* رابعًا: صبر رسول الله أمَّا السمة الرابعة فهي صبره صلى الله عليه وسلم على إيذاء قريش له، فعن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشدِّ ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه، فخنقه به خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) (غافر: 28). كما رموه بالسحر والجنون وهو منه براء إمعانًا في تسفيه ما جاء به، وهو الحقُّ من رب العالمين، فعن ابن عباس أنَّ ضمادًا قدم مكة، وكان من أزد شنوءة، وكان يرقى من هذه الرِّيح، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إنَّ محمَّدًا مجنونٌ. فقال: لو أنِّي رأيت هذا الرجل لعلَّ الله يشفيه على يديَّ. قال: فلقيه، فقال: يا محمد، إنِّي أرقي من هذه الرِّيح، وإنَّ الله يشفي على يدي مَنْ شاء، فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ). قال: فقال: أعد عليَّ كلماتك هؤلاء. فأعادهنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرَّاتٍ، قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السَّحرة، وقول الشُّعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر. قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام. قال: فبايعه.