المولودية تتأهّل    سيلا يفتح أبوابه لجيل جديد    تونس : تأجيل جلسة المحاكمة في قضية التآمر إلى 17 نوفمبر المقبل    سطيف..إعادة دفن رفات 11 شهيدا ببلدية عين عباسة في أجواء مهيبة    المنافسات الإفريقية : آخرهم مولودية الجزائر .. العلامة الكاملة للأندية الجزائرية    بطولة الرابطة الثانية:اتحاد بسكرة يواصل التشبث بالريادة    كأس افريقيا 2026 /تصفيات الدور الثاني والأخير : المنتخب الوطني النسوي من أجل العودة بتأشيرة التأهل من دوالا    منع وفد من قيادة فتح من السفر لمصر..93 شهيداً و337 إصابة منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار    المهرجان الثقافي للموسيقى والأغنية التارقية : الطبعة التاسعة تنطلق اليوم بولاية إيليزي    الطبعة ال 28 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب: المحافظة السامية للأمازيغية تشارك ب 13 إصدارا جديدا    في مهرجان الفيلم ببوتسوانا.."الطيارة الصفرا" يفتك ثلاث جوائز كبرى    ممثلا لرئيس الجمهورية..ناصري يشارك في قمة إفريقية بلوندا    وزير الاتصال: الإعلام الوطني مطالب بالحفاظ على مكتسبات الجزائر الجديدة    دعوة إلى ضرورة التلقيح لتفادي المضاعفات الخطيرة : توفير مليوني جرعة من اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية    شايب يشرف على لقاء افتراضي مع أطباء    الشبيبة تتأهل    دورة تكوينية دولية في طبّ الكوارث    الجيش يسجّل حضوره    تركيب 411 ألف كاشف غاز بالبليدة    حيداوي يشدد على ضرورة رفع وتيرة تنفيذ المشاريع    دورات تكوينية للقضاة    الجامعة أصبحت مُحرّكا للنمو الاقتصادي    برنامج شامل لتطوير الصناعة الجزائرية    صالون دولي للرقمنة وتكنولوجيات الإعلام والاتصال    تم غرس 26 ألف هكتار وبنسبة نجاح فاقت 98 بالمائة    أمطار رعدية على عدة ولايات من الوطن    الشباب المغربي قادر على كسر حلقة الاستبداد المخزني    فلسطين : المساعدات الإنسانية ورقة ضغط ضد الفلسطينيين    ركائز رمزية تعكس تلاحم الدولة مع المؤسسة العسكرية    الإطلاع على وضعية القطاع والمنشآت القاعدية بالولاية    نور الدين داودي رئيسا مديرا عاما لمجمع سوناطراك    دعوة المعنيين بالفعالية إلى الولوج للمنصة الإلكترونية    يجسد التزام الجزائر بالعمل متعدد الأطراف والتعاون الدولي    الجزائر فاعل اقتصادي وشريك حقيقي للدول الإفريقية    وقفة حقوقية في الجزائر لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة    اتفاق الجزائر التاريخي يحقّق التوازن للسوق العالمية    رفع إنتاج الغاز الطبيعي أولوية    مخطط استباقي للتصدي لحمى وادي "الرفت" بالجنوب    شروط صارمة لانتقاء فنادق ومؤسّسات إعاشة ونقل الحجاج    أخريب يقود شبيبة القبائل إلى دور المجموعات    غاريدو يثّمن الفوز ويوجه رسائل واضحة    ملتقى دولي حول الجرائم المرتكبة في حق أطفال غزة    عمورة يعاني مع "فولفسبورغ" والضغوط تزداد عليه    عودة الأسواق الموازية بقوّة في انتظار البدائل    إعذارات للمقاولات المتأخرة في إنجاز المشاريع    المصحف الشريف بالخط المبسوط الجزائري يرى النور قريبا    إصدارات جديدة بالجملة    تأكيد موقف خالد في مساندة قضية "شعب متلهّف للحرية"    قراءات علمية تستعين بأدوات النَّقد    ما أهمية الدعاء؟    مقاصد سورة البقرة..سنام القرآن وذروته    فضل حفظ أسماء الله الحسنى    معيار الصلاة المقبولة    تحسين الصحة الجوارية من أولويات القطاع    تصفيات الطبعة ال21 لجائزة الجزائر لحفظ القرآن الكريم    لا داعي للهلع.. والوعي الصحي هو الحل    اهتمام روسي بالشراكة مع الجزائر في الصناعة الصيدلانية    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدير سابق للأروقة الجزائرية يفترش الكرطون أزيد من 29 سنة بالقبة
نشر في صوت الأحرار يوم 03 - 04 - 2010

لم نكن نعتقد و نحن نهم بانجاز مقال حول احد الأشخاص بدون مأوى أننا سنكون على موعد مع ما يمكن أن يسمى بالسبق الصحفي البعيد كل البعد عن مفهومه التجاري و الذي يهدف من خلاله ثلة من الصحفيين الرفع من مبيعات الجرائد التي يعملون بها ،وبقدر ما سعدنا بأننا لم نكن لنصل إلى هذه الحالة الاجتماعية التي تصلح لان تكون فيلما مأساويا على شاكلة "المعذبون في الأرض" أو" البؤساء" لولا صديق الجريدة الوفي "عزيز" من الجلفة الذي جاءنا- عكس المرات السابقة التي كان يأتينا فيها مجاملا يسأل عن الحال و الأحوال- يقترح علينا موضوعا اجتماعيا لأحد المشردين ، بقدر ما صعقنا و نحن نقف على أتعس أنواع المعاناة التي يمكن أن تحدث لشخص ارتقى أعلى المراتب و تبوأ منصب مدير قرابة العشر سنوات و حقق في حياته النجاح تلو الأخر ليجد نفسه مضطرا لافتراش الأرض و الالتحاف بالسماء في احد الأحياء الراقية ببلدية القبة –العاصمة- اعترف لنا جيرانه أنهم يخشون عليه ليلا من شدة البرد و يخافون أن يعثروا صباحا على جثته هامدة هو الذي تعود على النوم تحت ما يعرف بالسماء المفتوح ...
مشرد من النخبة
اعترف لنا توتي سيد احمد 60 سنة –صاحب المعاناة –أنه لم يعد ينتظرمن المسؤوليين الجزائريين شيئا هو الذي تكاد معاناته تدخل عامها الثلاثين و ربما تؤهله لدخول كتاب غينيس للأرقام القياسية في التشرد، باستثناء ربما جواز السفر البيومتري الذي يعول عليه كثيرا للرحيل بعيدا إلى أي بلد يعامل فيها المتعلم و المثقف و الباحث- هو الذي يجمع بين الثلاثة -بكثير من الاحترام و التقدير ليضع حدا لكابوس اجتماعي يصعب على أي عاقل مهما كانت درجة تحمله وتجلده و صبره تحملها هو الذي أصبح لا يختلف كثيرا في المظهر الخارجي عن أي مشرد يفترش الكارطون في أي شارع من شوارع العاصمة بينما الحديث معه ينم عن شخصية قوية و متعلم من النوع الفذ وطالب علم يحاول أن يخترع في مساحة قد يعافها الكلاب و لكن لحسن حظه أن البيئة التي يضطر العيش فيها لم تقتل فيه الطموح و حب الاختراع الذي تجسد في اختراع جهاز مائي على شكل حنفية لعقلنة استهلاك الماء أودع عصارة اختراعه منذ أربع سنوات بالمعهد للملكة الصناعية والتكنولوجية و في انتظار حصوله على حقوق براءة الاختراع، اعترف لنا انه بصدد وضع اللمسات الأخيرة لثلاثة اختراعات جديدة اثنان منهما في مجال التعليب استنادا لمنطق الرياضيات و الحسابات بينما سيحدث اختراعه الثالث ثورة نوعية في مجال عالم السيارات إذ سينتهي من تجسيد نموذج لجهاز التحكم في سرعة السيارة من شانه المساهمة في التقليل من حوادث المرور و ستكون متبوعة دون شك بمزيد من الاختراعات في مجال تخصصه الرياضيات مادام يقضي حسب تصريحاته وقت فراغه كله داخل قبوه في الأبحاث العلمية التي تأسف من بقائها منحصرة في الحرم الجامعي بينما كثيرة هي "الأدمغة" و المادة الرمادية التي تعمل وتبحث خارج أسوار الجامعات.
و كان ذات يوم الأول في دفعته
اعترف لنا" توتي سيد احمد" أن طفولته وشبابه كانا ربما اسعد من السعادة في كنف والدين كريمين و أسرة متحابة ربما يعود لها الفضل في تفوقه و نجاحه بامتياز في دراساته خلال كل الأطوار التعليمية ليتواصل مشواره الدراسي الجامعي بالمعهد العالي للتجارة ببن عكنون و الذي تخرج منه بشهادة عليا سنة 1973 ليكون من الطلبة الأوائل في دفعته بشهادة أساتذة المعهد و يدخل" توتي" دون مشقة عالم الحياة المهنية من بابه الواسع إذ تقلد منصب مدير الأروقة الجزائرية بشارع بن مهيدي من سنة 1973 إلى سنة 1982 التحق بعدها بمؤسسة "غلوب" بقسنطينة ليدير هناك بمهارة و كفاءة كبيرين اكبر مساحات تجارية في الشرق الجزائري من سنة 1982 إلى سنة 1984 لكن الزلزال الذي ضرب شلف سنة 1980 لم الحق اضرارا بليغة بالعمارة التي كانت توجد بها شقة والديه و المسماة انذك "بالقصر" و المعروفة لدى العام و الخاص ببلدية القبة ، اهتزاز وضعها في خانة البرتقالي حسب تصنيف اللجنة التقنية للبناء و كذا مصالح بلدية القبة و دائرة حسين داي آنذاك والتي اتفقتا على تهديمها بعد قدمها إذ يعود تاريخها لقرنين من الزمن لكن ظلت العائلة تعيش في ذات الشقة المهددة بالسقوط فوق رؤوسهم أزيد من عشر سنوات كاملة ليأتي زلزال 1989 و يزعزع المبنى الهش الذي لم يعد لا أسواره ولا سكانه قادرين على الصمود و يأتي الفرج من بلدية القبة لتطلق سراح قائمة سكنات استفادت منها 15 عائلة فقط كانت تقطن بالعمارة" القصر" من أصل 26 عائلة و لسوء حظ عائلة" توتي" سقط اسمها من قائمة المستفيدين لسبب لازال يجهل حيثياته و دواعيه لحد الآن.
و يستثنى من حقه في السكن
مساعيه الحثيثة لافتكاك حقه في السكن كغيره من منكوبي العمارة باءت كلها بالفشل و اكتشف بعد رحلة مضنية مع الإدارة أن ملفه أودع مصلحة الأرشيف بالولاية شانه شان الملفات التي استفاد أصحابها من سكنات اجتماعية.و بقي" سيد أحمد "يجري و يلهث على أمل الحصول على سقف يأويه رفقة والديه الذين وافتهما المنية دون أن يرا حلمهما وحلم ابنهما يتحقق هما اللذان ظلا يعيشان تحت سقف مهدد بالانهيار و السقوط بشهادة مختصي البناء و السلطات المحلية التي لم تحرك ساكنا إلا بعد زلزال 2003 الذي هزا أركان العمارة و جعلها خطرا مميتا على ساكنيها فسارعت بلدية القبة الى إخلاءها و نصب خيم لسكانها بملعب القبة البلدي أزيد من ستة أشهر، تم تحويل العائلات المنكوبة و البالغ عددها 38 عائلة الى شاليهات بمنطقة عين الكحلاء بضواحي الرغاية ليستفيد" سيد أحمد" كغيره من المنكوبين من شاليه اتفق مع مسير الملعب البلدي بالقبة و كذا المكلف انذك بالمنكوبين على مستوى دائرة حسين داي بقاءه ببلدية القبة في كوخ بناه بمحاذاة العمارة الآيلة لسقوط على أن يحتفظ بشاليه المخصص له و يزور الموقع لتسجيل نفسه على الأقل مرة كل شهر .
و قد ظل" سيد أحمد" على حد قوله يتردد على الموقع باستمرار ليتفاجىء عند ترحيل العائلات المنكوبة الى سكنات اجتماعية بسقوط اسمه من قائمة المنكوبين بالرغم من انه كان حاضرا في ذلك اليوم التاريخي و الذي اعتقد أن كابوسه قد انتهى أخيرا الى الأبد. و ربما الأخطر في القضية أن العمارة التي كانت توجد بها شقة العائلة و المصنفة في خانة الخطر قد تقرر هدمها دون إخطار السكان بموعد الهدم لتتم العملية في جنح الظلام لان العمارة كانت محرومة من الكهرباء منذ سنوات طويلة و دون سابق اندار أقدمت السلطات المحلية على تهديم المبنى و معها أثاث سيد احمد ووثائقه و شهادته و ذكرياته.
جهوده سواء على مستوى بلدية القبة آنذاك أ و دائرة حسين داي وصولا الى ولاية الجزائر باءت كلها بالفشل رفض المسؤولون آنذاك حتى استقباله ليشكو" حقرة" لم يعرف المتسبب فيها و لا دواعيها فقرر في ظل تجاهل السلطات لمعاناته اتخاذ من احد الأماكن والتي لا تتعدى مساحتها المترين على متر واحد مسكنا مفتوحا على الهواء يقوم فيه بأبحاثه و اختراعاته ليملئ أوقات فراغه الطويلة من جهة و يثبت لنفسه انه ليس فاشلا لكنه ضحية ممارسات و تجاوزات خطيرة حدثت و تحدث عادة خلال الكوارث الطبيعية.
يخدم الجميع و لا يخدمه احد
اعترف لنا جيران" سيد أحمد توتي بالإجماع" على انه عبقري الحي و مستشار سكانه لاسيما فيما تعلق بمجال الاستثمار و اسر لنا احدهم أن أحد الاميار السابقين لم يتردد أثناء عهدته في الاستعانة بخبرة" سيد أحمد "لإعداد مخطط التنمية لبلدية القبة و الذي قام به عن طيب خاطر دون أن ينتظر لا جزاء ولا شكورا بينما أكد لنا بعض السكان أن اغلب الحائزين على شهادة البكالوريا بالحي قد تحصلوا على دروس دعم مجانية في مادتي الرياضيات والعلوم الطبيعية على يد العبقري المتشرد .
و اعترف لنا بعضهم أن بعض السكان يستغلون" سيد أحمد" دون أن يحاولوا سواء من موقعهم كمسؤوليين أو ميسوري الحال مساعدته لإيجاد منصب عمل كمرحلة أولية لإخراجه من البطالة التي يعاني منها بالرغم من أن مؤهلاته و شهاداته تؤهلانه لتبوأ أعلى المناصب في أي إدارة ملاحظة لم يستسغها سيد احمد رافضا تحميل مسؤولية وضعه إلى السكان مؤكدا أن الحل بيد الإدارة لا الجيران. الثلاثون سنة التي قضاها" سيد أحمد توتي" بدون مأوى قار بالرغم من أحقيته في السكن كغيره من المنكوبين من جهة إضافة الى تجاهل السلطات المحلية لمعاناته بالرغم من أن جحره لا يبعد إلا ببضعة مئات من الأمتار من مبنى البلدية من جهة أخرى قتل بداخله كل بصيص أمل في تسوية وضعيته الاجتماعية سواء عاجلا أم أجلا الى حد القنوط .. شعور لا يمكن أن يمحوه سوى معجزة من صنع الإدارة تصحح به ما ارتبك في وقت لاحق في حق مواطن كان بإمكانه تقديم الكثير لهذا الوطن في ظروف غير الظروف التي يعيشها حاليا ، صحيح محاطا بحب و احترام جيرانه القدامى الذين لا ينظرون الى هيئته بل الى معارفه و عبقريته التي لم تشفع له عند المسؤوليين المحليين الذين جردوه من أبسط حقوق المواطنة فلم يجد سوى الأطلال ليكتب على بابها" باحث منكوب أزيد من 29 سنة".وإذا كان حلم" سيد أحمد" أصبح مرتبطا بجواز سفر بيومتري يمكنه من" الهربة" الى وجهة يقدر فيها العبقري و المخترع حق قدره فهل يقبل ملف جوازه و هو لا يملك حتى عنوان قار؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.