التزمت الجزائر خلال السنوات الأخيرة، بترقية إطارها القانوني لمكافحة الفساد والوقاية منه، موازاة مع مواكبة التشريعات الدولية في مكافحة الظاهرة، من خلال تضمين مبادئها في قوانينها وإنشاء هيئات متخصصة مثل السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، بهدف بناء منظومة قانونية ومؤسساتية تتماشى مع المعايير الدولية . أثمرت جهود الجزائر في مكافحة الظاهرة بتحقيق نتائج مشجعة، بفضل عصرنة جهاز العدالة الذي تعزّز بإطار قانوني فعال أضفى المرونة على معالجة القضايا الحساسة، فضلا عن إنشاء هياكل متخصصة وتحديث التشريعات القانونية كقانون العقوبات وتفعيل دور الهيئات الرقابية مثل مجلس المحاسبة، بالإضافة إلى الحملات التوعوية وتعزيز الحوكمة الرشيدة، بهدف تعزيز النزاهة وحماية المال العام. ففي هذا الصدد، عكفت الدولة على وضع الاستراتيجية الوطنية للشفافية ومتابعة تنفيذها، مع تحديث قانون العقوبات لتشديد العقوبات المسلطة على المتورطين في جرائم الفساد على غرار الاختلاسات والرشوة، فضلا عن إنشاء الديوان المركزي لقمع الفساد ومجلس المحاسبة. والتزم رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون مثلما تعهد بذلك في برنامجه الرئاسي، بمتابعة المتورطين وإحالتهم على العدلة من أجل وضع قطيعة مع النظام البائد وتجنيب اقتصاد البلاد من الانهيار عبر إعلانه الحرب على الفساد. ونجح الرئيس تبون في تجسيد هذا الالتزام باسترجاع 30 مليار دولار من الأموال المنهوبة، في الوقت الذي أشار في الخطاب الذي ألقاه منذ شهر بوزارة الدفاع الوطني إلى أن دولا أوروبية وعدت بالمساعدة في عملية استرجاع مبالغ أخرى من هذه الأموال، علما أن حجم نواتج الأموال وبيع الأملاك المصادرة أو المسترجعة، المودعة بالصندوق الخاص، في إطار قضايا مكافحة الفساد، قد بلغ أزيد من 11 ألف و 655 مليار سنتيم، وفقا لما تضمنه مشروع قانون المالية لسنة 2026. ويسجل هذا الحساب إلى جانب الإيرادات الأموال المصادرة بموجب قرارات قضائية نهائية في الجزائر أو الخارج وكذلك نواتج بيع الأملاك المصادرة أو المسترجعة، كما يغطي الصندوق نفقات دفع المصاريف المتعلقة بتنفيذ إجراءات المصادرة أو الاسترجاع أو البيع وتصفية الديون المثقلة على الأملاك المصادرة أو المسترجعة. وتباين تجاوب الدول الأوروبية مع مطلب الجزائر لاسترداد هذه الأموال والأملاك، فإذا كانت إسبانيا قد سلمت الجزائر فندقا من 5 نجوم، كان قد اشتراه أحد رجال الأعمال بعدما هرب أموالا من البلاد، فإن الجزائر قد اصطدمت بكثير من التحديات التي سببت بطئ في تجاوب بعض الدول، بسبب طبيعة أنظمتها القضائية وتشابك الإجراءات المتبعة، إضافة إلى تعدد الجهات المعنية، بما في ذلك الهيئات القضائية والدبلوماسية وغير ذلك. وكان وزير العدل لطفي بوجمعة قد كشف عن إرسال الجزائر أكثر من 300 طلب للمساعدة القضائية الدولية إلى 32 دولة في شكل إنابات قضائية دولية منذ عام 2020، في الوقت الذي تتماطل فرنسا في التعاون مع الجزائر بالشكل الكافي بخصوص طلبات تقدمت بها للتحفظ على ودائع مالية وعقارات تتبع وزراء ومسؤولين سابقين، من أبرزهم وزير الصناعة سابقا عبد السلام بوشوارب الذي رفضت محكمة فرنسية في مارس الماضي تسليمه إلى الجزائر. وبخلاف فرنسا، اتخذت سويسرا خطوة مهمة في تعاونها مع الجزائر في مجال استرداد الأموال المنهوبة، ففي سنة 2023 صادر القضاء الفيدرالي السويسري وديعة ب1.7 مليون أورو في بنك سويسري، تعود لبوشوارب لتحويلها إلى الجزائر. وموازاة مع تعاونها مع الهيئات الدولية لتكريس آليات مكافحة الفساد و تبادل الخبرات في هذا المجال، تعكف الجزائر على تنظيم دورات تكوينية وحملات لترسيخ ثقافة النزاهة داخل القطاعات العمومية عبر نشر ثقافة الحوكمة وتعزيز الرقابة في إطار الشفافية. يذكر أن الجزائر قد صادقت على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) واتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع الفساد ومكافحته، والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، مما يفرض عليها التزاما بتطبيق مبادئها، حسب السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته.