عفو رئاسي عن باقي العقوبة للدكتور بلغيث    وزيرا السكن والمالية يوقعان القرار الخاص بالسعر النهائي    التلفزيون الجزائري سينقل 17 مبارة لنهائيات للكان    خنشلة : الشرطة تنظم عملية مداهمة بششار    هل هناك جريدة كبيرة عندنا..؟!    تمكين الطلبة للاستفادة من العلوم والتكنولوجيات الحديثة    إنجاز كابل بحري جديد لرفع سرعة الأنترنيت    إرساء تحوّل رقمي متكامل ومستدام    حقّ تقرير مصير الصحراويين يتطلّب دعما دوليا عاجلا    بدء عمليات البحث عن جثامين الشهداء المفقودين    حين تتكلّم الذاكرة..    شراكات وطنية ودولية ورهان على المقاولاتية    "المحاربون" يشرعون في التحضير ل"كان 2025"    الجزائر تؤكد الريادة قاريا    لسعد الدريدي يخلف روسمير سفيكو المستقيل    الرئيس تبون أسس لمناخ سياسي واقتصادي مناهض للفساد    غرس شجرتي "الأرقان" و"السيكويا" بجبل الوحش    نحو إنهاء كل مظاهر التشوه العمراني بالعاصمة    القبض على محترفي سرقة الهواتف    لا مصالحة إلا باعتراف واعتذار فرنسا والتعويض    منصة رقمية للمشاريع الاستثمارية قيد الإنجاز    وزير العدل يؤكد من الدوحة التزام الجزائر الراسخ بمكافحة الفساد وتعزيز التعاون الدولي    بوشكريو يكشف عن قائمة تضم 33 لاعباً    الاحتلال الصهيوني يستهدف الحرم الإبراهيمي    السودان : مقتل 9 أشخاص وإصابة العشرات في قصف لقوات الدعم السريع    مجلس الوزراء يقر زيادات تتراوح بين 5 و10 بالمائة في معاشات التقاعد    الرئيس تبّون يُوقّع على قانون المالية لسنة 2026    انطلاق أشغال إنجاز مصنع تحلية مياه البحر    أسبوع للمساعدة الاجتماعية بولايات الجنوب    الأطعمة المدخّنة.. إقبال ومُخاطرة بالصحة    التجارة الإلكترونية والتسويق الرقمي محور لقاء وطني    تتويج صرخة صمت    جيش الاحتلال يقصف أنحاء متفرقة في قطاع غزة    افتتاح الأيام الوطنية للديودراما بالشلف بمشاركة فرق مسرحية من عدة ولايات    الجزائر تحتضن اجتماعًا استشاريًا إفريقيًا لخبراء مكافحة الإرهاب    مظاهرات 11 ديسمبر 1960 جسدت وحدة الشعب الجزائري    جهود لحماية التنوع البيئي بالشريعة    إطلاق منصة للتواصل بين المؤسسات    الجزائر بذلت جهودا جبارة لترقية قيم العيش معا في سلام    هذه المحاولات تمثل اعتداءً على العقد الاجتماعي الوطني    المذكرات الورقية تنسحب من يوميات الأفراد    الملتقى الوطني الموسوم بعنوان الكتابة السردية النسائية الجزائرية (الوعي والتحول)    انطلاق التسجيلات لدورة فيفري 2026    وفاة الفنان الموسيقار والملحن نوبلي فاضل    دعم السيادة الصحية بتبادل المعطيات الوبائية والاقتصادية    مغامرة انسانية عمادها البساطة والإبداع    هل إقالة المدير هي الحل؟    فتاوى : سجل في موقع مراهنات وأعطوه هدية    من أسماء الله الحسنى .. الحليم    اللعبان بركان وبولبينة ضمن قائمة"الخضر"في ال"كان"    أبو يوسف القاضي.. العالم الفقيه    الدور ال16 لكأس الجزائر:اتحاد الحراش يطيح بشبيبة القبائل، جمعية الشلف ووفاق سطيف يحسمان تأهلهما    عودة مفاجئة وثنائي جديد..بيتكوفيتش يعلن عن قائمة "الخضر " لكأس أمم أفريقيا 2025    الجزائر تُنسّق مع السلطات السعودية    40 فائزًا في قرعة الحج بغليزان    الاستغفار.. كنز من السماء    الاستماع لمدير وكالة المواد الصيدلانية    صهيب الرومي .. البائع نفسه ابتغاء مرضاة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى متى يستمر حصر منصب مدير صندوق النقد على أوروبا؟
نشر في الفجر يوم 25 - 05 - 2011

لا تزال معادلة اقتسام المناصب العليا بعد الحرب العالمية الثانية التي بنيت على الاستعمار تسيطر على صناعة القرار بشارعي 19 وإتش ستريت في شمال غربي واشنطن، موقع المراكز الرئيسية لصندوق النقد الدولي. فالمشكلة التي تتبدى في واشنطن، حيث مقر الصندوق حقيقة، ليست بشأن أن الرجل الفرنسي القوي الثري البالغ من العمر 62 عاما، الذي حتى هذا الأسبوع كان يشغل منصب مدير تلك المؤسسة، يواجه تهمة الاعتداء الجنسي على فتاة إفريقية شابة وفقيرة في فندق بنيويورك قدم استقالته؛ بل هي نتاج الإرث الاستعماري القوي الذي يلوث عملية اختيار خليفة دومينيك ستروس - كان في رئاسة صندوق النقد الدولي.
وهذا الإرث الذي يعد نتاجا لاتفاق قديم أبرم بعد الحرب العالمية الثانية بين أكثر دول العالم ثراء التي اقتسمت المؤسسات الدولية، ينص على أنه ليس مسموحا إلا لشخص أوروبي فقط بأن يصبح مديرا لصندوق النقد الدولي، تلك المؤسسة التي يشارك في عضويتها 187 دولة. وقد حظي هذا الاتفاق الذي حصر رئاسة الصندوق في أوروبا، والذي يميز ضد 93٪ من البشر، بدعم الولايات المتحدة، أكبر مساهم في صندوق النقد الدولي.
وفي سياق عمله اليومي، يطالب صندوق النقد الدولي الحكومات التي تسعى للحصول على دعمه المالي بتبني مبادئ السوق الممثلة في الكفاءة والشفافية والجدارة مقابل الحصول على دعمه. غير أن المؤسسة نفسها تختار رئيسها من خلال عملية تأتي على النقيض تماما من تلك القيم. فوفقا للاتفاق المبرم بين أوروبا الغربية والولايات المتحدة، دائما ما يذهب أعلى منصب في صندوق النقد الدولي إلى شخص أوروبي، في الوقت الذي تعد فيه رئاسة البنك الدولي حكرا على الأمريكيين. وكانت تلك هي الحال منذ إنشاء المؤسستين في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين، وفيما يحتمل أن يكون الاتفاق قد عكس السياسات الحقيقية التي حكمت العالم في هذه الفترة، فقد بات الآن هذا الاتفاق غير مقبول وغير مفيد لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي في ظل التحولات الأخيرة في الثراء الاقتصادي. حتى إن قادة مجموعة العشرين، مجموعة الدول التي تمثل أكثر من 80٪ من اقتصاد العالم وثلثي سكانه، يدركون وجوب تغيير عملية اختيار القيادة في هاتين المؤسستين. وحينما التقوا في بداية 2009 في لندن في أعقاب حدوث الأزمة
المالية، أكدوا على أنه “يجب تعيين رئيسي المؤسستين الماليتين الدوليتين وكبار المديرين فيهما من خلال عملية اختيار تتسم بالوضوح والشفافية وتعتمد على الجدارة”.
إن عدم الارتكاز على هذا المعيار في عملية الاختيار أمر شنيع. ولكنه ليس أكثر شناعة بالطبع من تقديم الدول الأوروبية أعذارا لا حصر لها لضرورة أن يخلف ستروس – كان في رئاسة صندوق النقد الدولي، شخص يحمل جواز سفر أوروبيا.
وعرض ديدييه رايندرز، وزير المالية البلجيكي، وجهة النظر الأوروبية السائدة، حينما قال إنه “سيكون من المفضل إذا استمررنا في الاحتفاظ بهذا المنصب”. وقد
أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنه يمكن أن يترقى شخص من دول العالم النامي إلى المنصب الأعلى بصندوق النقد الدولي، ولكن فقط “على المدى المتوسط”. غير أنها تؤكد أنه في الوقت الحالي يجب أن يشغل هذا المنصب شخص أوروبي. ويتم بالفعل تأييد وزيرة المالية الفرنسية كريستين لاغارد باعتبارها مرشحة مفضلة من قبل الولايات المتحدة والصحافة الدولية، بل وقد صرح مسؤول برازيلي رفيع المستوى لوكالة الأنباء “رويترز” أن “أوروبا من المحتمل أن تحكم قبضتها بقوة على هذا المنصب”.
وقد أشار كتاب أعمدة أوروبيون مشهورون مثل مارتين وولف ووولفغانغ مونشو في صحيفة “فاينانشيال تايمز” إلى أنه نظرا لدور صندوق النقد الدولي الحساس في إنقاذ الاقتصادات المضطربة في القارة، فلن يتسنى لأي شخص أن يعمل بداخله بفاعلية ما لم يكن يتمتع باتصالات سياسية واسعة في المنطقة. ويتضح ذلك من خلال ما كتبه وولف: “بالطبع لا يمكن أن يلعب أي شخص غير أوروبي دور ستروس - كان في منطقة اليورو”، أو فيما قاله مونشو: “أتساءل إلى أي مدى يستطيع محافظ البنك المركزي المكسيكي ذو الدرجة العالية من الكفاءة، على سبيل المثال، النهوض بمهام هذا المنصب؟”.
من الغريب أنه لم يثر الجدل حول هذا الموضوع وقت الأزمات المالية التي مرت بها آسيا وأمريكا اللاتينية في التسعينيات من القرن الماضي. فبدرجة ما، لم تشكل فكرة أن صندوق النقد الدولي يديره فرنسي أو ألماني تعوزه الاتصالات السياسية المكثفة في تلك المناطق أهمية كبيرة في ذلك الحين. أما الآن، فباتت تلك الاتصالات تشكّل أهمية جوهرية. كتب مونشو في هذا الصدد: “سيتعامل المدير الجديد لصندوق النقد الدولي في الأغلب مع قضايا أوروبية في معظم أوقات فترته الأولى. وسيتعين عليه جمع الرؤساء معا في اجتماعات وزراء المالية الأوروبيين وأيضا النقاش بكفاءة مع بعض رؤساء الحكومات والدول الصعبة المراس”. إذن، فمن هذا المنظور الأوروبي، يفتقر كل من أوغستين كارستينز، محافظ البنك المركزي المكسيكي والمسؤول رفيع الشأن سابقا بصندوق النقد الدولي، وكمال درويش، وزير
المالية التركي السابق الذي أعلن امتناعه عن الترشح، للوسائل الفكرية أو السياسية المطلوبة لإبرام اتفاق مع زملاء يونانيين أو برتغاليين، أو لا يمكنهم أن يأملوا في كسب احترام الساسة الألمان أو الفرنسيين.
ويتمثل افتراض آخر غير مبرر في أن السّاسة الأوروبيين سيعارضون بدرجة تفوق نظراءهم في آسيا وأمريكا اللاتينية الإجراءات الاقتصادية غير المحببة المصاحبة لأي سياسة إنقاذ ينتهجها صندوق النقد الدولي - وأنه لن يتسنى لأي أحد سوى عضو أوروبي إقناعهم بالأمر. من ثمّ، فالدلالة الضمنية هي أن الأوروبيين بحاجة إلى أسلوب أكثر لطفا في التعامل من ذلك الذي انتهجه صندوق النقد الدولي مع حكومتي كوريا الجنوبية والبرازيل عندما احتاجتا لإجراءات إنقاذ. في حقيقة الأمر، ليس بإمكان الأوروبيين اتخاذ أي إجراء أفضل من اختيار مدير صندوق النقد الدولي من بين الكثير من اللاعبين الاقتصاديين المدربين على أعلى مستوى والمتمرسين من إحدى الدول النامية التي قد تمكنت من إدارة إحدى الأزمات بشكل ناجح. وتتمتع الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا بنخبة من الأفراد أصحاب المهارات ممن يمكنهم مد يد العون لأوروبا في اجتياز مشكلاتها. كذلك، فعلى الرغم من أن أوروبا تواجه الأزمة مؤخرا، فإنه سيتعين على المدير الجديد لصندوق النقد الدولي التعامل مع الأزمات الاقتصادية التي ربما تنشأ في بعض الدول النامية التي تشهد حالة من الازدهار الاقتصادي حاليا.
وثمّة نقطة بسيطة ألا وهي أنه في الوقت الذي يتضاءل فيه ثقل أوروبا في الاقتصاد الدولي، يزداد ثقل دول أخرى مثل الصين والهند والبرازيل بشكل متسارع. فلماذا يتم استبعاد القوى الاقتصادية الناشئة من عملية اختيار المناصب بالمؤسستين الماليتين الرئيسيتين في العالم؟
والرأي القائل إن المدير القادم لصندوق النقد الدولي يجب أن يأتي من منطقة أو دولة محددة مسبقا رأي مغلوط، إذ إنه يمكن اختياره من أي دولة. فيجب أن يكون حق شغل المنصب متاحا لأي مرشح مؤهل من أي مكان في العالم - وينبغي أن تتسم عملية الاختيار بالشمولية والشفافية وألا تعتمد على أي اعتبارات أخرى خلاف المزايا الشخصية للمرشح وخبرته ونزاهته. وسيكون من الجيد أيضا أن يتم إلزام المرشحين بالتعهد بعدم تجاوز مدة الخمس سنوات المقررة لهم لشغل منصب إدارة صندوق النقد الدولي. وقد استقال المديرون الثلاثة السابقون لصندوق النقد الدولي (جميعهم من أوروبا الغربية بالطبع) قبل إنهاء مدتهم.
مويسيس نعيم
مدير تنفيذي سابق للبنك الدولي وعضو رفيع المستوى بمؤسسة كارنيغي للسلام
الدولي وكاتب أعمدة بارز في صحيفة “إل بايس” الإسبانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.