حرصت الجزائر على إرساء نظرة استراتيجية في التعامل مع البعد التنموي للقارة الإفريقية، انطلاقا من رؤية مواكبة للتحوّلات الراهنة، حيث لا تفتأ خلال الاجتماعات على مستوى الاتحاد الإفريقي، في التأكيد على ضرورة استباب الأمن كشرط أساسي للدّفع بمشاريع القارة وضمان العيش الكريم لشعوبها، فضلا عن مساعيها لتفعيل آليات دعم سبل التعاون بين دول القارة في إطار نظرة متكاملة. حافظت الجزائر على خطابها السيادي المستقل منذ الاستقلال تجاه القارة، ما جعل منها نقطة ارتكاز في لحظات التوتر وقوة جذب ناعمة في لحظات التوازن، عبر بناء شبكة تحالفات مرنة وعقلانية، قوامها العمل الجماعي متعدد الأطراف على أساس القضايا الكبرى ومن بينها قضية السلم والأمن، ما جعلها الحارس الوفي لمثل هذه القيم منذ إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية أي الاتحاد الإفريقي حاليا. ذلك ما جعل إفريقيا تجد في الجزائر مرجعا للثّبات وقيادة يراهن عليها، خاصة وأنها عرفت بناء على رصيدها الدبلوماسي، بائتمانها على السلم خاصة في منطقة الساحل، كما تجلّى دعمها الرّاسخ للاتحاد الإفريقي في مجالات السلم والأمن، والتنمية الاقتصادية عبر مبادرات ملموسة مثل طريق الوحدة الإفريقية ومشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء والمساهمة في أجندة 2063، بالإضافة إلى توسيع نطاق الشراكات الاستراتيجية لتحقيق التكامل الإقليمي وربط القارة بأوروبا. ويظهر حرص الجزائر على تقديم الدعم اللازم للدول الإفريقية في قرارها بمسح ديون 14 دولة إفريقية سابقا، بما مقداره 1,4 مليار دولار، ووضع خبرتها لفائدة كل الدول الإفريقية لتجسيد المشاريع التنموية سواء لتكوين الإطارات البشرية المؤهلة أو اختيار النّماذج التنموية الأكثر جدوى، والتي تمكن هذه البلدان من المضي في التنمية وتكريس نظام حوكمة مبني على الشفافية ومحاربة الفساد والرشوة. في هذا السياق، طرحت الجزائر تجربتها في مجال مراجعة شاملة لأساليب الحوكمة وأساليب تسيير المشاريع، وكذا إعادة النّظر في تسيير الميزانية وإصلاح نظامها الجبائي أيضا، موازاة مع تمويل المشاريع الكبرى في إفريقيا، على غرار استكمالها لحصتها من مشروع الطريق السريع العابر للصحراء الذي سيربط الجزائر بلاغوس النيجيرية، والشروع في إنجاز مشروع الطريق الرابط بين مدينتي تندوف في الجزائر والزويرات في موريتانيا، فضلا عن مد الألياف البصرية إلى غاية الحدود مع النيجروموريتانيا بطول 4500 كلم، كما أن مشروع إنشاء خط أنابيب الغاز العابر للصحراء وصل إلى مرحلة متقدمة من الدراسات، وسيساهم في فتح آفاق واعدة لدول العبور والمنطقة بأكملها. وتعمل الجزائر من خلال الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، على المساهمة في دعم البنية التحتية، الصحة، التعليم، والطاقة وغيرها من المشاريع التنموية في العديد من الدول الإفريقية، التي خصصت لها ما لا يقل عن مليار دولار، فضلا عن تخصيصها مؤخرا لمليار دولار لدعم دول الساحل. وعليه فإن التزام الجزائر بالتضامن الإفريقي ومساهمتها في تعزيز التعاون البيني ثابت، انطلاقا من حرصها على ترقية التعاون الإقليمي والإفريقي والدولي لبلوغ النّتائج المرجوة وتحويلها إلى واقع ملموس، عبر تعميم الاستفادة المتبادلة من التجارب المحلية، ليتسنّى بناء نموذج تنموي شامل يجعل القارة الإفريقية شريكا فاعلا حقيقيا في بناء معالم نظام عالمي أكثر عدلا وإنصافا.