أطلقت الكاتبة والصحفية فضيلة بودريش، مؤخّرا، جديدها المتمثّل في رواية "طويلة الساقين والأعسر"، الصادرة عن دار "أمل" للنشر لصاحبتها السورية أمل منذر، في تجربة تعاون جزائرية سورية تعدّ الأولى بين الطرفين، وستكون حاضرة على رفوف معرض الجزائر الدولي في الكتاب في طبعة هذه السنة. الرواية مزيج يجمع بين الوجدان الأنثوي والذاكرة الجماعية الجزائرية، في سرد مشوق يغوص في التأمّل والوجود بلغة تلائم ذلك الوجع الذي بقي كامنا في العمق. وتتحدّث صاحبة "طويلة الساقين والأعسر"، على لسان أربع سيدات نجين بحياتهن من أهوال العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر في التسعينيات، لكن أثر الألم بقي في وجدانهن لم يستطعن الإفلات منه. تدور أحداث الرواية في العاصمة باريس، حيث تعود البطلة الرئيسة إلى الجزائر حاملة نعش والدتها، لتواجه ماضيا لم تعشه، لكنّه يسكنها. تلتقي الأصوات النسوية الأربعة، لتنسج السرد متعدّد الأصوات والحكايا لكن الألم والذكريات تظلّ نفسها، إلاّ أنّه، رغم كلّ ما مرّ يبقى الأمل قائما . الرواية ليست تأريخا لتلك المرحلة بل هي نبش في الذاكرة التي ظلت آلامها حية باقية، تتجاوز بتفاصيلها تلك النساء الأربع إلى جزائريات أخريات عشن نفس المأساة، ولا تصف بودريش حالات بل تتجاوزها إلى إعطاء البطولة المطلقة للضمير والوعي الذي خلّفته تلك التجارب المؤلمة التي هي بدورها جزء من مأساة وطن جريح لا يزال يتألم مما مرّ عليه. بطلات الرواية اللواتي نجين من الموت لازلن، حسب الكاتبة، يحاولن الهروب من الذاكرة، وفي النص يسردن ما كان بالتناوب ويظهرن وكأنهن يحكين في توقيت واحد وبصوت واحد ذلك كونهن يجتمعن في مأساة واحدة لم تمح بعد آثاره، ويتجلى ذلك الألم "الرباعي"، الإحساس في مشاهد إنسانية تتعدى المأساة إلى علاقة المرأة ودورها في المجتمع ككائن مكتمل الحقوق والواجبات. والرواية، كما تصفها صاحبتها، "ليست عن الماضي فقط، بل عن الزمن بوصفه شفاء مؤلمًا، وعن الإنسان الذي يصرّ على أن يبحث دوما عن حياة جديدة وجميلة مهما عصفت به الأهوال". للتذكير، أصدرت فضيلة بودشيش روايتها الأولى "ليل مدينة"، في العراق ضمن مشروع "بغداد عاصمة الثقافة العربية"، حيث قدّمت فيها بداية متميزة لمسيرتها الأدبية، ووضعت لبنات أسلوبها الواقعي – الفلسفي الذي يميّز كتاباتها لاحقا، ثم جاءت "شواطئ الثلج" لتكشف عن نقلة نوعية في مسارها، تطرّقت من خلالها إلى الآثار النفسية والاجتماعية للأزمة الأمنية في الجزائر، أما في روايتها "الأخضر والرماد"، فقد غاصت بودريش في التاريخ الوطني، عائدة إلى فترة الاستعمار الفرنسي. لم تنفصل بودريش عبر مسارها عن خلفيتها الصحفية، تبحث عن دقة التفاصيل من على أرض الواقع، لتكتشف أمورا ترى أنّ من الواجب تقديم قصصها الإنسانية، وبذلك تزاوج بين التوثيق والتأمل .