت جالسة معهن، وروت قائلة "وقال لي" تعالي ولا تخافي" وسألني على لسان مترجم إن كان زوجي يزورني، وطلب مني أن اثنيه عن الجهاد" فما كان مني سوى أن طلبت منه أن يزورني في المرة القادمة حين يلمح الضوء، ولن افتح حتى اتحقّق من أنّه الضابط، وتوجّهت بالكلام للحركي، وقلت له إذا كنت حاملا فلابدّ لفرنسا ان تعاقبني فهي دولة حق، كما عليك ان تثأر لشرفك الذي لطخته".
وواصلت هذه المجاهدة دعمها للمجاهدين إلى أن تمّ اكتشاف أمرها من قبل الاحتلال، وهنا تقول "نا كلتوم" انّه عقب هذا تمّ تجميع زوجات المجاهدين وأهاليهم في ساحة القرية، وتمّ اقتيادها رفقة "ثامحموط" إلى المركز العسكري بتهمة التواطؤ مع المجاهدين، وبعدها طردت إلى "بونعمان"، وعند وصولا إلى هناك استقبلوا أحسن استقبال وتمّ إطعام الأطفال وتوزيع الدقيق والتين المجفّف عليهم، ثمّ التحقوا بدشرة "إجرمنان" ف"ثيفزوين" وتمّ التكفّل بهم.
بدشرة "تيفزوين" استدعاهم شيخها، طلب منهم إما البقاء أو اللحاق بأفراد عائلاتنا المشتتين، فطلبت "نا كلتوم" الذهاب إلى حيث لا يعرفها أحد، لكن في طريقها إلى "آث سيدي يحي" وجدتها محاصرة من طرف المظليين الفرنسيين، ونفس الشأن بقرية "آث فليق"، فعادت أدراجها، لكن حركي تعرّف عليها هي ومن معها، واقتادوها إلى ثكنة "اعزوزن" مرورا بطريق "ثزاغارث"، "اغيل امحند"، "جامع لعزيب"، "أولخو" وصولا إلى "اعزوزن"، حيث تمّ اقتيادها فوق مدرعة عسكرية واضعة ابنها "سعدي" في حجرها، لكن أحد الحركى رفض أن تصطحبه معها إلى مكتب "لاصاص"، فما كان عليها إلا أن ألقت به بكلّ شجاعة عند وصولها إلى الثكنة إلى المدرعة، وعن سؤال إذا ما طاوعها قلبها على ذلك، أوضحت أن وجدانها كان يتمزّق لكنّها كانت متأكّدة أنّ ابنها سيلقى الرعاية من طرف السجينات الأخريات بالثكنة.
وتواصل السيدة أريس سردها لوقائع سجنها بثكنة "اعزوزن"، حيث تمّ استنطاقها وتعذيبها وتجريدها من ملابسها بتهمة التواطؤ ومساعدة المجاهدين، لكنّها كانت في كلّ مرة ترمي عن نفسها التهم وتجد الأجوبة عن أسئلتهم بكلّ فطنة وذكاء، وهناك تستحضر بكلّ أسى استشهاد "محديد أحند" الذي قتله الجنود ثمّ حملوه فوق حمار ورموه عند مجرى مائي، لتعود وتتحدّث عن عملية استنطاقها، حيث أوضحت أنّها خضعت له مرتين، وتمّ تهديدها بأخذها إلى ساحة "آيت شافع" عارية، وما كان منها إلا أن تحدّت جلادها بفعل ما يقوله، ووضعت في زنزانة انفرادية، وهنا تتحدّث عن الحركي "رشيد عبدلي" المعروف ب"رشيد أبعيش" الذي حاول مساعدتها والتخفيف عنها وطأة الحبس وألم فراق ابنها، وأوضحت أنّه تحلى ببعض الإنسانية واتى بابنها سعذي الذي تلقى معاملة خاصة.
وبعد عامين في السجن الذي دخلته في صيف 1959 حيث عرفت الأمرين، تضيف محدّثتنا، تمّ إطلاق سراحها لكن وضعت تحت الإقامة الجبرية وبضمان المدعو أحند تمال، لكن الاستعمار عاود إلقاء القبض عليها مرة أخرى إلى جانب 45 امرأة أخرى كن يجمعن الحطب، وتمّ إطلاق سراحهن جميعا باستثنائها، إلى أن ضمنها بعض الحركى، وعادت إلى بيت تمال.
أرملة الشهيد الوناس أريس تذكرت مع "المساء" بعض الأحداث التي لا تزال عالقة في ذهنها، على غرار استشهاد اعمر بوسوالم الذي كان ابن دشرتها، وكيف تحدى المستعمر عندما قرّر الخروج إلى المرعى مع ابنه وأخيه ضاربا بذلك قرار حظر الخروج من الدشرة إلى الحقول والخلاء عرض الحائط، وفي هذا تقول "أصرّ الشهيد اعمر بوسوالم على الخروج لجمع الحطب والرعي، رغم الحظر الذي فرضته فرنسا، فعرّج عليه بعض حركي مع عدد من الجنود الفرنسيين مرتدين برانيس ظنّ أنّهم من المجاهدين فما كان منهم إلا ان حذّرهم من الجنود الموجودين في المنطقة، فما كان من الفرنسيين إلا القبض عليه واستعماله كدرع لهم، فقرّر بعض أهالي القرية ارسال المدعو أحند بوسوالم للمجاهدين لإبلاغم بوجود الفرنسيين، لكنّ الفرنسيين لحقوا به وأطلقوا عليه رصاصة اخترقت خدّه وخرجت من عنقه" وتواصل بالقول أنّ الجنود الفرنسيين طلبوا من اعمر بوسوالم الذهاب إلى البيت وقبل ان يصل أطلقوا عليه النار في الظهر"، وهنا تاكّد أنّها اوّل من سمع دوي الرصاصة، حيث خرجت من البيت مسرعة بعد ان وضعت ابنها سعذي في حجر جدّته، فوجدت الشهيد اعمر مصابا بين كتفيه مرميا على بساط من الزيتون، وسبقت إليه ابنتيه رزيقة وفاظمة وزوجته، وكانت رابعتهم.
كما تتحدّث "نا كلثوم" عن ما شهدته بقرية أولخو مع المدعوة "فاظمة لعزيب" وأبنائها، حيث تأكّد انّهم استشاروا المجاهدين في قضية العمل مع فرنسا، وسمحوا لهم بشرط أن يدعموا الاهدين بالمؤونة والسلاح وكذا المعلومات وهو ما كان، لكن تمّ اكتشاف أمرهم من قبل الفرنسيين بعد "بيعة" احد الخونة، لكن للأسف لم يجدوا الدعم من طرف إخوانهم المجاهدين بالرغم من تعاونهم، واتّهموا بعد الاستقلال بالعمالة لفرنسا.
محدّثتنا، التي كانت تبلغ 16 عاما عندما انجبت ابنها الوحيد، تحمد اللّه على انّها بالرغم من الأهوال التي عرفتها على يد الفرنسيين عاشت لترى الجزائر مستقرة وترى أحفادها في كنف الجزائر التي سقي كلّ شبر منها بدماء الشهداء الطاهرة، التي ثار جنود جيش التحرير في سبيل حقها، ومن اجل استقلالها قاموا بالحرب، فعقدوا العزم على أن تحيا وعزفوا نغمة الرشاش لحنا، وتؤكّد على ضرورة حفظ الذاكرة الوطنية من الزوال خاصة مع رحيل المجاهدين الواحد تلو الأخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.