اشتكى التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، للسفير الفرنسي »أندري ياران« ما أسماه »تراجع الحريات« في الجزائر بعد »فشل الإصلاحات« على حد زعمه، لكنه لم يتوان في الوقت ذاته من انتقاد السياسية الخارجية في الشق المتعلق بتناولها لأزمة مالي وفي تعاطيها مع ملف الذاكرة، بما يوحي تبني الحزب لوجهة نظر الطرف الفرنسي... فما خلفيات هذا الموقف؟. لم يخف حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي يقوده حاليا محسن بلعباس خلفا للرئيس السابق سعيد سعدي، جملة المواضيع التي تناولها مع السفير الفرنسي »أندري ياران« بمقر الحزب، الأحد الماضي والتي حضرها عن الجانب الفرنسي السفير ومستشارة الشؤون السياسية »ماري دومولان«، والمستشار الإعلامي »سيباستيان فاغار«، حيث يستشف من بيان منشور على الموقع الالكتروني للحزب، أن قيادة »الأرسيدي« التي حضرت اللقاء، اشتكت مما تسميه تراجع الحريات بسبب »قمع النظام« المزعوم. ويعتقد الحزب أن الإصلاحات السياسية التي أقرها الرئيس بوتفليقة »فشلت« لكن من دون تحديد مكامن الفشل، فهل يعود ذلك إلى ظهور أحزاب سياسية عديدة زاحمت »الأرسيدي« في موقعه واحتلت مكانة في الحقل السياسي إلى درجة لم يعد معها صوت الحزب يكاد يسمع سيما بعد مقاطعته للانتخابات التشريعية التي زادت من عزلة الحزب وغيّبته عن منابر ظل يستغلها على الأقل للترويح لمواقفه؟. لكن الغريب في أطروحات محسن بلعباس التي ساقها للسفير الفرنسي، تكمن في شكواه من غياب نزاهة الانتخابات ولجوء السلطة إلى التزوير ومع ذلك لم يذكر رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الأسباب التي دفعته إلى المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة إذا كان يعتقد أنها مزورة مسبقا شأنها شأن الاستحقاقات السابقة؟. ثم لماذا لم يذكر محسن بلعباس للسفير الفرنسي الذي أراد استقصاء الوضع السياسي والاقتصادي والدبلوماسي للجزائر من خلال »الأرسيدي«، أن حزبه لم يتمكن من تجهيز وإعداد قوائم الترشح سوى في أقل من 200 بلدية من مجموع 1541 بلدية منتشرة عبر ربوع الوطن الفسيح؟. صحيح أنه قد تكون الإصلاحات السياسية المقررة غير مرضية لكل الأطراف، سواء من حيث مضامينها أو أدوات وأساليب تنفيذها، وصحيح أيضا أن يكون هناك اختلاف حول نتائج أي اقتراع، لكن المتفق عليه أن حجم كل حزب سياسي ووزنه في الساحة تحدد من خلال قوة انتشاره وتعبئته للجماهير، وواقع الحال يقول أن »الأرسيدي« لم يتمكن من تغطية كامل بلديات الوطن ولا حتى نصفها ولا الربع منها. وهنا لا بد من التساؤل: هل الفشل في تغطية كامل بلديات الوطن كان قرارا من »الأرسيدي« أم أن تقلص ومحدودية انتشار الحزب يقف وراءها التزوير أيضا؟. قد يقول قائل أن من حق هذا الحزب أن ينتقد قواعد اللعبة السياسية في البلد وهو طرف من أطرافها، لكن فيما يتعلق بقوله أن التقدم في العلاقات الجزائرية الفرنسية مرهون بوقف »المزايدات التي تسمم ملف الذاكرة الجزائرية الفرنسية«، فهنا من واجب قياداته أن تحدد الجهة التي تقف وراء هذه المزايدات هل هي فرنسية أم جزائرية وإذا كان يقصد بكلامه جهات جزائرية سواء السلطة أو جمعيات المجتمع المدني، فهنا أيضا لا بد من تحديد موضوع المزايدات: هل يكمن في طلب فرنسا بالاعتراف بجرائمها أم في ماذا؟. ذلك لأن هذا الموضوع أي الذاكرة بقدر ما يثير جدلا واسعا فانه بالدرجة الأولى ملف يعود الفصل فيه للشعب الجزائري وحده. وعن موقف الحزب من الأزمة المالية وكيفية تعاطي الجزائر معها، فيبدو أن »الأرسيدي« منحاز إلى أطروحات غربية فرنسية تحديدا والتي تصنف حركة أنصار الدين حركة إرهابية عكس الجزائر التي ترى أنها حركة معارضة مسلحة من أبناء المنطقة يمكن محاورتهم إذا التزموا بشروط محددة.