الأمّية.. مرض ينخر المجتمع 6 ملايين جزائري لا يعرفون كتابة أسمائهم الأمية وانتشار الجهل وتفشيه في وسط مختلف شرائح المجتمع وطبقاته ظاهرة تستحق أن نقف عندها لأنَّ انتشار مرض الأمية المربوط عادة بالتخلف والجهل والرجعية أمر ساهم ولا يزال بصورة أو بأخرى في التأثير سلباً على خطط التنمية الوطنية وإعاقتها في كل الميادين والمجالات. عميرة أيسر نقص الوعي وعدم إيفاء الاهتمام اللازم لمعالجة هذه الظاهرة التي عملت ولا تزال على إحداث شروخ عميقة في بنية الدولة الجزائرية ومؤسساتها ساهمت كلها في استفحال خطر هذه الظاهرة الاجتماعية المؤرقة للدولة التي ياتت تنتشر في مختلف الاوساط وبين مختلف الفئات مما يوجب التصدي لها ومعالجتها خاصة وإنها تحولت إلى مرض اجتماعي بسبب افرازاتها السلبية العديدة على جميع الأصعدة في ظل الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم بأسره. تضارب حول نسب الأمية في الجزائر حسب التقرير الصادر العام الماضي عن منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو والذي جاء بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية الموافق لتاريخ 8 من سبتمبر من كل عام فإنَّ نسبة الأمية في العالم العربي بلغت27.1 بالمائة متراجعة عن سنوات2008 -2016 حيث بلغت النسبة 16بالمائة وتحتل الجزائر مرتبة مقبولة عموماً فحسب نفس التقرير. بلغت نسبة الأمية فيها حوالي 12.33 بالمائة معتمدة في ذلك على الأرقام الرسمية الصَّادرة عن الديوان الوطني لمحو الأمية نتيجة السياسة المتبعة من طرف الدَّولة منذ سنة 2007 ولكن الأرقام غير الرسمية تشير إلى أنَّ نسبتها تفوق 19 بالمائة وتتحدث عن وجود ستة ملايين جزائري لا يعرفون القراءة والكتابة ولا يمكنهم للأسف كتابة حتى أسمائهم. 4 طلاب في فصل مهيأ ل40 طالبا حسب عدة أطراف على صلة بالموضوع ومنهم الأستاذ عبد الكريم سليج رئيس الرابطة الوطنية لمحو الأمية فإنَّ السِّياسة والإستراتيجية الوطنية المتبعة لمحو الأمية لم تأت أكلها ولم تحقق المرجو منها فقد كشف النقاب عن أن هناك أكثر من 4 مليار و800 مليون سنتيم قد صرفت من قبل الدِّيوان الوطني لمحو الأمية لشراء الكتب والمحافظ وأجهزة الإعلام الآلي وذلك من أجل تزويد مدارس محو الأمية بها فيما تمَّ تخصيص مبلغ 500 مليون سنتيم فقط لتكوين الإطارات والمدرسين في فصول محو الأمية وفيما تشترط القوانين أن يضمَّ كل فصل 40 طالباً من طلاب مدارس محو الأمية يجد الأساتذة والمدرِّسون صعوبة في جلبهم فيما الرقم الحقيقي لطلبة في كل قسم لا يتعدى 4 طلاّب في أحسن الأحوال وهذه معضلة كبرى يجب التعامل معها وإيجاد الحلول الناجعة لها قريباً.
عدة عوامل ساهمت في تفشي الأمية ويرى العديد من الخبراء والدَّارسين بأنَّ هناك العديد من العوامل والمسبِّبات لارتفاع نسب الأمية والجهل في المجتمع الجزائري ومنهم السيِّدة عائشة مباركي رئيسة الجمعية الجزائرية لمحو الأمية اقرأ والتي أحصت مصالحها تسجيل أكثر من 6 ملايين جزائري لا يعرفون كتابة حتى أسمائهم وهو ما يمثل نسبة 22.بالمائة من عدد السُّكان على المستوى الوطني وترى السيِّدة مباركي أن انتشار الفقر والبطالة والظروف الأمنية الصعبة التي مرت بها الجزائر وتدني المستوى المعيشي لكثير من الأسر الجزائرية وخاصة القاطنة بالمناطق النائية وكذلك ظاهرة التسرب المدرسي ومخلفات الفترة الاستعمارية لجزائر وتزويج الفتيات وهن صغيرات وإجبارهنَّ على ترك مقاعد الدراسة كل هذه العوامل مجتمعة ساهمت بشكل مباشر في تفشي هذه الظاهرة التي تهدد بتغيير ثقافة المجتمع وقيمه. الإسلام يحث على طلب العلم طلب العلم يعتبر من الركائز التي تقرها كل الشرائع السَّماوية والوضعية وله منزلة خاصة مرموقة في ديننا الحنيف إذ من الثابت تاريخياً وفقهياً وحتىَّ تفسيرياً لنصوص القران وآياته سواء كانت مكية أو مدنية بأنَّ أول أية نزلت وشرَّعت طلب العلم والاجتهاد فيه هي (اقرأ باسم ربِّك الذي خلق) وقوله تعالى أيضاً (وما كان للمؤمنين أن ينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدِّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) والأمر بالتفقُّه والتعلم في هذا الآية شامل لكل الميادين ومناحي الحياة وقوله عليه أفضل الصلاة والسَّلام (فضل العالم على الجاهل كفضل القمر على سائر الكواكب) وقوله (اطلبوا العلم ولو في الصين).. إلى غيرها من النصوص التي ترغب في العلم وتنفر من الجهل والأمية المهلكة لصاحبها في الدَّارين. لابد من تضافر الجهود لمحاربة الأمية وستكون لها عواقب كارثية في المستقبل إن لم تتحرك السُّلطات المعنية وعلى رأسها وزارة التربية الوطنية والتضامن الوطني والأسرة لمعالجة هذا الملف الشائك وكذلك العمل لتبنى رؤية ثاقبة ومرحلية وفق جداول زمنية معلومة التوقيت لتنفيذها والاعتماد على أنظمة اتصال ومراقبة فعَّالة ومتطورة لإنجاح العملية التعليمة الخاصة بمحو الأمية التقليدية أي أميَّة الكتابة القراءة وتكاثف جهود الجمعيات المختصة العاملة في المجال والأخذ برأيها وراء المختصين التربويين الموثقين لبناء منظومة متكاملة الأركان لتخفيض نسب الأمية إلى حدِّها الأدنى أو القضاء عليها نهائياً والاستفادة من التجربة اليابانية في هذا المجال. فهناك خطر حقيقي فكري ومعرفي وإيديولوجي محدق بنا إن لم نستطع معالجة هذه المشكلة الخطيرة جداً لأن الأمية المعرفية والتكنولوجية ووضع الخطط والبرامج لمحوها هي التحدي الرئيسي الذي أصبح يواجه الدول المتطورة وحتى بعض الدول السائرة في طور النمو أما نحن للأسف الشديد فلا زلنا نتخبط في نفس المشكل الذي نعاني من تداعياته منذ أكثر من نصف قرن دون فائدة ترجى أمام العجز الرهيب الذي يطبع عمل كلِّ الحكومات المتعاقبة منذ تلك الفترة التاريخية في إقفال هذا الملف والانتقال إلى إيجاد الآليات والميكانيزمات لمجابهة خطر الأمية المعرفية التي هي التحدي الأكبر أمام العالم برمته حالياً.