يجمع بين السياحة الاستجمامية و الأثرية

شاطئ القالة العتيقة.. سحر البحر الفيروزي يداعب ذاكرة التاريخ
تعاني آثار شاطئ القالة القديمة التي تعود إلى الحقبة الرومانية التسيّب، رغم ما تسجله من إقبال كبير للزوار، سيّما في موسم الاصطياف، باعتبار المنطقة تزخر بمؤهلات طبيعية و تاريخية مغرية، جعلت منها قبلة لمرتادي عروس المرجان القالة بولاية الطارف، خاصة الراغبين في الجمع بين السياحة الاستجمامية و الأثرية.
الطبيعة بجوهرة أقصى الشرق، تعلن على طريقتها، من خلال رمالها الذهبية المبثوثة بين الغطاء النباتي الأخضر المترامي الأطراف، عن وجود شواطئ قريبة، كما هو الحال بالنسبة لشاطئ القالة العتيقة، الذي يعد الوجهة المفضلة لمئات المصطافين الذين يأتونه يوميا من كل صوب، لميزاته الكثيرة أهمها المناظر الطبيعية الخلابة، التي حوّلته إلى تحفة طبيعية زادتها المعالم الأثرية سحرا، فضلا عن صفاء مياه بحره و تباين لونها بين الأزرق و الفيروزي المغري، ناهيك عن احتمائها بين أحضان الجبال من التيارات الهوائية القوية، مما يمنح عشاق السباحة الآمان و الثقة، و يجعل منه الشاطئ الأكثر اكتظاظا عندما يكون البحر هائجا بباقي شواطئ المدينة، بشريطها الساحلي المهم الممتد على طول 90 كيلومترا.
بين خضرة الأعشاب و أشجار الفلين و السنديان الوارفة، و في منطقة منحدرة تبرز صفرة صخور متآكلة بفعل تلاطم الأمواج و ملوحة مياه البحر، تتوسطها بقايا معالم أثرية متنوّعة، يقصدها المصطافون عادة عند غروب الشمس، و قبل مغادرة الشاطئ الذي يحتفظ كل شبر فيه بذاكرة مدينة أثارت على مر العصور مطمع الغزاة، حيث تتراءى للزائر من أعلى التل لوحة طبيعية أو بطاقة بريدية مفعمة بالألوان، يتنافس فيها لون البحر و السماء مع لون الرمال الذهبية و خضرة الطبيعة، و تبدأ الصور الجميلة في التلاشي، مع التوّغل أكثر باتجاه الشاطئ المطوّق بجبل عال، بسبب منظر الأوساخ المرمية هنا و هناك، رغم تأكيد أبناء المنطقة تحسن الظروف و تراجع الأوساخ، مقارنة بالسنوات الماضية، بفضل بعض المبادرات التي يقوم بها من حين إلى آخر صاحب محل للأكل السريع وعمليات التنظيف المنتظمة للمؤسسة المكلّفة بذلك.
حصن نابليون يتآكل أمام أعين زواره
ليس من السهل الحصول على معلومات تاريخية دقيقة عن أصل الآثار المنتشرة هنا و هناك بعين المكان، لغياب دليل سياحي به، غير أن اهتمام و اطلاع بعض أبناء المنطقة على تاريخ مدينتهم، ينقذ الموقف عموما و يشبع فضول الزوار الراغبين في معرفة سر هذه المعالم التي لم يبق منها سوى القليل و يواصل الزوار تخريبها، سيّما بعد أن حوّلها المصطافون خاصة الذكور، إلى فضاء لتغيير ملابسهم قبل شد الرحال إلى منازلهم.
عن الآثار دائما أخبرنا صاحب أقدم مطعم و الوحيد هناك، عن نصب يقع خلف مطعمه نقشت عليه معلومات تلخّص تاريخ المكان المثير للاهتمام، و إن وجدنا صعوبة في قراءتها، لعدم وضوح أحرف كلماتها، تمكننا من جمع بعض المعلومات من عدد من المواطنين الذين تشابهت أجوبتهم تارة، و تقاربت تارة أخرى حول مجسد الحصن»باستيون» المربع الشكل، حيث تكرّر اسم نابليون و سانسون مرارا، و هو ما وجدناه في مقالات مختلفة اطلعنا عليها عبر مواقع الانترنت، أين وردت معلومة إعادة بناء الباستيون من قبل نابوليون . و من الآثار البارزة بالمكان أيضا بقايا كنيسة، يقال أنها تعود إلى القرن السادس عشر.
و بعيدا عن الآثار و بين دفء و نعومة رمال شاطئ القالة القديم، الذي زاد عدد زواره ذلك اليوم، بسبب الرياح التي شهدتها المنطقة، و تسببت في هيجان البحر بكل الشواطئ، و هو ما حرم المصطافين من السباحة، و اضطر الكثيرون إلى تغيير برامجهم، فيما اختار المعتادون على المنطقة، اللجوء إلى القالة القديمة، لتأكدهم من عدم خطورة و ارتفاع الأمواج بها، بفضل الجبل المحيط بها و الذي يخفف من قوة التيارات الهوائية.
الشاطئ الذي يبعد عن وسط المدينة بحوالي10كيلومترات و بحيرة الملاح المعروفة بنحو 2 كيلومتر، يقع في منطقة طبيعية عذراء و يمكن ولوجه عبر الطريق الوطني رقم 84، و يتمتع بسمعة سياحية خاصة، و يفضله المصطافون حسب بعض من تحدثنا إليهم، بسبب توّفره على صخور تحميهم من أشعة الشمس القوية، و تبدو الصخور منقوشة بفعل تلاطم الأمواج و التيارات البحرية، كما اعتبر البعض الآخر، بأن سحر الطبيعة و تنوّع المناطق السياحية بالمدينة ، حفزاهم على اختيارها دون سواها لقضاء عطلة الصيف، حيث علّق أحدهم بقوله» القالة منطقة سياحية بامتياز، و زائرها يستمتع بالتجوال بين غاباتها و حظائرها أكثر مما يقضي وقته في البحر».
و قالت سيدة كانت تستعد لمغادرة المكان بعد يوم راحة جميل، على حد وصفها، بأنها و أفراد عائلتها اكتشفوا سحر القالة منذ سنتين، عندما سلكوها كمنطقة عبور إلى تونس، فقرّروا قضاء عطلة الصيف هذه السنة بها، خاصة بعد حصولهم على فرصة جيّدة لإيجار شقة بسعر معقول، على حد تقديرها،لم يتجاوز 4000 دج لليلة الواحدة.
نقص المرافق العائق الوحيد
وأجمع أغلب من سألناهم حول رأيهم في شاطئ القالة العتيقة، بأن نقص المرافق الضرورية يبقى النقطة السوداء التي عجزت هذه المدينة الفاتنة بطبيعتها في التخلّص منها، حيث اشتكى البعض من غلاء الأسعار، مما يضطر العديد ممن اختاروا قضاء عطلة هناك، إلى التنقل عشرات الكيلومترات خارج ولاية الطارف للتزوّد بالأكل، و توفير بعض المال، إشارة إلى غلاء الأكل و المشروبات المعروضة بالشواطئ و كذا نقص الخدمات هناك، و هو ما لاحظناه بشاطئ القالة القديمة، أين ركنت شاحنة لبيع الأكل السريع قرب حظيرة السيارات، قبالة مبنى الحماية المدنية و حراس الشواطئ، فضلا عن مطعم بسيط بالجهة العلوية للشاطئ و الذي اشتكى صاحبه من ظاهرة رمي الأوساخ بكل مكان، و انعدام الوعي و الثقافة البيئية لدى الكثيرين، مما تسبب في تدهور محيط هذا الشاطئ التحفة الذي أغرى الأجانب، لتشابه طبيعته و نقاوة مياه بحره المازجة بين اللونين الفيروزي و الأزرق، بشاطئ ميرتس اليوناني الشهير.
و أكد بعض السكان أن عشاق القالة القديمة، بدأوا في الترّدد على شاطئها قبل شهر رمضان، كما يعرف الموقع الأثري تزايدا في عدد الزوار ابتداء من فصل الربيع، غير أن الشاطئ يسجل أرقاما قياسية في موسم الاصطياف من حيث أعداد المصطافين و ذلك بمعدل 3 آلاف مصطاف في اليوم.