كتب الدكتور رضوان بوجمعة عن أستاذه الراحل زهير إحدادن، بعد 34 شهرا من وفاته، بعدما قررت الإدارة الجامعية الجديدة لجامعة الجزائر "3" تسمية أحد مدرجات الجامعة باسم الراحل، أي باسم ذلك الذي أفنى حياته مجاهدا من أجل تحرير الجزائر من ظلمات الاستعمار، ومجاهدا في قطاع التعليم من مقاعد الثانويات إلى مدرجات الجامعة، ومؤلفا للكتب إلى آخر يوم في حياته. قال الأستاذ بوجمعة، إنه جميل تخليد أسماء العظماء الذين عملوا على تعظيم المتواضعين، كان غنيا من كثرة تعففه وظل متشبثا بمبادئه حتى الرحيل. أعمال هذا العملاق ستخلده، وستضيئ للأجيال بعض الأنفاق المظلمة في ماضي وحاضر ومستقبل الجزائر، التي أحبها وأخلص في خدمتها، كما أضاف الأستاذ بوجمعة كاتبا على صفحته الإلكترونية "سنغرس أخلاقه، لتسقى برمزيته جذور مشاتل الأجيال القادمة، مشاتل ستبني الإنسان وتحرره من الجهل والاستعباد والهيمنة، وطغيان الاستعمار في أشكاله القديمة والجديدة". أسهب الكاتب في تناول حياة الراحل زهير احدادن ابن سيدي عيش ببجاية الناصرية، ولد في 17 جويلية من عام 1929، والده هو محند السعيد إحدادن، القاضي الذي علم الأستاذ زهير وحباه بتربية ورعاية عنوانها العلم كطريق للقضاء على الاستعباد والاستعمار. نشأته الاجتماعية وهو طفل وتلميذ، يقصها في مساره، فقد تعلم قيم المقاومة من المرأة الجزائرية الأصيلة، من والدته، ومن القص الشفهي والشعبي ل«نانا جوهرة" شقيقة جده، امرأة متواضعة يخلدها ويعظمها الأستاذ، ويقول عنها في مذكراته "النا جوهرة هي شقيقة جدي، ولدت في حدود 1870، لم تدخل يوما المدرسة، لكنها كانت موسوعة حية، فقد غرست فينا تاريخ المنطقة، والإسلام، والفقه الإسلامي، والقانون العرفي، والطب التقليدي، والثقافة القبائلية، من خلال قصصها وشعرها وأغانيها، وكان لي الحظ أن تعرفت عليها وأنا صغير، وعشت معها إلى أن بلغت سن المراهقة، فإلى جانب والدي، لعبت النا جوهرة دورا كبيرا في تكويني الثقافي". فبالإضافة لأمه باية عبد الرحيم، وجدته، وكل قريباته من لالة زهيرة، ولالة نفيسة وغيرهن من نفيسات العائلة، يحكي دور المرأة الجزائرية التي ابتليت في وجودها، ولعبت دورا لم ننجح إلى حد الآن في الإشادة به، دورا أساسيا في استمرارية الشخصية الجزائرية، وفي ديمومة المقاومة. فزهير احدادن ثمرة في شجرة احدادن الوطنية... من الشيخ الحداد إلى الأمير خالد، إلى مصالي الحاج وبن باديس وفرحات عباس. المسيرة النضالية للأستاذ في مقاومة الاستعمار لم تأت من العدم، بل هي قديمة ممتدة في جذور شجرة الوطنية التي يعتبر أحد ثمارها، فوالد جده الحاج اعلي شارك في ثورة الشيخ أحداد، وكان أحد أبرز منشطي الثورة في منطقة توجة، كما أن خال والده إسماعيل احدادن كان رفيقا للأمير خالد، وقد نفي للمغرب، حيث عاش في مكناس ومات ودفن فيها، كما أن شقيقه الراحل رشيد كان مناضلا في حزب الشعب الجزائري، وشقيقه الأصغر هو الشهيد عبد الحفيظ أحد المتخصصين الأوائل في الذرة النووية، كما أن والده كان متعاطفا مع الشيخ بن باديس وجمعية العلماء، بالإضافة إلى ذلك، فللأستاذ علاقة قرابة مع المناضل والمؤرخ محمد الشريف ساحلي، وعلاقة مصاهرة مع رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس، فشقيقته الكبرى تزوجت أحد أشقاء فرحات عباس. في مذكراته، يحكي زهير ذكرى عن يوم زواجهما، فقد رسخت في ذهن الأستاذ حادثة طريفة، إذ يقول، إن أهل العريس تنقلوا من الطاهير بجيجل إلى توجة بجاية بأعداد كبيرة، فنفذ الطعام الذي حضر للضيوف، فما كان لوالده إلا أن كلف خاله المعروف بالفكاهة لأن يقص كل ما يعرف من قصص مضحكة للضيوف، حتى تنتهي النساء من تحضير كميات كبيرة أخرى من الأكل. من حزب الشعب إلى "المقاومة الجزائرية" و"المجاهد" في العام الدراسي 1947-1948، وبمدرسة قسنطينة ينخرط فقيدنا في حزب الشعب الجزائري، وهو في الثامنة عشر من العمر، بقسم لم يتحرر من عبئه وعظمته، إلا مع وقف إطلاق النار وإعلان الاستقلال. الأستاذ زهير إحدادن هو رفيق مقرب لثلة من شهداء الحركة الطلابية، الذين التحقوا منذ الوهلة الأولى بصفوف جبهة التحرير الوطني، وعلى رأس هؤلاء الشهيد عمارة رشيد، الذي اجتمع رفقته ورفقة المناضل والمجاهد لمين خان بالشهيد عبان رمضان، وكان موضوع الاجتماع، التساؤل عن ما تنتظره جبهة التحرير من الطلبة الجزائريين. نداء الجبهة في 1957 لأستاذنا، هو الاشتغال على الاتصالات والدعاية في مواجهة الآلة الاستعمارية، بين المغرب وتونس، يعمل الفقيد في جريدتي "المقاومة الجزائرية" و«المجاهد"، وكذا الإذاعة، وفي هذه المرحلة، تعرف الأستاذ على الراحل محمد بوضياف الذي كان أول من أطلق جريدة "المقاومة الجزائرية"، كما عمل مع حسين بوزاهر وصادق موساوي، وسي عبد الرزاق وغيرهم، وممن عرفهم كذلك المجاهد والوزير الأسبق الأمين بشيشي، الذي قال عن زهير إحدادن، إن الكثير من المجاهدين كانوا متفقين على تسميته بالطاهر والطهور. ويعود الأستاذ زهير للتعليم بعد الاستقلال، الذي بدأه في متوسطة بمدينة مليانة سنة 1955، ثم أستاذا مؤقتا وغير مرسم في ثانوية "الإدريسي" بالعاصمة بداية من أكتوبر 1962، ليساهم بعدها في بناء المدرسة العليا للأساتذة التي غادرها بعد ذلك، ويعود للتدريس في ثانوية "الإدريسي"، ويرفض عروض تولي المناصب من رفقائه في النضال من محمد الصديق بن يحيى، الذي كان سفيرا آنذاك، ووزير الخارجية محمد خميستي وغيرهما. مع كل المتاعب التي عرفها الأستاذ مع تجربة القيم، تفرغ للجامعة لتكوين أجيال الصحفيين، خاصة أن الجزائر كانت تعرف نقصا فادحا في الإطارات الصحفية، فعين مديرا للمدرسة الوطنية للصحافة سنة 1972، من قبل الوزير الراحل الصديق بن يحيى، أحد أعز أصدقائه، ورغم كل المتاعب والمصاعب، نجح في إنجاز مهامه، وأول مهامه كانت توحيد برنامج التعليم الذي كان فرنسيا في القسم المفرنس ومشرقيا في القسم المعرب، وكان "مسار مناضل"، آخر ما كتب الراحل، ولخص فيه تجربة الحياة والنضال.