مقرمان: الجزائر ملتزمة بالعمل متعدد الأطراف    شايب يشرف على لقاء افتراضي مع أطباء    حيداوي يشدد على ضرورة رفع وتيرة تنفيذ المشاريع    إكينور مهتم بتعزيز استثماراته في الجزائر    تهيئة موقف الطائرات بمطار المشرية    سوناطراك.. نَفَس جديد    مدير المدرسة الوطنية العليا للعلوم الفلاحية: التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي مفتاح عصرنة الفلاحة في الجزائر    شباب المغرب قادر على كسر حلقة الاستبداد    الشبيبة تتأهل    نجاح باهر لحملة الجزائر خضراء    دورة تكوينية دولية في طبّ الكوارث    الجيش يسجّل حضوره    ركائز رمزية تعكس تلاحم الدولة مع المؤسسة العسكرية    فلسطين : المساعدات الإنسانية ورقة ضغط ضد الفلسطينيين    السلطة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية تسجل مشاركتها    أمطار رعدية على عدة ولايات من الوطن    للمهرجان الثقافي المحلي للموسيقى والأغنية التارقية    دعوة المعنيين بالفعالية إلى الولوج للمنصة الإلكترونية    للطلبة نصيب في مشروع 20 ألف مؤسّسة ناشئة    88% من ميزانية الصناعة مخصّصة للاستثمار في 2026    الجزائر فاعل اقتصادي وشريك حقيقي للدول الإفريقية    خلايا إصغاء لكشف التوتر النفسي لدى التلاميذ    الداخلية تشيد بالحس المدني للمواطنين في التبليغ عن التجاوزات    مخطط استباقي للتصدي لحمى وادي "الرفت" بالجنوب    وقفة حقوقية في الجزائر لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة    شروط صارمة لانتقاء فنادق ومؤسّسات إعاشة ونقل الحجاج    غاريدو يثّمن الفوز ويوجه رسائل واضحة    ملتقى دولي حول الجرائم المرتكبة في حق أطفال غزة    منداس بين السوق والسويقة    إعذارات للمقاولات المتأخرة في إنجاز المشاريع    عمورة يعاني مع "فولفسبورغ" والضغوط تزداد عليه    أخريب يقود شبيبة القبائل إلى دور المجموعات    قراءات علمية تستعين بأدوات النَّقد    المصحف الشريف بالخط المبسوط الجزائري يرى النور قريبا    إصدارات جديدة بالجملة    تأكيد موقف خالد في مساندة قضية "شعب متلهّف للحرية"    انطلاق الطبعة التاسعة للمهرجان الثقافي المحلي للموسيقى والأغنية التارقية بولاية إيليزي    نجاح الحملة الوطنية لغرس الأشجار وتعزيز مشاريع التشجير في الجزائر    فضل حفظ أسماء الله الحسنى    ما أهمية الدعاء؟    مقاصد سورة البقرة..سنام القرآن وذروته    تأهيل الشوارع وتعبيد الطرق واستعادة الحياة    الجزائر تظل وفية لدورها في خدمة الإسلام الوسطي المعتدل"    تفوز بالفضية في نهائي عارضة التوازن    سوناطراك انجزت 142 بئر مقابل 121 بئر بنهاية أوت 2024    معيار الصلاة المقبولة    هيستيريا صهيونية في موسم قطف الزيتون الفلسطيني    الموسيقى : "أوندا "تشارك في أشغال الجمعية العامة    مهرجان الجونة السينمائي : الفيلم التونسي"وين ياخذنا الريح" يفوز بجائزة أفضل فيلم عربي روائي    الرئيس تبّون يُهنّئ كيليا نمور    ناديان جزائريان في قائمة الأفضل    تحسين الصحة الجوارية من أولويات القطاع    تصفيات الطبعة ال21 لجائزة الجزائر لحفظ القرآن الكريم    بطولة العالم للجمباز الفني:الجزائرية كيليا نمور تنافس على ثلاث ميداليات في مونديال جاكرتا    لا داعي للهلع.. والوعي الصحي هو الحل    اهتمام روسي بالشراكة مع الجزائر في الصناعة الصيدلانية    انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الإنفلونزا    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متى يصير وعي الأمة منظومة صحوة فاعلة؟
نشر في أخبار اليوم يوم 08 - 09 - 2025


مراصد
إعداد: جمال بوزيان
غزّة تباد بشرا وشجرا وحجرا..
متى يصير وعي الأمة منظومة صحوة فاعلة؟
ما تزال غزّة تُغتال وتجوَّع وتَنزف أكثر من 63 ألف شهيد وأزيد من 180 ألف جريح وأكثر من مليوني نازح منهم من نزح أكثر من 5 مرات خلال عامين في قطاع غزّة المحاصر منذ سنوات طويلة إضافة لتصعيد العدوان على الضفة الغربية.. واغتيال الطواقم الإعلامية والطبية والإغاثية و.. و.. و...
في ظل خذلان عربي وإسلامي وتواطؤ صهيوني عالمي وفشل ذريع لما تسمى منظمات أممية دولية وإقليمية في إيقاف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان غزّة من محتل غاصب معتدل منذ الاحتلال وليس بعد طوفان الأقصى فقط كما يعتقد متحاملون على حقوق الشعب الفلسطيني.
سألنا: متى تصحو الأمة الإسلامية من سباتها العميق بشأن الدفاع عن فلسطين بما فيها الأقصى الشريف؟ وأيضا للدفاع عن بلدانها التي تستباح كل حين من العدو الصهيوني كسورية ولبنان إضافة للتوسع الإسرائيلي المزعوم وغيره من رؤوس الطغيان العالمي الذي يبتزها بلدا بلدا والسيطرة على كل مقدراتها الاقتصادية والمالية؟.
/////
غزّة بين مجاعة مُعلَنة وقانون مُعطل.. فمتى تصحو الأمة؟
أ.د.الصالح شليحي
لا تزال غزّة تُغتال وتُجوَّع وتَنزف. الأرقام على فداحتها صارت لغةً يوميّة: أكثر من 63 ألف شهيد وآلاف تحت الأنقاض وأكثر من 170 ألف جريح ومجاعة مؤكَّدة في أجزاء من القطاع وفق تصنيف آي بي سي للأمن الغذائي أرقامٌ تحيل إلى واقع لا يَسَع الضميرَ الإنسانيَّ تبريره أو الالتفاف عليه. وفي الخلفية نزوحٌ قسري متكرر يطحن نحو 90 من السكان أي قرابة 1.9 مليون إنسان كثيرٌ منهم نُزِحوا مرارًا وتِكرارًا في أقلّ من عامين.
هذه الفاجعة لا تقف عند حدود غزّة. ففي الضفّة الغربية يتواصل التصعيد بوتيرة حادّة: سجّلت الأمم المتحدة مئات الشهداء والجرحى خلال 2023 و2024 وإلى غاية 25 أوت 2025 بلغ عدد الوفيات الفلسطينية في الضفة خلال هذا العام وحده 178 حالة في ظل توسّع مواز لسياسات الهدم والاقتلاع. إنها جبهةٌ صامتة إعلاميًا لكنها فاعلةٌ على الأرض تُكمل دائرةَ الضغط والإنهاك على الشعب الفلسطيني.
الحقائق الصلبة التي يجب أن تُقال
1. كارثةٌ إنسانية موثَّقة: تؤكد تقارير أممية وصحفية مستقلة تجاوز عدد الشهداء 63 ألفًا في غزّة حتى أواخر أوت 2025 مع إصابات تتجاوز 170 ألفًا في ظل مجاعة مُعلنة وتدهور شامل للبنية الصحية والخدمية.
2. نزوحٌ بلا أفق: النزوح المتكرر صار القاعدة لا الاستثناء تقدّر وكالات الأمم المتحدة أنّ 1.9 مليون شخص-نحو 90 من سكان القطاع- أُجبروا على ترك بيوتهم وكثيرون نزحوا أكثر من 5 مرّات مع تغيّر خرائط المناطق الآمنة على نحو مُربك.
3. استهدافُ الفاعلين المدنيّين: وثّقت لجنة حماية الصحفيين استشهاد ما لا يقل عن 197 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا منذ اندلاع الحرب الأخيرة في حصيلة غير مسبوقة تُقوِّض حقّ الجمهور في المعرفة وتزيد عتمة المشهد.
قانون دولي بلا أسنان؟
على الورق لم تخلُ الساحة من قرارات وأوامر: أصدر مجلس الأمن القرار 2728 في 25 مارس 2024 مطالبًا بوقف فوري لإطلاق النار خلال رمضان يقود إلى وقف دائم وبإطلاق سراح الرهائن وإتاحة وصول المساعدات بلا عوائق. لكن القرار بقي إلى حدّ كبير بلا تنفيذ فعليّ على الأرض.
وفي مسار مواز فرضت محكمة العدل الدولية في 26 جانفي 2024 تدابيرَ مؤقّتة تُلزِم الكيان بمنع الأفعال المحظورة بموجب اتفاقية منع الإبادة وضمان وصول المساعدات ثم أصدرت في 24 ماي 2024 أوامر إضافية ركّزت على وقف الهجوم في رفح بما يتّصل بالحقوق المقرّرة بموجب الاتفاقية. ومع ذلك تواصلت العمليات على نحو يناقض روح تلك الأوامر وغايتها. إنّ الإشكال ليس في النصوص بل في عجز المنظومة الدولية عن فرض الامتثال حين تتداخل السياسة بالقوة.
أين قصرت المنظومة الدولية.. وأين قصرنا؟
الفيتو وتسييس العدالة: إنّ نظام الأمن الجماعي يقوم على توازنات القوى لا على العدالة وحدها لذا تتعثر القرارات الأكثر إلحاحًا عند بوابة المصالح المتضاربة. قرارٌ يطالب بوقف النار من دون آليات تنفيذ يساوي—عمليًا—تشجيعًا على الاستمرار.
تجزئةُ الملف الفلسطيني: حصرُ النقاش في غزّة بمعزل عن الضفة والقدس يُنتج حلولًا ترقيعية. المعركة واحدة وإن تعددت ساحاتها والأرقام القادمة من الضفة تُثبت ذلك.
أمننةُ المساعدات: حين يُعامل الغذاء والدواء كامتياز سياسيّ لا كحقّ إنسانيّ تُصبح المجاعة سلاحًا. تثبيتُ المجاعة في غزّة من قِبل منظومة آي بي سي لم يبدّل سلوك المانعين بما يكفي لكسر الحصار اللوجستي.
متى تصحو الأّمة.. وكيف؟
السؤال ليس إنشائيًا. إنّه برنامجُ عمل. الإفراط في الخطابة من دون أدوات مُلزمة يُراكم الخسائر. والمعادلة الواقعية تقتضي الانتقال من ردّ الفعل إلى صناعة الفعل عبر مسارات متوازية:
1. مظلّةٌ قانونيةٌ مُوحَّدة: تشكيل فريق عربي–إسلامي دائم للتقاضي الاستراتيجي أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لدعم الملفّات القائمة وتوسيعها مع إنشاء بنك أدلّة مهنيّ يشمل التوثيق الطبّي والصحفي والحقوقي وحمايته.
2. تفعيل القرار 2728 كمرجعية عملية: تحويل القرار الأممي إلى خطة عمل ذات آجال وآليات متابعة وربطه بشبكة من الحوافز والضغوط الدبلوماسية والاقتصادية بدل الاكتفاء بالتنديد.
3. اقتصادُ ضغط ذكي: استخدام أدوات التجارة والطاقة والاستثمار وسلاسل التوريد لتكلفةِ انتهاك القانون الإنساني عبر تسعير أخلاقي للمخاطر (ESG) في الصناديق السيادية وتنسيق سياسات المشتريات العامة عربيًا لإقصاء الشركات المتورّطة في الانتهاكات الموثّقة.
4. ممرّات إنسانية مُضمونة: فرضُ ممرّات دائمة وآمنة للغذاء والدواء والوقود بإشراف أممي–إقليمي مشترك ذي تفويض تنفيذي مع إدماج التكنولوجيا (تتبّع شفاف قواعد بيانات مستفيدين) لتقليص التسييس والعرقلة.
5. حمايةُ الفاعلين المدنيّين: إنشاء آلية إقليمية لحماية الصحفيين وعاملي الإغاثة والرعاية الصحية تشمل التأمين والملاذات المؤقتة وشبكات الإنذار المبكّر والتتبّع القضائي لأي اعتداء موثّق. أعداد الضحايا في صفوف الإعلاميين وحدها ناقوسٌ أخلاقي لا يُحتمل تجاهله.
6. وحدةُ السرديّة: الاستثمار في قوة ناعمة لغوية وقانونية تُخاطب الرأي العام العالمي بلغة الوقائع—لا الشعارات—وتستند إلى سجلات أممية وقضائية مع تدريب متحدثين رسميين على إدارة المعارك السردية بمنهج الحقائق أولًا
7. ربطُ غزّة بالضفة في التخطيط: أيّ ترتيب أمني–سياسي لا يضع الضفة والقدس في صلب مقارباته محكومٌ عليه بالفشل فالفصل بين الجبهات مكيدةُ خرائط لا حقيقة ميدان.
8. مأسسةُ الدعم الشعبي: تحويل التضامن الشعبي إلى مؤسسات مستدامة (صناديق إغاثة شفافة منصات قانونية للتطوّع شبكات جامعية للبحث والتوثيق) كي لا يبقى الفعل رهينَ اللحظة.
9. أمنٌ قومي عربي بمنطق الوقاية: معالجة مصادر الابتزاز—الطاقة الغذاء سلاسل الإمداد—بشراكات جنوب–جنوب وتخفيف الاعتمادات الأحادية لأنّ الانكشاف الاقتصادي يُقصِّر عُمر أي موقف سياسيّ.
خلاصةٌ لا تُهادن..
ما يحدث في غزّة ليس أزمةً عابرة بل اختبارٌ لعصر كامل: لصدقيّة القانون الدولي ولأخلاق السياسة ولوعي الأمّة بذاتها. لقد قالت أعلى محكمة دولية كلمتها بإجراءات مُلزمة —ولو مؤقتة—لكن القتل والجوع لم يتوقّفا. وقال مجلس الأمن أوقفوا النار فلم تتوقف النار. هنا بالذات يتقرّر معنى الصحوة : أن تتحوّل الغضبةُ إلى منظومة فعل تُراكِمُ النتائج لا الخيبات. ومن دون ذلك سنبقى نحصي كل الشهداء والنازحين فيما تتآكل الذاكرة تحت ركام البيوت.
إنّ الطريق صعب لكنّه موجود. يبدأ بالاعتراف بالوقائع وبأنّ كلفة اللامبالاة أفدح من كلفة الفعل. غزّة اليوم مرآةٌ لكلّ مدينة عربية تُرادُ لها الهشاشة. والضمير الذي ينهض لأجلها إنما ينهض لأجل ذاته أولًا.
/////
متى تصحو الأمة الإسلامية من سباتها؟
أ.فاتح مومن
لا تزال الأمة الإسلامية تغط بعمق في سباتها رغم ما خلفه ويخلفه عدوان الكيان الصهيوني من جروح عميقة في جسدها ومجموعاتها ودولها وخدوش في عزها وكرامتها وشرفها ورغم ان فلسطين ولبنان وسوريا واليمن وإيران لا تزال تئن تحت ضربات وغارات جيش هذا الكيان الغاصب والمتعجرف.
ولأن غزّة أكثر مناطق الأمة مقاومة للمشروع الصهيوني خاصة في العقود الأخيرة الماضية باحتضانها لتوجهات حركة حماس السياسية وخيارات جناحها العسكري المبني على عقيدة كتائب عز الدين القسام المتمثلة في رفض الاعتراف بالكيان جملة وتفصيلا واعتباره محتلا لكل أراضي فلسطين العربية.
هذه العقيدة المتأصلة في أهالي غزّة أرقت العدو وحلفاءه مما جعلهم يركزون معظم جهودهم في كسر الأمة وإضعافها فاغتالوا من سكانها أكثر من 63 ألف شهيد بالقصف العشوائي بالطائرات والمدفعية والدبابات وخلفوا وراءهم أكثر من 180 ألف جريح وأكثر من مليوني نازح نزوحا متكررا لأكثر من 5 مرات قسرا وآلاف المساكن نسفت نسفا تاما وما تبقى منها أصبح غير صالح للأسر الغزاوية وتدمير كل مقومات الحياة وضرورياتها من ماء وكهرباء ووقود وفوق هذا أقام حصارا محكما عليها فجوَّع أهلها جميعا ومات منهم الأطفال والشيوخ بالمجاعة وسوء التغذية ... وفي مقابل هذه المأساة التي تكاد تعجز عن وصفها الكلمات نرى تصعيدًا متواصلا في الضفة الغربية واغتيالات ممنهجة للطواقم الإعلامية والطبية والإغاثية واعتداءً صارخًا على كل ما يمثّل الحياة المدنية أمام مرأى ومسمع كل أمة الإسلام دولا وجماعات وأفرادا وكل هذا كان خلال مدة زمنية قصيرة جدا لا تتجاوز العامين.
هذا المشهد المروّع لم يأتِ من فراغ أو بمحض المصادفة بل جاء في ظل خذلان عربي وإسلامي يبلغ حدّ التواطؤ في بعض الأحيان من بعض الدول والحكومات وتواطؤ دولي منظّم يوفر الغطاء السياسي واللوجستي للعدو الصهيوني لتنفيذ حروبه وسياساته التوسعية المنبثقة من مشروع توسعي متكامل الأركان والزوايا يسعى لتحقيق حلم اليهود الأعظم في أرض الميعاد الا وهو إقامة دولة إسرائيل الكبرى أما المنظمات الأممية والإقليمية التي يفترض بها أن تحمي الشعوب وتكبح جرائم حرب الإبادة الجماعية وتطهير العرق العربي فقد أثبتت فشلها الذريع بل وانكشفت حدود وظيفتها كأدوات في منظومة القوى الكبرى التي تتغاضى عن أبشع صور الهمجية والوحشية البشرية.
غزّة.. القضية التي تعرّي الجميع:
إنّ ما يحدث في غزّة اليوم ليس مجرد حرب على قطعة أرض صغيرة بل هو اختبار كاشف لحقيقة المواقف فكلّ من يتذرّع بأنّ المأساة بدأت مع طوفان الأقصى يتجاهل قرنًا من الاحتلال ويقفز فوق سجلّ طويل من المجازر التي تصب في عمليات التطهير العرقي والتهجير القصري للمكون العربي وإحلال العنصر اليهودي مكانه بإقامة مستوطنات له على أراض دفنت تحتها آلاف من جماجم الفلسطينيين.
إنّ الإبادة ليست حدثا طارئا مرتبطا برد فعل بل هو امتداد طبيعي لمشروع استيطاني بدأ تنفيذه سنة 1948 ويمتد إلى زمن ما قبل وعد بلفور وما تلاه من اتفاقات بريطانية وفرنسية يسرت زرع كيان غريب في قلب الأمة.
غزّة إذن ليست حالة معزولة وطارئة وليست رد فعل لفعل بل هي عنوان لمواجهة ممتدة في فلسطين كلّها ومعها قضايا سوريا ولبنان والعراق واليمن وإيران فكلّها ساحات متصلة تُستباح فيها الأرض والإنسان والموارد والقرار السيادي بهدف إخضاعها وجعلها تحذو حذو دول الخليج العربي والأردن ومصر والمغرب لقبول مشروع إقامة دولة إسرائيل الكبرى والاعتراف الصريح بها.
لماذا يطول سبات الأمة؟
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: لماذا لم تتحرك الأمة الإسلامية بعدُ بما يوازي حجم الكارثة التي حلت بها؟
نرى أن هناك عدة عوامل جعلت الأمة الإسلامية مستسلمة لأمر الواقع المفروض عليها بدل تحمل مسؤوليتها الدينية والأخلاقية والتاريخية في الذود عن جسدها وروحها وشرفها وآثرت الليونة للأكل وعدم لومها للأكلة الجياع المتعطشين لسفك دمائها ونهش لحومها وأهمها ما يأتي:
1- غياب الأخلاق الإسلامية في ثنايا أفراد وجماعات ودول الأمة كالشجاعة والصدق والأمانة والاتحاد وسلامة الصدر والإيثار والعزة والمروءة... وانتشار أضدادها وتفشيها في نفوس أفرادها وجماعاتها ودولها كالخوف والكذب والخيانة والتفرقة والخبث والأنانية والدناءة والطمع والجشع... فلا أظن في الشجاع الصادق الأمين العزيز الأبي صاحب المروءة وسليم الصدر القانع... فردا كان أو جماعة أو دولة كائنا ما كان يسكت عما يجري في غزّة وسائر بلدان الأمة من تقتيل وتهجير وإبادة بل سينتفض نصرة لإخوانه وخزيا لأعدائه... وأرى أن هذا العامل الرئيسي المسبب لكل مآسي الأمة وهزائمها وسقطاتها وباقي العوامل مما يذكره المحللون والخبراء ما هو إلا فرع من فروع هذا العامل.
2- تفكك داخلي: يعيش العالم الإسلامي حالة من التشرذم العميق حيث تغلب الحسابات القُطرية الضيّقة على المصالح الكبرى للأمة وذلك نتيجة للعامل الأول المذكور آنفا خاصة ما تعلق منها بطبائع الجبن والتفرقة والأنانية والخيانة وغياب أخلاق الشجاعة والاتحاد والإيثار والامانة... في ثنايا أفرادها وجماعاتها وأجهزة دولها.
3- أنظمة مرتبطة بالخارج: كثير من الأنظمة الحاكمة باتت تستمد شرعيتها من القوى الدولية لا من شعوبها ما يجعلها عاجزة عن تبنّي مواقف مستقلة نظرا لغياب أخلاق الصدق والأمانة والشجاعة والوفاء والإيثار والصبر... في أفراد وأجهزة أنظمة بلدان الأمة.
4- تضليل إعلامي: تحوّل الإعلام في بعض البلدان إلى أداة لتشويه وعي الجماهير بتصوير المقاومة على أنّها مغامرة أو اختزال الصراع في بعد إنساني إغاثي بعيدًا عن جوهره السياسي التحرري نتيجة غياب ما قلنا عنه أيضا الأخلاق فلو توفرت سمات الصدق والشجاعة والأمانة والعدل والصدق في مفاصل أجهزة الإعلام لما تحقق لهم تضليل الشعوب والأفراد.
5- خوف من العقوبات: ترهب كثير من الحكومات التهديدات الاقتصادية والسياسية التي تلوّح بها القوى الكبرى فيستسلمون لتوازنات غير متكافئة وهذا أيضا ناتج عن غياب أخلاق الصدق والأمانة وحسن الاتكال والشجاعة والصبر... لما كان الخوف من عقوبات شرطي العالم وأعوانه.
واجب الأمة تجاه فلسطين
رغم هذه التحديات فإنّ للأمة واجبًا دينيا وأخلاقيا وتاريخيا لا يسقط بالتقادم فالدفاع عن فلسطين وعن المقدسات الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى ليس شعارًا بل أحكام شرعية وواجب ديني ومسارات عملية أخلاقية واستراتيجية يجب انتهاجها في الحال لدعم قوة وتماسك خط الدفاع المتقدم المتمثل في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن وإيران عسكريا ولوجيستيا وإعلاميا وقانونيا وذلك بما يأتي:
1- الوحدة الشعبية: الشعوب العربية والإسلامية تملك من عناصر القوة ما يكفي لتشكيل ضغط سياسي واقتصادي عبر المقاطعة والمبادرات الشعبية والتضامن الحقيقي الذي يحرج الأنظمة المطبعة والمتواطئة كقافلة فك الحصار على غزّة المنطلقة من تونس بمشاركة كل من الجزائر وتونس وليبيا... والتي أحرجت كثيرا نظام السيسي المطبع.
2- الدعم الإعلامي: في زمن الصورة السريعة صار فضح جرائم الاحتلال أداة مركزية في الصراع لذلك فإنّ حماية الإعلاميين وتوفير منصات حرة ضرورة استراتيجية في هذا الصراع المتعدد الأشكال والجبهات سياسيا وعسكريا ودينيا وحضاريا...
3- التحرك القانوني: يمكن رفع دعاوى أمام المحاكم الدولية وتوثيق الجرائم وإحراج الكيان الصهيوني وداعميه في المحافل الأممية وقد رأينا كيف كان دور الجزائر الفعال بصفتها عضوا غير دائم في مجلس الأمن ورغم انحياز المنظومة الدولية للطرف الصهيوني لكن تراكم الملفات قد يفتح ثغرات في جدار الصمت الدولي.
4- الاستعداد العسكري والسياسي: إذ لا يمكن أن تُستعاد الحقوق بلا قوة تردع المعتدي وتقف في وجه عدوانه وتكبح أطماعه وهذا يستدعي مشروعًا استراتيجيًا طويل المدى يوحّد القدرات العسكرية والسياسية للدول الإسلامية.
فلسطين ليست معزولة عن بقية الأقطار:
إنّ المأساة الفلسطينية انعكاس لمخطط أكبر يستهدف الأمة بأسرها والعدو الصهيوني يصبو الى مدّ نفوذه نحو سورية ولبنان ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية والعراق ويريد التغلغل في إفريقيا وآسيا الوسطى سياسيا واقتصاديا تحت رعاية أمريكية وحلفائها الغربيين ممن يسعون إلى تفكيك المنطقة إلى كيانات أصغر يتيسر التحكم فيها والسيطرة عليها في إطار ما يسمى الشرق الأوسط الجديد .
ولذلك فإنّ الدفاع عن غزّة ليس خيارًا تضامنيًا فحسب بل هو دفاع عن الأمن القومي لكل بلد إسلامي فمتى استباح العدو فلسطين بلا رادع سيمضي إلى ما بعدها وهو ما نراه جليًا في اعتداءاته المستمرة على سوريا ولبنان وتدخله في شؤون دول الخليج العربي والمغرب.
فهل تنتظر الأمة حتى تبتلعها نار العدوان بلدًا بلدًا أم تصحو الآن لتكتب تاريخًا جديدًا يحفظ كرامتها وحقوقها؟.
/////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.