سلمت القوات البريطانية أمس، مقاليد تسيير الأمور الأمنية بمدينة البصرة للقوات العراقية في خطوة أخرى ممهدة لانسحاب نهائي لقوات الاحتلال البريطانية من العراق···وتمت عملية التسليم والاستلام صباح أمس، بمطار المدينة الذي تحول إلى أكبر قاعدة عسكرية لقوات التحالف المحتل بحضور وزير الدفاع البريطاني الذي سلم الأمور العسكرية والأمنية لعسكريين عراقيين· وقال وزير الخارجية البريطاني دافيد ميليباند في بيان لوزارته أن العملية تعد تقدما كبيرا، وبما يؤكد على قدرة القوات العراقية على تحمل مسؤولياتهما في ضمان الأمن في المحافظة وهو ما أكد عليه وزير الدفاع البريطاني دي براون الذي وصف نهار أمس بأنه يوم مشهود رغم أن الرحلة كانت صعبة ورغم أن نهاية الطريق لم تظهر في الأفق بعد في نفس الوقت الذي حيا فيه أرواح 174 عسكريا بريطانيا الذين لقوا حتفهم في العراق وتحديدا في مدينة البصرة· والواقع أن انسحاب القوات البريطانية من العراق يتم وفق رزنامة وضعها رئيس الوزراء غولدن براون بمجرد توليه مقاليد السلطة ربيع العام الماضي خلفا لسابقه طوني بلير الذي أرغم على التنحي بعد أن عصفت به رياح الحرب في العراق، وبعد أن أصرّ على عدم سحب القوات الملكية البريطانية من المستنقع العراقي· ولذلك فإن القول بقدرة القوات العراقية على تحمل مسؤولياتها الأمنية من أكبر المدن وأكثرها أهمية في العراق لاحتوائها على أكبر حقول النفط والموانئ النفطية يبقى محل شكوك حتى وإن أكدت القوات البريطانية أن نظيرتها العراقية أصحبت مهيأة لذلك· ويُبدي الكثير من المتتبعين بمن فيهم سكان المحافظة مخاوف متزايدة من انفلات الأوضاع الأمنية بقناعة أن القوات العراقية لم تصل درجة تدريبها إلى مستوى ضد هجمات المقاومة أو مختلف الميليشيات الشيعية النشطة في هذه المدينة الاستراتيجية والتي يقول العارفون بخباياها أنها عرفت طيلة الأربع سنوات الأخيرة تكوين مجموعات مصالح مسلحة مستعد عناصرها على استعمال كل الوسائل للمحافظة على امتيازاتهم· وقال مسؤول أمني عراقي بالمدينة وجود 28 ميليشيا مسلحة بسطت سيطرتها على موانئ المدينة وهي مجهزة بأسلحة أكثر تطورا من عتاد قوات الأمن العراقية وهي تستغل الصادرات النفطية وتستورد الأسلحة من الخارج· وتأتي هذه المخاوف رغم نشر الفرقة الرابعة عشر للجيش العراقي وأكثر من 16 ألف شرطي لملء الفراغ الأمني الذي تركته القوات البريطانية· ولم يخف جيش المهدي الذي تعد مدينة البصرة أكبر معقل لعناصره مخاوف متزايدة من احتمال وقوع تدهور أمني وظهور ما أصبح يُعرف في يوميات العراقيين بمجالس الصحوة الشيعية على غرار ما حصل في المحافظات ذات الأغلبية السنية· وتمكنت القوات الأمريكية في الأشهر الأخيرة من استمالة أعيان العشائر بالمال والسلاح وأقنعتهم بتشكيل ميليشيات مسلحة لمواجهة عناصر المقاومة بدلا عنها وهو ما خلق أجواء من اللاأمن وحمل معه مؤشرات لزرع بذور الفتنة واندلاع حرب أهلية بين أبناء البلد الواحد·