شكّلت ''ظاهرة التكفير''في التاريخ الإنساني أكبر ''عقبة حمار''، التي كثيرا ما تلجأ إليها إدارة مخطّطات تسيير الطرقات العمومية في بلاد العالم، سيما في مناطق العمران البشري الكثيف، فليس ''جاليليو الذي أعدمته الكنيسة''هو الوحيد، ولا الفارابي وابن سينا وابن عربي في محاكم التاريخ، إنّما ظلّت الكلمة السّائدة دوما بين ''السلطة'' و''العقل''، حربا دائرة ، مرّة باسم ''المستحوذين على الدّين''و مرّة باسم ''الأمن السياسي العام''الذي كان الهاجس المؤرق للكنيسة وكذا جميع السلطات الدينية - حتى الوثنية منها - لتجد هذه الحرب السلطوية ديمومتها مع العصور وداخل كل المجتمعات، التي لم تهضم فكرة العقل وجدليات الماضي والحاضر والمستقبل، على خلاف الواقعية الدّينية والدنيوية في الغرب التي انتصرت للموضوعيّة العلمية وخلّصت الكنيسة من المنهاج السياسي، بينما بقيت في ''المجتمعات المسلمة''تتخبّط في ''مستنقع الدّماء وحبر الأقلام''· إنّ الفكر العربي لا يعاني من أزمة الخيال، بل هو حبيس عقلية عربية متداخلة وصعبة التفكيك ومن ثمّة - منطقيا - يصبح إعادة بنائها بما ينسجم والحقيقة الكونية للحضارة أكثر خطورة وصعوبة، فالفكر الذي يرفض استعمال العقل في مفهوم الإيمان، هو (فكر عربي إسلامي) ''(غير مسلم)، كون المباعدة كبيرة بين ''دين الإسلام'' و ''أيديولوجيا الإسلام''، تلك هي النّظرية السرطانية العجيبة التي أحبطت كلّ طاقة إبداع متحرّر من ''السلطة السياسية المستحوذة على الدّين، كأنه بضاعة اقتصادية دائمة وحافظة للحكم''- وهذا الاعتراض لم يحسمه الفكر العربي، حتى وهو يتخبّط في علوم الألفية الميلادية الثالثة، فاغتال كلّ محاولة انطلاق حضاري جدير بالمنافسة - بينما الإشكال ليس في ''العلم بالدّين''وإنّما هو إشكال ''الجهل بالعلم''، لذلك وجدت ''ظاهرة التكفير''البيئات الهجينة التي ترعرعت واستفحلت فيها، وتحوّل الله - في منظور التكفيريين - إلى ''ورقة ضغط''يتم إشهارها في وجه كلّ ''إرادة رأي''أو ''طاقة تعبير'' أو ''محاولة فهم''· وبالعودة إلى خطورة التكفير على البناء الحضاري، بما يحمله من بذور الكراهية والضغينة والصراع والموت، يحتاج ''العقل العربي''إلى مساءلة قراءاته العلمية للمستقبل - هذه المرّة - وليس إلى الماضي، كما تدعو إليه الآن ''ثقافة ما بعد التقليدية العربية''السائدة اليوم في الحياة اليومية للإنسان العربي والإنسان المنتسب إليه أو'' و''المحسوب عليه، وأيّ تأجيل لمسألة العلم سيزيد من تعميق أورام أخرى أكثر خبثا في جسد وروح الثقافة والفلسفة والفكر والأدب، وحينها سيجد العقل العربي هاويته العالية في جدار متاهاته، بحيث يصبح من المتاح وقتها، البحث عن تبريرات فقهيّة لرمي الله بالكفر - وهو الخالق العالم -، وذلك هو المأزق الأخير الذي سيجلب المزيد من ''التبعية للوهم البشري'' و''القابلية للاستعمار الجديد''·