الجزائر ترفض دعوى مالي أمام محكمة العدل    عطاف يوقع بنيويورك على الاتفاق المتعلق باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار    انتخاب الجزائر عضوا بمجلس الاستثمار البريدي    هذه أولى توجيهات بوعمامة..    جلاوي يترأس اجتماعا لمتابعة أشغال المشروع    الجزائر تنظم حدثا حول التجارب النووية الفرنسية بالجنوب    الكيان الإرهابي يهدّد باستخدام قوة غير مسبوقة في غزّة    طموح جزائري لاستعادة المجد القارّي    رسمياً.. نجل زيدان مؤهّل لتمثيل الجزائر    شرطة غرداية تسطّر جملة من الإجراءات    توحيد برامج التكفّل بالمصابين بالتوحّد    وزارة التضامن تطلق برنامج الأسرة المنتجة    فيلم نية يتألق    شؤون دينية: بلمهدي يزور لجنة مراجعة وتدقيق نسخ المصحف الشريف    تضامن وطني : توحيد نمط التكفل على مستوى مؤسسات استقبال الطفولة الصغيرة    الجزائر تنضم رسميا إلى الجمعية البرلمانية الدولية لرابطة دول جنوب شرق آسيا "آيبا" كعضو ملاحظ    غوتيريش يؤكد على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وإنهاء "المذبحة" في غزة    البرلمان العربي يرحب بتقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن الإبادة الجماعية في غزة    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار البرتغال الاعتراف بدولة فلسطين    المعرض العالمي بأوساكا : تواصل فعاليات الأبواب المفتوحة حول الاستراتيجية الوطنية لتطوير الطاقات المتجددة والهيدروجين    بتكليف من رئيس الجمهورية, عطاف يحل بنيويورك للمشاركة في أشغال الشق رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة    بوغالي يترأس اجتماعاً    إنجاح الدخول المدرسي والجامعي والتكفّل بالمواطنين    "لن نستسلم.. والجزائر لن تتخلى أبدا عن الفلسطينيين"    التحضير لاجتماع اللجنة الاقتصادية الجزئرية - المجرية    الجزائر حاضرة بستة مصارعين في موعد ليما    سجاتي على بعد خطوة من الذهب    لقاء مع صنّاع المحتوى والمهتمين بالفضاء الرقمي    التجند لإنجاح المهرجان الدولي للسياحة الصحراوية بتيممون    مدارس تطلب شهادة الميلاد رغم إلغائها    مسودة قرار يطالب ترامب بالاعتراف بدولة فلسطين    تسريع وتيرة إنجاز مشاريع الموارد المائية    برنامج خاص بالصحة المدرسية    القبض على سارقي محتويات مسكن    شكوى ضد النظام المغربي لتواطئه في إبادة الشعب الفلسطيني    وزارة العدل تنظم ورشة تكوينية حول العملات المشفرة    المطالبة باسترجاع وشراء المخطوطات الجزائرية الموجودة بالخارج    التعامل مع التراث كعنصر استراتيجي للتنمية    ألعاب القوى/ بطولة العالم (الوثب الثلاثي): ياسر تريكي يحرز المركز الرابع في النهائي    عماد هلالي: مخرج أفلام قصيرة يحرص على تقديم محتوى توعوي هادف    وزير الداخلية يشدد على تسريع إنجاز مشاريع المياه بولاية البليدة    إطلاق خدمة "تصديق" لتسهيل إجراءات اعتماد الوثائق الموجهة للاستعمال بالخارج    الجزائر تحتضن أولى جلسات التراث الثقافي في الوطن العربي بمشاركة الألكسو    ألعاب القوى مونديال- 2025: الجزائري جمال سجاتي يتأهل إلى نهائي سباق ال800 متر    "مغامرات إفتراضية", مسرحية جديدة لتحسيس الأطفال حول مخاطر العالم الافتراضي    كرة القدم/ترتيب الفيفا: المنتخب الجزائري في المركز ال38 عالميا    إقرار جملة من الإجراءات لضمان "خدمة نموذجية" للمريض    مهرجان عنابة يكرّم لخضر حمينة ويخاطب المستقبل    التناقض يضرب مشوار حسام عوار مع اتحاد جدة    تحية إلى صانعي الرجال وقائدي الأجيال..    يعكس التزام الدولة بضمان الأمن الدوائي الوطني    تمكين المواطنين من نتائج ملموسة في المجال الصحي    صناعة صيدلانية : تنصيب أعضاء جهاز الرصد واليقظة لوفرة المواد الصيدلانية    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    تحوّل استراتيجي في مسار الأمن الصحّي    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد عقل في بغداد
نشر في الفجر يوم 14 - 12 - 2014

في سن المراهقة، كانت تصيب لوثة الشعر أغلب العراقيات والعراقيين، فمنهم من يرعوي بعد البلوغ، بينما تمضي قلّة في ذلك الغي الجميل ويصبحون شعراء حقيقيين. ومثل غيري، كتبت في سن مبكرة خواطر ساذجة سميتها قصائد، وشجعني الوالد فأهداني أسطوانة من الحجم الكبير (45 دورة)، كانت قد صدرت في بيروت وتحمل تسجيلا لمجموعة من أشعار سعيد عقل مع إخراج موسيقي، هذا شاعر لا يكتب مثل الشعراء الذين أعرف أو الذين نطالعهم في منهج الدراسة، كأنه يخرج ليصطاد في بستان اللغة، ينحت الاشتقاقات الغريبة والتراكيب المدهشة ويلاعب صقور الذرى أو عصافير الحب.
في الصيف التالي، كنا في برمانا بلبنان، قبل حربه وحروبنا، ورأيت في فندق ”كلاريج” كهلا ذا هامة عالية وخصلات شَعر كأن بينها والمشط خصومة، إنه سعيد عقل يخرج من الأسطوانة السوداء ويتجسد أمامي. وها هو يجالس في الشرفة مع سيدة جميلة من نزيلات الفندق هي فينوس خوري، الشاعرة والكاتبة المعروفة باللغة الفرنسية، اليوم. وقد تطفلت عليهما باعتباري ”شاعرة من العراق”، رغم أن سني لم يكن يتجاوز ال14، واستمعت إليه يلقي أبياتا غزلية بين يديها بينما تضحك هي مزهوة ومتغاوية. إن ضحكاتها تصيبه بالحنق فيغضب ويقول إن أشعاره تبكي النساء. لقد قرأ على فيروز بيتين كتبهما لها فسالت دموعها على خديها: ”قال اللي عم يشقى: كل شي للموت/ لا تصدقي، بيبقى مين يركع وهل الصوت”.
فيروز هي الصوت الذي حمل إلى العرب أشعار سعيد عقل بالعامية اللبنانية، وقصائده الفصيحة التي قالها في الشام ومكة وعمّان والقدس. فهل تكون أُغنيتها الفذة عن بغداد من تأليفه أم من كلمات الأخوين رحباني، كما تشير أغلب المصادر؟
لقد استمعت إليها تغنيها في حفلة لها بقاعة ”الخلد” في بغداد عام 1976، والحضور في حالة وجد وانخطاف: ”بغداد والشعراء والصورُ/ ذَهَبُ الزمان وضوعُهُ العَطرُ/ يا ألف ليلةَ يا مُكَمّلة الأعراس/ يغسل وجهك القمرُ”، حتى إذا وصلتْ إلى المقطع الذي تقول فيه: ”جئتُ من لبنان من وطن/ إن عاكستْه الريحُ تنكسرُ”، ارتفع من القاعة صوت يعترض: ”بل ينكسر”.
وكان التعليق الفظ، وحرائق لبنان في أولها، صادرا عن الشاعر السوري خليل خوري، إنه صاحب قصيدة ”من قاسيون أُطلّ يا وطني/ أرى دمشق تعانق السُحبا”، وقد أدتها المغنية دلال شمالي، أثناء إقامتها في العراق، فصار عجز البيت: ”أرى بغداد تعانق السحبا”.
كتب الزميل أمير الحلو أنه بحكم عمله في وزارة الإعلام، آنذاك، رافق الرحابنة أثناء حفلاتهم في بغداد، واطلع على كلمات الأُغنية قبل أن تؤديها فيروز على المسرح، فقال، مازحا، لعاصي ومنصور إنها أُغنية محايدة وكأنها تخاطب كوبنهاغن وليست عاصمة عربية. وقد اقترح إضافة عبارات الفخر والمجد والتاريخ التليد على عاصمة الحضارة الإسلامية، وكان منصور هو الذي يناقشه في الموضوع وهو الذي يجري تعديلات على النص، مما يؤكد أنه صاحب القصيدة. وماذا عن الأبيات ذات التقديم والتأخير والبناء الممهور بختم سعيد عقل؟ من كتب: ”بغداد هل مجدٌ ورائعةٌ/ ما كان منكِ إليهما سفرُ/ أيام أنتِ الفتح ملعبه/ أنّى يحطّ جناحَه المطرُ”؟
منصور رحباني أم عقل؟ من الصعب القطع بجواب، ففي القصيدة رسائل سياسية تأتي من خارج ملاعب الشاعر الذي عاش، مترفعا، قرنا وسنتين، وهي تبدو موجهة للحاكمين في بغداد: ”يا من يُواجدني ويُنكرني حذرًا/ وإنّ طريقنا الحذرُ/ بيني وبينكَ ليس من عتبٍ/ حُيّيتَ تُنكرني وتعتذرُ”.
زار سعيد عقل بغداد أواسط التسعينات، وزحف كل شعراء المدينة للاستماع إليه، لكنهم وجدوا أستاذا جاء يلقي عليهم درسا في البلاغة، مستعيدا قصيدة الشاعر الجاهلي ثابت بن جابر: ”أتوا ناري فقلت منون أنتم”، وتروي الشاعرة ريم قيس كبة أن صوته كان يهدر عميقا في الحديقة الواسعة لاتحاد الأدباء وهو يشرح لماذا قال الشاعر ”منون”، ولم يقل من أنتم؟ هذا قليل من جنون عظمة الشاعر الراحل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.