التسممات الغذائية: وزارة الصحة تدعو إلى الالتزام الصارم بالإجراءات الوقائية    الحفاظ على الذاكرة الوطنية وصونها، مسؤولية كل الجزائريين    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني    أكثر من 200 صحفي دولي يطالبون بالدخول إلى القطاع    البرلمان العربي: اقتحام مسؤولين صهاينة للأقصى المبارك    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم الاحتفال باليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي    النعامة : ضبط 68 كغ من الكيف المعالج    شبكات إجرامية تستهدف الأطفال عبر الأنترنت    عمار طاطاي مربي الأفاعي والتماسيح يُبهر زوار "نوميديا لاند"    استعراض سبل تعزيز التعاون الثنائي بما يخدم اللغة العربية    الألعاب الإفريقية المدرسية /الجزائر2025/: الدورة عرفت "بروزا ملحوظا" للمشاركين الجزائريين    برج باجي مختار: تنصيب رئيس أمن الولاية الجديد    كانكس 2025: اختيار ستة أفلام جزائرية قصيرة للمشاركة في مسابقة قارية    ما نفعله في غزّة جريمة    يجب الموافقة على عرض القسّام    تسريح استثنائي للسلع    بلايلي يهدي الترجي الكأس الممتازة    اتفاقية لإدماج الأحياء الجامعية رقمياً    الرئيس يريد إصلاحاً شاملاً للعدالة    هذه أهم محطّات الموسم الدراسي الجديد    اليابان مهتمّ بالتعاون مع الجزائر    الوالي المنتدب يستعجل إنجاز المشاريع    المغرب يواصل انتهاكاته بالصحراء الغربية    أسبوع ثقافي لأولاد جلال بالعاصمة    الألعاب الإفريقية المدرسية: تتويج المنتخب الوطني لألعاب القوى ب35 ميدالية منها 12 ذهبية    عاشت الجزائر وعاش جيشها المغوار    مشاركون في الجامعة الصيفية للأطر الصحراوية: الكفاح المسلح.. الحقيقة التي يفهمها الاستعمار المغربي    تبادل وجهات النّظر حول سبل دعم التعاون الثنائي    الألعاب الإفريقية المدرسية: المنتخب الوطني لكرة القدم يحرز الفضية    دفع عجلة التقدم لتحقيق تنمية مستدامة متبادلة    الطبعة ال14 لمهرجان أغنية الراي بمشاركة 23 فنّانا شابا    "نفطال" تطوّر آليات التدخل لمواجهة الطوارئ بكفاءة أكبر    بنك "BNA" يسجل ناتجا صافيا ب 48 مليار دينار    سلطة الانتخابات.. مسابقة لأحسن بحث في القانون الانتخابي    البرلمان العربي: اقتحام مسؤولين صهاينة للأقصى المبارك انتهاك صارخ للوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس    دوريات مراقبة جويّة لأول مرة    أيام للمالوف بقالمة    وزارة الثقافة تنظم ورشة تكوينية دولية    وَمَنْ أحسن قولاً ممن دعا إلى الله    المنتخب الوطني يعود الى أرض الوطن    الجزائر وسبع دول أخرى تقرر زيادة في إنتاج النفط    التزام ثابت بتقوية قدراته المالية من أجل خدمة الاقتصاد الوطني    مشاركة مشرفة للجزائر وإشادة بالمستوى الفني والتنظيمي    محليو "الخضر" بنية التتويج القاري    9 قتلى و283 جريح خلال 24 ساعة    شاركنا رغم ظروف الحرب لدعم الجزائر في هذه الألعاب    25 مجمعا مدرسيا و14 مطعما جديدا    آليات جديدة للتبليغ عن الآثار الجانبية لما بعد التلقيح    ورشة إفريقية عبر التحاضر المرئي لتعزيز ملفات ترشيح التراث العالمي    سحب فوري للترخيص ومنع الوكالات من تنظيم العمرة في هذه الحالات    الجلفة تنزل بزخمها ضيفة على عروس الشرق عنابة    دعم التعاون بين الجزائر وزيمبابوي في صناعة الأدوية    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخنساء منهم براء
نشر في الفجر يوم 19 - 04 - 2015

وكأنما أصاب أدمغتنا الخدر، وأخيلتنا الشلل لفظاعة ما سمعناه عن انتهاكات مروّعة بحق النساء في سوريا والعراق. الاغتصابات لم تتوقف، رغم خفوت وهجها الإعلامي، بل هي إلى تصاعد، بحسب كل التقارير الدولية. ليس الجديد هو دفع ”داعش” بكتيبة ”الخنساء” النسائية إلى ساحة الوغى، وتوزيع صورها التي شغلت الرأي العام، بل الإمعان المتنامي والمدوّي في التنكيل بمزيد من النساء، وإخضاعهن لإذلال لم يعد العالم يعرف له مثيلاً.
لعل الجديد فعلاً هو الصمت المتمادي والمريب الذي يلتزمه العرب، أصحاب الشهامة والنخوة، حيال ما يحدث لنسائهم، وكأنما هذه الفضائح المستمرة من بيع للمرأة في أسواق النخاسة واستعبادها جسديًا إلى تزويجها قسريًا، وتداولها بين المقاتلين، هي من مستلزمات الحرب وجزء من ضريبة على الأضعف أن يدفعها صاغرًا وسط تواطؤ الأقوى وربما تورطه. الأمم المتحدة تتحرك، تحت وطأة الأخبار المتعاظمة، وتوفد مبعوثتها للتحقيق في جرائم جنسية ملأت أخبارها الصحف تجري في البلدين. ”هيومن رايتس واتش” لم تستسلم بعد، وتقاريرها المخيفة حول السبي والاغتصاب تتوالى بانتظام وتحذر من أن الضحايا، حتى اللواتي هربن من جلاديهن وتحدثن عن مآسيهن، بقين متروكات لقهرهن ولا من يعنى بهن. الاتحاد الأوروبي يدرس برنامجًا لحماية شبانه وشاباته من إغراءات الانخراط، في جماعات متطرفة صارت تعرف كيف تصطاد طرائدها بمهارة أكبر، بعد أن صارت فتيات صغيرات في الثالثة عشرة، وأخريات جامعيات وميسورات، من بين المغرر بهن للالتحاق بخدمة المقاتلين الأشاوس. جمعيات وهيئات أميركية تدرس الظاهرة، وتوثق الجرائم، من أجل محاكمة المعتدين. أما تونس، البلد الذي جند منه العدد الأكبر من الفتيات، لا يبدو أنه يحرك ساكنًا.
ومن عجائب هذا الزمن العربي الذي لم يعد فيه من مقياس ولا ناموس، أن ”جمعيات حقوق المرأة” التي تنشط بالعشرات، وتقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل سيدة واحدة معنفة أو في سبيل إعطاء المرأة جنسيتها لأولادها، لم ترفع صوتًا أو تبدي احتجاجًا، للتضامن ولو لفظيًا، مع آلاف البريئات في الأسر اللواتي يغتصبن ويوزعن كهدايا على المقاتلين.
يسجل للأزهر أنه من بين المؤسسات القليلة التي التفتت إلى مأساة النساء، بعد أن صدر تقرير من دار الإفتاء المصرية يظهر أن 10 في المائة من الانتحاريين بتن إناثًا، وأن الجريمة وصلت حد غسل الأدمغة والدفع بهن إلى الانتحار، وأنهن سيكن أول المستخدمات في الموجة الإرهابية المقبلة الموجهة إلى أوروبا. يسجل للأزهر قيامه بإنشاء مرصد إلكتروني، لمتابعة ما يبثه ”داعش” للتغرير بالفتيات والرد عليه، وسعيه لعقد مؤتمر عالمي، لمكافحة تجنيد النساء والزواج بقاصرات عبر ”الفيديو كونفرنس” بعد إصدار فتوى بتحريم هذا الصنف من الزيجات.
الأرقام تشهر أنيابها لتفترسنا. أكثر من 7 ملايين امرأة هجّرن من بيوتهن في سوريا وحدها. 38 ألف شخص هم من تمكنوا من إبلاغ الأمم المتحدة عن اعتداءات جنسية تعرضوا لها، فكم يفترض أن يكون العدد الإجمالي، في مثل هذه الأحوال، ما دام البوح بالسر يعاقب عليه المجتمع، وقد تتعرض صاحبته للقتل حتى من أفراد عائلتها؟
كتبت منال عمر، نائبة رئيس ”معهد الشرق الأوسط وأفريقيا للسلام” في الولايات المتحدة، بناء على دراسات وشهادات موثقة، أن الحرب الأهلية الدائرة في سوريا باتت ”حربًا معلنة ضد النساء” اللواتي بحسب ما تظهر المؤشرات، ”سيجدن أنفسهن مستقبلاً، في وضع أسوأ مما هن عليه اليوم، أيًا كانت الجهة التي ستنتصر”. وأن الاغتصاب لم يعد أمرًا عرضًا بل إحدى ”الاستراتيجيات الممنهجة والمنظمة” التي تمارس لترويع الآمنين، من قبل الأطراف المتحاربة المختلفة، لا سيما ”النظام” و”داعش”. هذه الجرائم لم تميز فئة أو ملة، وتعرضت لها درزيات وسنيات وعلويات، حتى إن النساء، بمختلف طوائفهن وفقًا لهذه الدراسات، بتن لا يفرقن بين نظام ومعارضة، لما لحقهن من أذى سواء بالسجن أو التعذيب أو حتى الإهانات على حواجز التفتيش.
توصف الانتهاكات الفظيعة بحق النساء العربيات أو الإيزيديات، على سبيل المثال، بأنها أكثر من ”جرائم حرب” وتصل إلى حد ال”جرائم ضد الإنسانية”.
كتيبة ”الخنساء” النسائية التي يروج لها ”داعش”، ويباهي بصورها في الإعلام، ويفتي بشرعية إرسالها إلى أرض المعارك، ويوظفها لتخويف الناس والتجسس على حرمات العائلات، لا تعني أنه أخرج المرأة من حيز الاستعباد المهين إلى دور القيادة الفعلية. ما يحدث هو رفع مستوى الاستغلال والتوظيف الإجرامي، بعد أن فقد ”داعش” الكثير من مقاتليه وقيادييه، وسقطت ثقته بمحاربيه، الذين فر بعضهم، وخان بعض آخر، تحت وطأة ضربات التحالف.
الخنساء التي دفعت بأولادها الأربعة للشهادة في ”معركة القادسية”، من أجل نصرة قضيتها، لم تكن لها أخوات تشهر بوجههن كل أشكال المعايب، ويمارس بحقهن الاستعباد الجنسي بأبشع صوره. كان لتلك الشاعرة المخضرمة جرأة اتخاذ القرار، وحرية القول وبلاغة المعنى. ظلم للخنساء في قبرها أن تشوه سمعتها العطرة، في مهلكة ليس لها اسم سوى ”العار” ووصف غير ”المذلة”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.