دأب الجزائريون مع دخول السنة الأمازيغية الجديدة و التي تتزامن مع الثاني عشر من كل شهر يناير الاحتفال بهذا اليوم إحتفاءا بالعادات و التقاليد الموروثة عن الاجداد و احياءا لذكرى من الزمن الماضي اين انتصر القائد الأمازيغي"شاشناق " على فرعون مصر "رمسيس الثاني" الذي باءت محاولته بالفشل في إحتلال شمال افريقيا ، فيما يفسرها آخرون بأنها فأل خير على من يحتفل بها لتحقيق سنة فلاحية جيدة ، و بحلول هذا الموعد تتحضر النساء من كافة مناطق الجزائر خاصة من منطقة القبائل لهذا اليوم المخلد في ذاكرتهم باستقباله بأجمل العادات التي و ان اختلفت تتشارك في بهجة تلك الأجواء التي تطبع مراسيم الاحتفال بهذا اليوم بدءا بذبح الاضاحي و الديكة و انتهاءا برمي "التراز" أو "الدراز" على صغير العائلة . و يبق يناير من التقاليد الضاربة منذ القدم بتفاؤل كبير و فرحة عارمة تحرص العائلات الجزائرية التواصل مع ماضيها بإحياء تلك العادات التي ألفنا عيش معانيها في يناير و تلقينها للأجيال الناشئة و في مقدمتها النهوض الباكر لشراء مقتنيات التي يحتاج اليها هذا الاحتفال و على رأسها ذبح الديكة و الدجاج فيما يذهب آخرون الى نحر الأضحيات خاصة في منطقة القبائل الكبرى و المهم في الامر هو اسالة الدماء كتحصين للفرد من العين الحاسدة و الشر الكامن في الأرض ، لتستعد بعدها العجائز و النسوة لتحضير ما طاب و لذا من الأكلات الشعبية التقليدية و كلما تنوعت هذه الأطباق زادت خيرات هذه السنة و فتحت الارزاق في وجه العائلات ، ففي مناطق القبائل يطلق على مجمل الأكلات المقدمة و التقليدية باسم "امنسي نيناير" و يعتبر الكسكي او ما يطلق عليه ب''سكسو سوكسو'' بلحم الاضحية او الدجاح المرفق بالخضر الطبق الرئيسي في المائدة ، اضافة الى تحضير المعجنات "كالخفاف أو السفنج، المسمن، ثيغريفين" وهو ما نجده كذلك في مناطق الحضنة و الأوارس و التي تتفنن بتحضير "الشخشوخة " او ما يعرف باسم "الثريد" في مناطق اخرى و هو من الاكلات المحببة كذلك في مناطق الوسط و أما في الغرب لا تحلو القعدة بدون "الدقاق" و "العيش بالدجاج" على غرار "الرشتة" و "الشرشم" و هو قمح يتم طبخه بعد نقعه في الماء وتضاف إليه فيما بعد الزبدة والعسل التي تتواجد بكثرة في منطقة مليانة و بوسعادة و الميلة . لتجتمع بعدها العائلة على مائدة الطعام أين يستشعر فيها الفرد روحانية هذا اليوم خاصة عندما تحس بفرحة افراد العائلة و هي مجتمعة على احياء هذا الموروث ، و يستمر الاحتفال بقدوم يناير الى ساعات متاخرة من الليل اين تحلو السهرة بكوؤس من الشاي و ترافقها المكسرات كالفول السوداني و الجوز و الفستق و اللوز اضافة الى شراء ما يعرف "بالدراز" وهو الجزء المنتظر بشغف لدى الأطفال حتى يتسنى لهم الحصول على أشهى الحلويات التي كثيرا ما يضعونها تحت الوسادة و يحرصون على التباهي بها امام زملائهم في الدراسة ، و من أجمل التقاليد الضاربة في منطقة القبائل في يناير احضار صبي حديث الولادة و يتم قص خصلة صغيرة من شعره و تقديم له البيض المسلوق ليأكله ليوضع بعدها في وسط صحن كبير أو ما يسمى "بالجفنة" و تقوم عجوز البيت او كبيرة الدار برمى عليه الحلويات و السكر كحسن طالع حتى يكون عامه مبروك و يعيش في عز و تفتح له أبواب الخير ثم تقوم بتقسيمها على أفراد العائلة التي تتزين نساءها بالحناء وهي من اللحظات التي لا تنتسى و تزيد من لوعة شوقهم للاحتفال بيناير القادم ،كما أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية يعد مناسبة تزيد من فرحة العائلة و لمتها حتى الفقيرة منها التي تجتهد على القيام بطقوسه و ذلك لان هناك اعتقاد سائد يرى ان عدم احياء هذه الذكرى نذير شوؤم لصاحبها كما انها تعتبر ردا على احتفالات المسيحين في نهاية كل عام ميلادي بتعلق الجزائريين بأعيادهم و ان كانت اعياد غير دينية و محافظتهم على هذا التراث التاريخي . "يناير" فرصة للتجار لزيادة ارباحهم و يبق الاحتفال بيناير لدى الجزائريين يكتسي طابع خاص ، فهو يوم ليس كباقي الايام و ذلك لرمزيته الخاص التي تعني الكثير للامازيغ خاصة في تخليدهم لهذه الذكرى التاريخية و التي يجد فيها التجار ما يزيد من تحقيقهم للأرباح من خلال استعدادهم لهذا الاحتفال بأسبوعين قبل حلوله بوضع الطاولات في الارصفة و مداخل المحلات التجارية و تزيينها بأجود الحلويات و أشهها بنوعيها المجزئة و بالجملة و التي تلقى اقبالا واسع ليس من نساء القبائل فقط و انما تتعداه الى كل ربوع الجزائر وهو ما رصدته جريدة "المستقبل العربي" في جولتها لشوارع الجزائر العاصمة و أسواقها الشعبية التي حرصت على التحضير لهذه المناسبة و توفير للمواطن كل ما يلزم لإحياء طقوس يناير و الذي هو الاخر لم يبخل على مشاركة عائلته فرحة هذه الذكرى و في هذا الصدد شاركتنا السيدة " هناء" رأيها و تقول : "لا أفرط في الاحتفال بهذا اليوم من كل سنة لإدخال البهجة لأبنائي و أرى و ان كان هذا الاحتفال عرفا و ليس دينيا فإنه لا يضر بل بالعكس ارتباطه بحدث تاريخي فيه تعريف للأجيال الصاعدة بتاريخ الأجداد و التاريخ بالنسبة لي مهم و مقدس خاصة لدى منطقة القبائل حيث يتم التعريف بهوية الأمازيغ و تاريخهم الناصع في مواجهتهم للفراعنة و ننتظر قدومه بشغف كل عام ." و أما السيد "ع.الحميد" يقول :" رغم رفع التجار لأسعار الدراز و الذي وصل لسعر 750 دج للكيلو إلا أنني أحرص على أن يحتفل أطفالي بذكرى الأجداد لما يشكله من مصدر اعتزاز و فرح للعائلة ." فيما ترى خالتي "بايا" التي وجدناها تشتري أكياس من الحلويات تقول : " أنا حريصة على التمسك بعادات أجدادي و أعمل على التعريف بهذا الموروث لأحفادي الذين انتظرهم في مثل هذا اليوم حتى يشاركونني فرحته في بيتهم الكبير و هي مناسبة بقدر ما تزيد من ارتباطنا بماضينا فإنها بالمقابل تزيد من صلة التراحم و أواسر المحبة و الإيخاء من خلال الزيارات العائلية التي تكثر في هذا اليوم " و للتجار رأيهم كذلك فالعم "شفيق" تعرف طاولته اقبالا كبير خاصة أنه تفنن في تزينيها بشكل يجذب أنظار المارة حيث يتيه المستهلك مابين أطيب الشكولاطات و الحلويات و أجود أنواع المكسرات و الأجمل ما في الأمر أنه يسمح لزبائنه باختيار ما يحلو لهم من خلال ملء اكياسهم بمفردهم و الميزان وحده من يحدد السعر حيث يقول :" هي فرصة بالنسبة لنا كتجار لزيادة ربح إضافي و تنويع النشاط التجاري و استهلاك للمخزون الذي يكثر لدى سكان الريف كالتين الجاف و البلوط و اللوز و حسب تجربتي فإن ما نبيعه في هذا المجال يفوق الوصف حيث تتهافت العجائز و النسوة بكثرة على شراء الدراز و تفسير ذلك ارتباط الجزائريين بعاداتهم و تقاليدهم .".