حوالي 42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف: المرحلة الأولى للإنتاج ستبدأ خلال 2026    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    اسبانيا تعلن حجز أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: حضور لافت في العرض الشرفي الأول للجمهور لفيلم "بن مهيدي"    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية: خطوة نحو تعزيز السيادة الرقمية تحقيقا للاستقلال التكنولوجي    الجزائر العاصمة.. انفجار للغاز بمسكن بحي المالحة يخلف 22 جريحا    معسكر.. انطلاق المسابقة الوطنية الثانية للصيد الرياضي والترفيهي بالقصبة بسد الشرفة    الفريق أول السعيد شنقريحة يترأس أشغال الدورة ال17 للمجلس التوجيهي للمدرسة العليا الحربية    المهرجان الوطني "سيرتا شو" تكريما للفنان عنتر هلال    معسكر : "الأمير عبد القادر…العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    من 15 ماي إلى 31 ديسمبر المقبل : الإعلان عن رزنامة المعارض الوطنية للكتاب    اجتماع لتقييم السنة الأولى من الاستثمار المحلي في إنتاج العلامات العالمية في مجال الملابس الجاهزة    حوادث المرور: وفاة 44 شخصا وإصابة 197 آخرين خلال الأسبوع الأخير    جامعة بجاية، نموذج للنجاح    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    السيد مراد يشرف على افتتاح فعاليات مهرجان الجزائر للرياضات    بحث فرص التعاون بين سونلغاز والوكالة الفرنسية للتنمية    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فيلم "بنك الأهداف" يفتتح العروض السينمائية لبرنامج "تحيا فلسطين"    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    بطولة وطنية لنصف الماراطون    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مثقفون عرب: محاصرة اللغة العربية الفصحي ومحاولة تقزيمها ليس وليد اليوم(ندوة)
نشر في صوت الأحرار يوم 11 - 09 - 2015

رغم أهمية الحفاظ على اللغة العربية الفصحى في الدبلجة إلاّ أن المحطات الفضائية تبث المسلسلات المدبلجة باللغة المحكية -الدرجة - التي تمزق الكيان العربي وتهديم اللغة العربية ونقل اللغة العامية إلى الشارع.سورية، مغربية، مصرية، لبنانية، وعراقية وغيرها من اللهجات، وعلى ما يبدو أن الموضة هذه الأيام هي رفض العربية الفصحى على أنها شكل منقرض من أشكال اللغة "ريال" "عفاك" "شو بدك" "عٌفني" وغيرها من الألفاظ التي دخلت قاموس اللغة العربية. "صوت الأحرار" سألت عدد من المثقفين حول هذه الظاهرة التي تأثر على اللغة العربية الموحدة. وطرحت إشكالية الجدل القائم حول الفصحى في مواجهة العاميات العربية يعتبر شرخا زائف بين الاثنتين. فكانت إجاباتهم متعددة غير أنهم إتفقوا على أن محاصرة اللغة العربية الفصحي لتقزيمها ليس وليد اليوم، فالمحاولات تتكرر باستمرار دون أن نلمس صرامة أو جدية في تقوية وتحصين عرش اللغة العربية الفصحي.

الكاتبة والإعلامية حورية عبيدة -مصر-
القابلية للافتراس اللغوي
"القابلية للاستعمار" وصف مالك بن نبي المفكر العربي الجزائري للعرب، وها نحن اليوم نضيف جديدا حين نتمتع بالقابلية للافتراس اللغوي؛ ففي الوقت الذي عجز المستشرقون وأعداء الأمة عن تحطيم لغتنا العربية الشريفة السامية بتقدير إلهي؛ قمنا نحن بما عجز عنه الأوائل فشوهناها وحقرناها وتركنا معاول الهدم تناوشها من قريب وتنتقص من وجودها وقيمتها. ورفعنا راية اللهجات المحلية و» دبلج « إعلامنا مسلسلات إفرنجية « تركية كندية هندية مكسيكية « تربو حلقاتها على المائة بالعامية المصرية والسورية والخليجية إمعانا في إذلال لغتنا الفصحى وكسر هيبتها ووقارها في نفوسنا، يصاحب ذلك عادات وتقاليد رسخت في أذهان أولادنا وأزواجنا تدمر قيمنا الدينية والاجتماعية لمجتمع عربي مسلم شديد الخصوصية وبالغ التميز.
كان فضل الله علينا عظيما حين أنزل كتابه بلغتنا فغدت دينا وحضارة وتنافس المتنافسون في الحفاظ على شأوها وعزها فخدموها نشرا وتعلما وتأليفا، وتبادل عشقها غير العرب حتى نبغوا في علومها وتعلمنا على أيديهم أمثال سيبويه وابن سيرين والبصري والكسائي وسعيد بن جبير ومسلم والترمذي وأبو داوود والبخاري وابن ماجه وأبو حنيفة والنسائي وسعيد بن جبير وغيرهم من أئمة وعباقرة الإسلام؛ أحدهم نسيت اسمه» خائنة هي ذاكرتي !»غادر الجزيرة العربية متجها لمصر لينفق آخر ثلاثين ألف درهم ليتعلم بابا واحدا في النحو ليتم بذلك علم النحو كله، بات بعدها معدما ماديا غنيا لغويا.
وسائل إعلامنا دون شك هي الخطر الأول على لغتنا الفصحى صارت مضللة للعقول كما يقول صاحب كتاب « سائسي العقول» أفلا يكفي العرب ألا تجمعهم سوق مشتركة ولا عملة نقدية موحدة؛ وصاروا مشتتين سياسيا واقتصاديا ودينيا ساعة تتكالب على عقيدتنا السمحة معاول الهدم والحقد من كل حدب وصوب؛ فلم يتبق إلا لغتنا الجميلة يفترسونها حد القضاء عليها لنعود قبائل متشرذمة يعتز كل منا بلغته المحلية ويعلي من شأنها؛ فبات لدينا لغات كردية وسريانية وأمازيغية وسواحلية ونوبية وروطانا، وكلها تعزز قيم الانعزالية، نضيف إلى ذلك اللغة الانجليزية التي أصبحت لغة التعامل الرسمي والواقعي في بلدان الخليج، كذاك الفرنسية في بلاد المغرب.
أذكر أستاذا جامعيا مصريا أُعير لدولة خليجية لتدريس مادة الإعلام والاتصال الجماهيري؛ فقام بالتحدث باللغة العربية البسيطة كي يفهمها الطلاب الوافدون من مختلف الدول العربية، فإذا بهم يعترضون ويطالبونه بالتدريس باللهجة المصرية معللين ذلك بأنهم يفهمونها أكثر من لهجاتهم المحلية! وإذا كان شوقي ضيف شيخ الأدب العربي ود. فاضل صالح السامرائي حملا على كاهلهما هم الجملة العربية ومعناها وإعرابها وعلم النحو ذلك الذي أصبح مزية للغتنا وحرمت منه كافة لغات العالم؛ ودونه يصبح فهم القرءان وتفسيره أمرا بعيد المنال؛ إلا أن إهمالنا للغتنا سيفرز لنا أجيالا عاجزة عن فهم القرءان وذلك مبتغى أعدائنا الذين لا يتركون قط ميرا يعززون به قيم الفصل بين بلداننا العربية إلا فعلوه.
والحل؟ لابد من إعادة تأهيل معلمي اللغة العربية في المدارس والجامعات وتخليهم تماما عن التدريس باللهجة العامية، إنشاء مساقات إجبارية للغة يتعلمها الطالب الجامعي أيا كان تخصصه العلمي، مجابهة القنوات الفضائية التي تعتمد العامية لغة للتخاطب، قيام وزارات الثقافة بنشر الإبداعات بالفصحى، تشجيع عادة القراءة، إقامة مسابقات يكافأ فيها العاملين بحقل التدريس ممن يعتمدون الفصحى لغة لتعليم النشء، ربط الناشئة القرءان الكريم منذ نعومة الأظفار وتدريس أحكام التجويد ومخارج الحروف وصفاتها منذ بدء المراحل التعليمية، منع نشر المؤلفات والمقالات باللغة العامية، وتولي مجامع اللغة العربية إعادة تبسيط قواعد النحو والصرف بصورة جاذبة مانعة كما يحدث في تعلم اللغات الأجنبية.
الشاعر إبراهيم الجريفاني المملكة العربية السعودية
العربية في التيه كما تاهت قبلتنا الأولى
نشهد اليوم تحد كبير تجاه لغتنا العربية، يتجدد هذا التحد مع تسارع وتيرة التقنية والتي يهرول إليها أبنائنا، مما جعل لغة التخاطب والمحادثة هي اللغة الإنجليزية أو الفرنسية وإن كانت الأولى لغة التقنية، أمام هذا وذاك نقف موقف المتفرج تجاه تراجع لغتنا مع أولادنا محاكاة لفهم صار واقع اليوم، حتى لا نستسلم لواقع لسنا في وارد القدرة على تغييره ، علينا تشخيص ما يجري.
اللغة العربية ليست بمعزل عن واقع العرب السياسي فالعرب اليوم ضمائر غائبة مستترة، لا وحدة لهم ولا حول وبالتالي لا قوة، اللغة العربية تعاني من حالة ثبات وسكون بل وأد لروح تتنفس، لتتماهى مع الحالة الجيوسياسية.
ولعل ما أثار إعجابي في الأسبوع الفارط في حفل عشاء كان القنصل الأمريكي والقنصل التركي يتبادلان الحديث وكانت اللغة العربية الصرفة هي العامل المشترك للتفاهم، فيما كان من يشاركون الحوار يتحدثون وهم من العرب أما بالانجليزية أو التركية ؟؟!! ،
وحتى نرى النصف المملوء من الكأس، لابد من تطوير للغة لمحاكاة العصر وتفعيل اللغة بالتبسيط لا بالإيغال في صروفها، المطالبة أيضا بتفعيل اللغة في برامج التقنية اليوم وترغيب الأجيال بها، ولعلنا نعي أن ثالثة الأثافي تمثل في القنوات الفضائية فهي ترسخ الخروج من جلباب العربية إلى المحكية الدارجة، مما يصار إلى عدم العمل على تفعيل وجود وتواجد اللغة العربية بين الناشئة .
أعتقد جازما أن الدور المناط بالجهات التنظيمية للغة العربية ومؤسساتها والمجمع اللغوي في سبات كما هم الفتية الذين أمنوا بربهم فزادهم الله هدى ، فدخلوا إلى كهفهم وغابوا في سبات لا يعلم مداه إلا الله.
العربية لغة القرآن ومعظم شعراء العالم يحسدوننا على عمق معان اللغة العربية ومثالبها ونحن نعمل لإقصاء اللغة كما أقصينا قبلتنا الأولى وأضعنا هويتنا، شكرا لمن أوجد الضمائر في لغتنا فقد صدقناها واعتنقناها فصرنا إلى ما صرنا إليه ضمائر غائبة مستترة والعربية مفعل بها والفاعل مستتر تقديره هو.
الكاتب والصحفي عبدالرحيم مرزوق -الجزائر-
سماسرة يلعبون بمصير الهويّة العربية
محاصرة اللغة العربية الفصحي لتقزيمها ليس وليد اليوم، فالمحاولات تتكرر باستمرار دون أن نلمس صرامة أو جدية في تقوية وتحصين عرش اللغة العربية الفصحي الذي نراه اليوم يتقهقر أمام الحملات التي تشنها القنوات العربية التي تم توظيفها لهذا الغرض.. و قد وجدت الأفلام المدبلجة المقدمة بلغة ركيكة صداها لدي جمهور تتفشي بينه نسبة عالية من الأمية.. و الإشكالية المطروحة الآن هي وجود مخرجين من الجيل الجديد مثقف ثقافة فرونكوفونية يحاول أن يجد لنفسه مكانا هدا الجيل الذي تكون في الخارج و أستفاد من الامتيازات يساهم اليوم بجزء كبير في تضليل اللغة العربية الفصحي ووضعها في موقع ضعف أمام الكيانات الأخرى التي تجد في تقهقر اللغة الأم مبررا لمزاحمة التراث العربي باللهجات القومية التي تجد قبولا لدي المتفرج الذي يرتاح للحكي العامي..سواء في الجزائر أو في مصر أو في لبنان أو في المغرب نجد القنوات المحلية تفضل عرض أفلام مدبلجة أما هي منتجة في أستوديوهات أجنبية أو في المدن السينمائية المعروفة في مصر أو في سوريا أو المغرب..
و يتفق الجميع أن الموضة اليوم هي تقديم إنتاج مُدبلج علي تقديم فيلم محلي الصنع لقناعة هذه القنوات بضعف الإنتاج المحلي وغياب سينما عربية بديلة.. و قد فسح المجال لهذه الموضة غياب مخرجين و سيناريست يتحكمون جيدا في اللغة العربة الفصحي و أعطي مثال علي ذلك أن غياب نصوص قوية تحمي رصيد السينما العربية قد ساهم كثيرا..حيث يترك المجال اختيارا للسينما التركية التي غزت الشاشة الفضائية في الوطن العربي ما جعلنا ننظر لهدا الأمر نظرة ريبي لما يجري في المشهد الفني الذي هيمنت عليه الصناعة السينماطوغرافية المستوردة.. و إذا عدنا لجوهر الإشكالية فنجد أن الكاتب أو المثقف بصفة عامة لم يعد يولي هذا الأمر أهمية رغم حساسيته من حيث المبدأ..أن للغة دور حيوي للحفاظ علي الهوية العربية من الدوبان في اللهجات العامية فرغم أهمية هذا الموضوع الاّ أننا نجد سكوتا متعمدا لهذا الإشكال من طرف القائمين على الشأن الثقافي العربي.
وفي اعتقادنا أن الاستمرار في التجادبات بين اللغة الأم واللهجات العامية من شأنه أن يضعف اللغة العربية و يجعلها في قبضة سماسرة يلعبون بمصير الهوية العربية و الدلائل أو الاستفسارات حول هذا الإشكال تطرح باستمرار على المثقفين في أي موقع كانوا للاستفزاز والتشكيك في أحقية اللغة الفصحى في الصعود إلي الواجهة...
الشاعر فادي قباني
كل شيئ أصبح تحت وطأة المتاجرة والإستخفاف باللغة الأصيلة
أنا من المحازين للغة العربية الفصحة وكان لي عدة مداخلات بهذا الموضوع خصوصا بمحاربة من يكتبون العربية بأحرف لاتينية وهنا الأهم ومن لا يحترمون اللغة العربية من العرب وحتى الآن نقرأ لهم أخطاء إملائية مشينة بحق لغتنا الأم التي يجب أن نكون ضالعين فيها كشعوب عربية.
وهنا تكمن المشكلة بشكل أفظع وأكبر بكثير من موضوع مُسلسل تلفزيوني مدبلج إلى لغة محكية وأيضا للأسف لأن كل شيئ أصبح تحت وطأة المتاجرة والإستخفاف باللغة الأصيلة التي يجب أن نعمل جميعنا جاهدين على إيصالها واعتناقها بالفطرة لفظا وكتابة
هكذا نبني مجتمع وندرب أبناءنا على اللفظ الصحيح للغتهم الأصيلة التي أصبحت شبه دخيلة على حياتهم اليومية والعملية.
الكاتب والإعلامي صالح سعودي - الجزائر-
الدبلجة بين الرغبة في إزاحة الفصحى وتفتيت بقايا الهوية
أصبح المشاهد الجزائري رهين المسلسلات المدبلجة باللغة المحكية (الدارجة) التي سجلت حضورها في السنوات الأخيرة، وهذا لأسباب يرجعها الكثير إلى عوامل تجارية، بغية إضفاء أجواء من الديناميكية التي تبعد الروتين عن المشاهد المدمن على المسلسلات التركية والأمريكو لاتينية، وآخرون يرون أن هذا السيناريو يصب في خانة استهداف اللغة العربية وإزاحتها من الواجهة، وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل اللغة الفصحى التي باتت مرغمة على دخول معارك متتالية حتى تثبت ذاتها كلغة جامعة وموحّدة، وبين الحفاظ على بقايا الهوية العربية الإسلامية التي تعاني هجمات شرسة من أطراف داخلية وأخرى خارجية.
من اللازم أن تطرح تساؤلات عن أسباب إقدام التلفزيون الجزائري وبقية تلفزيونات الدول العربية (العمومية قبل الخاصة) على الاقتراب من المشاهدين بلغة دارجة، خاصة وأن الأمر يتعلق بنقل قيم أجنبية تشكل خطرا حقيقيا على هوية وعمق المجتمع، فالمشاهد الجزائري بعدما تعود على الدبلجة باللغة العربية الفصحى أصبح حقل تجارب لمشاهدة المسلسلات الأجنبية بلهجات مشرقية (سورية ومصرية ولبنانية وعراقية)، وهو ما يشكل خطرا على الصغار والكبار والعنصر النسوي على الخصوص الذي يتابع بشغف كبير مجمل حلقات المسلسلات التركية والمكسيكية والبرازيلية إلى درجة الإدمان، وهو ما يجعلهم عرضة لتلقي مختلف القيم الغربية بواسطة وعاء اللغة دون أن يعوا خطورة ومخلفات ما سيحدث.
الواضح أن الدول التي تحترم نفسها لم تخطئ حين وضعت اللغة في خانة عدم المساومة، بل صنفتها ضمن أركان التنمية، وهو ما ذهب إليه المفكر المغربي الراحل المهدي المنجرة الذي استدل باليابان كنموذج مثالي في الاعتماد على لغته في مسيرته التنموية وليس على لغة الغير، ووصل إلى نتيجة بأن الاستعمال المكثف للدارجة المغربية ليس بريئا، وهو مخطط يسعى إلى القضاء على اللغة العربية، معتبرا أن الاستعمار الجديد يراهن على الاستثمار في مجال التواصل، من خلال التوجه إلى العقول مرسخا فيها مركب النقص، وهو الوصف الذي ينطبق على واقع المجتمع الجزائري الذي بات غارقا في صراعات لغوية عميقة بين تيارات عرقية ومذهبية وإيديولجية، بدليل الجدل الدائر بعد التحركات التي عرفتها المنظومة التربوية في المدة الأخيرة، ناهيك عن الممارسات التي باتت في تحدث في مجالات أخرى، وفي مقدمة ذلك الانتشار الواسع لبث الحصص والمسلسلات الأجنبية المدبلجة باللهجة العامية.
وإذا كان استعمال اللغة الدارجة في مجال الدبلجة غير مبرر في ظل الرغبة في استهداف اللغة العربية الفصحى، والبحث أيضا عن أطماع تجارية ترويجية من هذه البوابة دون الانتباه إلى خطورة تمزيق الكيان العربي، إلا أن الدبلجة باللغة العربية الفصحى غير مبررة أيضا حسب رأيي، مادام أنها كثيرا ما تتحول (اللغة الفصحى) إلى مجرد وعاء لصب قيم اجتماعية وأخلاقية غريبة بشكل مباشر في عقول المجتمع الجزائري بجميع مستوياته وطبقاته، وهو ما يخلّف انعكاسات سلبية في ظل صعوبة آليات الصد والدفاع بسبب نوعية التكوين وطبيعة التنشئة، ما يفرض آليا نظرة بديلة تجعل من اللغة العربية الفصحى كائنا معرفيا موحدا، وعاملا مهما لمسايرة وتيرة التنمية ومتطلبات المنظومة التربوية، والعمل في نفس الوقت على تفادي التأثيرات السلبية الناجمة عن تشويه المبنى والاستهانة بالمعنى، وتفتيت بقايا الهوية، والذهاب ضحية تفرقة اللهجات وسلطة لغات الغير.
الكاتب عزيز باكوش -المغرب-
الدبلجة بقدر ما هي ايجابية لا ننسى سلباتها
في ربيعها السابع، سألت يسرى والدها، وهما معا يشاهدان حلقة الظهيرة من سلسلة رسوم متحركة مستوردة أنتجت في اليابان، إلا أن عملية الدبلجة إلى اللغة العربية تمت في أحد استوديوهات الخليج العربي."أبي أبي ... إنهما يتحدثان مثلنا " أدارت عينيها البريئتين في محجريهما باتزان ، وأضافت والبسمة تعلو محياها اللطيف "واو .. يوكي يتكلم عربي" ؟.
حين اقترحت الزميلة عائشة قحام فتح باب الجدل حول بروز الفصحى في مواجهة "العاميات" العربية على القنوات الفضائية ، وفيما إذا كان ذلك يعتبر شرخا زائفا بين الاثنتين أي العربية الفصحى واللهجات العامية ك "موضة" هذه الأيام ، وهل ثمة اعتقاد برفض العربية الفصحى واعتبارها شكلا منقرضا من أشكال اللغة، وتوجيه الاهتمام إلى الدارجة أي لغة الشارع العام استحضرت وقائع هذه القصة الحقيقية وأتجرأ وأسرد أسباب نزولها .
تخبرنا المصادر المتنوعة أن مصطلح دبلجة (من الفرنسية: doublage) مصطلح تلفزيوني له علاقة بالسمعي البصري يستخدم عند قيام طاقم تقني بتركيب أداء صوتي بديل للنص الأصلي بلغة أخرى لإنتاجات تلفزيونية مستورة في الغالب أو يراد تصديرها كالمسلسلات والأفلام ، والأفلام الوثائقية والرسوم المتحركة.
وبالعودة إلى مطلع الحكاية ، نجد أن بطل السلسلة المدبلجة إلى العربية كان رجلا آليا يدعى « يوكي « لكنه مع الدبلجة ، تحول الى « ماهر»
يطارد يوكي بطل السلسلة، ماردا آليا كان يقود سيارة من جيل خارق، وسلاحه الرشاش لا يكف عن إطلاق زخات نارية ، كثيفة في كل الاتجاهات ، مصحوبة بأصوات إلكترونية مبعثرة بنظام لكنها تحدث الرعب وتحفز على الهلع الدائم .
النسخة اليابانية حسب المتخصصين، مكونة من 29 حلقة، لكن هناك رواية تقول أن ما دبلج إلى العربية منها هو 24 حلقة فقط ، ويقال 16 حلقة. فكيف تم اختزال الباقي، وهل للمسالة خلفيات ثقافية وحضارية أم مبررات تجارية واقتصادية بالأساس ؟
المحطات الفضائية التي تنزرع في سماوات الله المفتوحة بالمآت تبث المسلسلات الأجنبية للصغار أو الكبار بعد أن تقوم بدبلجتها « doublage « ودور الدبلجة هنا في غاية الأهمية، إذ أن على المترجم اختيار عبارات تناسب طول الجمل التي ينطق بها الممثل الأجنبي مع انتقاء كلمات تتلاءم وحركات الشفاه، حتى يكون الأداء متطابقا ومنسجما ويعطي انطباع بأن العمل الفني أصلي. ما يعني إنتاج شريط صوتي ثان مصاحب للشريط الأول، لكنه بلغة أهل البلد، والعملية في جوهرها تقنية مطلوبة ليست بالبسيطة ولا غير المكلفة.
وسواء في المغرب أو المشرق، ومنذ بداية الثمانيات، انطلقت مشاريع الدبلجة، وشرعت عدد من المحطات التلفزية خاصة الفضائية بدبلجة الأفلام ومسلسلات الأطفال من لغتها الأصلية إلى لغات ولهجات محلية مختلفة ، مما كان له الأثر الإيجابي على تحسين مستوى الاستيعاب وتحسين الأداء اللغوي والرفع من مستوى التلقي والأداء خاصة اللغة العربية الفصحى وثقافة الطفل على العموم.
ولعل من إيجابيات الدبلجة اختراق حاجز اللغة الأصل لفهم مشاعر العمل المراد مشاهدته الفيلم، ما يحقق متعة التواصل مع ثقافة مجتمع غريب. لأن الجيد من الدبلجة يخترق الشكل ويقتحم الوجدان ما يمنح المتفرج الفرصة للتفاعل الوجداني مع الأحداث الغريبة عن بيئته الأصلية.
وفي صلة بالموضوع ، لابد من القول بأن دبلجة أو تعريب أو ترجمة المادة الفنية المراد تقديمها، لا بد ان تخضع لمواصفات عملية وهوياتية بالأساس، واللهجة الدارجة التي ينقل إليها العمل الفني قد لا تكون سببا رئيسيا في تمزيق الكيان العربي، وتهديم اللغة العربية على نحو ما نتصور، فالعامية واللهجات جزء من المجتمع، موجودة في الشارع والمنزل والمدرسة ،سواء كانت مغربية، مصرية، لبنانية، وعراقية وغيرها من اللهجات، وهنا تحديدا يمكن الحديث عن مسخ وتشويه وليس تمزيق ...
قد نتفق جميعا على أن عملية دبلجة الرسوم المتحركة المستوردة خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، لكننا، لا نختلف إن للأمانة العلمية وجه واحد ،إذ لابد من التفكير جديا في الأمر، هذه الرسوم المتحركة المستوردة و المدبلجة ، يجب أن تراجع مراجعة دقيقة من كل الزوايا والجهات، طالما لسنا مؤهلين لإنتاج الشبيه المثيل الهادف و المفيد، الذي تراعي فيه القيم والثوابت، وتبنى الناشئة وفق مبادئها وأصولها الحضارية عربيا وإسلاميا بانفتاح . وتكون بديلاً لهذه الدبلجات المشوهة و الممسوخة.
لنفترض أن بطل قصة تحكي عن الهجرة النبوية وعن بدايات الإسلام، تم تسويقها باللغة العربية في إطار إشاعتها في الدول غير الناطقة بها، وترجمت الى البوذية، وقال المدبلج، باسم بوذا إلاه الكون نصلى، بدل باسم الله الرحمان الرحيم حضرت الصلاة، هل ثمة شيء يستدعي التدخل للتقويم والمعالجة؟؟ وهل ستكون الحاجة ماسة إلى طرح سؤال الهوية والأمانة العلمية. بكل تأكيد سيعتبرها رجال الدين إساءة إلى الهوية وتشويه للتاريخ ، وهم على حق في ذلك.
فقبل عقود مضت ، لم يكن ممكنا عرض أشرطة الرسوم المتحركة المستوردة جملة وتفصيلا، بغير لغتها الأصلية، الآن، ومع التطور الذي عرفه الواقع العربي، هناك عدد لا يستهان به من استوديوهات الدبلجة في الوطن العربي ، بداية في مصر ثم الخليج العربي، إضافة الى بعض دول الشرق الأوسط مثل لبنان الرائد في مجال الدبلجة، والأردن.. كما في المغرب والجزائر.
وإن كنا لا نفهم استقالة بلدان عربية من خوض هذا الغمار، ورفع الراية البيضاء في هذا المجال الثقافي التقني و المعرفي الواعد.
هناك إجماع عربي شبه تام، أن أسلوب الدبلجة اللبنانية تميز منذ البدايات بالدقة والحرفية العالية وتميز الأصوات، وأيضاً في الأمانة في الترجمة وعدم خيانة الأصل. فلا حاجة هنا لاستعراض المثبطات، لأن «الفرق في الذهنيان والموهبة وليس في الآليات» على حد تعبير الفنان جهاد الأطرش.
قال يوكي وقد أنهكته المطاردة ، ولم تنفذ ذخيرته ، مخاطبا غريمه عبارة من حوالي 15 كلمة في اللغة الأصلية . لكن الدبلجة الخليجية العربية ، صنعت الحدث ، حين قالت على لسان البطل « سأقتلك إن شاء الله «
على الفور، قام فريق لغات متخصص بترجمة فورية شبه أمينة من اللغة الأصلية إلى الانجليزية ثم إلى العربية فيما بعد، وفق احدث الأساليب تطورا، حيث خلص الفريق إلى أن يوكي قال النص الآتي:
"إن قوتك أيها المارد ، مهما بلغت من تدمير، فإنها لن تنال مني..." لكن الدبلجة كانت في الموعد، مع المسخ والتشويه وانعدام الأمان العلمية. وقالت على لسان ماهر « سأقتلك إن شاء الله.
لذا، فان المهتم يلاحظ أنه لم يحدث تغيير في الأسماء، أو تحريف في الأحداث، في مجمل الأعمال المدبلجة لبعض المؤسسات المتخصصة في لبنان ، حيث تم الحفاظ على الموسيقى والأغاني الأصلية في بعض للمسلسلات، مع تعريب كلمات الأغاني التي غالبا ما كان يؤديها أداها الفنان سامي كلارك . ويعتقد الكثير من النقاد والمتتبعين لفن «الانمي» الرسوم المتحركة إن مثل هذه العناصر من أهم ما يميز الدبلجة اللبنانية عن غيرها .
إضافة إلى ذلك، كانت الدبلجة تتم اعتماداً على النسخة اليابانية أو الأسيوية .. الأصلية وليست على النسخة الإنجليزية أو غيرها كما هو الشأن الآن في كل استوديوهات الخليج العربي، وتكرس ملاحظات المدونين العرب، نقولا أبو سمح من رواد الدوبلاج في العالم العربي ، ليس لأنه أول من دبلج الكرتون فقط ، بل هو أيضاً أول من فكر بدبلجة المسلسلات اللاتينية المكسيكية، إلى اللغة العربية في أوائل التسعينيات.
ونيقولا أبو سمح مخرج وفنان ومنتج لبناني معروف، وهو كما ذكرنا صاحب شركة «فيلملي» التي أنتجت بالإضافة إلى مسلسل مغامرات السندباد ، ويملك نيقولا أبو سمح رفقة زوجته ماري بدين قناتين فضائيتن الأولى مختصة بشؤون المرأة ، والثانية تدعى «هي « الى جانب إنتاج العديد من المسلسلات منها :
مغامرات زينة ونحول»52 حلقة .»السنافر،» وجميع هذه المسلسلات قام بإخراجها، « ونفذت عملية الدبلجة في استوديوهات» فيلملي» بأصوات نخبة من ألمع نجوم الدبلجة في لبنان مثل وحيد جلال, عبد المجيد مجذوب, أنطوانيت ملوحي, الفيرا يونس, سميرة بارودي، وفاء طربيه، عمر الشماع, جيزيل نصر, إبراهيم مرعشلي, جوزيف نانو, وغيرهم الكثير.»
وحسب المتتبعين ، فان ظروف الحرب اللبنانية القاسية ، أثرت كثيراً على الحركة الفنية في لبنان مما أدى تراجع الإنتاج الدرامي هناك، وفي محاولة لاستمرار الإنتاج الدرامي اللبناني الذي كان حريصاً على استخدام اللغة العربية الفصحى ، انتقل تصوير بعض الأعمال إلى دول مجاورة ، فصورت مجموعة هامة من الأعمال الدرامية (التاريخية خاصة) في أستديوهات عجمان الخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
من المؤكد أن الحاجة إلى الدبلجة لمعظم هذه الأعمال و المسلسلات هو تراجع الإنتاج الدرامي اللبناني في النصف الاخير من الثمانينيات، مع تزايد المحطات التلفزيونية في لبنان وقت الحرب حتى وصلت إلى أكثر من خمسين محطة، قلصت فيما بعد إصدار قانون الإعلام.
كما انتقلت بعض عمليات الدوبلاج إلى دول مجاورة مثل قبرص وأثينا، لكن الثابت في المسالة هو التمويل ،إذ كان رأس المال الخليجي هو دينامو هذه الأعمال ، نظراً لحاجة تلفزيونات دول الخليج لهذه النوعية من الأعمال المشهود لها بالجودة. وتستمر عملية الإنتاج والدبلجة ، مع مؤسسة عربية حديثة النشأة، مثل الكويت،» الكويتيون أيضاً قاموا بإنتاج مجموعة اخرى من أهم المسلسلات لكن، بخبرات لبنانية أيضاً. وتحديدا في استديوهات بعلبك مع المخرج وئام الصعيدي. وتتسارع وثيرة الأحداث، ليتم إحداث مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي.
وهي مؤسسة أنشئت خصيصاً لتزويد تلفزيونات الخليج ببرامج تربوية وتعليمية وتثقيفية وإرشادية وبرامج خاصة بالطفل. وقد قامت المؤسسة بإنتاج عدد كبير من البرامج عبر تاريخها الطويل مثل برنامج سلامتك, المرايا, الكشاف، قف وغيرها. ومنذ بداية التسعينيات ركزت الشركة أكثر على المسلسلات المكسيكية المدبلجة فقدمت إحدى عشر مسلسلا مثل جوادا لوبي «رهينة الماضي». أنطونيلا، المستبد ،وغيرها . ويبقى جديد الألفية الثالثة وما تلاها من تطور سريع للتيكنولوجيا سيما في مجال إنتاج الصورة والصوت في حاجة إلى مقاربة مستشرفة لآفاقها التي لا ضفاف للإبداع فيها.
الكاتب عبود الجابري -العراق-
اللغة العربية في خطر
ما من شكٍّ أن اللغة العربية في خطر، ذلك ما يتراءى لي كلما خرجت من البيت أو دخلت إليه، في الشارع تحاكم عيناي لغة اللافتات، وفي البيت يحاكم سمعي ما يقترفه المذيعون من أخطاء، وما يقترفه منتجو الدراما الأجنبية من خلال دبلجة هذه الدراما إلى لهجات محكية، وأرى أن كسل المشاهد هو السبب الأول في ذلك، هذا الكسل أفضى بشركات الإنتاج إلى التفكير بتقديم وصفات جاهزة من الدراما الأجنبية لا يعمل فيه المشاهد حواسه، كل ما عليه أن ينظر ويسمع بشكل عابر غير مكترث بالموضوع أو الفكرة التي يرمي إليه العمل الدرامي، اذكر أننا تعلمنا كثيرا من المفردات الانكليزية عبر متابعتنا لترجمات الأفلام والمسلسلات إبان السبعينات والثمانينات، القضية إذن يتحمل مسؤوليتها الجميع بدءا من الحكومات التي عليها أن تقوم بتشريع قوانين صارمة للحفاظ على سلامة اللغة وصولا إلى العائلة التي من شأنها أن تشجع أبناءها على القراءة على اعتبار أن اللغة العربية هي باب من أبواب الحفاظ على الهوية القومية، وهي لغة القرآن الكريم بشكل أخص، ويبدو الانحطاط العام الذي قاد إلى عسر القراءة أو اجتنابها لدى الأجيال المختلفة في هذا العصر سببا أساسيا يقود إلى كل هذه النتائج .
الكاتبة الشاعرة نجاة الماجد -المملكة العربية السعودية-
الفضائيات العربية ساهمت في اتساع الهوة بين العربية الفصحى واللهجة العامية
في البدء أود أن أذكر أن الدبلجة هي تركيب صوت فوق آخر في الأفلام والمسلسلات، حيث يتمّ استبدال أصوات الممثلين الأصليين بأصوات مؤدين آخرين، بلغات مختلفة في العادة، بهدف نقل لغة الفيلم الأصلية إلى لغة أخرى فيما يشبه «الترجمة الصوتية. ومصطلح الدبلجة ليس عربياً وإنما تمّ استعارة المصطلح من كلمة «دوبلاج» الفرنسية، التي تشير إلى عملية تسجيل أو استبدال الأصوات في فيلم أو مسلسل في مرحلة ما بعد الإنتاج .
وفي الحقيقة نحن لسنا ضد الدبلجة كفن معروف في ترجمة الأعمال الفنية والوثائقية كما أنها توفر مادة درامية للفضائيات وساعات بثها الطويلة وزيادة عدد المشاهدين ممن لا يقرأون ولا يكتبون أو لا يعرفون اللغة الانجليزية لكن للدبلجة أصول تقوم على استخدام لغة حيادية بعيدة عن الخصوصية البيئية للغة التي نترجم لها وأذكر على سبيل المثال هنا، أن الأديب الراحل جبرا إبراهيم جبرا، أشرف على ترجمة حوار فيلم (عمر المختار) للمخرج السوري الراحل مصطفى العقاد من أجل دبلجته إلى العربية الفصحى قبل عرضه في العالم العربي فجاءت لغة هذه الدبلجة تعبر عن طبيعة الشخصيات وعن سويتها إذ أن الشخصيات الإيطالية في الفيلم كانت تتحدث وفق آلية تفكير مختلفة تماماً عن الشخصيات العربية وعن أسلوب تعبيرها أيضاً وهكذا فالمطلوب أولاً الأمانة في نقل روح الفيلم وبيئته لكن في الوقت الراهن اختلفت المعايير لدى أغلب القائمين على عمليات دبلجة الأفلام والمسلسلات فالمهم بالنسبة لهم، هي رواية حكاية الفيلم ولكن بطريقتهم ولهجتهم الخاصة معتبرين أن شرائهم لحقوق الدبلجة يخولهم ويعطيهم الأحقية لتقديمه بالطريقة واللهجة التي تروق لهم وللجمهور المستهدف بذلك .
فنجد مثلاً أن بعض المدبلجين أستخدم اللهجة اللبنانية لدبلجة الأفلام والمسلسلات الأمريكية في حين تم استخدام اللهجة السورية لدبلجة المسلسلات التركية أما اللهجة الخليجية فاستخدمت لدبلجة الأفلام والمسلسلات الهندية .
وبذلك نرى أن الفضائيات العربية ساهمت في اتساع الهوة بين العربية الفصحى واللهجة العامية، من خلال عرض مسلسلات غير عربية مدبلجة ليس باللغة العربية الأم وإنما باللهجات المحلية العامية وكنا وقبل ظهور الفضائيات نشاهد تلك المسلسلات مترجمة باللغة العربية الفصحى ، وكان ذلك يساهم في نشر اللغة العربية ويشجع الآخرين على تعلمها. أما اليوم فقد ضعفت اللغة وخرج جيل جديد لا يعرف لغة القرآن الكريم، و يصعب عليه تفسيره أو قراءته وكل ذلك بسبب ابتعادنا عن اللغة العربية وانتشار اللهجات المحلية العامية عبر المسلسلات والفضائيات والاذاعات.
وفي الختام أتمنى أن تنقرض فعلاً هذه الظاهرة السلبية التي أسهمت في تغييب اللغة العربية وتهميشها وأن نرى القنوات والفضائيات تفخر بتقديم برامج ومسلسلات تتخذ من اللغة العربية الفصحى لغة لها فلعلنا بذلك نعود لسابق عهدنا عهد الألفة والمحبة والوحدة عملاً بقوله تعالى في محكم التنزيل (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.