ضبط برنامج جلسات مناقشة مشروع قانون المالية 2026    دعوة إلى إيداع ملفات التعويض بعنوان 2025    السيد جلاوي يشرف على اجتماع تقييمي لمشاريع القطاع عبر الوطن    تنصيب السيدة آمال سلمون مديرة عامة لبورصة الجزائر    "أوتشا" تحذر من تفاقم الأزمة في ولاية شمال دارفور مع انتشار العنف في الفاشر    الجامعة العربية تعقد جلسة حول "التجويع كسلاح حرب"    الرئيس اللبناني يؤكد ضرورة الضغط على الكيان الصهيوني لوقف اعتداءاته    ارتفاع محسوس في الكشف عن سرطان البروستاتا بقسنطينة    كيف يشكل الهاتف تهديداً لذاكرة طفلك؟    الطبعة ال 26 للصالون الدولي للصناعة التقليدية    إنطلاق "الملتقى الدولي للمبدعين الشباب" بالجزائر العاصمة    أسبوع القافلة السينمائية للأفلام الثورية " من 9 إلى 13 نوفمبر الجاري    الجزائر وأنغولا تتقاسمان المواقف حول قضايا القارة    تحذير من الأجهزة الطرفية غير المصادق عليها    دعم القدرات العملياتية والتقنية للأمن الوطني    5 اتفاقيات وبرنامج تنفيذي يعزز التعاون بين البلدين    الجزائر مستعدة لترقية علاقاتها الاقتصادية مع أنغولا    جهود متميزة تبذلها الجزائر لتهيئة الظروف الملائمة للاجئين الصحراويين    توسيع التعاون مع كرواتيا لتطوير الصناعة البحرية    لوبيز يعرض نفسه على "الخضر" وشقيق مبابي هدف "الفاف"    ريان قلي ينفي تمرده على "الخضر" ويبرر موقفه    رياض محرز يثير أزمة جديدة في البطولة السعودية    69 مداهمة لأوكار الجريمة    سارق محتويات المنازل في السجن    12 ألف مكالمة تصل مصالح الشرطة    صور من غرف مظلمة تعيد أحداث الثورة للشاشة    بن دودة: التراث ركيزة السيادة الثقافية للجزائر    بوشناقي يدعو لعودة الجزائر إلى لجنة التراث باليونيسكو    إبراز فضائل الحوار في تجسيد مسار عصرنة قطاع التجارة    وقفات احتجاجية للعمال في المغرب    لجنة وطنية لتوثيق الجرائم البيئية للاستعمار    المنتخب الوطني يحطّ الرّحال بجدّة    سرطان البروستات يفتك بالرجال في الجزائر    مولودية الجزائر تستعيد الريادة    كأس الجزائر.. في ديسمبر    ستورا يدعو فرنسا للاعتراف بجرائمها في الجزائر    ساركوزي يغادر السجن    نواب يُثمّنون مشروع قانون المالية    ياسر جلال يوضّح تصريحاته بالجزائر    بلمهدي في السعودية    وزير الصناعة: إعادة بعث مصنع الإسمنت بتيمقطن خطوة استراتيجية لتعزيز التنمية الصناعية بأدرار    إصابة 28 شخصًا في حادث مرور خطير بين المنيعة وغرداية    رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يجري محادثات على انفراد مع نظيره الصومالي حسن شيخ محمود    رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يتلقى رسائل تهنئة جديدة    من ينصف الأسرى الفلسطينيين أحياء وأمواتا؟    قِطاف من بساتين الشعر العربي    وزير الشؤون الدينية بلمهدي يشارك في اللقاء نصف السنوي لرؤساء مكاتب شؤون الحجاج بالسعودية    البروفيسور رشيد بلحاج يدعو إلى إصلاح شامل للمنظومة الصحية وتكامل أكبر بين القطاعين العام والخاص    بعيدا عن هموم مهنة المتاعب..!؟    الطبعة الرابعة لنصف مراطون "الزعاطشة" ببسكرة    غنى النفس .. تاج على رؤوس المتعففين    فتاوى : واجب من وقع في الغيبة دون انتباه وإرادة    عبد الرحمان بن عوف .. الغني الشاكر    شروط جديدة لتجارب تكافؤ الأدوية    لا وصف للمضادات الحيوية إلا للضرورة القصوى    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    مؤسسة Ooredoo تبرم شراكةً رسميةً مع نادي مولودية وهران    تحذيرات نبوية من فتن اخر الزمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو الخيزران الهنغاري
نشر في أخبار اليوم يوم 01 - 09 - 2015


بقلم: أمجد ناصر*
(قال الرجل وهو يمشي في شارع تجاري مزدحم بوسط فيينا: إنه جنون أصبت بذهول تام... لقد صدمني (الخبر) حقاً. لا شك أن الأمر كان مؤلما للغاية لمن كانوا في الداخل... لا شك أنهم كافحوا للبقاء على قيد الحياة) (...) وبحروف بيضاء كبيرة على صدر صفحتها الأولى السوداء تساءلت صحيفة قائلة: من سيوقف هذا الجنون؟ وعرضت صحيفة أخرى صورة لشاحنة لها باب خلفي واحد مفتوح وقد تكومت جثث مهاجرين في داخلها وكتبت هذا المانشيت العريض: متكدسون كالقمامة).
أتحدث هنا عن شاحنة التبريد التي عثرت عليها الشرطة النمساوية واقفة إلى جانب طريق عام وفي داخلها 71 مهاجراً يعتقد أنهم سوريون بينهم أطفال كانوا في طريقهم على الأغلب إلى هنغاريا ومنها إلى ألمانيا لكنهم لم يصلوا ولم تعرف هوياتهم. هناك بطاقة شخصية سورية مع أحدهم. لذلك يرجح أنهم سوريون من الذين نجوا من براميل بشار الأسد وسكاكين داعش فوجدوا أنفسهم جثثاً في سيارة تبريد بلا تبريد متحللين بلا ملمح أو هوية إنسانية.
بماذا تذكّرنا هذه المأساة التي لولا الموت السوري الغفير لكانت هزَّت العالم وجعلته يتقيأ كل ما في معدته؟ طبعاً برواية غسان كنفاني (رجال في الشمس).
هناك دائماً على ما يبدو أبو خيزران ما وهناك من في وسعه أن يقول بكل انحطاط محملاً الضحية مسؤولية موتها: لماذا لم تدقّوا جدار الصهريج البراد؟
عندما سمعت هذا الخبر الذي جعلني أبصق على النظام والمعارضة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن وأصدقاء سورية وحلفاء النظام فكَّرت فوراً بصهريج غسان كنفاني الملتهب الذي كان في طريقه إلى الكويت. صهريج ماء ينتقل بين البصرة والكويت. إنه فارغ هذه المرة. هناك ثلاثة رجال من أجيال مختلفة في داخله. لاجئون فلسطينيون يبحثون عن (مستقبل) و(حياة أفضل) يختنقون في جوف الصهريج تحت درجة حرارة خمسين في الظل إن كان هناك ظل في الصحراء. رواية (رجال في الشمس) تخييلية ذات طابع رمزي مرتبطة بمآلات القضية الفلسطينية. قد يكون حدث شيء مشابه على أرض الواقع لما يسرده كنفاني في روايته الأولى هذه لكنَّ واقعة البراد الهنغاري ليست رواية ولا قصة. إنها حقيقة تتفوّق في عنفها على أي عمل أدبي أو درامي. هذه تراجيديا من لحم ودم حدثت في أضيق مسرح في العالم ومن دون جمهور: شاحنة تبريد. لكن قبل أن نصل إلى ختام هذه التراجيديا: الموت اختناقاً في براد تركه سائقه أبو الخيزران الهنغاري لسبب ما من دون أن يفتح الباب لمن كانوا في الداخل أو لعله اكتشف بعد وقت من رحلة الموت هذه أن (بضاعته) لم تعد صالحة للتسليم فهجرها. أقول قبل أن نصل إلى هذه النهاية المأساوية التي يكاد يختصرها خبر في جريدة علينا أن نتخيّل سياقاً أطول من العذاب والانتظار والآمال والحدود. وقبل ذلك ثمة أحلام وأفكار وتصورات راودت الذين ماتوا (متكدسين كالقمامة) على حد وصف صحيفة نمساوية. هؤلاء ليسوا مجرد خبر في جريدة. ولا شاحنة متروكة على جانب طريق رئيسي. هؤلاء ليسوا رمزاً ولا استعارة. إنهم رجال ونساء وأطفال جاؤوا من مدن وقرى لم تعد صالحة للحياة مقامرين بحياتهم نفسها من أجل أيام من دون براميل أو بلطات وسكاكين. (رجال في الشمس) تطرح قضية بل أهم قضية عربية في حينها فماذا يطرح موت هؤلاء البشر المجاني؟ من يهتم بالأسباب التي جعلت أناساً لم يفكّروا من قبل بالهجرة فما بالك برمي أنفسهم في أمواج البحر في شاحنات وبرادات تحت عربات قطار؟
لا أحد العالم قلق بشأن مصير طاغية مجنون اسمه بشار الأشد أو عصابة مجرمين تسمى داعش. لكن ولا ربع ذلك يحظى به السوريون. إنهم مجرد (ضحايا جانبيين) ل(لعبة الأمم).
لا ضرورة هذه المرة لأبي الخيزران الهنغاري أن يقول: لماذا لم تدقّوا جدران البراد؟ فلم يُبْق هؤلاء جداراً وباباً وسماءً لم يطرقوها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.