رغم فوائدها الصحية والاجتماعية القراءة تندثر في زمن الرقمنة *مختصون يلحّون على ضرورة إحياء المطالعة في عالم رقمي سريع ومتطوّر غابت المطالعة أو القراءة بالنسبة لمختلف الشرائح العمرية مما أثر على المستوى المعرفي والذّكائي للأطفال بحيث تراجع الإقبال على تلك العادة الإيجابية في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ رغم تحذيرات المختصين وتشديدهم على ضرورة العودة إلى إحياء القراءة وتنشئة الأطفال على مطالعة الكتب والقصص لتحسين قدراتهم اللغوية والكتابية في زمن التحوّل الرقمي والاعتماد على الآلة الرقمية التي تغطّي سلبياتها إيجابياتها وتكاد تلغيها تماما. نسيمة خباجة لا يختلف اثنان بخصوص تراجع هواية المطالعة لدى الكبار والصغار فالكلّ تحوّل إلى الرّقمنة في زمن السرعة والضغوطات وانعدام أوقات الفراغ أو بالأحرى تفضيل سد الفراغ بمسك هاتف نقّال في اليد والإبحار الافتراضي في منصات الكترونية غزت العقول وألغت كل ما هو واقعي حيّ وملموس. فالكل لاحظ ابتعاد الأطفال عن مطالعة الكتب والقصص مما أدى إلى تدهور لغوي كبير وأخطاء إملائية وتراجع في مادة التعبير الكتابي وكانت النتيجة انهيار لغوي حاد يصعب ترميمه في الوقت الحالي فبالأمس القريب كانت القراءة حاضرة في كل البيوت بالنسبة للصغار والكبار فمن قراءة القصص إلى الجرائد والكتب والروايات وغيرها مما أكسب أجيال الأمس ذخيرة لغوية وعتاد إملائي يبعدهم عن ارتكاب الأخطاء في الكتابة التي باتت ظاهرة لدى أجيال اليوم وحتى المتخرجون من الجامعة للأسف ويبدو أن غياب المطالعة كان له الدور البارز في ذلك لاسيما أنها تحمل الكثير من الفوائد على أكثر من صعيد ولا تعّوضها الرقمنة التي ألغت حضور الكتاب. تراجع كبير انخفضت نسبة القراءة اليومية من أجل المتعة بنسبة 40 بالمائة خلال العشرين عاما الماضية وفقًا لدراسة جديدة نُشرت مؤخرا في دورية إيسيانس وأظهرت الدراسة التي شارك فيها أشخاص من الولاياتالمتحدة وتمحورت حول عادات المطالعة لديهم بين العامين 2003 و2023 أن التراجع كان مستمرًا على مر الزمن بمعدل حوالي 3 بالمائة سنويا. وقد شهد الأمريكيون من أصول إفريقية والأشخاص من ذوي الدخل أو المستوى التعليمي المنخفض وسكان المناطق الريفية الانخفاض الأكبر في معدلات القراءة ما يسلّط الضوء على تزايد الفجوة في إمكانية الوصول إلى القراءة بحسب ما ذكرت الدراسة وتتمثل أهمية المطالعة للمتعة في أسباب عديدة من بينها تنمية التفكير النقدي والتعاطف ويرى الخبراء أن هناك أدوات وفرصا تساعد على عودة القراءة تتصدرها الروايات الرومانسية والخيالية والبوليسية الاتجاه. منافع صحية وتعليمية رغم أن الاتجاه العام يشير إلى تراجع في القراءة من أجل المتعة إلا أن هناك مؤشرات إيجابية مثل الشعبية الواسعة لسلاسل الكتب ونوادي القراءة والنقاشات المنتشرة حول الكتب على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد شهدت كتب الروايات خصوصا الرومانسية منها والخيالية والغموض ازدهارا كبيرا في شعبيتها ما يبرز استراتيجيتين أساسيتين لتعزيز القراءة أي العثور على ما تحب وخلق مجتمع حوله بحسب ما أوضحت سيبيل والاس التي عملت سابقًا في سي أن أن وتشغل حاليا منصب المحررة التنفيذية في موقع يساعد القرّاء على تتبّع قراءاتهم وتبادل التوصيات مع الآخرين وربما تستمتع برواية رومانسية أو كتاب تاريخي ضخم أو كتاب في مجال الأعمال أو الأدب الراقي أيًا كان ما تحب قراءته فإنه يعود عليك بالفائدة بحسب قولها. وفي كثير من النواحي تعتبر القراءة بمثابة تمرين للدماغ وفق تيريزا كريمين أستاذة التربية ومديرة مشاركة في مركز محو الأمية والعدالة الاجتماعية في الجامعة المفتوحة بالمملكة المتحدة وأشارت كريمين إلى أن القراءة تتطلب تفكيرا نقديا عميقا كما تُسهم في تنمية ما يعرف بالصبر المعرفي أو القدرة على التركيز المستمر وأضافت أن الانغماس في عوالم بديلة وتواريخ وثقافات وتجارب مختلفة من خلال الشخصيات الخيالية يمكن أن يساعد على تنمية التعاطف والرحمة. وفيما تُقوّي القراءة الترفيهية القدرات الإدراكية فهي أيضا مفيدة في الاسترخاء وتخفيف التوتر بحسب ما ذكرته الدكتورة جيل سونكي المؤلفة المشاركة في الدراسة والتي تشغل حاليا منصب زميلة أبحاث أولى بالسياسات الثقافية الأمريكية في جامعة ستانفورد. وأوضحت سونكي التي تشغل أيضًا منصب مديرة مبادرات البحث وأستاذة باحثة في مركز الفنون بالطب في جامعة فلوريدا أن هذا الأثر مهم جدا في خضم العصر الرقمي حيث يعاني الناس من ضغوطات كبيرة وندرة في أوقات الفراغ. وأضافت أنّ توفر الكتب وسهولة الوصول إليها يجعلها وسيلة مفيدة للانخراط بالفنون والثقافة فالمكتبات والموارد الرقمية غالبًا ما تكون أكثر توفرًا من المعارض والمسارح وقالت كريمين: المطالعة تتيح الفرصة للابتعاد عن ضغوط الحياة اليومية والاسترخاء والانغماس في عوالم أخرى . تقوية الروابط الأسرية تُعتبر القراءة أساسية للأطفال وتشير كريمين إلى أن خطوة فعّالة لتنشئة قرّاء صغار هي أن تكون أنت قارئا بنفسك وقالت: عندما يضع الكبار أنفسهم في موقع القارئ تظهر أبحاثي أنهم يُظهرون للأطفال القيمة والمتعة التي يجدونها في حياتهم خلال المطالعة ويُدخلونهم في هذا العالم الممتع . لحسن الحظ لم تُظهر الدراسة تراجعًا حادًا في معدل القراءة بين الأطفال لكن العائلات لا تقرأ معًا بما فيه الكفاية بحسب سونكي ولفتت إلى أنه من بين أكثر من 236 ألف شخص شملتهم الدراسة 20 بالمائة منهم لديهم أطفال في المنزل تقل أعمارهم عن 9 سنوات لكن فقط 2 بالمائة منهم يقرأون مع أطفالهم أضافت سونكي: نعلم أن القراءة للأطفال ترتبط بالتحضير لتعلّم القراءة والاستعداد المبكر للتعليم كما ترتبط أيضًا بتحقيق النجاح في القراءة لاحقًا. وبالطبع هذه الآثار التعليمية مهمة للغاية وتزداد أهمية مع دخولنا عصر الذكاء الاصطناعي .لكن التعليم ليس السبب الوحيد الذي يجعل القراءة مهمة جدًا للأطفال. وأوضحت كريمين إن استمتاع الأطفال بالقراءة أمر حيوي لمعالجة الفوارق الاجتماعية. وقد أظهرت الدراسة الجديدة أنه بحلول العام 2023 كانت القراءة اليومية أدنى بنسبة 49 بالمائة لدى الأمريكيين من أصول إفريقية مقارنةً بأصحاب البشرة البيضاء. جعل القراءة رائجة من جديد في حين أنه من المهم أن يعمل نظام التعليم على زيادة فرص الوصول إلى الكتب داخل المدارس من خلال المكتبات فإن هناك خطوات يمكن للعائلات اتخاذها في المنزل أيضًا بحسب كريمين وقالت: لا تتردد بالحصول على الكتاب الصوتي أو الإلكتروني إذا كان أكثر سهولة وحدد وقتًا خاليًا من الهواتف حتى يتمكن أفراد العائلة أو الأصدقاء من التجمّع والقراءة جنبًا إلى جنب . وإذا لم تجد النوع الأدبي الذي يناسبك بعد فجرب أن تستلهم من الأفلام أو المسلسلات أو العناصر الثقافية الأخرى التي تستمتع بها وابحث عن كتب تتماشى مع تلك الاهتمامات وفقا لما قالته والاس. ومهما كان ما تحب قراءته فيحتمل أن تجد مجتمعًا من المهتمين به وهو أمر أساسي لبناء عادة القراءة سواء كنت تجتمع مع أصدقاء أو تتفاعل مع قرّاء آخرين على صفحة عبر منصات التواصل الاجتماعي ابحث عن الأشخاص الذين يمكنك التواصل معهم من خلال الكتب يحسب ما ذكرته والاس. ومهما كانت السبل والطرق المتاحة وجب العودة إلى المطالعة والقراءة فهي أساس التعلم والتفوق العلمي.