تحل الأفراح والأعراس بمختلف ولايات الوطن مع حلول فصل الصيف، فلكل منطقة تقاليدها الخاصة بها في تنظيم هذه المناسبات. ومن بين هذه المناطق ولاية برج بوعريريج، التي تفردت أعراسها عن غيرها من أفراح الجزائريين؛ إذ تتميز بعاداتها وتقاليدها الخاصة، بداية بأجواء الخطوبة، إلى أجواء الاحتفال ومظاهر الفرح، وأطباق الغَداء والعشاء. "يا حسراه على خطوبة زمان" قالتها سيدة في العقد السابع من العمر، أكدت ل"المساء" أن خطوبة الماضي أحسن بكثير من خطوبة الحاضر. ففي الماضي كانت أجواء الخطوبة تتم بين أهلي العروسَين. فيقوم أهل الزوج بجلب علبة كعك مع باقة ورد وخاتم للعروس. ولم تكن مكلفة كثيرا. أما الآن فأصبحت مناسبة للتفاخر، ومكلفة جدا؛ فأهل الزوجة يحضرون ما لذّ وطاب من الحلويات العصرية، وبأثمان باهظة، وكذا المشروبات، بالإضافة إلى نشرها على صفحات التواصل الاجتماعي. وأهل الزوج كذلك يقومون بجلب مختلف الحلويات والمشروبات. وبخصوص الذهب فلم يعد الخاتم وحده كافيا على عكس الماضي؛ فالآن فأصبح يتبعه العقد أو السوار، أو الأقراط، بالإضافة إلى منح العروس مبلغ مليون سنتيم أو أكثر. "الكسكاس" والشوربة لهما نكهتهما في الأعراس البرايجية بعد الخطوبة مباشرة تبدأ التحضيرات للعرس من الطرفين، خاصة إذا كانت المدة بين الخطوبة والعرس قصيرة. فبعدما كانت العائلات تقوم بفتل الكسكسي أو "البربوشة" أو "الكسكاس" كما كان يُعرف عند البرايجية في الماضي، أصبحت الآن تُقتنى جاهزة قبل أسبوع أو أسبوعين من العرس. وبعد يومين أو ثلاثة من السهرات لإشهار العرس وإعلام الجيران أنّ لهذه العائلة عرسا، يأتي يوم العرس. ولعل طبقي الشوربة و"الكسكاس" من أهم الأطباق في هذا اليوم؛ حيث تحكي المائدة البرايجية عن تمسّك أبنائها بماضي أجدادهم، ومواكبة حاضرهم. وأكدت السيدة لمياء أن في الماضي كانت النسوة يقمن بإعداد الطبقين، أما الآن فأصبح يستعان بأمهر الطباخين لإعداد أحلى الأكلات. وأما السيد نبيل فأكد أن طبق الشوربة و"البربوشة" باللحم واللفت والقرعة مع البطيخ أو العنب، كان يكفي لإقامة عرس جميل. ومن جهتها، قالت السيدة نجوى إن مائدة الماضي أحلى من مائدة الحاضر التي طغت عليها مختلف الأكلات؛ " فإلى جانب الشوربة والكسكاس أصبحنا نجد أطباقا دخيلة عن موئد الأعراس؛ كطاجين الفرماج، وطاجين الحلو، وطاجين الزيتون، والرولي، والحميس، وغيرها من الأطباق التي تكلف كثيرا، خاصة ذوي الدخل الضعيف، الذين وجدوا أنفسهم أمام واقع مرّ يفرض عليهم مسايرة الموضة". قاعات الحفلات تنوب عن الأسطح أصبح كثير من البرايجية يميلون لأعراس الماضي، التي كانت تتميز بالبساطة، وقلة التكاليف والتفاصيل الجميلة، نسبة إلى إقامة الأعراس في المنازل، ولمة العائلات والأقارب مقارنة بأعراس الحاضر المكلفة أكثر، بداية من قاعة الحفلات، والحلويات العصرية، حيث أكد السيد حسام أن أعراس الماضي كانت بسيطة جدا، وكانت تقام في سطح المنزل والفناء، ولم تكن مكلفة. وكان الجيران يفتحون الأبواب لبعضهم لاستقبال المدعوين؛ وكأنهم منزل واحد. أما الآن فأخذت قاعات الحفلات مكان الأسطح؛ ما أفقد الأعراس نكهتها، في حين أكدت السيدة سعيدة أن أعراس الماضي كانت جميلة، وكانت العائلات تتلقى الدعوات قبل 15 يوما. أم اليوم فتتلقى الدعوة قبل يوم أو يومين للالتحاق بقاعة الحفلات الفلانية. ولعل ما كان يضفي نكهة جميلة على الأعراس قديما، حسب المتحدثة، "وجود تلك البراءة من الأطفال. أما اليوم فأصبحت بعض العائلات تدعو بعضها، مع إسداء ملاحظة، تؤكد فيها على عدم اصطحاب الأطفال، وهذا شيء مؤسف". والحلويات العصرية تزاحم "التشاراك" و" الكروكي" و"المقروط" ولم تُستثن الحلويات من أعراس اليوم. فبعدما كانت في أعراس الماضي تقتصر على "الكروكي" و"المقروط" و"التشاراك"، ها هي الحلويات العصرية تأخذ مكانها، والتي يجب أن تكون مصنوعة من الجوز واللوز وغيرها من المكسرات، وبأسماء مختلفة، وعلب بأشكال غالية؛ للتفاخر بين أهل العروسين، وهو ما لم يكن موجودا في أعراس البرايجية من قبل. ولم يعد الأمر يقتصر على العَشاء في الاستعانة بالطباخين؛ ففي "القهوة" أصبحت الاستعانة بنادلة أمرا حتميا. ونفس الأمر بالنسبة لمصورة الأعراس، التي تضع الأغاني المعروفة ب"ديجي" بدل المذياع أو "الباف". الدراجات والشباب والتهور في مواكب الزفاف بعدما كان موكب الزفاف أو ما يُعرف ب"الكورتاج" يمثل جزءا مهمّا من الاحتفالات والطقوس المتعلقة بالزواج، أصبح في يومنا هذا يخيف أكثر مما يُدخل البهجة، بعدما أصبح بعض الشباب يقومون بحركات مخيفة ومروعة في الطريق، قد تودي بهم إلى التهلكة، وهو ما ذهبت إليه السيدة سعاد، التي أكدت أن في الماضي كانت مواكب الأعراس محافظة، وحتى السائقون كانوا يتحلون بالرزانة، أما اليوم فأصبح الزوج يأتي بأقران يقومون بحركات جعلت الأمهات تمنع أطفالها الصغار أو بناتهن من الذهاب في الموكب، خوفا من حصول مكروه لهم. وبالإضافة إلى هذا طغت الدراجات النارية في المواكب؛ فيلجأ أصحابها للقيام بحركات وأصوات مرعبة، ويتسببون في إزعاج السكان، الذين دعوا الأولياء في العديد من المرات، إلى الحد من هذه الظواهر السلبية، وجعل الأفراح أكثر محافظة. وبين هذا وذاك ورغم التجديد والاختلاف الذي طرأ على الأعراس، لاتزال العائلات تحافظ على الطابع البرايجي الأصيل من لباس "البرنوس" للعروس أو ما يُعرف بلباس الستر، و"برنوس العريس" الذي يكون مِلكاً لوالده أو جده؛ حتى يكون مثلهما في الرجولة والشهامة.