بقلم: تييري ميسان * مرة أخرى، تعود الأزمة السورية لتستحوذ على المشهد الدبلوماسي الدولي طيلة الأسابيع الأخيرة، شهدنا فيها استخدام الفيتو المزدوج للمرة الثالثة في مجلس الأمن، والتصويت على قرار في الجمعية العامة، واستقالة الموفد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة. كل هذا التحريض غير المجدي دبلوماسيا، أتى استجابة لأهداف لاعلاقة لها بالبحث عن السلام. لم يكن لدى دول الغرب أي مبرر دبلوماسي في اللجوء إلى طرح مشروع قرار على مجلس الأمن، طالما أن روسيا أعلنت مسبقا رفضها لمثل هذا القرار. كما لم يكن هناك أي مسوغ في الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتبني قرار جديد، سبق لها أن اتخذت قرارا مماثلا له. وبالمحصلة، لم يكن لدى كوفي أنان أي مبرر موضوعي لتقديم استقالته. هناك علاوة على كل ماورد في الترنيمة السابقة، شيء غير قانوني. إذ أن الجمعية العامة لاتملك أهلية مناقشة قضايا معروضة على مجلس الأمن، إلا عندما " يبدو أن هناك تهديد للسلم، أو تصرف عدائي، و حيث تأكد العجز عن تحقيق اجماع بين الأعضاء الدائمين، وفشل مجلس الأمن في ممارسة مسؤولياته الأساسية في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين". وهذا ما لايتطابق مع الحالة السورية، طالما أن داعمي القرار يصرون على عرض الأزمة السورية كمشكلة داخلية حصرا. على أية حال، لم ترتكز الجمعية العامة إلى تلك "الأهلية" المعروفة تحت بند "الاتحاد من أجل الحفاظ على السلم"، ومع ذلك فقد أوحى قادة الغرب بأن مافي حوزتهم يذهب إلى أبعد من ذلك. ففي حين يرتكز ميثاق الأممالمتحدة إلى احترام سيادة الدول الأعضاء، يبدو "حق التدخل" الذي كان يدعى سابقا " مهمة تحضريه" امتيازا استخدمته القوى الاستعمارية في غزو العالم. يأتي إمعان قادة الغرب في إدانة تقاعس مجلس الأمن من هذه العقلية بالذات، المجافية كليا للحقيقة: صحيح أن مجلس الأمن منقسم، وهذا ما تأكد من استخدام حق النقض ثلاث مرات متتالية، لكنه نشط، ولايمكن اتهامه بالتقاعس، بعد تبنيه ثلاثة قرارات متعلقة بالأزمة السورية ( 2042، 2043، 2059). عندما تنقسم هيئة المحلفين في محكمة جنائية حول قضية حكم بتجريم متهم أو اصدرا حكم ببراءته، ما من أحد يتهم المحكمة بالتقاعس في اصدار حكمها. بل على العكس، كلنا نجمع على القول بأنها أصدرت قرارا عادلا. و عندما يلجأ مجلس الأمن، الذي هو أحد أهم مرجعيات القانون الدولي، إلى رفض قرار معروض عليه، يفترض بنا أن نقر بأنه ينفذ القانون، سواء كان قراره متوافقا مع رغباتنا، أم لا. لقد شرح كوفي أنان موجبات استقالته بالعبارات التالية: " تزايد المظاهر المسلحة على الأرض، والتضاؤل الواضح في امكانية توحد مجلس الأمن، كلها عوامل أثرت جذريا على ظروف نجاح مهمتي". هل نحن في حلم، أم في علم؟ لقد استلم السيد أنان مهمته في 23 فيفري الماضي. كان الجيش السوري في تلك الأثناء، يحاصر معقل الإمارة الاسلامية في حي بابا عمر، الذي كان يتحصن فيه نحوا من ألفين إلى ثلاثة آلاف مقاتل، بالاضافة إلى مدربين عسكريين غربيين، وكانت الصين وروسيا قد استخدمتا "الفيتو المزدوج" مرتين متتاليتين. إذا، لم يغير أي من أطراف النزاع قيد أنملة من الوقائع على الأرض. ماتغير واقعيا، هو موازين القوى الفاعلة على الأرض السورية، حين أحجم فصيل من المجتمع السوري عن الاستمرار في احتضان الجماعات المسلحة، وتقديم دعمه للجيش الوطني السوري. بعد أن خسر المتمردون "الكونتراس" إمارتهم الاسلامية في بابا عمر، وفشلوا في الاستيلاء على دمشق، ومن بعدها حلب، ووجدوا أنفسهم بلا ملاذ آمن، حينذاك قرر كوفي أنان الانسحاب من ساحة المعركة في سورية، تماما كما فعل في قبرص عام 2004، إثر رفض خطته للسلام، بموجب استفتاء شعبي عليها. لو عدنا قليلا إلى الوراء، لرأينا أن كوفي أنان قد بنى تصورا لخطته يقوم على قلب نظام الحكم في سورية بالقوة، وأنه لم يعد يعرف ماذا يفعل إزاء معضلة الفشل العسكري "للجيش السوري الحر" المدعوم من الغرب. من الواضح أن استقالة الموفد الخاص من مهمته، لم تكن مجرد تهريج شخصي فقط، بقدر ما يفترض بنا النظر إليها في سياق حملة غربية جديدة، تهدف إلى "إدانة جمود المجتمع الدولي" وتحميل المسؤولية لسورية، والصين، وروسيا، معا. من هنا تتضح لنا حقيقة كل هذا التحريض. فالغربيون الذين لايتمنون إلا الخير والرفاه للشعب السوري، كما يدعون، يمدون المرتزقة بالسلاح لكي يرتكبوا المجازر على أوسع نطاق، ويمثلوا بالشعب السوري أبشع تمثيل، وهم، أي القادة الغربيون، مستمرون في خيارهم هذا، ولن يتراجعوا عنه. أما نشاطهم الدبلوماسي فينحصر في توجيه الاتهامات لروسيا والصين، وصولا إلى الاعتراض على وجود شيء اسمه " القانون الدولي". أما ذاك الذليل الطائع، المدعو بان كي-مون، فلم ننخدع به أبدا، حين فتح باب النقاش في الجمعية العامة حول سورية، مستلهما في كلمته نص القرار المعروض على التصويت، دون أن يوجه أي إدانة، من موقعه، للصراع السوري-السوري. بل "لحرب بالوكالة" تجري رحاها بين القوى العظمى، وهي حرب ليس الهدف منها، حسب تعبيره، الاستيلاء على سورية، بل تعديل موازين القوى العالمية. *نظرا لتواجده في سوريا منذ شهور، ومعاينته الوضع هناك عن قرب، قرر الصحفي العالمي ورئيس شبكة فولتير الإعلامي الفرنسي الشهير "تيري ميسان"، نشر ملاحظاته -بالتزامن- في أكثر من صحيفة عبر العالم وبأكثر من لغة عالمية. وقد اتصل ب"أخبار اليوم" لكي تكون إحدى نوافذه على الجزائر والعالم المغاربي والعربي. تنشر النسخة العربية من هذه ملاحظاته مرة أسبوعيا، كل يوم أحد، في كل من "أخبار اليوم" الجزائرية و"تشرين" السورية، بينما تنشر الترجمة الألمانية لها في صحيفة "نوراينخ تزايتونغ" ذات الصيت الواسع في ألمانيا، وتتكفل مجلة "كومسومولسكايا برافدا" _أكبر العناوين الروسية على الإطلاق- بضمان الترجمة بأكثر من لغة من اللغات الرسمية والمحلية المعروفة داخل في روسيا وشرق أروبا: البيلوروسية والمولدافية والاكرانية.. وغيرها، عبر 3 ملايين نسخة أسبوعيا، فضلا عن مئات المواقع الإخبارية عبر كل العالم. --- نقله إلى العربية: سعيد هلال الشريفي