عندما تقرأ كتابا لشخص لا تعرفه، ويشدك طويلا، تمضي بشغف كبير إلى غوغل حتى يعطيك بعض المعلومات، في البداية تبحث له عن صورة ما تضبطها في مخيلتك ثم تحاول البحث أكثر في تفاصيل سيرته الذاتية، كان هذا ضروريا وأنا أكتشف لأول مرة الروائي”كبير مصطفى عمي” الذي عرفت منذ البداية أنه يعنيني ويعنيني جدا. العنوان الأصلي للكتاب هو les vertus immorales المنشور عن دار غاليمار، النسخة العربية والتي جاءت في حوالي 190 صفحة عن منشورات وزارة الجالية المغربية، الكتاب وإلى جانب مجموعة أخرى من الكتب يقدم كهدية في المعارض الدولية الخاصة بالبلد الشقيق المغرب، وطبعا كما هي الكتب التي تهدى من طرف الوزارات لم تثر الاهتمام ولا التفقد.. إلى غاية اكتشاف هذا العنوان ”الفضائل القذرة” ومن أول صفحة كانت الحكاية ساحرة. من سلا إلى أمريكا: الفترة الزمنية التي يحبك كبير مصطفى عمي، فيها حكايته هي بدايات القرن السادس عشر، وهو القرن الذي بدأت فيه الهجرة نحو الإلدورادو الجديد ”أمريكا”، أما البطل فهو مومن من المغرب وبالضبط من مدينة سلا الواقعة على المحيط الأطلسي، ولكنه يصل إلى أمريكا ويخلق عالمه الذي أراد أو بالأحرى مغامرته التي أراد، وعليه قراءة الرواية أو تلخيصها في حد ذاته مغامرة لأنها بالفعل حياة مكثفة وموجعة حياه هذا المومن الذي توفي والده ومن بعد ذلك تزوجت أمه وبعد مضايقات كبيرة من طرف زوج الأم، تنازلت الأم عن هذا الولد لصالح معلم كبير، هذا المعلم الذي يمده بعلمه ويقدم له نسخ فريدة من الكتب الرائجة آنذاك، على شاكلة الكتاب النموذج رحلان ماركو بولو، بعد ذلك يغادر الولد معلمه إلى غاية عبوره البحر إلى إسبانيا وبعدها إلى أمريكا.. في أمريكا لا تنتهي المغامرة وإنما تبدأ مع الإنجليز والدنماركيين وحتى الهنود الحمر، فالمغربي القادم من سلا سيتقن لغة الهنود الحمر ويعيش مع واحدة بل وينجب منها، تتقدم المغامرة على كافة المعطيات حتى بالنسبة للاعتقاد بحيث يؤسس مومن لفرقة دينية خاصة في داخل الغابة الأمريكية ذات بعد إسلامي تشبه إلى حد ما الحشاشين في التاريخ الإسلامي، ولكنه بعد كل هذا يعود إلى أوروبا، بهوية مسيحية، صداقات قديمة من أمريكا تتوسط له في البلاط الإسباني. في النهاية هذه الأمور ليست بالعمق الذي يريده كبير عمي، فالحياة صعبة جدا ولكن تلك الصعوبة هي التي تجعلنا نفهم طبيعة الإنسان، نفهم الأخر. هذا الكاتب عالمي: الآخر في الرواية موجود وبامتياز إلى درجة أنك ستردد التساؤل التالي: ما هي الخلفيات الموجودة لدى هذا الكاتب حتى تمكن من رسم كل هذه الشخصيات ذات الهويات المختلفة وتمكن من ربط بواطنها ووجدانها بصورة حية وناطقة؟؟ لتعرف فيما بعد أن الروائي من أب جزائري وأم مغربية، من مواليد المغرب سنة 1952، ولكنه عاش يتيما في وقت مبكر من حياته، تقول سيرته الذاتية، إنه كان عليه أن يكون جزائريا أو مغربيا بسبب الحرب المغربية الجزائرية في ذلك الوقت، ولكن هذا لا يهم نتحدث عن الهويات، يترك الروائي المغرب في سن الثامنة عشر ويسافر إلى أوروبا وأمريكا ويشتغل كمدرس للغة الإنجليزية،.. وهذا ما يفسر مقدرته على الانتقال من بطل عربي إلى بطل أوروبي تحت مناخ أمريكي. النص يحيلنا إلى المسائل الكبيرة وهي الإسلام والغرب وحوار الحضارات والحوار مع الأخر في قواعد إنسانية، كذلك يعالج الهجرة في شكلها الصافي العقائدي فمومن والاسم يدل مجازية الاختيار المبني على المعتقد وعلى البقاء أو الوفاء أو حتى الأصالة، ربما قبل هذا النص لم يكن بمقدور أحد منا أن يفهم هذه المواضيع وهي مكتوبة من طرف العرب، في غالبية الأوقات تشعر أنها مكتوبة تحت الطلب، ولا غرض من ذلك سوى الشهرة العالمية ولعل الكثير نجح في هذا ولكن يبقى الأمر بالنسبة لنا مفضوحا ولا يشكل إقناعا محليا، غير أن مومن جعلنا نشعر منذ بداية الرحلة بخيط العالمية بدءا من قلب عربي حتى تلك المسالمة لم تكن موجودة بل العنف كان موجود طوال الرواية وربما ربما العنف في القرن السادس عشر مبرر، وليس عنف المسلم لأنهم جميع هويات الرواية يشتركون في خراب وعمار أمريكا. دخل مومن أمريكا مسلما وخرج منها مسيحيا في هوية مزيفة، قد لا تهم الهويات الدينية في النهاية لأننا نجد ابن عربي وطارق بن زياد وماركو بولو والعالم أصغر من هوية.