أعلن الوزير الأول، وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمان، مراجعة سياسة منح التحفيزات الموجهة للاستثمار قصد اعتماد مقاربة جديدة تقصي "أصحاب الريع" لصالح المستثمرين الحقيقيين. مشيرا إلى انه تم منح أكثر من 10 مليارات دولار خلال عامين كتسهيلات للمستثمرين استفاد منها «أصحاب الريع"، مؤكدا من جانب اخر، توجه الدولة لاسترجاع كل العقار الصناعي من المستثمرين الوهميين وتوزيعه على المستثمرين الحقيقيين. أكد الوزير الأول، وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمان، أمس، بأن السياسة الصناعية التي يرمي رئيس الجمهورية إلى وضعها حيز التطبيق، تستجيب إلى تطلعات كل الفاعلين في الحلقة الاقتصادية بجميع مكوناتها من الأعوان الاقتصاديين بالمفهوم الشامل وقال في كلمته في ختام الندوة الوطني حول الإنعاش الصناعي، إنها تهدف بالأساس إلى إحداث تغيير جذري في الهيكل الاقتصادي، من أجل الرفع من مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الخام إلى مستويات تفوق 10با لمائة على المدى المتوسط وكذا تصحيح الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها اقتصادنا، لاسيما ما تعلق بالهيكل الإنتاجي وحجم الصادرات وبنيتها، وكذا مساهمته في توفير مناصب الشغل. وحرص الوزير الأول، على التذكير بالرسائل الواضحة والصريحة «التي لا تحتمل التأويل» التي تضمنتها كلمة رئيس في افتتاح أشغال الندوة، وتحذيراته من مغبة مواصلة السير وفق النهج السابق من الممارسات البالية والغير أخلاقية التي أفقدت الثقة بين مكونات المجتمع، (بين الإدارة والمواطن، بين المستثمر والإدارة، بينه وبين البنوك وأثرت حتى على القيم المجتمعية) وزرعت اليأس والإحباط. وجدد أيمن بن عبد الرحمان التزام رئيس الجمهورية، ومن خلاله الجهاز التنفيذي، بالمضي قدما في إنجاح مسعى تنويع الاقتصاد وبنائه على أسس سليمة بعيدا عن ريع المحروقات وعدم تركه رهينة تغيرات أسعارها في الأسواق الدولية. وتابع قائلا: «لقد قطعنا على أنفسنا عهدا باسترجاع تلك الثقة على كل المستويات، ونحن ماضون في ذلك، بتوجيهات من السيد رئيس الجمهورية وبإرادة المخلصين من أبناء هذا الوطن من أعوان الدولة على اختلاف رتبهم ومواقعهم، إن على المستوى المركزي أو المحلي. وشدد الوزير الأول، بان حكومته ماضية في هذا المسعى ولن تتوقف أمام «محاولات التثبيط التي مازالت تمارسها أذرع من باعوا ضمائرهم، وأرادوا رهن مستقبل أبناء هذا الوطن، بالاستحواذ على خيراته ولو بتحطيم مؤسسات الدولة وشركاتها المنتجة، وعرقلة المستثمرين الحقيقيين، بشتى الطرق وحتى عن طريق استعمال بيروقراطية الإدارة». وقال أيمن بن عبد الرحمان، بان الحكومة ستواصل العمل وفق خطة مدروسة، من أجل بعث الإنتاج الصناعي، إذ لا يمكن لقطاع الصناعة وحده تحقيق الأهداف المسطرة ما لم يتم ذلك ضمن مقاربة شاملة ومتكاملة تشترك فيها جميع القطاعات التي لها علاقة بالفعل الاستثماري بشكل عام، وتكون في مستوى التحفيزات التي تقدمها الدولة لهذا الغرض. أكثر من 1500 مليار دينار كلفة الإنفاق الضريبي كما انتقد الوزير الأول نظام المزايا المخصص لدعم الاستثمار والذي استهلك أموالا طائلة دون تحقيق الأهداف المرجوة المتمثلة في خلق الثروة ومناصب الشغل، حيث وصلت مستويات الإنفاق الضريبي إلى أكثر من 1500 مليار دينار في سنتي 2018 و 2019 فقط، أي ما يعادل 10 مليار دولار، وخصت المشاريع المسجلة في إطار الوكالة الوطنية لدعم الاستثمار، وأجهزة دعم إنشاء النشاطات، وكذا الإعفاءات والتخفيضات الجمركية. وقال أيمن بن عبد الرحمان، بان هذه الأرقام لا يجب النظر إليها كإحصائيات مجردة بل كمؤشرات لتقييم النجاعة والفعالية، كان حَريٌ بهذه المبالغ الضخمة أن تدعم خزينة الدولة مادامت لم تؤد الغرض المراد من ورائها وهو خلق الثروة وتوفير مناصب الشغل، وبالتالي تحريك عجلة التنمية، وبحسب الوزير الأول فان قيمة الأموال المخصصة لدعم الاستثمار والمزايا الضريبية والجبائية الممنوحة للمستثمرين والتي بلغت قيمتها 10 ملايير دولار ذهبت إلى أصحاب الريع ولم يستفد منها المستثمرون الحقيقيون. وبهذا الخصوص، أعلن الوزير الأول عن إعادة النظر في نظام التحفيزات للاستثمار التي تقدمه الدولة، وتوجيهه إلى مستحقيه. تعطيل المشاريع كبّد الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة كما عاد الوزير الأول للحديث عن ملف المشاريع الاستثمارية المستكملة والتي لم تدخل حيز الاستغلال بعد، بسبب نقص تهيئة المناطق الصناعية ومناطق النشاطات، وأشغال الربط بمختلف الشبكات من الكهرباء والغاز والمياه، وغيرها وكذا التأخر في الرد على الرخص الإدارية من أجل وضع هذه المشاريع حيز الاستغلال. وأعلن عن تنصيب لجنة، كلفت بإعداد أرقام عن عدد المشاريع المعطلة، وأسماء المؤسسات المعنية ونشاطاتها وتقييم الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الوطني والمجتمع، جراء إجراءات بيروقراطية مبطنة بنوايا سيئة، ليس هذا فقط بل لاتخاذ التدابير الضرورية من أجل بداية الاستغلال دون أجل. وقال إن هذا الأمر لا يخص فقط المشاريع المستكملة والمعطلة بل أيضا مرافقة المشاريع التي لا تزال قيد الإنجاز. استرجاع العقار الصناعي من المستثمرين الوهميين وبخصوص ملف العقار الصناعي، أكد الوزير الأول وزير المالية أن الدولة قررت استرجاع كل العقار الصناعي من المستثمرين الوهميين وتوزيعه على المستثمرين الحقيقيين، وبحسب أيمن بن عبد الرحمان، فقد أعطت النتائج الأولية لعملية الإحصاء، أكثر من 628 منطقة نشاط و 65 منطقة صناعية في حالة نشاط، هذا الوعاء العقاري الصناعي الهام موزع على 54 ولاية من ولايات الوطن وبمساحة إجمالية تفوق 27 ألف هكتار. كما أحصت النتائج الأولية ما يقارب 14.700 قطعة أرض تم منحها وهي غير مستغلة لحد الآن، وقد أسديت التعليمات اللازمة من أجل الانتهاء من إيجاد النمط العملياتي لمعالجة هذه الإشكالية قبل نهاية هذه السنة، وكذا استكمال مراجعة الإطار القانوني المتعلق بنظام الامتياز الخاص بالأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجهة لإنجاز المشاريع الاستثمارية. وسوف يتعزز كل هذا بالوكالة الوطنية للعقار الصناعي الجاري إنشاؤها والتي ستشكل حلا جذريا لمسألة العقار الذي سيُسيّر مستقبلا وفق مقاربة اقتصادية بحتة وشفافية تامة، بعيدا عن التدخلات المباشرة لمختلف الإدارات. كما ذكر الوزير الأول بجهود الدولة في مجال دعم الاستثمار من خلال النفقات الموجّهة لتخفيض نسب فائدة القروض الاستثمارية، التي تتحملها الخزينة العمومية، حيث قدرت بمبلغ 711 مليار دينار خلال الفترة 2011-2020؛ وذلكم مبلغ يعكس أهمية حجم الاستثمارات التي كانت بمثابة الوعاء لهذه التخفيضات، والتي تعود بالفائدة على القطاعين العام والخاص على حد سواء. وعن الاستثمار كشف بن عبد الرحمان أن قروض الاستثمار قدرت ب142 ألف ملف على مستوى البنوك في سبتمبر 2021، بقيمة 1774 مليار دينار في 2021، بينما بلغت قروض الاستغلال 2872 مليار دينار أما بخصوص التمويل البديل، فقال الوزير الأول، إنه يشكل أولوية قصوى لإصلاح النظام المالي والبنكي بالشكل الذي يتيح إيجاد بدائل إضافية تسمح بتمويل الاستثمار المنتج، فإن هذا الإصلاح يهدف إلى تطوير السوق المالية من خلال تهيئة الظروف اللازمة لتفعيل دور البورصة ولاستقطاب الادخار وتحسيس مسيري الشركات الاقتصادية بإمكانية تمويل استثماراتهم عن طريق البورصة. وبحسب الوزير الأول، فان الإصلاحات الجديدة التي باشرتها الدولة بتحقيق هذا المسعى، لا سيما تلك المتعلقة بالإطار القانوني للشراكة مع القطاع الخاص (PPP)، كطريقة تمويل بديلة وخاصة بالنسبة للمنشآت العمومية ذات المردودية. مؤكدا التزام الحكومة بدراسة كل التوصيات التي خرجت بها الورشات الأربعة وبتجسيدها على أرض الواقع من خلال مخطط عمل عملي تٌحدد فيه الأهداف بدقة ووضوح وتضبط فيه الآجال وأدوات التنفيذ ودور كل الأطراف الفاعلة وكذا آليات الرقابة والمتابعة. ع سمير