تحرير فلسطين بوصفه معياراً أخلاقياً للعالم رمزية بلدٍ ككولومبيا لا تُقدَّر بثمن: دولة شاركت في الحرب الكورية إلى جانب واشنطن، وصوّتت تقليدياً مع "إسرائيل"، تتحول اليوم إلى صوتٍ ينزع ورقة التوت عن ازدواجية المعايير. في ذاكرة القاعة الزرقاء في الأممالمتحدة دوّن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو عبارة "حانت ساعة الحياة أو الموت" التي ذكرت في خطابٍ هو أقرب ليكون نداء الضرورة في هذا الزمن: تحرير فلسطين بوصفه معياراً أخلاقياً للعالم. دعا صراحةً الى تشكيل جيش دولي على أساس تطوعي لتحرير فلسطين، فقطع بذلك مع لغة التوازنات الباردة. منذ تلك اللحظة لم يعد غوستافو بيترو مجرد رئيس كولومبي يساري؛ بل صار عنواناً لطرحٍ يعيد تعريف معنى السلام نفسه. "المقاتل المثقف" الذي شق طريقه ليصبح أول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا، لا يكتفي بالتحرك عند هوامش رقعة الشطرنج الدولية، بل يتقدم إلى مركزها. ومن هذا الموقع، عمل على الدفع بالتغيير، خطاباً وممارسةً، داخلياً وخارجياً. خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، خرج بيترو عن اللغة الدبلوماسية المعهودة إلى لغة الموقف الذي لا مساومة عليه. سمّى ما يحدث "إبادةً جماعية" من دون تورية للفاعل ولا مواربة في الوصف؛ طرد السفير الإسرائيلي، أوقف التعاون العسكري، رفع التمثيل الفلسطيني إلى البعثة الدبلوماسية، ودعم المسار القضائي لمحاسبة "إسرائيل". وفي الأممالمتحدة، دعا إلى قوةٍ دولية توقف المذبحة: الدبلوماسية فشلت وحان الوقت لخطوة تتسم بالمسؤولية. ليس ذلك نزقاً سياسياً، بل ترجمة لفكرة تقول إن السلام لا يقوم على الحياد أمام الجريمة بل على ردعها. في قاموس بيترو، السلام موقف لا هدنة، وهو عدالة لا مساومة. سلامٌ يجرؤ على تسمية القاتل، ويقترح أدواتٍ لوقف القتل، ويستعيض عن "مديح الواقعية" بفعلٍ أخلاقي محسوب: محاسبة قانونية، وضغط اقتصادي، وتعبئة سياسية، وحشدٌ أمميٌّ يتجاوز الاصطفافات الموروثة. ليست هذه رومانسية؛ إنها واقعية جديدة في عالم يتغيّر: إذا كانت الحروب تولد من صمت الأقوياء، فإن السلام يولد من شجاعة الأحرار.