يعد الكسكسي بالسمك الأبيض من أهم الأطباق التي تشتهر بها مدينة القل الساحلية وما جاورها، إن لم نقل أنه طبق “قلي” بامتياز، إذ ما يزال إلى يومنا هذا يتصدر موائد المنطقة، خاصة في المواسم والمناسبات الدينية، كشهر رمضان، عاشوراء والمولد النبوي الشريف، وكذا في الولائم العائلية. وقد عرف هذا الطبق تراجعا في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار الأسماك البيضاء، وحسب المعلومات التي جمعناها من عند أهالي منطقة القل غرب سكيكدة، خاصة منهم محترفو الصيد، حول أصل هذا الطبق، فقد أكد لنا السيد عبد الرزاق 69 سنة بأن أصله تركي، جاء مع الأتراك الذين حلوا ببلادنا حاملين معهم عاداتهم وتقاليدهم، ومنها الأكلات الشعبية التي تفننوا في إعدادها وطهيها، والدليل حسبه أن نفس الطبق موجود في منطقة جيجل، حتى وإن كانت في الأصل امتدادا طبيعيا لسكيكدة، خاصة المناطق المتواجدة بالجهة الغربية، ومنها؛ عين قشرة، بني زيد وحتى تمالوس... وللكسكسي القلي قصة حب أبدية مع أهالي المنطقة، فهو الطبق الأول وبامتياز، حيث تتزين به موائدهم في شهر رمضان، وهو أيضا الطبق المميز الذي تتفنن النسوة في إعداده بنكهة مميزة، فلكل منهن طريقتها في إعداده، وترى السيد ليلى 66 سنة ربة بيت بأن ما يميز الكسكسي القلي عن غيره، كونه طبق يتم إعداده بالسمك الأبيض، حتى وإن كانت بعض العائلات تحضره بالسمك الأزرق، كالميرو مثلا.. وحسب ذات المتحدثة، فإن لتحضير هذا الطبق خلال شهر رمضان، طريقة خاصة عند القليين، فبعد ما تقوم العائلات باقتناء كميات منه قبل حلول شهر الصيام بأسابيع، وذلك من باب الاحتياط، حيث تشرع في إعداده من خلال تنظيفه، ثم تجميده، كما تقوم في ذات الوقت بإعداد كميات كافية من الكسكس بطريقة تقليدية، من خلال فتله ونشره خارج المساكن على أفرشة في الهواء الطلق، رغم أن العديد من الأسر كما أضافت تفضل استعمال السمك الجديد، كونه يضفي نكهة خاصة على الطعام لا نجدها في السمك المجمد، وعن كيفية تحضير هذه الأكلة، تقول السيدة ليلى بأنها بسيطة، إذ تقوم النسوة بوضع السمك في الماء حتى يفقد ملوحته بعض الشيء، ثم يوضع في قدر به توابل كثيرة ويشرع في طهيه لمدة ساعة تقريبا قبل أذان المغرب، حتى يبقى محافظا على طعمه ورائحته المميزة، وفيما يخص طريقة إعداد الكسكسي على الطريقة القلية، تضيف المتحدثة بأن هذا الأخير يتم تحضيره في قصعة خشبية كبيرة الحجم بعض الشيء، حيث تشرع النسوة في فتله براحة اليد مع سكب القليل من الماء بالتدريج، وهن يرددن بعض الأغاني والأهازيج القديمة، إلى أن تأخذ الحبات شكلها المرغوب فيه، وبعدما تصبح رقيقة وخفيفة، توضع مباشرة في إناء يسمى محليا ب''الكسكاس''، حيث يفور الكسكسي فوقه بعد أن يوضع فوق قدر مرق، بعدها تقوم النسوة بتقطيع بعض السمك إلى شرائح صغيرة وطهيها مع المرق المحضر لمدة تتراوح ما بين 10 إلى 15 دقيقة، وحين يأتي وقت تقديم الطبق المذكور، يزين بقطع من الخضروات؛ كالبطاطا، الجزر، الكوسة، كميات من الحمص وشرائح السمك التي تغطي وجه الطبق، ليؤكل كأول طبق رمضاني بعد الشربة.