بقلم: الدكتور بحري صابر لقد لاحظت من خلال تتبعي للقرار الأخير الصادر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حول إلغاء التربصات قصيرة المدى والعطل العلمية أن هناك من أقام الدنيا وأقعدها بسبب هذا القرار ورغم أحقية الأستاذ الجامعي في منحة قصيرة المدى أو عطلة علمية لتحسين مستواه وبالنظر للتقشف الذي مس مختلف القطاعات ها هو يحط الرحال في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي لم تجد سبيلا للتقشف غير منحة لا تسمن ولا تغني من جوع منحة تحولت إلى محنة في الواقع بالنظر للشروط التي تضعها الجامعات للحصول عليها من جهة وبالنظر للإذلال الذي تقوم به الكثير من الجامعات المستقبلة خاصة العربية في ظل غياب اتفاقيات تدعم مثل هذه التربصات بين الجامعات الجزائرية والجامعات العربية والأجنبية والتي من شأنها تذليل الصعاب والمساهمة الحقيقة في تكوين الأستاذ وتطوير مستواه كل في تخصصه وهو ما يجعلنا نأمل من هذا القرار كل الخير. إن محنة التربص حسب رأيي ليست بالمشكلة الجوهرية التي يعاني منها الأستاذ فإلغاؤها لن يؤثر على الأستاذ الجامعي لعدة اعتبارات أساسها أن الأستاذ الجامعي في الجزائر لا يملك شيئا لذا فإلغاء التربص لن يضيف أو ينقص أي شيء خاصة في مجال البحث العلمي فالأستاذ لديه الكثير من المشاكل التي تغنيه عن التفكير في منحة قيمتها لا تتجاوز قيمة أجر حارس في سوناطراك وكما يقال المندبة كبيرة والميت فار هذا هو القول يصلح كثيرا في حالة إلغاء المنحة. دعونا نتكلم بمنطقية وواقعية أكثر في قطاع أضحى يحتل الترتيب الأول في سياسة الهروب إلى الأمام خاصة إذا تعلق الأمر بالمشكلات التي يعاني منها الأستاذ الجامعي فحال الأستاذ الجامعي لم يتغير منذ سنوات مقارنة بالقطاعات الأخرى فالأجر لم يتغير منذ سنة 2008 لغاية اليوم وتشدق الوزير بأن الأستاذ يمكنه الترقية لتحسين دخله أعتقد أنه يعلم جيدا أنه مهما ترقى الأستاذ فإن أجره لن يساوي أجر نائب مدير في الوزارة رغم أن شهادة الأستاذ الجامعي تعلو شهادته وهو الواقع الذي لا يمكن نكرانه وإذا سلمنا أن عملية زيادة الأجور غير مطروحة في الوقت الحالي بسبب تراجع أسعار البترول والتقشف مع أن التقشف يمس مجالات أساسية في حين يغفل التقشف عن مجالات ثانوية تصرف فيها أموال الدولة بدون أي داع يذكر أين تصرف الأموال في نشاطات لا طائل منها ولا عائد لها من الناحية الاقتصادية. إن مشاكل الأستاذ الجامعي لا تتعلق بمنحة كما يحاول البعض اختزالها لأن مشاكل الأستاذ الجامعي التي هي مشاكل الجامعة أكبر من أن تقال ونتكلم عنها بإيجاز نتيجة التراكمات التي صنعها الوزراء في هذا القطاع فبالرغم من تعاقب الوزراء على قطاع التعليم العالي والبحث العلمي فإن الكثير منهم لم يتجرأ على طرح هذه المشكلات بواقعية ومحاولة حلها لإزالة عقبات مازالت تقف أمام تطور الجامعة الجزائرية ومساهمتها في التنمية الاقتصادية لذا فالوزارة تحتاج ليد تضرب من حديد لتحسين مستوى الطالب وضمان جودة مخرجات الجامعة من جهة وكذا المساهمة في حل مشكلات الدولة في مختلف القطاعات بناء على البحوث العلمية التي من شأنها زيادة الاستثمار في جميع القطاعات وهو أمر لا يمكن تفعيله بدون إرادة حقيقية في التغيير في القطاع على جل الأصعدة مع العلم أنه لا يمكن إجراء ذلك دون محاولة تحسين المناخ السائد في الجامعة لتشجيع الأستاذ على العمل بتحسين ظروف العمل وتوفير المناخ المناسب للإبداع في البحث العلمي في ظل تواجد كفاءات لا يستهان بها في جميع التخصصات في الجامعة الجزائرية. هذه مطالبنا من بين المشكلات التي تؤرق الأستاذ الجامعي مشكلة السكن رغم أن هذه المشكلة تخص كل الجزائريين إلا أن عمل الأستاذ الجامعي وبالنظر لميزته الخاصة وطبيعة الموارد البشرية التي تتوزع خارج ولاياتها الأصلية جعل أزمة السكن لدى الأستاذ الجامعي تتفاقم عام بعد عام في ظل غياب سياسة حقيقية تحل هذا المشكل مع انعدام الرغبة في حل المشكل من قبل الوزارة الوصية فالأستاذ الجامعي خاصة في كبريات المدن الذي يؤجر شقة بنصف راتبه أو أكثر من النصف لا يستطيع أن يبحث أو يقدم شيئا للطالب فهو مهدد بالطرد من المسكن في أي وقت وحالات كثيرة تلك التي عايشناها وزملاؤنا أين أصبح الأستاذ يعمل تحت طائلة الضغط والطرد من المنزل وبهذا إهتزت مكانة الأستاذ الجامعي مع تخلي الوزارة الوصية عن حل مشكلة من شأنها المساس بكرامة الأستاذ التي أضحت تداس من طرف هذا وذاك بدون سابق إنذار وهو أمر كان يمكن إجتنابه من خلال توفير السكن لكل أستاذ بإيجاد صيغ خاصة بالأستاذ الجامعي كإطار من إطارات الدولة كتوفير أرض صالح للبناء للأستاذ دون غيره مع تدعيمه لبنائها وهو الحل الأمثل في حل فشل سياسات الإسكان المتبعة اليوم. الحقيقة أن المتتبع لمشكلة السكن للأستاذ الجامعي يصل إلى مشاهد مخزية للتعليم العالي في الجزائر أين أصبح الأستاذ يبيت في الحمامات والطرقات و يتسول لدى مدراء الإقامات الجامعية لعله يفتك مكانا يقيه شح السؤال ويحضرني في هذا المقام عدة حالات لا تجد مأوى لها حتى أضحى الأستاذ يبيت في سيارته ويستيقظ باكرا كي لا يراه طلبته ويذهب ليقدم محاضرة لا يستطيع أي إنسان أن يقدمها في ظل الأوضاع الحالية وهنا كم تمنيت أن يتم إعداد حصص واقعية حول يوميات أستاذ مؤجر شقة. في هذا المقام وبالنظر للواقع المعاش دعونا لا نكذب على أنفسنا ونتكلم عن جودة المخرجات وتطوير جامعة لا تستطيع أن توفر لأستاذها السكن فالجامعة التي لا تحفظ كرامة أساتذتها لا يمكن أن تسير نحو التطور والرقي بقدر ما تتجه نحو الفشل ولعل المشكلات التي تعانيها جامعتنا اليوم تنطلق دوما من مشكلات الأستاذ وتنتهي عندها لذا فالوزير الذي يرغب حقيقة في تغيير قطاعه وتحسين مستوى الجامعات والنهوض بقاطرة الإقتصاد إنطلاقا من الجامعة والبحث العلمي عليه أن يبدأ بحل مشكلات الأستاذ خاصة تلك المتعلقة بالحاجات الفسيولوجية الأساسية التي لا يمكن لأحد أن ينكرها لأن حل هذه المشكلات هو حل لمشكلات البلاد ككل فلا يمكن لأي مجتمع أن يتطور ويتقدم بعيدا عن الجامعة وهي حقيقة على المسئولين أن يدركوها ليس بالكلام لكن من خلال تطبيقها وترجمتها لأفعال تسهم في خدمة البحث العلمي. الأستاذ الذي لا يملك سكنا أكيد لا يملك عدة أمور فهو لا يملك استقرارا ومن يتسم بالرحالة لا يمكن أن يقدم شيئا والأستاذ في هذا الوضع للأسف لا يملك شبكة أنترنيت ومن لا يملك شبكة أنترنيت لا يمكنه أن يتابع التطورات الحاصلة في تخصصه ومنه فهو غير مطالب بالتطوير والتحسين لأنه يعمل وفق الإمكانيات المتاحة له ولا يمكنه أن يقفز عليها في ظل غياب حاجات أولية هو بحاجة لها وإن كانت تلك الحاجات قد وفرت لجميع المواطنين في مختلف الدول لا تزال لدى الأستاذ الجامعي بالحلم الكبير الذي لا يمكن تحقيقه لغاية اليوم مع انعدام السياسة الرشيدة التي تحل الأزمات والتي تهدف في الأساس السير للأمام نحو مستقبل مجهول. إننا من هذا المقام ندق ناقوس الخطر الذي سيعصف بجامعاتنا وبمقوماتها الأساسية ولعل هروب الأدمغة الجزائرية خاصة الأساتذة الجامعيون الأكفاء إلى جامعات عربية خاصة الخليجية منها يؤكد أن جامعتنا في خطر إذا أردنا حقيقة نجاح نظام ل م د بتطوير وتحسين مخرجات التعليم العالي ولن يتأتى ذلك إلا من خلال نقطتين هامتين الأولى تحسين ظروف العمل بالنسبة للأستاذ بتحسين أجره وتوفير السكن اللائق له وإشراكه في إتخاذ القرارت المتعلقة بالجامعة وتشجيع الإبداع في مجال البحث العلمي وتكوين مجلس وطني للأساتذة الباحثين من كل جامعات الوطن والنقطة الثانية تتعلق بتوفير الظروف المواتية لدراسة الطالب بتغيير البرامج انطلاقا من حاجات سوق العمل وهو الأمر غير موجود في كامل برامجنا الجامعية للأسف أين لم يتم حل إشكالية العلاقة بين مخرجات التعليم العالي وسوق العمل الأكيد أن هناك مشكلات أخرى تؤرق الأستاذ الجامعي كظروف العمل طرق التسيير غياب المشاركة في اتخاذ القرار دمقرطة الجامعة وغيرها من المشكلات الأخرى التي لا يمكن أن نتحدث عنها لأنه لو تحدثنا عنها لطال الحديث وما سكتنا أعواما وسنينا والتي ربما سيتكلم عليها آخرون في هذا المقام والمنبر.