بعد الفيتو مقابل عيدان بقلم : أحمد عوض الله الفيتو الذي عطلت من خلاله الولاياتالمتحدةالأمريكية الأربعاء الماضي، مشروعاً في مجلس الأمن لفرض وقف الحرب وادخال الغذاء إلى قطاع غزة المحتل، كان الرد العملي على الهدية التي منحتها حركة حماس للطرف الأمريكي ك"بادرة حسن نية"، واعتبر محللو الحركة وقياديوها في حينه أن ذلك الافراج المجاني عن الأسير العسكري الاسرائيلي الذي يحمل أيضاً الجنسية الأمريكية "عيدان ألكسندر" ما هو إلا خطوة "ذكية" من حماس، بل وذهب بعضهم إلى الاعتقاد وحتى التصريحات بأنها خطوة مهمة في أحداث الشرخ بين ترامب ونتنياهو وتليين الموقف الأمريكي، ظانين أن أمريكا شيء وإسرائيل شيء آخر. في مجلس الأمن قال العالم أجمع كلمته من خلال الدول الأعضاء بضرورة وقف الإبادة وإدخال المساعدات وجميع المستلزمات الحياتية لقطاع غزة، وكما العادة وقفت الولاياتالمتحدة وحدها ضد القرار بالفيتو المعهود فخربت الجهود وأسقطت القرار الأممي، وجحدت الهدية، وقابلت الخير بالشر المتأصل فيها. لعل هذا واحد من الدروس التي لم نتعلمها نحن العرب في فهم العقليات الصهيونية او المتصهينة التي تحكم السياسة الأمريكية، وهذا يبين حجم القصور لدينا في الخبرة وفي الوعي السياسي المبني على الشعارات والأماني والعواطف، الذي هو وعي مشوه يهيء لنا أن مجرد ابتسامة الثعلب الامريكي في وجوهنا أو التفاتته نحونا هو الخير وهو النصر، ونتناسى أبسط قواعد السياسة والتفاوض التي تبنى على مبدأ "هات وخذ". إن التفكير بهذا المنطق القاصر والتصرف على أساسه، لا يدل إلا على مدى سطحيتنا في قراءة التاريخ وضحالة فهمنا في فهم الواقع، بل وعلى عدم ثقتنا بأنفسنا وعشوائيتنا في التفكير والتخطيط واتخاء القرارات، وهو ما يفسر استمرار انحدارنا وانكساراتنا المدمرة والمتتالية. لقد خدعتنا أمريكا مجدداً بجزرتها الصغيرة، فأخذت أسيرها ثم سرقت الجزرة وضربتنا في مجلس الأمن بعصاها الطويلة، لتكمل ضرباتها السابقة في زيادة تزويد الاحتلال بالقنابل الضخمة ودعكه بالمواقف بالغة التطرف في قتل وتجويع شعبنا، وتنفيذ خطة الاحتلال في انشاء مصائد المساعدات في رفح ووضع جنودها يداً بيد مع مجرمي الاحتلال، ليقتسموا المهمة، فيوزع الامريكيون فتات الطعام على مئات ألوف الغزيين الجوعى بشكل مذل ومهين ومخالف لكل الأخلاق، فيما يقوم جنود الاحتلال بالقتل الجماعي بالعشرات للمتقدمين نحو مراكز التوزيع. والاهم من ذاك أنه بعد حرية عيدان وقبل الفيتو قدم وسيط أمريكا ويتكوف "مبادرة" صممت بالمقياس الاسرائيلي، وبالقدر الذي يضمن رفض حماس، حتى تروج إدارة ترامب كذباً أنها فعلت ما ينقذ غزة، ولكن حماس هي من ترفض !!! إن أمريكا تبقى أمريكا، وإن أمريكا هي إسرائيل، ولكن المؤسف أن تبقى حماس هي حماس دون تفكير خارج الصندوق الذي حوصرت أو حصرت نفسها فيه بلا حسابات ولا حساب أو مراجعة، والمؤسف أكثر أن يبقى قادة الفلسطينيين وقادة العرب عاجزين عن إنقاذ هذا الشعب الذي يباد ووطنه الذي يدمر ويسلب وقضيته التي تشطب. إن العدوان الحالي على غزة لا يشبه أي شيء قبله، وان ملامح نتائجه إن استمر، ستكون كارثية علينا جميعاً ليس كفلسطينيين فحسب، بل كعرب وكمسلمين، وأما المحزن أكثر، فهو أن التاريخ حينها لن يجد من يكتبه من العرب، ولن يجد من يحاسبه في صفحاته. .