يمتد تاريخ الحضارة بعاصمة الشرق قسنطينة التي كانت تُعرف باسم "قيرطة" و"سيرتا" عاصمة المملكة النوميدية، إلى أكثر من 3 آلاف سنة، مر من خلالها الفينيقيون والرومان والبزنطيون قبل أن تخضع للحكم الإسلامي، الذي عززه دخول المنطقة ضمن الإمبراطورية العثمانية، وبعدها عانت الويلات مع الاستعمار الفرنسي لأكثر من قرن من الزمن، حيث تركت كل فترة زمنية بصمتها على المدينة. وكان لتعاقب الأزمنة على المنطقة آثار، جُسدت في معالم تاريخية، أصبحت، اليوم، مقصدا للزوار والسياح من القارات الخمس، بعدما باتت الولاية تضم العديد من مقومات الجذب السياحي التي تستهوي زوارها من كل الجنسيات. تضم قسنطينة العديد من المعالم الأثرية التي تروي تاريخ هذه المدينة، على غرار المتحف العمومي "سيرتا"، الذي يجسد آثار مختلف الحقب الغابرة، وقصر "الحاج أحمد باي" الذي يُعد من الشواهد الحية على الحضارة العثمانية. كما تزخر مدينة العلم والعلماء بمعالم كثيرة، على غرار "نصب الأموات"، وضريح "ماسينيسا"، ومدينة "تيديس" الأثرية التي تُعد متحفا مفتوحا على الطبيعة، وتقع ببلدية بني حميدان، ومسجد "الأمير عبد القادر"، والجسور المعلقة التي تدعمت بجسر ثامن، بات يسمى "جسر الاستقلال". 95 ألف سائح زاروا المدينة السنة الفارطة تشير إحصائيات مصلحة السياحة بمديرية السياحة والصناعات التقليدية في قسنطينة، إلى استقبال أكثر من 95 ألف سائح بين جزائري وأجنبي خلال السنة الفارطة، سواء الذين قدموا بسياراتهم ووسائلهم الخاصة، أو الذين جاءوا في إطار منظم عبر الوكالات السياحية، وفق برنامج مسطر، يضم 13 مسارا سياحيا. كما تشير نفس الإحصائيات إلى أن الولاية تضم 20 فندقا، استقبلت السنة الفارطة 82629 زائر في إطار السياحة المحلية، قضوا 1600 ليلة، فيما توافد على فنادق الولاية 7134 زائر أجنبي، قضوا 23954 ليلة. أما عدد السياح الذين تم استقبالهم عبر الوكالات السياحية، فقد بلغ 5831 سائح، منهم 2556 سائح جزائري زاروا الولاية، و3275 سائح أجنبي جاءوا من فرنسا، وسويسرا، وإيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال، وألمانيا، والمجر، وأمريكا، وحتى من اليابان، والصين، وكوريا الجنوبية وأستراليا، وعدد من دول إفريقيا وأمريكا اللاتنية، حيث استفادوا من مسارات سياحية متنوعة، على غرار المسارات الدينية التي تضم المساجد والزوايا القديمة، تضاف لها مسارات البايات، ومسارات الجسور، ومسارات المناطق الرومانية. وهي المسارات التي تم وضعها عبر الموقع الإلكتروني التابع لوزارة السياحة والصناعات التقليدية، والذي تم من خلاله إدراج 31 موقعا سياحيا بعاصمة الشرق، إضافة إلى 13 مسارا سياحيا. وسيسمح وضع المسارات السياحية ضمن دليل إلكتروني شامل في موقع وزارة السياحة والصناعات التقليدية، بتقديم الإضافة لقطاع السياحة، بما في ذلك الترويج للأماكن والمدن، وتشويق السائح لهذه الأماكن السياحية في إطار السياسة العامة الرامية إلى ترقية وتطوير السياحة الداخلية، التي تدرّ أموالا كبيرة في بلدان عرفت كيف تستغل موروثها الثقافي والسياحي، من أجل جلب العملة الصعبة، حيث بات الموقع الإلكتروني "ألجيريا تور.دي زاد" الذي وضعته الوزارة الوصية، يكتسي أهمية كبيرة للترويج للسياحة الداخلية، كونه يسمح للزائر باختيار المسار السياحي عبر مختلف الولايات. كما يمكّن صاحبه من اختيار الولاية، ونوعية المسار بين الطويل والقصير، ليقترح عليه الموقع المسارات التي تناسب اختياره. جسور قسنطينة السبعة وثامنها جسر "الاستقلال" تشتهر ولاية قسنطينة على المستوى الوطني وحتى الدولي، بجسورها. وقد استمدت الولاية اسمها من اسم جسورها بعدما بات يطلَق عليها عاصمة الجسور المعلقة، التي ربطت غرب المدينة بشرقها، فكانت المدينة تضم 7 جسور على ضفاف وادي الرمال. تم بناؤها كلها في الحقبات الماضية بين الحكم العثماني والاستعمار الفرنسي، قبل أن تتدعم بجسر جديد تم بناؤه بين عامي 2009 و2014، وتدشينه بمناسبة تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015"، ليكون جسر "الاستقلال" أكبر جسر أسلاك معدنية على المستوى الوطني والإفريقي. وأُطلقت عليه تسمية جسر "صالح باي" أحد أهم البايات الذين حكموا قسنطينة، حيث تم إنجازه من طرف المجمع البرازيلي "أندراد غوتيراز"، بطول 1200 متر تقريبا، منها 749 متر جسرا رئيسا، ترفعه 8 أعمدة خرسانية، والبقية جسور فرعية، ويرتفع بحوالي 60 مترا عن وادي الرمال، وعرضه 27 مترا، وطريق مزدوج في الاتجاهين، مع رصيف للراجلين، يربط بين الضفة الشرقية من جهة حي المنصورة، والأمير عبد القادر وجبل الوحش، إلى الطريق السيار شرق غرب، ويمر عبر الطريق الوطني رقم (3)، أو ما يُعرف بطريق باتنة على مستوى مدخل وسط المدينة من جهة ساحة زعموش وباب القنطرة إلى الضفة الغربية نحو دار الثقافة "مالك حداد"، وهو الطريق المؤدي إلى وسط المدينة، وجامع الأمير عبد القادر وحي بوالصوف. ومن أهم جسور قسنطينة يقبع الجسر الحجري "سيد راشد"، الذي تم تسميته باسم أحد الأولياء الصالحين الذين عاشوا في المدنية. ويُعد من أطول الجسور الحجرية في العالم، حيث يبلغ طوله 447 متر، وعرضه 12 مترا، ويمتد فوق 27 قوسا. ويشهد حركة مرور كثيفة وصلت إلى حوالي 40 ألف مركبة في اليوم. يوجد أسفله جسر صغير يسمى جسر "الشيطان" لا يبعد كثيرا عن جسر "مجاز الدشيش". وانطلقت أشغاله سنة 1907 قبل تدشينه عام 1912. وهي نفس السنة التي تم فيها تشدين جسر "سيد مسيد" المعلق الذي يرتفع بحوالي 175 متر عن وادي الرمال، بطول 186 متر. ويضم هذا الجسر ممرا واحدا للمركبات في اتجاه واحد من حي القصبة إلى المركز الاستشفائي "الحكيم ابن باديس". كما يعلو هذا الجسر جسر "وادي الشلالات" بمصعده الحجري المعطل. وغير بعيد عنه يوجد جسر "باب القنطرة" الذي تم بناؤه على أنقاض جسر عثماني. ويقع بين جسري "سيدي راشد" وجسر "باب القنطرة". وجسر "ملاح سليمان" المعلق الذي يربط منطقة محطة زعموش ومحطة السكك الحديدية وسط مدينة قسنطينة، يبلغ طوله 125 متر، وعرضه 2.5 متر. وارتفاعه عن وادي الرمال ب130 متر. وقد تم بناؤه بين عامي 1917 و1925. وكان من بين أعلى ثلاثة جسور في العالم وقتها. خضع لعملية ترميم في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وقد تمت تسمية الجسر على اسم "الشهيد رشيد الحلواني" المدعو (ملاح سليمان)، أحد أعضاء مجموعة 22. وكان سباحا مشهورا في ولاية قسنطينة، والمسير السابق لفريق النادي الرياضي القسنطيني. "نصب الأموات" و"المرأة المجنّحة" حارسة المدينة تقصد مختلف الوفود السياحية التي تزور المدينة معلمَ "نصب الأموات" المشابه ل"قوس النصر" المتواجد بشارع "الإليزيه" في فرنسا، والذي تم تشييده بطلب من الزعيم الفرنسي نابوليون سنة 1836، ووقف على إنجازه المهندس الفرنسي لوي فيليب. ويقبع فوق صخرة "سيدي مسيد". ويطل على سهل بلدية حامة بوزيان على ارتفاع يجاوز 200 متر، حيث يبقى يشكل قطبا سياحيا هاما بعاصمة الشرق الجزائري. ويمنح زائره منظرا رائعا، وبانوراما فائقة الجمال عن مدينة قسنطينة. معلم "نصب الأموات" أو "المونيما"، كما يحلو لسكان المنطقة تسميته، يحمل تمثال امرأة تشبه طائرا خرافيا يتأهب للتحليق، تنتصب فوق "قوس النصر" تيمنا بمعتقد النصر عند الرومان. يقع في منتصف المسافة الموجودة بين الجزائر العاصمة وتونس تماما. كما يقابله تمثال "مريم العذراء" الذي يسمى "سيد السلام" على بعد حوالي كيلومتر واحد. استفاد من عمليات تهيئة من خلال استغلال المساحات المتواجدة بجوار النصب، والتي تم تحويلها إلى مساحات خضراء، مع خلق مرافق عمومية للإطعام وتقديم مشروبات؛ حتى تساهم في توفير الراحة لقاصدي هذا المكان. ويُعد معلم "نصب الأموات" الذي يقع أعلى المستشفى الجامعي "الحكيم ابن باديس"، من أهم المعالم التاريخية بقسنطينة. وقد نُسج حوله كثير من الأساطير. ونُسبت إليه العديد من الروايات، حيث يُعد هذا المعلم الذي يبلغ طوله حوالي 25 مترا، أحد أهم الشواهد على ثلاث محطات تاريخية انطلاقا من معتقدات الرومان، فأموات الحرب العالمية الأولى واحتلال فرنسا للجزائر. ويتجسد العهد الروماني من خلال تمثال "النصر" للمرأة المجنحة الذي يعلو "نصب الأموات" بطول 8 أمتار، مشكلا من معدن البرونز. ويمثل إله الانتصار عندهم امتدادا للمعتقدات اليونانية التي ورثها الرومان. كما يخلّد هذا النصب أسماء الجنود الذين سقطوا في ساحات المعارك إبان الحرب العالمية الأولى، من الفرنسيين والجزائريين. "قصر الباي" معلَم الجمال والحضارة العثمانية يُعد قصر "الحاج أحمد باي" الواقع وسط المدينة وبالتحديد أمام ساحة "سي الحواس"، من بين أهم المعالم السياحية التي يقصدها السياح. هذا القصر الذي يحمل عبق الحضارة العثمانية وجمالية الفن المعماري لليد العاملة الجزائرية، تحوّل بعد عملية الترميم الضخمة التي مست هياكله ودعائمه بمناسبة تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015"، إلى متحف عمومي وطني للفنون والتعابير الثقافية. قصر "أحمد باي" من أهم معالم السياحة والتحف المعمارية بقسنطينة. تم تصنيفه سنة 1913. ويتربع على مساحة 1600 متر مربع. وأُنجز في عهد آخر بايات قسنطينة، وهو أحمد باي بن محمد الشريف خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1825 و1835، على أنقاض بنايات قديمة، ليكون مقر حكم بايلك الشرق. وقد أُنجز من طرف "قايد الدار بن لبجاوي". وأُكمل إنجاز هذا المعلم التاريخي سنة 1835 قبل الاستيلاء على مدينة قسنطينة من قبل الفرنسيين بمدة قصيرة، ليكلف الإيطالي "سجيفينول" بشراء الرخام والبلاط من إيطاليا وقرطاج. وكلف البناءين القسنطينيين الحاج الجباري والخطابي بإتمام البناء. ويضم القصر ثلاث حدائق تربط بينهم أروقة، مع وجود 13 نافذة تطل على الحدائق والساحات والأزقة. وغير بعيد عن القصر، يوجد حمّام سباحة، يتم النزول إليه عبر سلالم رخامية جميلة. وجدران القصر تحمل لوحات زيتية للفنان "الحاج يوسف" الذي يُعد من أكبر الرحالة الجزائريين. وتجسد هذه الرسوم رحلة "الباي" إلى عواصم وحواضر البحر الأبيض المتوسط، وإلى البقاع المقدسة، إلى جانب الزخرفة الحساسة للأقواس والحدائق الخلابة. كما يضم القصر عددا من النوافير التي تتوسط الحدائق. ويتميز أيضا بوجود المربعات الخزفية "الزليج"، إذ يحتوي على حوالي 47 ألف قطعة منه. قوام زخارفها أشكال هندسية ونباتية من مصادر مختلفة؛ محلي، وتونسي، وإيطالي وهولندي. أما في ما يخص الخشب فيضم القصر مجموعة قيمة، تتمثل في 500 باب ونافذة من خشب الأرز المنقوش والمزيّن بالألوان الحمراء، والخضراء والصفراء، والدرابزين والمشربية بمساحة 188 متر مربع. والأسقف 2300 متر مربع، و14 خزانة جدارية. هذه الأجنحة ترتبط فيما بينها ب27 رواقا زُينت ب250 عمود رخامي، من أجمل ما جادت به أنامل الحرفيين. زخارف تيجانها مستمد من طرز قديمة إغريقية، ورومانية، وبيزنطية وإسلامية، ليبقى من أهم المعالم الثقافية، شأنه شأن مسرح قسنطينة الجهوي الذي افتتح سنة 1883، وتم تصميمه من طرف المهندس "بول غيون" على الطراز الأوروبي. وبني القصر بشكل مستطيل، يضم 121 غرفة موزعة على ثلاثة طوابق وثلاثة أجنحة رئيسة، تفصل بينها حدائق النخيل والبرتقال. كما يتوسط القصر الجناح الإداري الذي يضم مجلس أو ديوان الباي، بجانبه غرفة قائد الحرس بباب من خشب الجوز، يحتوي على كتابة بخط النسخ، وهي مدح لصالح باي. على يسار الجناح الإداري يوجد الجناح العائلي الذي يضم "دار الأم" (أم النون والدة أحمد باي)، وجناح ابنة الباي. كما يوجد جناح الحرم الذي خُصص لنسوة القصر. يتوسطه حوض كبير به نافورة رخامية، وغرف، ومكان الاستحمام أو ما يُعرف بالحمّام. أما وسط الدار فهو الجناح الشتوي، وهو نموذج مصغر للبيت القسنطيني. ومن قاعته الشرفية يمكن العبور إلى جناح القضاء، الذي يضم محكمتين، إحداهما للمذهب المالكي، والأخرى في الطابق الأول للحنفي. أما الطابق الثاني فيسمى "علية"، مخصصة للحرس. والطابق تحت الأرضي مساحته 513 متر مربع، كان يضم خزان مياه تعيش به أسماك صغيرة. استعمله الباي كإسطبل قبل أن يحوَّل في الحقبة الاستعمارية، إلى سجن. مسجد "الأمير عبد القادر".. صرح ديني ومنارة للعلم قِبلة أخرى يحرص أي سائح في قسنطينة أن تكون ضمن مساره السياحي، وهي مسجد "الأمير عبد القادر"، الذي تزيّن في ذكرى افتتاحه 30، بأبهى حلة بعدما استفاد من بساط جديد، مماثل للبساط الذي تم وضعه بجامع الجزائر، حيث افتتح المسجد أبوابه أمام المصلين سنة 1994 بعد 10 سنوات من افتتاح الجامعة الإسلامية سنة 1984. ويُعد هذا المسجد الذي صممه المهندس المصري مصطفى موسى، قِبلة، تستقطب أعدادا كبيرة من المصلين. وثاني أكبر بيت من بيوت الله في الجزائر بعد مسجد الجزائر. مسجد "الأمير عبد القادر" يقع وسط المدينة. ويمكن رؤيته من مناطقها الأربع. يضم منارتين بطول 107 متر للواحدة، وقبة بقطر 20 مترا، وارتفاع يفوق 60 مترا. هذا الصرح الديني الذي يُعد مفخرة للولاية والجزائر، يبقى من أهم الصروح في الجزائر. كان يستقبل خلال السنوات الفارطة، أكثر من 15 ألف وافد لصلاة العشاء والتراويح. وقد يصل العدد إلى 40 ألفا باحتساب الساحة الخارجية. يحجون إليه من مختلف الجهات الأربع للولاية. كما يُعد مسجد "الأمير عبد القادر" الذي يتربع على مساحة 13 هكتارا ويقع بقلب مدينة قسنطينة، بين أحياء المنظر الجميل، وقدور بومدوس وفيلالي، وجهة هامة. ويدخل ضمن المسار السياحي للمدينة، حيث لا يكاد أن يزور ضيفٌ قسنطينة إلا ويتوجه إلى مسجد "الأمير عبد القادر" من أجل التقاط صور تذكارية أو أداء الصلاة فيه. كما استضاف المسجد خلال السنة الماضية، الوفد المشارك في الاجتماع الخمسين لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. وكان هذا الصرح الديني قِبلة لمشاهير علماء الدين، الذين درسوا وأمّوا الناس؛ على غرار محمد الغزالي، ويوسف القرضاوي، ومحمد سعيد رمضان البوطي، وعمر عبد الكافي وغيرهم. ضريح "ماسينيسا"... قبر ملك نوميديا يبقى ضريح الملك ماسينيسا ببلدية الخروب، واحدا من أهم المعالم السياحية والتاريخية التي تبرز أهمية قسنطينة التاريخية، أو ما كان يُعرف بسيرتا عاصمة المملكة النوميدية. وقد وُلد ماسينيسا في حوالي سنة 238 قبل الميلاد، للأب كايا بن زيلالسان بن أيليماس بمنطقة الشمال الشرقي للجزائر، في ناحية الأوراس، وبالضبط بمنطقة في حدود ولاية خنشلة حاليا. وقد انتقل إلى المنطقة التي تُعرف باسم قسنطينة في الوقت الحالي، والتي حوّلها من بعد حكمه، إلى سيرتا، فاتخذها عاصمة لحكمه في منطقة الشرق الجزائري. وكرس حياته الطويلة لخدمة الأمازيغيين، الذين زرع فيهم حب الوفاء، والعمل، والإخلاص. وحتى لا تنسى الأجيال اللاحقة دور ماسينيسا في توحيد الأمازيغ كأحد أبطال المنطقة، تم تخليد الرجل من خلال الضريح المشيد، الذي يبقى شاهدا حيا على حضارات مرت وأيام خلت، حيث شُيد للملك ماسينيسا ضريح كبير، أصبح، اليوم، معلَما تاريخيا مميزا، أطلق عليه الأهالي في وقت لاحق "صومعة إبليس". وهي تسمية متوارثة عن الأجداد الذين عرفوا المكان دون أن يحاولوا معرفة سر التسمية الخرافية، التي من المعتقد أن تكون مستلهَمة من سر هذا المكان وهيبته، وما يحمله من الخوف والغرابة التي تحيط به، إذ يقع الضريح على بعد 16 كلم شمال شرق بلدية الخروب. وهو عبارة عن برج مربع، مبني على شكل مدرجات، تضم ثلاثة صفوف من الحجارة الكبيرة، منحوتة بطريقة مستوحاة من الأسلوب الإغريقي، أو ما كان يُعرف بالبونيقي، على طول حوالي 10 أمتار، وهو نفس العرض. كما يرتفع الضريح عن الأرض بحوالي 8 أمتار. واكتشف الضريح وأميط اللثام عنه ما بين سنتي 1915 و1916 بعد أشغال الحفريات التي قامت بها جمعية علم الآثار في تلك الفترة. وحسب وثيقة أرشيفية لسيرتا القديمة عاصمة نوميديا، فقد عُثر على قبو صغير بطول مترين وعرض متر واحد، موجه من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، زيادة على اكتشاف سيف وقبعة عسكرية رومانية، يُعتقد أنها للملك ماسينيسا، ليبقى الضريح قِبلة للسياح وزوار المنطقة والمهتمين بالآثار والتاريخ، حيث عكفت بلدية الخروب على تهيئة المكان، وخلق حظيرة لركن السيارات بجانبه. كما تم تهيئة الطريق المؤدي إلى الضريح، وهو ما ساعد العائلات بالمنطقة على زيارة المكان للاستجمام، خاصة في الفترات المسائية، وحتى في الليل خلال أيام الصيف، خاصة بعدما تم توفير الإنارة العمومية. "تيديس" الحصن المنيع ومتحف "سيرتا" مهد الحضارات تملك قسنطينة متحفا مفتوحا على الطبيعة، ومدينة أثرية يطلق عليها اسم "تيديس". وهو الموقع الذي يتواجد به ضريح "ليليوس أورباكوس" الحاكم الروماني المنحدر من منطقة "تيديس"، التي شغلت في وقت سابق، حصنا، ومركزا متقدما للدفاع عن سيرتا القديمة، العاصمة الشرقية لمملكة نوميديا. يستقبل سنويا حوالي 30 ألف سائح بين زوار جزائريين وأجانب وبعثات دبلوماسية أجنبية. وتُعد مدينة "تيديس" كتابا مفتوحا لمن يريد السفر عبر التاريخ ويطّلع على حياة وعادات قرية بربرية تطورت منذ العهد النيوليتي، وهو العصر الحجري الحديث، أو عصر الحجر المصقول المتمثل في "دولمانات". وهو حجر كبير مسطح موضوع فوق عدد من الحجارة المنصوبة، مرورا بالعديد من الحضارات؛ على غرار البونيقية، والبيزانطية، والرومانية والإسلامية، والتي تبقى شامخة، وتأبى الاندثار إلى غاية اليوم. الموقع الأثري يضم مغارات ومقابر وحفريات مستحجرة، ماتزال شاهدة إلى حد الآن، على عصر ما قبل التاريخ، الذي كانت خلاله هذه المنطقة أرضا آهلة بالسكان، وملجأ ومكانا محميا لضمان البقاء وسط محيط لا يرحم آنذاك. ونقلا عن أرشيف الولاية، فإن آثار هذا الموقع كانت كلها تحت التراب، قبل أن تُكتشف على يد مختصين فرنسيين بمساهمة من الجمعية الأثرية لمتحف "غوستاف مرسيي"، وهو متحف "سيرتا" الوطني بقسنطينة حاليا. واستنادا لنفس المراجع، فإن الحفريات الأولى الجادة تمت خلال عام 1941، تحت إشراف المهندس أندريه بارتييه، الذي كان مختصا في علم الآثار، ومديرا لنفس المتحف. وكشفت هذه الحفريات عن وجود كتابات "ليبيكية". والعديد من الرموز على الأواني الفخارية تدل على الأصل البربري لهذا الموقع الأثري الجميل الذي سمي أيضا "كاستلوم تيديتا نوروم"، والتي تعني الحصن القديم الذي يشبه كثيرا سيرتا القديمة، والذي لم يصنف معلما تاريخيا وطنيا إلا في عام 1992، الأمر الذي يستدعي اهتماما أكثر بجلب سياح من داخل وخارج الوطن، على غرار تيمقاد بولاية باتنة، أو جميلة بالقرب من سطيف. كل هذا الإرث التاريخي يضاف له متحف "سيرتا" الذي يقع في قلب مدينة قسنطينة، ويُعد ثاني أكبر متحف في إفريقيا بعد متحف مصر، ويعرض تاريخ المنطقة من عصور ما قبل التاريخ إلى العصر الحديث مرورا بالعصر النوميدي، والروماني، والحفصي، والعثماني، والتواجد الفرنسي، حيث كانت نواة هذا المتحف سنة 1853 قبل الإعلان عن افتتاحه الرسمي سنة 1931، داخل بناية تقع بحي الكدية حاليا. مصممة بشكل مربع على الطراز الأغريقوروماني. تتربع على مساحة حوالي 2100 متر مربع، منها 1200 متر مربع مبنية، والبقية حديقة. ويضم المتحف أكثر من 17 ألف قطعة أثرية، بالإضافة إلى أكثر من 450 لوحة فنية من القرن 17 إلى غاية القرن 21. فندق "سيرتا" تحفة معمارية وسط المدينة ويُعد فندق "سيرتا"، بعد عملية ترميم واسعة، أحد أهم المعالم السياحية بعاصمة الشرق حيز الخدمة، والذي أغلق أبوابه سنة 2014، حتى يكون جاهزا سنة 2015 بمناسبة احتضان قسنطينة تظاهرة "عاصمة الثقافة العربية". لكن الأمور تعقدت بسبب بعض الإجراءات الإدارية التي حرمت الفندق من تجهيزاته المركونة بميناء سكيكدة، إلى غاية تدخّل السلطات العليا للبلاد وحلحلة هذا المشكل، ليرى الفندق النور، وهو في أبهى حلة. ويضم الفندق 54 غرفة. ويتربع على مساحة حوالي 1900 متر مربع، منها أكثر من 1000 متر مربع مبنية. كما يضم مطعما بطاقة استيعاب 172 شخص، إلى جانب مقهى، وعدد من المكاتب، ومطعم، ومدرج، ومسبح، وحظيرة مغطاة وأخرى على الهواء الطلق، يمكنهما استقبال 74 سيارة. وبات مزودا بتجهيزات من الطراز العالي، على غرار جهاز الإنذار الخاص بنشوب الحرائق، الذي يُعد الأول على المستوى العالمي. وقد تم تأجير الفندق الذي جاء على شكل بناية كبيرة وسط مدينة قسنطينة على الطراز العربي الإسلامي، لشركة "شيراتون" العالمية التي تملك سلسلة فنادق "الماريوت"، بموجب اتفاقية تسيير، يتم بموجبها تحويل هذا الصرح السياحي إلى فندق "5 نجوم+" أو ما يُعرف في لغة السياحة بفندق "بالاص". ويكتسي هذا الفندق مكانة كبيرة عند القسنطينيين، خاصة أنه تم افتتاح أبوابه لأول مرة سنة 1912، بهندسة مميزة، راعت خصوصية المنطقة رغم الفترة الاستعمارية. تليفريك وترامواي ومطار دولي تضم ولاية قسنطينة أهم المقومات السياحة. فرغم أنها مدينة غير ساحلية إلا أنها تبعد عن أقرب ولاية ساحلية وهي سكيكدة، بأقل من 100 كلم. وتضم الولاية من ناحية النقل، كل المرافق الضرورية لتطوير السياحة، حيث يوجد بعاصمة الشرق، مطار دولي، وهو مطار "محمد بوضياف" بسطيح عين الباي، الذي يضمن الرحلات الوطنية والدولية. ويسمح لكل شخص يرغب في زيارة الولاية بحزم أمتعته والانطلاق جوا نحو هذه الوجهة السياحية. كما تضم الولاية محطة للقطار، تضمن الربط بينها وبين أهم الولايات، وعلى رأسها عاصمة البلاد. يضاف إليها خط من القطار الكهربائي أو ما يعرف بالترامواي، الذي يعمل على الخط الرابط بين محطة "بن عبد المالك رمضان" وسط المدينة والمدنية الجديدة علي منجلي على طولي 18 كلم، مرورا بالمحطة متعددة الخدمات "زواغي سليمان" وجامعات قسنطينة الأربع. وتملك الولاية خطا للمصعد الهوائي أو ما يُعرف بالتلفيريك الذي يربط محطة "طاطاش بلقاسم" وسط المدينة، نحو محطة "الأمير عبد القادر" عبر محطة المستشفى الجامعي. ويوفر مناظر رائعة جدا لمستعمليه، فوق الصخور المنحوتة بمياه وادي الرمال. ولاية قسنطينة تملك مؤسسة عمومية للنقل الحضري وشبه الحضري، تضمن من خلال حافلاتها خدمة نوعية، يشيد بها مختلف سكان عاصمة الشرق. كما تملك الولاية العديد من محطات نقل المسافرين، وعلى رأسها المحطة الشرقية ببن تليس والغريبة ببوالصوف، بالإضافة إلى محطة المدينة الجديدة علي منجلي. وتملك الولاية أسطولا من سيارات الأجرة التي تضمن الخدمة بين الأحياء، والبلديات وبين الولايات، خاصة أن قسنطينة تملك 5 منافذ للطريق السيار شرق غرب.