بعد قرابة نصف قرن من الاستقلال، مازال بعض المسؤولين الفرنسيين يتصرفون على نحو يشير إلى أنهم يتصورون أن الجزائر مازالت تابعة لبلادهم، ولو معنويا، وعلى هؤلاء أن يقرأوا التاريخ جيدا ليدركوا أن الجزائر التي صمدت في وجه المد الاستدماري قرنا وثلث القرن لا يمكن أن تصبح ذات يوم تابعة لفرنسا·· حتى ولو أرادت·· يقول شيخ العلماء الجزائريين عبد الحميد بن باديس: (إن هذه الأمة كانت قبل الاستعمار ذات مقومات من دينها، ولسانها، وذات مقومات من ماضيها وحاضرها، كانت أرقى عقلا، وأسمى روحا، وأوفر علما، وأعلى فكرا، من أمم البلقان لذلك العهد، ولو سارت سيرها الطبيعي ولم يعترضها الاستعمار وبوائقه، لأنجبت المعلم الذي يملي الحكمة، لا المعلم الذي يمالئ الحكومة· إننا أمة علم ودين لم ينقطع سندنا فيهما إلى آبائنا الأولين، فلو أن المعلم الذي جاءتنا به فرنسا علم ناصحا وربي مخلصا، وثقف مستقلا، ولم يقيده الاستعمار ببرامجه، لظهرت أثاره الطيبة في الأمة·· إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت··· فهي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد·· في لغتها، وفي أخلاقها، وفي دينها··)· هذه هي الجزائر كما رآها الشيخ ابن باديس، وكما يراها أي عاقل ينظر بعين الموضوعية لبلاد مازال أبناؤها يتذكرون ما الذي فعلته فرنسا في آبائهم وأجدادهم·· ويرفضون أن يسامحوها، وهي التي ترفض أن تعترف وتعتذر·· وإلى الأبد لن تصير الجزائرفرنسا أو جزءا من فرنسا·· ولا تغرنكم أيها الفرنسيون قوافل الحرافة الذين يلقون بأنفسهم إلى التهلكة لبلوغ بلادكم، فتلك القوافل هي علامة يأس هؤلاء الشباب، وضعف دينهم، وليست علامة عشق لبلادكم التي لم تهب منها نحو الجزائر سوى·· رياح الكوارث!··