مر نداء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بجعل يوم الجمعة ( 22 نوفمبر 2013) يوما لنصرة القدس في العالم الإسلامي مرور الكرام ولم يلاق الصدى المطلوب رغم خطورة الأوضاع التي تتعرض لها قضية القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، حيث ارتفعت وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على المدينة المقدسة وتلاحقت إجراءات تهويد القدس، وأصبحت مخططات التهويد سياسة رسمية للكيان الصهوني بعد أن ظلت مقتصرة على تحركات ومبادرات المنظمات الصهيونية المتطرفة المنادية بضرورة إقامة الهيكل في مكان المسجد الأقصى. في أواخر شهر سبتمبر الماضي ( 2013) أعلنت السلطات الاسرائيلية عن عثور باحثين على مكتشف أثري على أطراف المسجد الأقصى، يحتوي على قلادة قديمة ونسخة من التوراه، واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ذلك الإكتشاف بمثابة برهان عظيم على الوجود اليهودي الطويل الأمد وعلى قدسية هذا المكان. وفي شهر أكتوبر الماضي (2013) دار الحديث عن مشروع أعده نشطاء من حزب الليكود الحاكم يتزعمهم نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي، ويهدف المشروع إلى نزع السيادة الاسلامية عن المسجد الأقصى وتقنين تقسيمه زمانيا ومكانيا بين اليهود والمسلمين واعتماد صلوات يهودية جماعية وفردية في رحاب المسجد الأقصى، كما يحدد المشروع الصهيوني المساحات المخصصة للمسلمين واليهود في المسجد الأقصى، بل يذهب المشروع إلى اعتبار كامل مساحة الأقصى معبدا يهوديا وهو يقبل بتنازل مرحلي يقضي بتقسيم المسجد الأقصى على أن يصبح في النهاية معبدا خاصا باليهود. ومن هنا ارتفعت وتيرة الحفريات أسفل المسجد الأقصى وإقامة مئات الكنائس اليهودية في محيط المسجد وداخل الأنفاق المحفورة تحته، وتكرّرت محاولات المستوطنين الصهاينة لاقتحام المسجد الأقصى، وإصرار الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ المشروعات الاستيطانية بالقدس رغم تظاهرها بالانخراط في مسار المفاوضات مع السلطة الفلسطينية ورغم معارضة أغلب الدول لسياسة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية حسب اتفاقيات أوسلو الموقعة بين الطرفين قبل ثلاثة عقود. ورغم دعم الشرعية الدولية للحق الفلسطيني إذ أعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة التصويت يوم الجمعة الماضي ( 22 نوفمبر 2013) على قرار يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ودعوة الدول والمنظمات إلى مساعدة الشعب الفلسطيني على نيل هذا الحق، إلا أن الدول العربية والاسلامية التي تعتبر في خطاباتها الرسمية وتظاهراتها الشعبية أن قضية فلسطين هي قضية الأمة بأجمعها وأن تحرير القدس الشرقية وجعلها عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة هي مطلب غير قابل للتنازل ما زالت تتصرف عمليا بما يتناقض مع هذا الخطاب أو بما يدخل الشك على جديتها في توحيد الجهد وبذل الدعم الذي يردع المعتدين الصهاينة عن تنفيذ مخططاتهم لجعل القدس بقسمها الغربي المحتل سنة 1948 وقسمها الشرقي المحتل سنة 1967 عاصمة أبدية لإسرائيل والمضي في تهويد الأقصى أولى القبلتين وثالت الحرمين ومسرى نبينا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في تحد صارخ واستفزاز دائم لمشاعر وكرامة مليار ونصف مليار من أفراد أمة الاسلام! وكمثال على التناقض السافر بين الاقوال والأفعال في أمة خاطبها ربها عز وجل في كتابه العظيم المنزل على خير خلقه أجمعين بقوله: ''كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)، ما ذكرته قناة '' الجزيرة'' الفضائية يوم الخميس 21 نومفبر 2013 في النشرة المغاربية عن ارتفاع قيمة الصادرات الاسرائيلية إلى المغرب حسب معلومات المركز الاسرائيلي للإحصائيات عن شهر سبتمبر حيث وصلت قيمة تلك الصادرات إلى ملايين الدولارات. وإذا صحت هذه الملعومات، فإننا نكون أمام علاقة تجارية بين الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين ولمدينة القدس وبين بلد - يحكمه ملك هو محمد السادس الذي يترأس في الوقت نفسه لجنة تحرير القدس، هذه اللجنة التي تأسست بمبادرة من منظمة التعاون الإسلامي في مدينة جدة سنة 1975 واسندت رئاستها إلى العاهل المغربي الحسن الثاني - رحمه الله - الذي التحقق بجوار ربه في سنة 2000 وخلفه على عرش المغرب وفي رئاسة لجنة القدس وريثه الملك محمد السادس - ورغم إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي الذي فتحه الملك الراحل الحسن الثاني في الرباط في سنة ,1994 وانتهت مهامه رسميا في سنة ,2000 إلا أن النشاط التجاري والدبلوماسي لم ينقطع بين المغرب واسرائيل، حيث وصفت برقية من الوثائق المسربة من موقع ''ويكي ليكس'' المغرب ب : ''الشريك السري'' لإسرائيل واعتبر من طرف المغرب بأنه نموذج للدول العربية المتقبلة لإسرائيل. إنها لمفارقة مؤلمة أن تبلغ المبادلات التجارية بين المغرب واسرائيل مستويات غير مسبوقة في ظل حكومة ذات مرجعية اسلامية تمحور خطابها السياسي عندما كانت في المعارضة على محورية القضية الفلسطينية والتمسك بضرورة مقاطعة الكيان الصهيوني سياسيا واقتصاديا وثقافيا وسياحيا ومعارضة التطبيع بكل أشكاله، وإنها لمفارقة مثيرة أيضا أن تتم تلك المبادلات التجارية تحت حكم الملك محمد السادس رئيس لجنة تحرير القدس التي أصدرت توصيات تنص على : '' اعتبار كل دعم سياسي أو عسكري أو مالي أو اقتصادي أو بشري يقدم لإسرائيل مشاركة وتشجيعا لها في عدوانها على المقدسات وممارساتها التوسعية في الضم واللاستيطان للاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة''. أما في بقية الدول العربية التي كانت تشكل جبهة المواجهة مع اسرائيل فإنها أصبحت مشغولة بمحاربة نفسها وتدمير إنجازاتها والتآمر على بعضها، ولذلك فإن مخططات تهويد القدس والاستيلاء على الأقصى أصبحت تنفذ علنا وتتزايد أعداد الدول التي تبدي نيتها في الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لاسرائيل وتعبر عن استعدادها لنقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، ولن يتغير هذا الوضع حتى يغير العرب والمسلمون ما بأنفسهم!