انضمام الجزائر كعضو ملاحظ إلى الآيبا: برلمان عموم أمريكا اللاتينية والكاريبي يهنئ المجلس الشعبي الوطني    تظاهرة "الفن من أجل السلام"..أهمية استخدام الفن كوسيلة لترقية ثقافة السلم والتسامح    بورصة الجزائر: سحب صفة ماسك حسابات وحافظ سندات مؤهل من بنك "بي إن بي باريبا الجزائر"    الدبلوماسية الصحراوية تحقق انتصارات حقيقية على الساحة الدولية    بريطانيا و كندا وأستراليا تعترف رسميا بدولة فلسطين    أفغانستان : طالبان ترد على ترامب بشأن إعادة قاعدة باغرام لأمريكا    بشأن خرق طائرات روسية أجواء إستونيا..جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي اليوم الاثنين    المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة : محطات طربية ماتعة في السهرة الافتتاحية    عرض شرفي أول بقاعة سينماتيك الجزائر "عشاق الجزائر" .. قصة إنسانية بخلفية تاريخية    جامعة محمد بوضياف بالمسيلة : ملتقى وطني أول للترجمة الأدبية يوم 6 أكتوبر    الكونغو الديمقراطية : تفشي "إيبولا" عبء إضافي يُفاقم أزمة البلاد    الدخول الجامعي 2026/2025: قرابة مليوني طالب يلتحقون غدا الاثنين بالمؤسسات الجامعية    مغني يستعيد ذكريات اختياره الجزائر    من يستحق الفوز بالكرة الذهبية؟    الهلال الأحمر يوزّع 200 ألف محفظة مدرسية    الأسرة والمدرسة شريكان    عطّاف يوقع على اتّفاق دولي بنيويورك    بريد الجزائر يعتمد مواقيت عمل جديدة    70 عاماً على معركة جبل الجرف الكبرى    مُقرّرون أمميون يراسلون المغرب    ناصري يهنئ جمال سجاتي المتوج بميدالية فضية في سباق 800 متر بطوكيو    تجارة خارجية: رزيق يترأس اجتماعا تقييميا لمراجعة إجراءات تنظيم القطاع    إيطاليا تستبعد الكيان الصهيوني من المشاركة في معرض السياحة الدولي بفعل تواصل جرائمه في قطاع غزة    افتتاح الموسم الثقافي الجديد بعنابة تحت شعار "فن يولد وإبداع يتجدد"    أمطار ورعود مرتقبة عبر عدة ولايات من الوطن ابتداء من يوم الأحد    مولوجي تعطي إشارة انطلاق السنة الدراسية 2025-2026 لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة    الدخول المدرسي 2025-2026: وزير التربية الوطنية يعطي إشارة الانطلاق الرسمي من ولاية الجزائر    لقاء مع صناع المحتوى    ستيلانتيس الجزائر توقع اتّفاقية    انطلاق دروس التكوين المتواصل    بن زيمة يفضح نفسه    قافلة تضامنية مدرسية    هكذا تتم مرافقة المكتتبين في "عدل 3"    جمال سجاتي يفتك الميدالية الفضية    طغمة مالي.. سلوك عدائي ونكران للجميل    الفن أداة للمقاومة ضد التطرّف والانقسام والإرهاب    94%من الضحايا مدنيون عزل    تفكيك شبكة إجرامية خطيرة    جهود للدفع بعجلة التنمية بسكيكدة    التحضير للبطولة الإفريقية من أولويات "الخضر"    توات تعرض زخمها الثقافي بمدينة سيرتا    فارق الأهداف يحرم الجزائريات من نصف النهائي    هذه إجراءات السفر عبر القطار الدولي الجزائر-تونس    الجزائر تستعرض استراتيجيتها لتطوير الطاقة المتجدّدة بأوساكا    إجلاء جوي لمريض من الوادي إلى مستشفى زرالدة    العاب القوى مونديال- 2025 /نهائي سباق 800 م/ : "سعيد بإهدائي الجزائر الميدالية الفضية"    تثمين دور الزوايا في المحافظة على المرجعية الدينية الوطنية    الوفاء لرجال صنعوا مجد الثورة    فيلم نية يتألق    إقرار جملة من الإجراءات لضمان "خدمة نموذجية" للمريض    تحية إلى صانعي الرجال وقائدي الأجيال..    يعكس التزام الدولة بضمان الأمن الدوائي الوطني    تمكين المواطنين من نتائج ملموسة في المجال الصحي    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    تحوّل استراتيجي في مسار الأمن الصحّي    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعة أيام غيرت تاريخ العرب(24)
نشر في صوت الأحرار يوم 17 - 01 - 2010

كان السادات في مراهنته على الولايات المتحدة الأمريكية قد خصص استقبالا رائعا للرئيس ريتشارد نيكسون في يونيو 1974، ربما ليخفف عنه من وطأة فضيحة ووتر غيت، وعُلقت لافتات كبرى بعرْض الشوارع التي سيمر بها الموكب الرئاسي كتبت عليها عبارة ((نيكسون .. نحن نثق بك Nixon ...we trust you)) ويبدو أن من أصدر أمر اختيار هذه العبارة اقتبسها من نفس العبارة المكتوبة على الدولار الأمريكي وهي (In God we trust) أي بالله نثق، ومأساةٌ أن يثق الشعب الأمريكي بالله وأن تكون صورة الشعب المصري التي تقدمها السلطة هي أنه يثق في نيكسون، وكان من الممكن اختيار عبارة ترحيب أخرى، ولكن منظمي الاستقبال من سدنة النظام كانوا تطبيقا لقوله تعالى عن فرعون : فاستخف قومه فأطاعوه.
غير أن الشعب المصري كان له يومها رأي آخر، حيث أبدع أحمد فؤاد نجم قصيدته:
* - شرفت يا نيكسون بابا
* - يابتاع الووتر غيت.
* - عملوا لك قيمة وسيما - سلاطين الفول والزيت.
* - فرشوا لك أوْسع سكة - من راس التين على مكة.
* - وهناك تنفذ على عكا - ويقولوا عليك حجيت.
* - ما هو مولد سايرْ دايرْ– شي الله يا صْحاب البيت.
* - جواسيسك يوم تشريفك – عملو لك زفة وزار.
* - تتقصع فيه المومس ...والقارح ...والمندار.
* - ما هو مولد ساير داير - شي الله يا صحاب البيت.
* - خد منى كلام يبقى لك - ولو انك مش حتعيش.
* - لاحا قول أهلا ولا سهلا - ولاتيجي ولا ماتجيش.
* - واهو مولد ساير داير - شيلاه ياسى صحاب البيت.
وأكدت القصيدة أن الشعب المصري، رغم كل ما يبدو على سطح الحياة آنذاك من مسايرة للنظام وهتاف لقائده لم يكن ساذجا، وكان نجمُ تعبيرا دائما عن فكره وعن إرادته.
وبدأ ضعفُ نيكسون يتزايد، ويروي محمود رياض عن عبد العزيز بو تفليقة ملاحظته خلال الاجتماع مع نيكسون بأن ((الرئيس كان يطلب من الوزراء العرب إقناع كيسنجر بوجهة نظرهم)) ويضيف وزير خارجية الجزائر قائلا لرياض بأن ((مقابلات واشنطون أقنعتني بأن كيسنجر أصبح اليد العليا في تشكيل السياسة الأمريكية الخاصة بقضية الشرق الوسط، وهو الأمر الذي سيكون في مصلحة إسرائيل وضد المصلحة العربية على طول الخط)) ويمكن هنا أن نتصور بأن السبب الرئيسي في التخلص من ريتشارد نيكسون لم يكن أساسا عملية التجسس المشهورة التي عرفت باسم ووترغيت، ولعله يكون مواقف نيكسون الحازمة تجاه إسرائيل، التي كان كيسنجر واجهتها الأمامية وقوتها الضاربة على الساحة الأمريكية والدولية، ولعل مما يمكن أن يشير إلى احتمال تكتل اللوبي الصهيوني ضد الرئيس وإسقاطه هو ما تأكد مؤخرا من أن الرئيس الأسبق جون ف. كينيدي كان قد بدأ في طرح تساؤلات ملحّة لمعرفة تفاصيل البرامج النووية الإسرائيلية ومتابعتها، وقتل بعدها على الفور خلال زيارته لدالاس بأسلوب لعله يُذكر باغتيال الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب، ولم تستطع الحكومة الأمريكية أن تقنع العالم بأن مرتكب الجرم هو هارفي أوزوالد، بعد أن أثبت خبراء كثيرون أن الرئيس الأمريكي قتل بثلاث رصاصات ما كان من الممكن لقناص واحد أن يُطلقها.
وإذا تذكرنا من قتلتهم اليد الإسرائيلية بشكل مباشر مثل أبو جهاد في تونس وقبله كمال عدوان ويوسف النجار وكمال ناصر في بيروت ومصطفي الهمشري في باريس، ومن قتلتهم الموساد بشكل مستتر مثل العالم النووي المصري يحيى المشد في باريس، وقبله بعقود الكونت فولك برنادوت في الأرض المحتلة، والقائمة طويلة جدا وتتضمن جرائم ضد أسرى حرب كما حدث في 1967 في سيناء وضد مدنيين مثل إسقاط الطائرة الليبية فوق سيناء وقنبلة مدرسة بحر البقر في مصر والمفاعل النووي في العراق، وقبل ذلك مذبحة صبرا وشاتيلا وقبلها دير ياسين وكفر قاسم، وبعد ذلك الهجوم الهمجي على لبنان ثم على غزة، أذا تذكرنا ذلك وغيره ندرك بأن من واجب قيادات الأمة العربية كلها، عندما تكون هناك قيادات في المستوى، أن تطالب بمحاسبة الكيان الصهيوني على كل ما اقترفه، فهذا هو العدوان الحقيقي على كرامة الأمة الذي يتطلب تجنيد الشعوب لمواجهته، ولن نكون أقل مروءة من القضاء البريطاني.
وأعود للسياق، فقد واصل الوزير الأمريكي ابتزازه للسادات، وأصبح هذا الآن متلهفا على عقد مؤتمر جنيف طبقا لسيناريو كيسنجر، الذي أبلغ الرئيس المصري بأنه لا يضمن حضور إسرائيل في جنيف إذا لم يحصل الكيان الصهيوني على قائمة أسراه عند السوريين.
وتصر سوريا على أنها لن تحضر المؤتمر الدولي إلا إذا تحقق قبل ذلك فك الاشتباك، (وهو التعبير الديبلوماسي للدلالة على الانسحاب) وبأنها ليست مستعدة لتسليم إسرائيل قائمة الأسرى إلا في إطار اتفاق واضح لفك الاشتباك يسبق مؤتمر جنيف.
ويثبت أن سوريا على حق، فقد فوجئ المشاركون في المؤتمر بأن الوفد الإسرائيلي في جنيف لم يكن يضمّ عسكريين إسرائيليين، وهو ما يتناقض مع ما كان يُسّوقه كيسنجر لإفراغ اجتماعات الكيلومتر 101 من مضمونها الحقيقي، ويقول كورت فالدهايم فيما بعد لوزير الخارجية المصري بأن ((السبب في إيقاف محادثات فك الاشتباك هو كيسنجر شخصيا، إذ كان يرغب أن يتم ذلك في جنيف لكي يظهر للعالم أنه هو الذي أحرز التقدم))
ويواصل فهمي من سويسرا إخطار السادات بالكثير من الخلفيات الإسرائيلية، ويبلغه ما سمعه من كيسنجر بأن الإسرائيليين طلبوا منه ألا ((يتعجل فك الارتباط وألا يضغط عليهم، إذ أن معلوماتهم تفيد بأن السادات سوف لا يبدأ بتطهير القناة، وحتى إذا انتهى من التطهير فهو لن يفتح القناة للملاحة الدولية، وذلك حتى يستمر في الحصول على الدعم المالي العربي، الذي كان أساسا بسبب غلق القناة)) ويقول هيكل أن مجموع المساعدات التي تلقتها مصر من بلدان النفط العربية بيم 1973 و 1977 هو في حدود 21 مليار دولار.
ويقول هيكل أن فهمي لا يعرف، وهو في الخارج، كل ما دار في لقاءات القاهرة بين رئيسه وكيسنجر، الذي يتفاوض معه في جنيف وجزءٌ كبير من الصورة مخفيّ عنه، ويحاول سؤال كيسنجر عنه ولكن هذا يُغريه بأنه سوف يقول له، ولا يبدو أنه فعل.
ولعلي هنا أستبق الأحداث لأذكر واقعة أخشى أن أنساها فيما بعد.
ففي أبريل 1974 ذهبتُ كمبعوث خاص إلى مصر، ورافقني، بناء على طلبي، مدير الاتصالات برئاسة الجمهورية، حيث كان صلب المهمة إقامة الخط الساخن بين الرئيسين هواري بو مدين وأنور السادات، ولم أطلب رسميا، للأمانة، لقاء الرئيس المصري، غير أنني، احتياطا، حملت له معي برنوسا جزائريا ممتازا، وكانت تعليماتي أنه، إذا التقيتُ الرئيس المصري، فإن علي أن أستمع بكل اهتمام إلى ما سوف يقوله لي.
وإثر الوصول أبلغني أشرف مروان، سكرتير الرئيس وضابط الاتصال، بأن السادات سوف يستقبلني في استراحته بإيكنجي مريوط، والتزاما مع ما أحمله من تعليمات وإدراكاً لأهمية كل كلمة وكل تعبير استأذنت الرئيس المصري في أن أدوّن ما أسمعه منه، فأذن لي.
يومها كان التصور في الجزائر، طبقا لما كنت أحسّ به، بأن أوروبا ستكون أول المستفيدين من فتح قناة السويس، حيث ستستريح سفنها من الدوران حول رأس الرجاء الصالح، وبالتالي فالحكمة تقتضي أن تستعمل مصر فتح القناة كورقة ضغط في يدها، تناور بها وتساوم إن لزم الأمر، لتقول للغرب بأن القناة لن تفتح للملاحة قبل أن تمارس أوروبا ضغطا على إسرائيل يفرض عليها الاستجابة للمطالب العربية.
ويقول لي الرئيس السادات في نهاية اللقاء وبأسلوبه المعروف :
((اسمع يا بني .. قول للأخ أبو مدين أن تطهير القناة هو قرار مصري، أما فتحها للملاحة فهو قرار عربي)).
وعندما عرضتُ عند عودتي ما سمعته من السادات على الرئيس، شفويا وكتابيا، لم يبدُ عليه أنه اقتنع بما رويته له، وبالفعل، فما أن أتم السادات تطهير القناة حتى ارتدى ملابس الماريشالية البحرية، وركب مدمرة مصرية اخترقت به مجرى القناة تحت أضواء كاميرات التصوير وبمحضر مئات الصحفيين.
ويقول إسماعيل فهمي عن هذا في مذكراته التي صدرت في 2006، أن : ((السادات كان مصابا بجنون العظمة، الأمر الذي جعله يأخذ قرارات كبيرة من وحي اللحظة بدون أن يُدرك العواقب بعيدة المدى لتحركاته المُتسرّعة (..وهو) كان مهتما بصورته الشخصية وبعظمته أكثر من اهتمامه بمصالح مصر (..و) أبلغني أنه يريد فتح القناة في الخامس من يونيو عام 1975، وأنه يريد احتفالا ضخما يقود خلاله بنفسه قافلة كبيرة من السفن في القناة (..) وكنت أعتقد أن إعادة فتح القناة يُمكن أن تكون ورقة ضغط إضافية في أيدينا (وهو ما يؤكد أن التصور الجزائري في 1974 كان سليما ومنطقيا) وأن للموعد قيمة رمزية حيث يُذكر بتاريخ الهزيمة المدمرة للجيش المصري في 1967 والتي أدت إلى إغلاق القناة، ولم يكن سرّا أن السادات، أو من أشاروا عليه بذلك التاريخ (وفهمي يقول أنه هيكل) كان يريد أن يقول بأنه هو البطل الذي أعاد لمصر كرامتها بعد الإذلال الذي عانته في عهد عبد الناصر، الذي خسر حربا واضطر إلى إغلاق القناة، في حين كسب السادات حربا وأصبح يستطيع (..) فتح القناة)).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.