الرئيس إبراهيم غالي يشيد بالتطور المضطرد للتضامن العربي مع القضية الصحراوية    الناخب الوطني فلاديمير بيتكوفيتش يحضر جانبا من تدريبات النادي الرياضي القسنطيني    إحالة 14 ملف متعلق بقضايا فساد للعدالة منذ أكتوبر الماضي    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    كاس الجزائر أكابر (الدور نصف النهائي): مولودية الجزائر - شباب قسنطينة بدون حضور الجمهور    فلسطين: ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة إلى 33 ألفا و 970 شهيدا    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار وتوقيف 10 عناصر دعم للجماعات الإرهابية خلال أسبوع    زيتوني يشدد على ضرورة إستكمال التحول الرقمي للقطاع في الآجال المحددة    فايد يشارك في أشغال الإجتماعات الربيعية بواشنطن    مسار إستحداث الشركة الوطنية للطباعة جاري    إنطلاق فعاليات الملتقى الوطني الأول حول المحاكم التجارية المتخصصة    العدوان الصهيوني: إصابة ثلاثة فلسطينيين جراء قصف الاحتلال لمنازل وسط قطاع غزة    وزير الاتصال و مديرية الاعلام بالرئاسة يعزيان: الصحفي محمد مرزوقي في ذمة الله    رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي يؤكد: تشجيع الإشراف التشاركي في العملية الانتخابية المقبلة    الجهوي الأول لرابطة باتنة: شباب بوجلبانة يعمق الفارق    سدراتة و«الأهراس» بنفس الإيقاع    سطيف: ربط 660 مستثمرة فلاحية بالكهرباء    أرسلت مساعدات إلى ولايات الجنوب المتضررة من الفيضانات: جمعية البركة الجزائرية أدخلت 9 شاحنات محمّلة بالخيّم و التمور إلى غزة    سترة أحد المشتبه بهم أوصلت لباقي أفرادها: الإطاحة بشبكة سرقة الكوابل النحاسية بمعافة في باتنة    من خلال إتمام ما تبقى من مشاريع سكنية: إجراءات استباقية لطي ملف «عدل 2»    أكاديميون وباحثون خلال ملتقى وطني بقسنطينة: الخطاب التعليمي لجمعية العلماء المسلمين كان تجديديا    انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة : تأجيل التصويت على مشروع قرار الجزائر إلى غد الجمعة    مشروع محيط السقي بالإعتماد على المياه المستعملة بتبسة "خطوة عملية لتجسيد الإستراتيجية الوطنية في القطاع"    كرة اليد/كأس إفريقيا للأندية (وهران-2024): الأندية الجزائرية تعول على مشوار مشرف أمام أقوى فرق القارة    الحكومة تدرس مشاريع قوانين وعروضا    مجمع سونلغاز: توقيع اتفاق مع جنرال إلكتريك    68 رحلة جوية داخلية هذا الصيف    عون يؤكد أهمية خلق شبكة للمناولة    تظاهرات عديدة في يوم العلم عبر ربوع الوطن    لم لا تؤلّف الكتب أيها الشيخ؟    توزيع الجوائز على الفائزين    عطّاف يؤكّد ضرورة اعتماد مقاربة جماعية    من يحرر فلسطين غير الشعوب..؟!    تفكيك جماعة إجرامية تزور يقودها رجل سبعيني    دعوة لضرورة استئناف عملية السلام دون تأخير    الصّهاينة يرتكبون 6 مجازر في يوم واحد    منصة رقمية للتوقيع الإلكتروني على الشهادات    هذا موعد عيد الأضحى    أحزاب ليبية تطالب غوتيريس بتطوير أداء البعثة الأممية    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    بطاقة اشتراك موحدة بين القطار والحافلة    البعثة الإعلامية البرلمانية تختتم زيارتها إلى بشار    أول طبعة لملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    ضرورة جاهزية المطارات لإنجاح موسم الحج 2024    نحضر لعقد الجمعية الانتخابية والموسم ينتهي بداية جوان    معارض، محاضرات وورشات في شهر التراث    شيء من الخيال في عالم واقعي خلاب    مكيديش يبرر التعثر أمام بارادو ويتحدث عن الإرهاق    نريد التتويج بكأس الجزائر لدخول التاريخ    حجز 20 طنا من المواد الغذائية واللحوم الفاسدة في رمضان    نسب متقدمة في الربط بالكهرباء    تراجع كميات الخبز الملقى في المزابل بقسنطينة    انطلاق أسبوع الوقاية من السمنة والسكري    انطلاق عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجوه الربيع العربي


محمود جبريل.. صاحب ''وحي'' العهد الليبي الجديد
هو الآن لا يشغل أي منصب سياسي في ليبيا ما بعد القذافي، لكنه كان واحدا من أبرز صانعيها، وهو الأكاديمي والخبير الدولي المعروف في التخطيط وعلم المستقبليات·
عندما انفجرت ثورة 17 فبراير في ليبيا، وجد الدكتور محمود جبريل ابن مدينة بنغازي نفسه في قلبها، وسرعان ما استعين به ليشغل منصبا قياديا في المجلس الانتقالي الليبي الذي لعب دورا حاسما بعد ذلك في سيرورة الأحداث، وبثقافته الكبيرة و''أناقته الفكرية'' استطاع أن يحوّل جلسة استقباله من طرف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في بداية الأحداث رفقة زميله في المجلس علي العيساوي في قصر الإيليزي إلى منعرج للأحداث، لقد اكتشف ساركوزي نموذجا لم يكن يتوقعه لسياسي ليبي بعيدا عن الصورة النمطية التي صنعها معمر القذافي طيلة أكثر من أربعين سنة من الحكم الفردي الغريب، وبسرعة فاجأ ساركوزي العالم باعترافه بالمجلس الوطني الانتقالي ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الليبي، وكان ذلك بداية لسلسة اعترافات دولية قلبت موازين اللعبة نهائيا ضد القذافي، وأصبح للعهد الجديد حكومة بعلم ونشيد وطني وعاصمة مؤقتة هي بنغازي في مواجهة سلطة القذافي التي كانت تنهار شيئا فشيئا، وعندما شرع القذافي في ''تطهير ليبيا زنقة زنقة'' من معارضين تمكن المجلس وحكومته المؤقتة التي قادها محمود جبريل من تحقيق نصر حاسم في مجلس الأمن، وفقد العقيد السيطرة على الجو، وبدأت موازين القوى تختل لصالح جبريل وجماعته، إلى أن تحقق النصر الحاسم مع مقتل العقيد القذافي في شهر أكتوبر الماضي وقد أعلن محمود جبريل عن ذلك·
وجبريل أحد أيقونات الليبيرالية الفكرية، الذي هزم القذافي، لم يتمكن من هزم تيار الإخوان المسلمين الذي سيطر على المشهد الليبي ما بعد القذافي، ولم يتمكن من الاستمرار في الحكم، حيث يضطر إلى تسليم السلطة لحكومة مؤقتة جديدة برئاسة عبد الرحيم الكيب، في انتظار ما يخبئه المستقبل·
محمد البوعزيزي.. ''المواطن'' الذي أحرق الطغاة
أن تختار مجلة ''التايم'' ذائعة الصيت المواطن التونسي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه ولفظ أنفاسه الأخيرة يوم الرابع من جانفي الماضي، فلا يعني هذا إلا أن البوعزيزي غيّر مسار التاريخ فعلا (من حيث لا يدري)، إنه عصر الشعوب، وعصر المواطن البسيط بل المقهور الذي أصبح يصنع التاريخ بعد أن كان صنيعته، ولا يمكن أن تكتمل الصورة إلا إذا أضفنا للمواطن التونسي شرطية اسمها فايدة حمدي صفعته على وجهه، وهي ثنائية المواطن ''الغلبان'' بالتعبير المصري والشرطي الذي يكتم على أنفاسه والتي انقلبت في لحظة تاريخية معينة وثار الضحية على جلاده، ليغير مسار التاريخ· وكان يمكن أن يمر الأمر بسلام، لكن ذلك الشاب لم يجد ما يرد به إلا إضرام النار في جسده، وكان يمكن أن يمر حادث الحرق مرور الكرام لولا أن النفوس كانت مشحونة بحدث تحول الأمر إلى انتفاضة ثم إلى ثورة امتدت إلى بقية الأحياء الأخرى من تونس ''المنسية'' بالغرب والجنوب، ثم امتدت تلك النار إلى مناطق تونس الأخرى ووصلت أخيرا إلى العاصمة، وقبل أن تصل إلى منتهاها كان نظام الجنرال بن علي يحاول إطفاءها بشتى الوسائل والرئيس ''شخصيا'' يتكفل بعلاج الضحية الذي يزوره في المستشفى، لكنه لم يتمكن من الحديث معه فقد كانت الحروق بليغة ولفظ أنفاسه الأخيرة يوم الرابع من شهر جانفي ,2011 وخرجت الأوضاع عن السيطرة الكلية ووصلت النار إلى قصر قرطاج واضطر الجنرال الذي حكم البلاد بالقبضة البوليسية وكتم على أنفاس التوانسة ثلاثة وعشرين سنة للهرب، بعد أن فشل سلاح القناصة في إيقاف زحف الثورة·
لقد تحققت المعجزة وسقط نظام بن علي البوليسي القمعي بداية من يوم 14 جانفي ,2011 وتحول الشاب المضطهد الذي تسبب في إشعال الثورة إلى رمز لها وأيقونتها، ومن سخرية الأقدار أن يتحول اسم ذلك الشاب المضطهد إلى ماركة ثورية مسجلة ويطلق على أكبر شوارع العاصمة التونسية مكان تاريخ السابع من نوفمبر الذي سقط مع صاحبه وأصبح محمد البوعزيزي الشاب البوزيدي المغبون جنبا إلى جنب مع الحبيب بورقيبة مؤسس تونس الحديثة الذي مازال يحتفظ باسم في أكبر شوارع العاصمة التونسية ويلتقي الشارعان عندما ذلك المفترق الشهير·
ولم تتوقف تلك النار التي اشتعلت في جسد الفتى المهمش المغبون عند قصر قرطاج بل امتدت إلى مصر حيث قضت على عرش مبارك في أقل من عشرين يوما، وفي اليمن حيث أدت أخيرا إلى إجبار علي عبد الله صالح على الانسحاب من الحكم بعد أكثر من ثلاثين سنة وقضى على مشروع التوريث، وإلى سوريا حيث يواجه نظام البعث الذي سيطر على أنفاس الناس قرابة الخمسين سنة ثورة شعبية يقمعها بكل الوسائل الأخلاقية واللاأخلاقية، بل وتحول العالم العربي من خلال الظاهرة البوعزيزية إلى نموذج قابلة للتصدير، وقد تحول شعار ''إرحل'' و''الشعب يريد إسقاط النظام'' اللذان بدآ من تونس إلى موضة اجتاحت العالم ووصلت إلى إسرائيل عندما اندلعت مظاهرات فيها تحمل شعارات ''إرحل'' وباللغة العربية إلى جانب العبرية·
وحتى البلدان التي لم تندلع فيها أحداث عنف واحتجاجات مباشرة فقد مستها رياح التغيير مثلما حدث في المغرب مع إقرار الدستور الجديد الذي بموجبه صعد الإسلاميون إلى الحكم·
لكن البوعزيزي الرمز، سرعان ما بدأ يتآكل في بلده في ظل شيوع ثقافة قتل الرموز، والشاب الذي لفظ أنفاسه ولا يعلم ماذا حدث بعده، ورثت عنه عائلته الصغيرة المتمثلة في والدته وأخواته إرثا ثقيلا، فقد طاردتهم الإشاعة طويلا واتهموا باستغلال الإسم الذي ''صنعه أهل سيدي بوزيد لولدهم'' كما قيل من أجل أغراض شخصية ووصل الاتهام إلى حد تلقي أموالا من الحكومة ومن الخارج، وأنهم أصبحوا يقيمون في برج عاجي في العاصمة، لكن العائلة تنفي ذلك جملة وتفيلا وتؤكد أنها تقيم في بيت متواضع مستأجر ولم تتلق إلا المبلغ البسيط الذي صرف لكل شهداء الثورة·
ويعود شبح محمد البوعزيزي من جديد لينتقم ويصحح الصورة، فقد ''اضطر'' حكام تونس الجدد إلى الانتقال إلى مدينته سيدي بوزيد المهمشة للاحتفال بالذكرى الأولى للثورة هناك ويعاد له الاعتبار كرمز أول للثورة ومفجرها، ولا تجد مجلة ''تايم'' إلا شخصيته لأكبر فاعل في الربيع العربي الذي مازال متواصلا·
راشد الغنوشي.. حاكم قرطاج الفعلي
مع أنه لا يشغل الآن أي مركز سياسي في بلده، إلا أنه يوصف بالحاكم الفعلي لتونس ما بعد زين العابدين بن علي· وهذا الشيخ الذي أجبر على البقاء في المنفى الاضطراري أكثر من عشرين سنة، احتفل بعيد ميلاده السبعين، وهو اللاعب رقم واحد في المشهد التونسي الجديد. ولم يكسب راشد الغنوشي تلك المكانة من فراغ، بل يعود نضاله إلى سنين طويلة في مواجهة نظام الحبيب بورقيبة ثم نظام زين العابدين بن علي ككمثل لتيار الإخوان المسلمين في تونس يرأس ''حركة الاتجاه الإسلامي'' التي أربكت نظام بورقيبة واضطر الجنرال بن علي للتحالف معها حتى يضمن مكانه في الحكم، وقد تحوّل اسمها إلى حركة النهضة في ثمانينيات القرن الماضي، ليكتشف الشيخ خداع الجنرال الذي اتخذ الغنوشي وحركته عتبة لدخول قصر قرطاج الرئاسي والاستقرار فيه، لتتعرض حركة النهضة لحملة إبادة حقيقية، اضطر من خلالها الشيخ للبقاء في الجزائر كمرحلة أولى ثم الانتقال إلى العاصمة البريطانية ليدير المعارضة من هناك، لكنها معارضة بدت عبثية بسبب الوضع داخل تونس الذي تمكن فيه بن علي من تصفية أي مظهر للممارسة السياسية الحقيقية وأي تفكير خارج القطيع، وبشكل مفاجئ يحدث ما لم يكن أكبر المتفائلين يحلم به، وينهار عرش الجنرال بن علي بسرعة فائقة ويهرب نحو السعودية ويعود الغنوشي إلى بلده وسط استقبال شعبي كبير. ولأن الشيخ حنّكته المحن والتجارب، فقد استفاد من تجارب التيارات الإسلامية الأخرى التي خابت عندما دخلت الحكم ووعد بأن لا يترشح لكرسي رئاسة الجمهورية، وكان عند وعده، ورغم انتصار حركته في انتخابات المجلس التأسيسي إلا أنه قدّم خطابا مطمئنا بل و''ثوريا'' مقارنة بالمنطلقات الإيديولوجية التي دافع عنها طيلة حياته، ووعد بتأسيس دولة مدنية حقيقية لا إكراه فيها، وتحالف مع حزبين علمانيين، ويرفع واحد من رموز العلمانية إلى رئاسة الجمهورية (المرزوقي) وآخر إلى رئاسة المجلس التأسيسي (مصطفى بن جعفر)، ويدفع صديقه ورفيق دربه في السجن والمنفى حمادي جبالي إلى رئاسة الحكومة، ويمكن بلده من تجاوز المرحلة الانتقالية بنجاح كنموذج فريد من نماذج التغيير.
المنصف المرزوقي.. طبيب الأعصاب ينتقم من شرطي تونس الأول
وُصف وصوله إلى كرسي قصر قرطاج مكان الجنرال المخلوع زين العابدين بن علي ب ''المعجزة''، التي تحققت في زمن لم يكن يؤمن بالمعجزات· فهذا الجنوبي الذي ولد في قرمبالية قرب نابل، كان قبل الثورة مصيره يتراوح بين الموت في المنفى الاضطراري أو المغامرة بالعودة والانتهاء بين زنازين الجنرال، لكن ''البركات البوعزيزية'' حملته إلى الانتقام من جلاده بالجلوس مكانه حتى يشرع في التأسيس ل ''الاستقلال الثاني'' الذي بشر به منذ سنين، وهو السجين ثم المطارد ولم يكن أحد يصدقه· وهذا الدكتور المتخصص في طب الأعصاب، ربما يكون استفاد من تخصصه العلمي، وتغلب على كل أساليب التعذيب النفسي الذي تعرض لها، وهو في تونس بن علي يدافع بشراسة عن حقوق الإنسان، وتؤلب ضده العوام من الناس ويطارد بين الشوارع كما يطارد المجانين في المجتمعات المتخلفة، لكن صبره يكبر مع مرور الأيام ويتحوّل إلى عناد أقرب إلى العقيدة التي لا تتزعزع رغم استقراره في باريس، إلا أن الهم السياسي لم يفارقه يوما ويؤسس له حزبا هناك، وعندما سأله الصحفيون مع اندلاع ثورة البوعزيزي وتأججها عن مستقبل بلده وكيف سيتعامل الجنرال مع الوضع الجديد فيقول والرؤية لم تتضح بعد أنه لن يتكلم إلا عن تونس ما بعد بن علي، وتحققت المعجزة ورحل الجنرال هاربا، ويعود المرزوقي إلى بلده كأحد زعماء البلاد ''معززا مكرما''، وفي الوقت الذي اعتقد فيه الكثير أن الظاهرة المرزوقية ستختفي في زمن صعود التيار الديني، وهو المناضل العلماني الشرس، يتمكن من على رأس حزبه من تحقيق فوزا مهما في انتخابات المجلس التأسيسي بإحرازه المرتبة الثانية تخول له أن يكون مفاوضا من موقع مريح مع التيار الإخواني وحمّلته المفاوضات لأن يكون رئيسا للجمهورية التونسية في السنة نفسها التي هرب فيها جلاده الجنرال زين العابدين بن علي من البلد، ويختفي من حياة التونسيين ككابوس جثم على صدورهم ثلاث وعشرين سنة كاملة، ويشرع المرزوقي في التأسيس للاستقلال الثاني كما بشر به قبل سنين ولم يكن أحد يصدقه·
توكل كرمان·· أتت من سبأ بنبأ
في مساحة التماس بين أشلاء وطن واحد تشظى عقوداً من الزمن ثم ''توحد'' ليمارس فعل التشظي وفق منطق جديد، في هذه المساحة الرخوة ولدت ''توكل عبد السلام كرمان'' عندما كان اليمن ''يمنان غير سعيدان'' يعيشان جنباً إلى جنب، ويطمحان بغدٍ أكثر تماسكاً ووحدة· في تلك الجغرافيا وتحديداً في محافظة ''تعز'' رأت النور في ذات فيفري من عام ,1979 قبل أن تنزح مبكراً رفقة أسرتها نحو عاصمة الوطن الشمالي صنعاء·
ولأنها تنحدر من ظهر قانوني مارس السياسة وتقلد مناصب ديبلوماسية، نمت بالفطرة حاسة ''الحقوق'' لديها بجانب الإهتمامات المتنامية بالشعر والأدب والصحافة·· تخرجت من جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء بليسانس تجارة عام ,1999 حصلت بعدها على الماجستير في العلوم السياسية ونالت دبلوم عام تربية من جامعة صنعاء، ودبلوم صحافة استقصائية من الولايات المتحدة الأمريكية·
وبالرغم من انضمامها ل ''التجمع اليمني للإصلاح'' وهو الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، فإن ذلك لم يجعل منها مناضلة ملتزمة بالقيود التنظيمية الضيقة، وفق المنظور الحزبي، بل أشرع ذلك أمامها النوافذ لممارسة ما هو أعمق من الالتزام الحزبي، حيث نشطت في المجال الحقوقي من خلال ترأسها لمنظمة صحفيات بلا قيود، وبدت كأحد أبرز المدافعات عن حرية الصحافة وحقوق المرأة في يمن الألفينات·
كرّست قلمها الصحافي في نقد وفضح ملفات الفساد المالي والإداري الذي ظل ينخر جسد الوطن اليمني الذي لم تزده الوحدة التي تحققت في عام 1991 إلا تشرذماً وتشظياً داخليا لجهة سيادة قيم المحسوبية والقبلية، كما قضت الحرب الأهلية في عام 1994 على تبقى من آمال ''الوطن السعيد''·
وفي ظل هذه الظروف القاسية سنت ''كرمان'' قلمها لقول الحق ومناهضة كل أشكال الانتهاكات والتجاوزات، بل وفي شجاعة نادرة نشرت في عام 2007 مقالاً موحياً مستبقة، بذلك ربيع الثورات العربية، حينما خاطبت الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، في رسالة مفتوحة كان عنوانها ''إرحل إني لك من الناصحين''، وليته ألق السمع وهو بصير، قبل أن تصبح المفردة الأولى من العنوان / الرسالة، هي شعار الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على زمن ''توكل''·
لكن للتاريخ حكمة ما أجلت موعد الرحيل وضبطت عقاربه مع ساعة الثورات العربية المستجدة، حيث أضحى لحضور الشعوب العربية معناً إضافيا لجهة إزالة كل ''التصورات النمطية'' السائدة عن المرأة اليمنية، وإعادة بعث الماضي الحضاري لبلقيس التي ''أُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ'' عندما كان الوطن التاريخي يخضع لمنطق ''يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ''··
وبين بلقيس الملكة التاريخية لليمن، والملكة ''التعزية'' التي تربعت على عرش ''القلوب الثورية'' أعاد العالم الكرة مرتين قبل أن يستقر على حقيقة أن من ''سبأ'' غالبا ما يرد ''النبأ'' اليقين، ليسجل لأول مرة على قائمة جائزة نوبل اسم امراة عربية، تستحق ''عرش عظيم''·· لم تكن سوى ''توكل كرمان''·
أسماء محفوظ·· بمائة رجل
لم تكن تختلف كثيراً عن أي فتاة مصرية، في سنها، كانت في الثالثة والعشرين ربيعاً عندما تخرجت من جامعة القاهرة كلية إدارة الأعمال، والبلاد ترزح تحت نير الديكتاتورية المباركية، انضمت من خلال شبكة الأنترنت إلى الدعوة التي أطلقها مجموعة من الشباب في أفريل 2008 من أجل إضراب عام احتجاجا على الأوضاع السياسية والإجتماعية المتردية في البلاد، فكان نصيبها ككل منتسبي هذه الحركة المطلبية صنوف من المضايقات التي طالت أفراد عائلتها من قبل الأمن المصري·
كانت بداية المطاردة مع والدها الذي طُلب أكثر من مرة لزيارة مقرات جهاز ''أمن الدولة''، في محاولة لثني ابنته من المضي قدماً في نشاطها، ولم تتوقف المطاردات منذ ذلك التاريخ، حيث طالت شقيقها، ثم ابن خالها الذي أبلغ من قبل أحد منتسبي الحزب الوطني الحاكم، أن قبول طلب الوظيفة التي تقدم بها في وزارة الخارجية متوقف على تنفيذ ''أسماء'' لطلب الأجهزة الأمنية، والمتعلق بإعلان ينشر في الصحف تنفي فيه ''أسماء'' صلتها بحركة 6 أفريل، وإلا فإن عليه أن ينسى أمر تلك الوظيفة ويواجه قدره وحده·
كل تلك المحاولات لم تؤثر في عزيمة الفتاة العشرينية التي دونت حينها على صفحتها في الفيس بوك قائلة ''أنا أسماء محفوظ، أقر بأني أفخر بمصريتي وببلادي وأبذل كل الجهد من أجل تحسين وطني وتطويره ونقله إلى مرتبة الرقي والقوة·· بدلا من الظلام والإستبداد والضعف والوهن الذي نعيشه·· وأني لن أتنازل عن حلمي الذي أحلمه كل يوم لمصر بأن تكون مصر القوة والأمان''·
كان رداً شافياً لجروح الوطن، ومخيباً لعناصر الدولة البوليسية التي اخترعت حيلة أكثر ضلالاً عندما أصدرت إحدى مؤسساتها الاستشفائية شهادة تفيد بأن ''ناشطة 6 ابريل مختلة عقلياً'' دون أن يؤدي ذلك الاختلال الرسمي إلى وقف المضايقات المطالبة جميعها بإيقاف نشاط هذه الفتاة، فكان ردها واضحاً ''اعطوا لكل فرد حقه وأنا أوعدكم باني هبطل نشاطي السياسي'' كتبت ذلك في مدونتها أشهر قبل حلول موعد الربيع العربي·
في الثامن عشر من جانفي، نشرت على صفحتها في الفيسبوك تسجيلا تدعو من خلاله المصريين للمشاركة في مظاهرات الخامس والعشرين من جانفي للمطالبة برحيل نظام مبارك، وقد انتشر التسجيل كالنار في الهشيم وأضحت ''محفوظ'' أحد أشهر الناشطات التي تم استهدافها حتى على المستوى الإعلامي من قبل بعض القنوات الفضائية المحسوبة على النظام، ولم تنته معركة ''أسماء'' بسقوط نظام مبارك، لأن ذلك لم يكن ضماناً كافياً للانتقال الديمقراطي، حيث استمرت معركتها مع المجلس العسكري (الحاكم ) معترضة على انتهاكاته لحقوق الإنسان، ما عرضها للاعتقال بتهمة إهانة مؤسسة الجيش في 14 أوت 2011 قبل أن يتم الإفراج عنها في 18 أوت 2011 بكفالة قيمتها 20 آلاف جنيه، وإعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة تنازله عن الشكوى المقدمة ضدها التي تم بموجبها التحقيق معهما وإحالتهما على القضاء العسكري، وجاء تنازل المجلس في أعقاب لقاء الفريق سامي عنان ونخبة من المثقفين والإعلاميين الذين دعوا إلى عدم إحالة الشباب والنشطاء السياسيين للقضاء العسكري، لاسيما أنهم يعبّرون عن آرائهم تجاه ما يحدث في مصر· وظلت أسماء محفوظ - ولا تزال - سيفا مشهراً ضد كل انتهاك لحقوق الإنسان أو تباطؤ في مسار التحول الديمقراطي·· ما استحقت جائزة البرلمان الأوربي لعام .2011
وائل غنيم·· عندما يُهوى الموديل
لم يكن مهندس الكومبيوتر، خريج الجامعة الأمريكية، الذي يحتل موقعاً مهماً ومغرياً في عملاق الأنترنت (غوغل)، يتوقع أنه سيتحوّل يوماً ما إلى ''بطل شعبي'' أو حتى أن يقوم بأي مهام سياسية، خارج إطار عمله الرسمي في إمارة دبي، حيث يقيم في فيلا ذات حمام سباحة رفقة عائلته الصغيرة، ويتقلد منصب مدير تسويق لمنتجات مؤسسة غوغل في عموم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا·
بدت حياته أكثر من اعتيادية لجهة رفاهة العيش وهوس الأنترنت الذي كان يسكنه، إلى أن جاءت اللحظة التي تسقط الكثير من الفوارق أمامه عندما شاهد عبر الشبكة العنكبوتية صور الشهيد المصري ''خالد سعيد'' الذي لقى حتفه في السادس من جوان ,2010 على أيدي إثنين من مخبري الشرطة بالإسكندرية·
كانت تلك النقطة هي التي أفاضت كأس الغضب في قلب وائل، ودفعته لتأسيس مجموعة على موقع الفيس بوك رفقة زميله الإلكتروني، عبد الرحمن منصور، باسم ''كلنا خالد سعيد'' وهي الصفحة التي استقطبت أعدادا لا حصر لها من الأعضاء الغاضبين على الوضع العام والمتضامنين مع قضية خالد سعيد، التي أضحت قضية رأي عام·
وكانت تلك الصفحة هي أولى خطوات ''غنيم'' لولوج عالم السياسة، (حتى لو كانت تحت اسم مستعار)، ففي ديسمبر 2010 عرض ''عبد الرحمن منصور ''على وائل أن يتم تنظيم حدث يوم عيد الشرطة في الخامس والعشرين من جانفي، على غرار ما قامت به حركة 6 أبريل في عام .2009 وأن يكون هذا اليوم مخصصا لمناهضة التعذيب· إلا أن تطورات الأحداث في تونس وسقوط نظام بن علي قد أثار أعضاء الصفحة وعلى رأسهم المشرفين وائل ومنصور، ليعدلوا عن فكرة مظاهرات ضد التعذيب، ويوجهوا عقارب التفكير نحو ''ثورة ضد النظام'' في الرابع عشر من جانفي، وكانت تلك هي أول دعوة إلى ثورة 25 يناير· وقد انتشرت الدعوة بين أعضاء الصفحة الذين تجاوزوا آنذاك أكثر من 000,350 عضو وتبنتها العديد من الحركات والمجموعات السياسية والحقوقية·
ومع قيام شرارة الثورة في 25 جانفي كان وائل قد طلق ''دبي'' وانضم إلى ميدان التحرير بقلب القاهرة قبل أن يتم خطفه في مساء الخميس 27 جانفي من قبل رجال أمن يرتدون زياً مدنياً، ويتم اعتقاله في مباحث أمن الدولة لإثني عشر يوماً· قبل أن يتم إطلاق سراحه في السابع من شهر فيفري، حيث صرح فوراً بالقول: ''أرجوكم لا تجعلوا مني بطلاً أنا مجرد شخص كان نائماً إثني عشر يوماً والأبطال الحقيقيون هم الموجودون في الشارع''، وبدلاً من ''بطل الثورة الشعبية'' الذي أطلقته عليه الصحافة، اختار أن يلقب نفسه ب ''المناضل الكيبوردي''·
أثارت قصة ''وائل غنيم'' المنتمي لعائلة من الطبقة الوسطى، وخريج الجامعة الأمريكية بالقاهرة، الذي يتولى منصباً رفيعا في إحدى أهم مؤسسات الاتصال الحديث ''غوغل'' قريحة الإعلام الغربي والعربي في حد سواء، حيث بدا أنه ''الموديل'' المناسب، لتسويق الثورة تماما كمنتجات غوغل! في الصحافة الغربية، ليصبح رمزاً لثورة شعبية مدنية طالبت بالحرية وإقامة الحياة الديمقراطية، ونجحت في إسقاط نظام ديكتاتوري عاتي، مما رشحه لنيل عدد من الجوائز أهمها جائزة ''جون كينيدي السنوية في الشجاعة'' التي نالها مناصفة مع إليزابيث رودنبرج، عضو مجلس مدارس نورث كارولينا، التي كافحت ضد تقسيم الدوائر بسبب مخاوف من العزل العنصري في عام .2011
برهان غليون·· في مواجهة اغتيال العقل
عرف كسيسيولوجي ينتقل برشاقة فريدة بين مجاله الأكاديمي الذي قضى فيه عقودا يحاول إشعال كل القناديل المفضية للعقل الواعي في مواجهة العقل المغيب، وبين مسؤولياته الوطنية التي تحتم إحباط كل محاولات ''اغتيال العقل''·
ولد في ذات ربيع من عام 1945 بحمص وتلقى تعليمه الأولي فيها قبل أن ينتقل إلى دمشق دارسا للفلسفة وعلم الاجتماع، ثم في عام 1969 إلى فرنسا لإكمال تعليمه العالي، حيث حصل على دكتوراه دولة في علم الاجتماع السياسي، من جامعة باريس الثامنة سنة 1974 ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة والعلوم الإنسانية، جامعة باريس الأولى ''السوربون'' .1982
عمل غليون أستاذا لمادة علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر، ثم عاد لفرنسا ليعمل لاحقا أستاذا لعلم الاجتماع السياسي ثم أستاذا للحضارة والمجتمع العربي بجامعة السوربون، ورئيسا لمركز دراسات الشرق المعاصر فيها·
ظل خلال الثلاثة عقود الماضية يثري النقاش الفكري والسياسي بشأن مستقبل العالم العربي وسوريا بشكل خاص التي عارض نظامها، وأغنى المكتبة العربية بسلسلة من المؤلفات، منها ما اهتم بالواقع السياسي لبلاده ك ''الاختيار الديمقراطي في سوريا''، أو للأمة العربية ككتاب ''العرب وتحوّلات العالم''، و''المحنة العربية·· الدولة ضد الأمة''، فيما اختصت كتب أخرى بمعالجة قضايا فكرية وسياسية محددة منها ''اغتيال العقل'' و''مجتمع النخبة'' و''الإسلام والسياسة·· الحداثة المغدورة''··· وغيرها من المؤلفات الفكرية·
مع اشتعال شرارة الثورة السورية في مارس الماضي لم يتلكأ ''غليون'' في تأييدها ومطالبة النظام بالاستماع إلى مطالبها، وظل ضيفاً دائما على شاشات القنوات الفضائية، يحاول من خلالها تقديم رؤيته للأحداث ومناصرة شعبه الذي يقاسي الأمرّين من نظام مستبد، ومن جحافل ممن يسمون بالمحللين (المؤيدين) الذين انتشروا في كل الشاشات·
وفي أواسط سبتمبر أعلنت الخارجية الفرنسية أن مكتب الوزير استقبل غليون بوصفه معارضا سوريا للتباحث بشأن الأوضاع في سوريا، وهو ما أثار تكهنات حول جهود قد تبذلها باريس لتقديم المفكر السوري كزعيم سياسي مستقبلي في بلاده في حال سقوط النظام الحالي، أو لقيادة قوى المعارضة خلال المرحلة الحالية·
وفي نهايات شهر أوت، تم انتخاب غليون رئيسا ''للمجلس الوطني السوري'' في اجتماع ضم مجموعة من الشخصيات السورية المعارضة في أنقرة، وهو المجلس الذي نال ثقة الثورة السورية في السابع من أكتوبر في مسيرات وتظاهرات كبرى عرفت ب ''جمعة المجلس الوطني يمثلنا''·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.