بقلم: هيفاء زنكنة* لعل أكثر المفردات شيوعا في ضباب الحقبة الزمنية التي نعيشها ومنذ أن قررت الولاياتالمتحدة تبني سياسة المحافظين الجدد في شن الحرب على كل من تراه (ليس معها) هي مفردة الإرهاب وما يصاحبها من أسماء وصفات تراوح في التصريحات والأجندات وأجهزة الإعلام ما بين (الحرب) و(القضاء) و(دحر) و(هزيمة) الإرهاب. في هوة محاربة الإرهاب سقطت الحكومات العربية الواحدة بعد الأخرى قبل غيرها من الدول لتجذب معها إلى مياه الإيديولوجيا الآسنة الأحزاب والتيارات التقليدية العربية. صارت الطمغة التي يفتخر بها كل نظام عربي هو تسابقه لاثبات ولائه لمرجعية القوة العسكرية الأمريكية. أما الأحزاب المعروفة تاريخيا بعدائها للامبريالية والهيمنة والاستغلال الاقتصادي المتفاخرة باستقلالها عما تسميه (النظم الرجعية الفاسدة) فقد نزعت جلدها لتتعرى مزهوة بعرض محاسنها للمستعمر الجديد على أمل السماح لها بالتقاط الفتات. من بين الفتات التقطت الاحزاب في العراق مثلا الطائفية والعرقية لتنافس الأحزاب والتيارات حديثة الولادة المؤسسة على الطائفية والعرقية. فمن الذي يتجرأ على الوقوف خارج خيمة الحرب على الإرهاب غير الإرهابي القاعدي الداعشي؟ لم يعد من ليس معنا هو ضدنا شعارا بل واقعا تمارسه الأنظمة وملحقاتها لصالح القوى الخارجية لكتم أنفاس من يتجرأ على التساؤل أو المبادرة بتقديم البديل. هذا هو جوهر التحالف الدولي المكون من 66 دولة برئاسة أمريكا بضمنها أنظمة عربية تخوض حربا ضد شعوبها بتهليل أو في أحسن الأحوال صمت الأحزاب (الوطنية) مما يشرعن في كل لحظة قصف إبادة الشعوب تجويعا وقتلا. من كان يتصور أننا سنعيش في زمن يتم فيه حرمان مدينة عربية من الماء ولا يخرج الناس إلى الشوارع احتجاجا على حصار شعب يتم تنفيذ حكم الإعدام به أمام أنظار العالم؟ ما الذي يجعلنا صامتين لا نرى ولا نسمع ؟ هل هو قمع الحكام المستبدين واحتماؤهم بدروع القوى العظمى من أمريكا وبريطانيا إلى روسيا واستخذاء الأحزاب المحلية والقوى الإقليمية بالإضافة إلى حملة الترويع والترهيب بأن من ليس معنا هو إرهابي بالضرورة؟ أم أنها العوامل كلها مجتمعة؟ مدن ضائعة أهل حلب بلا ماء بلا حياة. لم يعد كافيا الحصار والقصف بالبراميل المتفجرة والتجويع. حتى المياه باتت خطرا على النظام السوري وحلفاء الحرب على الإرهاب. المنظمات الإنسانية تحذر من انتشار الأوبئة وغارات النظام وحلفائه لا تميز بين المدنيين والمقاتلين بين البيوت والقواعد والمستشفيات. ومن بين صراخ الأطفال والنساء المحاصرين نسمع صوت رئيس بعثة أطباء بلا حدود في سوريا مذكرا العالم بأنه لا يوجد مكان يمكن للمصابين والمرضى يذهبون إليه على الإطلاق. إنهم يتركون للموت. أهل الموصل الفيحاء شمال العراق يقصفون يوميا تحت ذات الشعار: محاربة الإرهاب. لا احد يعرف بالضبط عدد الضحايا من المدنيين نتيجة قصف المدينة المكتظة بالسكان. فالقوات الأمريكية لا تحصي غير جنودها والنظام العراقي غير معني بحياة المواطنين وما قد يخدش سمعة حلفائه الغربيين والإيرانيين. وروسيا التي يحرص اليساريون على التغاضي عن دورها في كوارث تقسيم المنطقة حريصة على استعادة دورها كقوة عظمى ولتذهب الشعوب إلى الجحيم. أهل الموصل مدينة العلم والروح الوطنية يعرفون جيدا معنى العقاب الجماعي فقد ذاقوه على أيدي قوات النظام العراقي قبل دخول مقاتلي الدولة الإسلامية ثم عاشوا تفاصيله تحت وحشية الدولة الإسلامية وقصف قوات التحالف اللا انساني الذي استخدمت خلاله حسب صحيفة الواشنطن بوست 23 سبتمبر استنادا إلى صور ومقاطع فيديو نشرها البنتاغون الفسفور الأبيض وهو مادة حارقة محرمة دوليا وتم استخدامها باعتراف قيادة الاحتلال الأمريكي أثناء قصف مدينة الفلوجة غرب العراق عام 2004. وهاهي نذر عقاب جماعي آخر تلوح في الأفق القريب. الكل يتحدث عن تحرير الموصل. البضاعة الاكثر مبيعا في سوق النخاسة السياسية. من الرئيس أوباما إلى رؤساء الدول الأوروبية ووزراء الخارجية إلى ساسة العراق وإيران خاصة وأن التنافس على الهيمنة على اقتسام العراق على أشده ولكل جهة اتباعها وقواتها ومستشاريها. أصبح عدد المستشارين الإيرانيين والأمريكيين والبريطانيين وبقية حزمة التحالف عشرات الآلاف. ومع تزايد ذعر السكان مما ستحمله الأيام المقبلة من حملة انتقام على أيدي المتقاتلين ووصول ميليشيا الحشد الشعبي يزداد عدد وزراء الدول الحليفة والقادة القادمين إلى بغداد ليؤكدوا لشعوبهم انهم مشاركون لاغنى عنهم في الحرب على الإرهاب وإن بقيت القيادة العامة بيد البنتاغون الذي تبجح الناطق بإسمه أن عشرات الآلاف من طلعات الطيارت بلا طيار لتصوير الموصل توفر لهم خرائط تفصيلية بدقة 3 أقدام لكل المدينة أي بدقة المتر الواحد أي أنهم أصبحوا أدرى بالمدينة من أبنائها الذين لم يعودوا أكثر من ظاهرة جانبية في لعبة النابالم والفسفور والأجهزة الإلكترونية المدمرة. وزيرة الدفاع الألمانية التقت رئيس الجمهورية لتناقش التحضيرات لمعركة الموصل ودحر الإرهاب. وأعلن وزير الدفاع البريطاني بأن عملية محاصرة الموصل يفترض أن تبدأ خلال الأسابيع القليلة المقبلة تمهيدا لتحريرها. أما قائد القوات المركزية للقوات الأمريكية فقد تنقل ما بين بغداد وأربيل متعاملا معهما كبلدين منفصلين (كردستان والعراق) بجيشين منفصلين (قوات بيشمركه كردستان والقوات العراقية) ورئيسين لا يمثل احدهما العراق (فؤاد معصوم والبارزاني). كانت مهمته بحث تفاصيل خطة تحرير الموصل والتنسيق مع الجيش الأمريكي في العملية. الملاحظ أن ايا ممن سيساهمون ب(دحر الإرهاب) لا يتطرق إلى مصير المدنيين وتشير كل الدلائل إلى أن تحرير الموصل سيماثل تحرير العراق عام 2003 بنتائجه الكارثية لكثرة الأصابع المنغرزة وعنجهية ومطامع منفذيها ونظرتهم الدونية إلى الشعب العراقي. ولعل أفضل مثال على صفاقة من يدعون الحرص على حقوق الانسان والديمقراطية هو ممثل الامين العام للأمم المتحدة في العراق جورجي بوستن مؤكدا (24 أيلول) في بغداد إن التجربة الديمقراطية في العراق تعد فريدة من نوعها. فإذا بي أسمع صوت مغنينا الراحل عزيز علي واصفا بغداد البستان رائع الجمال والعطاء وكيف غدت تحت الاحتلال البريطاني (يا وسفة عليها اليوم وكر غربان).