في مدينة الأبيض سيدي الشيخ فرنسا وأول تجربة تنصيرية في التاريخ -الجزء الخامس والعشرين بعد المائة- بقلم: الطيب بن ابراهيم *انطلاق تصوير فيلم دي فوكو من الأبيض سيدي الشيخ في مسار التحضير لتصوير فيلم شارل دي فوكو أرسل صاحب الفيلم السيد Léon Poirier رسالة لرئيس إرسالية إخوة القلب المقدس بمدينة الأبيض سيدي الشيخ روني فوايوم بتاريخ 29 افريل سنة 1935م يشرح له فيها مبرِّرات ودوافع وأهداف مشروع الفيلم طالبا من زعماء الإرسالية التفهم والتأييد والنصائح والاستفادة من خبرة أوّل تلامذة لشارل دي فوكو بالأبيض سيدي الشيخ وهم المعنيون الأوائل بالفيلم قبل غيرهم وأن بداية عملية تصوير الفيلم ستنطلق من مدينة الأبيض سيدي الشيخ مرورا بمدينة بني عباس ثم ببقية المدن الصحراوية الأخرى التي أقام بها شارل دي فوكو كما أخبر صاحب الفيلم رئيس إرسالية الأبيض بمجموع المبلغ المالي الذي جمعه في فرنسا من خلال حملته الدعائية للفيلم. بعد أن تأكد لرئيس إرسالية إخوة القلب المقدس بالأبيض أن الفيلم قادم لا محالة وأن المشروع قطع أشواطا متقدمة انعقد مجلس إرسالية الأبيض بتاريخ 23 أوت سنة 1935 تحت رئاسة رئيس الإرسالية الأب روني فوايوم وقرر المجلس أن يطلب من صاحب الفيلم السيد ليون بواريي شروطا عليه أن يتعهد بتنفيذها أثناء زيارته لمدينة لأبيض سيدي الشيخ وهي : أولا أن لا يتعرض المخرج أثناء تصويره للفيلم في الأبيض سيدي الشيخ لأي من القساوسة أو السكان حتى لا يثير الرأي العام المحلي ضدهم باستثناء تصوير المشاهد الطبيعية والمباني ثانيا: اشترط المجلس على المخرج عدم إحضار أي نساء معه أو أي ممثلة كانت للمدينة وتم إبلاغ الأمر لمخرج الفيلم السيد ليون بواريي الذي لم يكن أمامه من خيار غير الموافقة على شروط مجلس الإرسالية ورغم موافقة المخرج ليون بواري على شروط الإرسالية إلا أن المحافظ الرسولي كلف الأب جواي المراسل السابق لقضية تطويب الأب شارل دي فوكو بمرافقة المخرج في رحلته الصحراوية. وفعلا وعلى جناح السرعة انطلق تصوير الفيلم بداية من مدينة الأبيض سيدي الشيخ ومنها انتقل التصوير لعدة مناطق أخرى في الصحراء الجزائرية في نهاية سنة 1935 إذ حلّ صاحب الفيلم بأسكرام بتمنراست بتاريخ 12 ديسمبر سنة 1935 وبتاريخ 21 ديسمبر من نفس السنة وصل صاحب الفيلم لمدينة ورقلة وتم الانتهاء من الفيلم في شهر افريل سنة 1936 وكانت مدة الفيلم 150 دقيقة ليكون بذلك أكبر إنجاز دعائي يقدم لرائد التنصير في الصحراء الجزائرية شارل دي فوكو بمناسبة الذكرى العشرين لوفاته حتى قيل عن الفيلم أنه كان أحسن أفلام تلك السنة وتمت مشاهدته في معظم قاعات السينما في المدن الجزائرية وفي مدن فرنسا وقال رئيس إرسالية الأبيض القس روني فوايوم أنه شخصيا شاهد الفيلم في إحدى قاعات السينما بمدينة وهران سنة 1936 وكان جمهور المشاهدين كبيرا وعلى عكس ذلك لم يكن أحد من سكان مدينة الأبيض سيدي الشيخ يعلم بما كان يجرى من أحداث في مدينتهم!. *عودة المخرج Léon Poirier للأبيض سيدي الشيخ بعد الانتهاء من الفيلم وما صاحبه من دعاية من البداية إلى النهاية تم عرضه للمشاهدة على الجمهور في قاعات السينما في المدن الجزائرية والفرنسية طبعا باستثناء مدينة الأبيض سيدي الشيخ التي كانت أول من احتضن تصوير الفيلم والتي كان يُتَعَامل معها عن الحدث بسرية تامة. وأخيرا فاز الفيلم بجائزة أحسن أفلام تلك السنة وكان ذلك يعد نجاحا كبيرا لمخرج الفيلم ليون بواري الذي قرر أن يعود إلى مدينة الأبيض سيدي الشيخ ليس للتصوير هذه المرة ولكن يعود رفقة زوجته ليقدم الشكر والعرفان لقساوسة الإرسالية وعلى رأسهم رئيسها الأب روني فوايوم على دعمهم ومساعدتهم له وكانوا وراء إنجاح المشروع وتمت الزيارة في شهر نوفمبر سنة 1936م وبعد نهاية زيارته وعودته لفرنسا كرَّر شكره وعرفانه لإرسالية الأبيض وأرسل رسالة لرئيسها بتاريخ 17 ديسمبر سنة 1936 يؤكد له فيها على نجاح الفيلم وتأثيره على قلوب الملايين من المشاهدين كما أخبره أن الفيلم سيُحمل وسَيُعرض على الفاتيكان بروما هناك حيث الأسقف دربيني الذي سبق له أن توسط لرجال الإرسالية الأبيض من أجل الموافقة على تصوير الفيلم إضافة إلى ذلك أرسل مخرج الفيلم ليون بواري من فرنسا أرسل لإرسالية الأبيض بتاريخ 23 ديسمبر سنة 1936م مبلغا ماليا إضافيا قدره عشرين الف (20 ألف) فرنك فرنسي من مداخيل الفيلم. وكان نجاح فيلم نداء الصمت قد شجع مخرجه ليون بواري على العودة للجزائر ليخرج فيلما آخر حول نفس الشخصية شارل دي فوكو أيضا عنوانه: الطريق المجهول La Route inconnue سنة 1949 ليكون ذلك آخر أفلامه.