غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51495 شهيدا و117524 جريحا    عطاف يشارك في مراسم جنازة البابا فرنسيس    الجمباز الفني/كأس العالم: تأهل ثلاثة جزائريين للنهائي    وزير الاتصال يشرف بورقلة على افتتاح اللقاء الجهوي للصحفيين والإعلاميين    انطلاق أشغال الندوة الوطنية حول "تقييم التحول الرقمي في قطاع التربية الوطنية"    فلسطين: الاحتلال الصهيوني يواصل عدوانه على مدينة طولكرم لليوم ال90 على التوالي    أكسبو 2025: جناح الجزائر يحتضن أسبوع الابتكار المشترك للثقافات من أجل المستقبل    تصفيات كأس العالم للإناث لأقل من 17 سنة/الجزائر-نيجيريا (0-0): مسار جد مشرف لفتيات الخضر    حج: انطلاق عملية الحجز الالكتروني بفنادق بمكة المكرمة ابتداء من اليوم السبت    إطلاق عملية رقابية وطنية حول النشاطات الطبية وشبه الطبية    ملك النرويج يتسلم أوراق اعتماد سفير فلسطين    مقتل مسؤول سامي في هيئة الأركان العامة    بيع أضاحي العيد ابتداء من الفاتح مايو المقبل, بالولايات ال58    المرأة تزاحم الرجل في أسواق مواد البناء    بالذكرى ال63 لتأسيس المحكمة الدستورية التركية، بلحاج:    ملتزمون بتحسين معيشة الجزائريين    مزيان يدعو إلى الارتقاء بالمحتوى واعتماد لغة إعلامية هادئة    مخططات جديدة لتنمية المناطق الحدودية الغربية    النخبة الوطنية تراهن على التاج القاري    15 بلدا عربيا حاضرا في موعد ألعاب القوى بوهران    مداخيل الخزينة ترتفع ب 17 بالمائة في 2024    التوقيع بإسطنبول على مذكرة تفاهم بين المحكمة الدستورية الجزائرية ونظيرتها التركية    استشهاد 4 فلسطينيين في قصف مكثّف لبيت حانون وغزة    الدبلوماسية الجزائرية أعادت بناء الثقة مع الشركاء الدوليين    رئيسة مرصد المجتمع المدني تستقبل ممثلي الجمعيات    متابعة التحضيرات لإحياء اليوم الوطني للذاكرة    اجتماع لجنة تحضير معرض التجارة البينية الإفريقية    الكسكسي غذاء صحي متكامل صديق الرياضيين والرجيم    60 طفلًا من 5 ولايات في احتفالية بقسنطينة    وكالات سياحية وصفحات فايسبوكية تطلق عروضا ترويجية    انطلاق فعاليات الطبعة الخامسة لحملة التنظيف الكبرى لأحياء وبلديات الجزائر العاصمة    الجزائر وبراغ تعزّزان التعاون السينمائي    ختام سيمفوني على أوتار النمسا وإيطاليا    لابدّ من قراءة الآخر لمجابهة الثقافة الغربية وهيمنتها    إبراهيم مازة يستعد للانضمام إلى بايرن ليفركوزن    المجلس الشعبي الوطني : تدشين معرض تكريما لصديق الجزائر اليوغسلافي زدرافكو بيكار    قانون جديد للتكوين المهني    رئيس الجمهورية يدشن ويعاين مشاريع استراتيجية ببشار : "ممنوع علينا رهن السيادة الوطنية.. "    توقيع عقدين مع شركة سعودية لتصدير منتجات فلاحية وغذائية جزائرية    الأغواط : الدعوة إلى إنشاء فرق بحث متخصصة في تحقيق ونشر المخطوطات الصوفية    سيدي بلعباس : توعية مرضى السكري بأهمية إتباع نمط حياة صحي    انتفاضة ريغة: صفحة منسية من سجل المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي    رئيسة المرصد الوطني للمجتمع المدني تستقبل ممثلي عدد من الجمعيات    عبد الحميد بورايو, مسيرة في خدمة التراث الأمازيغي    تصفيات كأس العالم للإناث لأقل من 17 سنة: فتيات الخضر من اجل التدارك ورد الاعتبار    وزير الثقافة يُعزّي أسرة بادي لالة    الصناعة العسكرية.. آفاق واعدة    250 شركة أوروبية مهتمة بالاستثمار في الجزائر    بلمهدي يحثّ على التجنّد    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش    البطولة السعودية : محرز يتوج بجائزة أفضل هدف في الأسبوع    رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدم الذي يستسقي الدم
نشر في الفجر يوم 22 - 11 - 2013

منذ القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، وفي بحوث “إعجاز القرآن” يتناقش علماء البلاغة في تفرد البلاغة القرآنية حتى عندما تكون هناك أمثال عربية وأشعار قديمة تتفق في المعنى مع ما جاء في القرآن. ومن أمثال العرب أو أوابدهم ذات المضامين الحكمية قولهم: “الدم يستسقي الدم”، وهم يقصدون أن القتل يستدعي المزيد من القتل ثأرا، والثارات لا تنتهي، وهم يستشهدون على ذلك بأيام العرب وحروب البسوس، وداحس والغبراء، وشعب جبلة، والتي بدأت بمقتل واحد أو اثنين، ثم امتدت لسنوات، وأدت إلى مئات القتلى، وإلى هجرات وتغيرات قبلية كبيرة. وكان مراد “حكماء العرب” من وراء صوغ هذا المثل أخذ العبرة والدرس بحيث لا تكون هناك مقاتل وثارات تستدعي على الدوام الدماء والخراب. وجاء علماء البلاغة القرآنية ليقولوا بل إن قوله تعالى: “ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون” (سورة البقرة: 179) هو الأبلغ بما لا يقاس، ليس من الناحية الأسلوبية فقط؛ بل ومن ناحية انتصار الحياة على الموت، والعقل على الجهل، والإيمان والإرادة البناءة على حصائد الحقد والجريمة وغوائلهما.
لقد كان هذا التقديم، تعليقا عاما على ما يحدث في المنطقة العربية، وعلى وجه الخصوص هو تعليق على التفجيرين اللذين حدثا عند السفارة الإيرانية في بيروت. فوسط مصائب الناس والضحايا التي لا تنتهي، زعم شيخ في تنظيم وهمي مسؤوليته عن التفجير وافتخر به، وسارع نواب حزب الله ومسؤولوه إلى اتهام إسرائيل. وقال السفير الإيراني لدى لبنان، إن “الجريمة كانت ردا على انتصارات المقاومة في العالم، وإنه كان يتمنى أن يكون بين الشهداء”! وهكذا ففي حين كان الشيخ الزريقات زعيم التنظيم الوهمي سخيفا وأداة مثل “أبو عدس” في تفجير موكب الرئيس رفيق الحريري، كانت ردة فعل الإيرانيين وأنصارهم مفجعة وينطبق عليها المثل الجاهلي “الدم يستسقي الدم”، وليس الآية القرآنية التي تعتبر تحمل المسؤولية عن الأفعال وردود الأفعال حياة ونجاة لبني البشر وإنسانيتهم. أين هي “انتصارات المقاومة في العالم اليوم”؟! هل هي في قرى القصير والسفيرة وقارة والمعضمية.. إلخ، أم هي في العراق والخراب الحالي فيه من جانب أنصار إيران وخصومها؟ أم هي في قتلى التفجيرات في لبنان في شتى المناطق، وفي القتل اليومي الذي يمارسه جيش النظام السوري على الحدود؟ إنه قتل موصوف يمارس ضد العرب منذ سنوات في أنحاء شتى من المشرق والجزيرة. وهو قتل محترف المقصود به من جانب إيران شرذمة الدول والمجتمعات، من أجل الغلبة أو من أجل التقسيم والانقسام. ثم إنهم بعد هذا كله، يعرضون هم والنظام السوري على الأميركان والبريطانيين والروس والصينيين التشارك في مكافحة الإرهاب! وما الإرهاب اليوم؟ هو في الأساس إرهاب الدولة الإيرانية التي نشرت تنظيماتها المسلحة في المشرق العربي والجزيرة. وقد أثار ذلك ردود فعل انتقامية لدى المتشددين باسم السنة، فردوا على القتل الإيراني المتفاقم بعشوائيات مماثلة، ونقطة تركزها الآن على دور حزب الله والتنظيمات الإيرانية الأخرى في سوريا. فإذا كانت الموجة القاعدية الأولى، موجعة ضد الهيمنة الأميركية وفسطاطها (بحسب تعبير أسامة بن لادن)؛ فإن النار المستعرة في موجة التشدد الثانية هي ضد التنظيمات الإيرانية المنتشرة للقتل باسم الشيعة في سوريا والعراق ولبنان والبحرين واليمن! ولذا فإن المتشددين باسم السنة، هم مثل متشددي إيران في أمرين: أنهم قتلة محترفون، وأنهم انقسام داخل الإسلام السني والشيعي. لكن مقاتلي حزب الله وأشباههم من العراق واليمن وباكستان وأفغانستان وإيران، يتقدمون في المسؤولية على خصومهم “القاعديين” بثلاثة أمور: أنهم أشعلوا حربا شيعية/ سنية عجز عنها المتشددون السنة من قبل، وأنهم مدعومون بل ومقودون من جانب الدولة الإيرانية فإرهابهم إرهاب دولة. والأمر الثالث أن قيادات خصومهم المتشددين السنة مخترقة من جانب إيران ومن جانب النظام السوري ومن جانب الولايات المتحدة ومن جانب الروس، ولذا فإن هؤلاء في كثير من الأحيان إنما يمارسون قتل أنفسهم وأمتهم من حيث يدرون أو لا يدرون، فيساعدون بذلك إيران والنظام السوري وأميركا وروسيا، ويعطون معنى السخرية السوداء لتصريح السفير الإيراني في بيروت، وتصريح الزريقات (المخترق أو المصطنع لا فرق) أن تفجير السفارة كان رد فعل على انتصارات المقاومة في العالم (لاحظوا في العالم، وليس في سوريا ولبنان والعراق واليمن حسب)!
لا جدوى من هجمات “القاعدة” إن كانت لأنها دم يستسقي الدم، وهي قتل للنفس ومضي في تأجيج النار. بيد أن التصرفات الإيرانية تستعصي على العقل والنقل كما يقال، إذ المفروض أنها دولة إسلامية كبرى ومسؤولة تجاه شعبها وتجاه جوارها وتجاه المسلمين وتجاه المجتمع الدولي. إنما الذي يبدو أنها غير مهتمة إلا بإرضاء الولايات المتحدة من أجل فك الحصار، والتحول - من طريق القتل - إلى قوة إقليمية. وقد كرر المسؤولون الإيرانيون في الشهور الأخيرة (ومنهم الولي الفقيه في رسالة للبابا) أنهم مستعدون للتعاون في مواجهة الإرهاب. وبذلك يشبهون بل يتطابقون مع حليفهم العظيم بشار الأسد الذي برع في القيام بمهمات القتل والتوظيف في القتل بحيث ما استطاع الإسرائيليون حتى الآن حسم أمرهم لجهة التنازل أو الاستغناء عنه. وأنا معجب بالكشف البديع للأستاذ مهاجراني في مقالة بجريدة “الشرق الأوسط” قال فيها “إن نتنياهو أثبت أنه الذخيرة الأنفس لإيران في المنطقة والعالم”!
فلنعد إلى أصول المسائل رغم أن التشخيص السليم مهمة بالغة الأهمية. كيف الخروج من هذا الهول الهائل الذي تمارسه إيران وتنظيماتها المسلحة في المشرق العربي وما وراءه؟ لقد تحرك الخليجيون وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية في السنتين الأخيرتين فصانوا البحرين ومصر، ونجحوا في اليمن وصونه نصف نجاح. بيد أن تلك المساعي الشاقة والمضنية تظل مهددة إن لم يكن هناك تغيير في سوريا ينهي العنف، وينقذ لبنان والأردن، ويضغط إيجابا على الحكم العراقي، ويدفع إيران لإعادة النظر في سياساتها تجاه العالم العربي. هناك مساع دبلوماسية كبرى بعضها علني وبعضها سري بشأن الأزمة السورية. لكن الثوار السوريين يتراجعون على الأرض منذ شهور، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى استعادة التوازن أو بلوغه. وهذا يجعل من مؤتمر “جنيف 2” إن حصل محطة على الطريق في مسار طويل ومدمر للشعب السوري، وللشعوب العربية الأخرى، لا أكثر. ولذا يكون علينا في مواجهة هذا الخطر الكبير أن نفعل أي شيء وكل شيء أو تظل “المقاومة” - وإلى جانب الأميركيين هذه المرة وليس في مواجهتهم حتى خطابيا - منتصرة في العالم، بحسب استنتاج السفير الإيراني في بيروت!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.