استحضرت سينماتاك عنابة، مؤخرا، روح المغامرة وعمق الأسطورة عبر عرض مزدوج لفيلمين يحملان دلالات ثقافية وإنسانية عابرة للأزمنة. بدأ العرض بفيلم "ماوكلي، أسطورة الغابة" من إخراج أندي سركيس، تلاه "جومانجي، مرحبًا بكم في الأدغال، من توقيع المخرج جيك كاسدان، في برمجة سينمائية بدت وكأنّها حوار بين الغابة واللعبة، بين البراءة والاختبار. يحمل فيلم "ماوكلي" المقتبس عن رواية روديارد كبلينغ، بعدًا يتجاوز الحكاية الطفولية المعتادة؛ إذ يطرح سؤال الانتماء في عالم متوحش، حيث يصارع الطفل البشري ليجد مكانه بين الذئاب والبشر على حدّ سواء. اختار أندي سركيس أن يقدّم معالجة بصرية ونفسية مختلفة عن النسخ السابقة، تمزج بين العمق الدرامي والتقنية الحديثة في الأداء الحركي. واختارت سينماتاك عنابة هذا العمل ليس فقط لقيمته البصرية، بل لما يختزنه من رموز الهوية، الصراع الداخلي، وازدواجية الطبيعة البشرية. أما "جومانجي، مرحبًا بكم في الأدغال"، فقدّم وجهاً آخر للمغامرة، حيث تتحوّل لعبة بسيطة إلى رحلة مليئة بالتحديات، تُجبر الشخصيات على مواجهة مخاوفها واكتشاف ذواتها الحقيقية. وقد نجح جيك كاسدان في تحويل هذا الجزء الحديث من سلسلة "جومانجي" إلى مغامرة معاصرة، تجمع بين الفكاهة والرسائل الأخلاقية. وفي قلب هذا الجنون البصري، يطرح الفيلم أسئلة حول الحرية، الاختيار، ومسؤولية الفرد داخل لعبة الحياة نفسها. لا يمكن فصل هذا العرض عن السياق الثقافي الذي يُقدَّم فيه. إذ تُعيد سينماتاك عنابة تعريف دور القاعة السينمائية، ليس كمجرّد فضاء للفرجة، بل كمكان للتأمّل الجماعي، ولخلق حوار بين الأعمال الفنية والجمهور. ما شاهدناه في هذا البرنامج لم يكن مجرد عرض لفيلمين، بل كان رحلة داخل سرديات كونية تعبّر عن الإنسان في علاقته بالطبيعة، بالمجتمع، وبنفسه. تؤكّد هذه المبادرات أن السينما، في عمقها، ليست ترفيهًا فقط، بل أداة ثقافية تُحرّك الخيال، وتُعيد طرح الأسئلة الكبرى بطريقة رمزية. وها هي عنابة، عبر السينماتيك تثبت مجدّدًا أن للفن دورًا محوريًا في صناعة الوعي، وأن الشاشة الكبيرة لا تزال قادرة على جمع الجمهور الصغير المتعطش لأفلام الكارتون .