عطاف يتلقى اتصالا هاتفيا من وزير خارجية سلطنة عمان    محمد لعقاب يدعو إلى تعزيز الإعلام الثقافي في كافة وسائل الإعلام    سعيدة: تشجيع ومرافقة أصحاب المستثمرات الفلاحية للانخراط ضمن مسعى تربية المائيات    المغرب: المخزن يستمر في الاعتقالات السياسية في خرق سافر لحقوق الانسان    منتدى الدوحة: إشادة واسعة بجهود الجزائر لنصرة القضية الفلسطينية    إبراز جهود الدولة في تسجيل عناصر ثقافية في قائمة الموروث الثقافي غير المادي باليونسكو    عطاف يدعو لتوجيه الجهود المشتركة نحو نصرة القضية الفلسطينية    قوجيل: مواقف الجزائر تجاه فلسطين "ثابتة" ومقارباتها تجاه قضايا الاستعمار "قطعية وشاملة"    وزير الداخلية يستقبل المدير العام للديوان الوطني للحماية التونسية    بورصة الجزائر: النظام الإلكتروني للتداول دخل مرحلة التجارب    كريكو تؤكد أن المرأة العاملة أثبتت جدارتها في قطاع السكك الحديدية    تيسمسيلت: إلتزام بدعم وتشجيع كل مبادرة شبانية ورياضية تهدف "لتعزيز قيم المواطنة والتضامن"    اتصالات الجزائر تضمن استمرارية خدماتها غدا تزامنا واليوم العالمي للعمال    جيدو/الجائزة الكبرى لدوشانبي: الجزائر تشارك بثلاثة مصارعين    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    حوادث المرور: وفاة 38 شخصا وإصابة 1690 آخرين خلال أسبوع    نجم المانيا السابق ماتيوس يؤكد أن بايرن ميونخ هو الأقرب للصعود إلى نهائي دوري الأبطال على حساب الريال    تندوف: شركات أجنبية تعاين موقع إنجاز محطة إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية بقدرة 200 ميغاواط    عقب شبهات بعدم احترام الأخلاق الرياضية :غلق ملف مباراة اتحاد الكرمة - مديوني وهران    تاقجوت يدعو إلى تأسيس جبهة عمالية قوية    نظام إلكتروني جديد لتشفير بيانات طلبات الاستيراد    نحو إنشاء بنك إسلامي عمومي في الجزائر    هل تُنصف المحكمة الرياضية ممثل الكرة الجزائرية؟    طاقة ومناجم: عرقاب يستقبل المستشار الدبلوماسي لرئيسة الوزراء الإيطالية المكلف بخطة ماتي    مشعل الشهيد تحيي ذكرى وفاة المجاهد رابح بطاط    رئيس الجمهورية يُبرز الدور الريادي للجزائر    الجزائر معرضة ل18 نوعا من الأخطار الطبيعية    درك بئر مراد رايس يفكّك شبكة إجرامية دولية    ملتقى وطني عن القضية الفلسطينية    أوسرد تحتضن تظاهرات تضامنية مع الشعب الصحراوي بحضور وفود أجنبية    منح 152 رخصة بحث أثري في الجزائر    المغرب: مركز حقوقي يطالب بوقف سياسية "تكميم الأفواه" و قمع الحريات    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي/منافسة الأفلام القصيرة: أفكار الأفلام "جميلة وجديدة"    المجلس الأعلى للشباب/ يوم دراسي حول "ثقافة المناصرة" : الخروج بعدة توصيات لمحاربة ظاهرة العنف في الملاعب    حلف دول شمال إفريقيا..العمل يهزم الشعارات    منتجات البنوك في الجزائر تتطابق مع مبادئ الشريعة الإسلامية    سياسة الاحتلال الصهيوني الأخطر في تاريخ الحركة الأسيرة    بهدف القيام بحفريات معمقة لاستكشاف التراث الثقافي للجزائر: مولوجي:منحنا 152 رخصة بحث أثري على المستوى الوطني    هذه الأمور تصيب القلب بالقسوة    الاحتلال يفشل في تشويه "الأونروا"    "حماس" ترد على مقترح إسرائيل بوقف إطلاق النار 40 يوما    محرز يقود ثورة للإطاحة بمدربه في الأهلي السعودي    اتفاق على ضرورة تغيير طريقة سرد المقاومة    إبراز أهمية إعادة تنظيم المخازن بالمتاحف الوطنية    بلومي يُشعل الصراع بين أندية الدوري البرتغالي    شباب بلوزداد يستنكر أحداث مباراة مولودية وهران    الشرطة تواصل مكافحة الإجرام    لا أملك سرا للإبداع    مصادرة 100 قنطار من أغذية تسمين الدجاج    إخماد حريق شب في منزل    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    استئناف حجز التذاكر للحجاج عبر مطار بأدرار    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    دورة تدريبية خاصة بالحج في العاصمة    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنوات الشاذلي بن جديد : 12 الطريق إلى أكتوبر 88
نشر في الجزائر نيوز يوم 30 - 10 - 2012


الجزائر إلى أين؟
نفس التساؤل المحير الذي طرحه محمد بوضياف في بداية الستينيات عندما اشتد الصراع بين الإخوة الأعداء على السلطة وهم خارجون لتوهم من حرب تحرير مريرة، عاد ليطرح من جديد في جزائر المنتصف الأخير من الثمانينيات عندما بدا لأكثر من مراقب ذلك الصراع بين العصب على مستوى القمة، صراعا ذا وجوه متعددة ومختلفة استعملت فيه كل الأساليب والأشكال والتعابير، ولم يكن الشارع بعيدا وبمعزل عن هذه الصراعات بل تحول هو نفسه إلى أرضية ومطية لهذا الصراع بدءا من حرب الإشاعات التي كانت تطال عائلة الرئيس بن جديد من زوجته التي كان يقال عنها أنها أصبحت من بين الذين لهم سلطة الحل والربط في إقالة وتعيين الكوادر السامية في الإدارة والجيش وأسلاك الأمن إلى أخ وصهر وابن الرئيس الذين أصبحت تحاك حولهم القصص والحكايات الخرافية، لكن أيضا كانت تطال البارونات الجدد الذين صعدوا إلى الواجهة باعتبارهم الحكام المتنفذون في دواليب الدولة وأصحاب السلطة الفعلية من أمثال العربي بلخير.
وفي ظل هذا المناخ راحت صورة الرئيس تتشكل من خلال الترويج بالنكت التي كانت تتناقلها الألسنة بشكل مثير وغريب وتتلخص ملامحها في صورة رئيس ضعيف ساذج وجاهل وهو في نهاية المطاف مجرد “دمية" تدار من وراء ستار.
وكان الشاذلي بن جديد يشعر بالقلق والاكتئاب عندما كان البعض من الأوفياء له يصارحونه بما يشاع حوله في الشارع لكنه ظل محافظا على برودة أعصابه وصمته منتظرا اللحظة المناسبة لإرباك خصومه والإطاحة في نهاية المطاف بكل الرؤوس التي أطلقت العنان لخيالها وأطماعها لتحل محله، وكان رجل حزب جبهة التحرير القوي محمد الشريف مساعدية أحد هذه الرؤوس التي بدأت تضايق الشاذلي بن جديد وكان يشعر بالأسى والندم، كما يقول للمقربين له، “لأنه هو من أنقذ محمد الشريف مساعدية من عزلته وفتح له أبواب المجد بعد أن كاد أن يصبح نسيا منسيا".
لم يكن الشاذلي بن جديد مهيئا نفسيا لمواجهة الحقيقة المرّة المتمثلة في الوضع السيء للاقتصاد، فلقد كان يضيق ذرعا بكل من كان يريد تذكيره أن الجزائر تتجه بخطوات متسارعة نحو المنزلة السفلى في جهنم، فلقد فقد ذات مرة أعصابه عندما وضع على مكتبه تقرير أعدته مجموعة من الإطارات في وزارة التخطيط، يفيد من وجهة نظر مستقبلية “أن تزايد عدد السكان سيصل إلى 34,5 مليون نسمة عام 1999 أي بمعدل خطير 3,2 ٪ سنويا وللحفاظ على الاستقرار يجب البدء من العام 1986 بخلق 4 ملايين وظيفة في ظرف 14 سنة وبناء 5,33 مليون سكن قبل عام 2000 علما بأن معدل استهلاك العائلات وصل حتى سنة 1986 إلى 143,6 مليار دينار، وسيصل إلى 256,3 سنة 1996". 1
وكان القرار الذي اتخذه عندما أطلع على هذا التقرير “الغلق الفوري لوزارة التخطيط وتغيير أغلب الوزارات!".2
كان تعاطي الشاذلي بن جديد مع الملفات الحساسة شبيها بتعاطي أنور السادات الذي كان يكره الجلوس لساعات طويلة أمام مكتبه ويردد “هؤلاء يريدون قتلي بتقاريرهم مثلما قتلوا جمال.." فالشاذلي الذي تعود على الحياة الطليقة والرغدة على شواطئ وهران، لم يكن لديه هذا الاستعداد ليفني عمره وسط الملفات والأوراق المتراكمة المليئة بالأرقام والسيناريوهات المتعبة والمثيرة لأوجاع الرأس، كان يميل إلى الاستماع إلى رأي من هنا ورأي من هناك وإلى الاقتراحات الواضحة والمختصرة دون الإبحار في التفاصيل المملة ومن هنا كان الشاذلي يفضل شخصية كانت لها دراية بنفسية الشاذلي بن جديد، وهو وزير خارجيته محمد الصديق بن يحيى بحيث كان يقول هذا الأخير عندما يسألونه “لماذا لم يغضب عليه الشاذلي بن جديد ولا مرة"، فقال هذا الأخير “إنه يتعامل مع الشاذلي بن جديد مثلما يتعامل الطبيب مع مريضه، إنه يعطيه ما يستحقه من دواء بميزان، فلا يزيد ولا ينقص عن الحد المطلوب"، ويقول صاحب كتاب “سنوات الفوضى والجنون" محمد خوجة “لم يكن بن جديد يستطيع تحمل عبء قراءة التقارير، رغم أن مستشاريه كانوا يبسطونها في بطاقات قراءة سهلة إلا أن الرئيس كان يكتفي بإلقاء نظرة على الصحف وإجراء المكالمات الهاتفية، وحسب أحد مستشاريه فلقد كان عهده عهد السلاجقة هيمنة يسيرها بن جديد في القمة وعلى أعلى هيئة توجد الحكومة تعقد اجتماعات يحضرها بن جديد بالجسد فقط".
وفي نفس الاتجاه يقول غازي حيدوسي وهو أحد العناصر العتيدة في نواة الإصلاحيين التي جعل منها الشاذلي بن جديد منذ المنتصف الثاني للثمانينيات حكومة ظل يعتمد عليها ويأخذ بنصائحها، كان الشاذلي “عموما يغادر مكتبه عند منتصف النهار".
في ظل هذا الجو الملبد بالشكوك والتمزقات والقلق الناجم عن تدهور سعر البترول الذي انحدر من 34 مليار دولار للبرميل من 1982 إلى 16,5 دولار عام 1986 وانخفاض عائدات البترول من 13 مليار دولار عائدات عام 1985 إلى 7,88 مليار دولار عام 1986، بحيث قاربت الخسارة حوالي 50٪ وبدا أنه من الصعب تقليص الواردات وذلك لتأثيرها في العمق الهيكلي للاقتصاد خاصة وأن الجزائر كانت ملزمة بتسديد مستحقات ديونها القصيرة المدى، بحيث انتقل معدل الفائدة من 35٪ إلى 54,3 ٪ وهو بدوره ما يشكل نصف عائدات البترول!.
وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن التغطية المالية للجزائر قد تقلصت من 4 أشهر إلى شهر واحد فقط، وأصبح العجز المتراكم للإيرادات يتجاوز 09 ملايير دولار، في حين أضحى الاحتياج الأدنى لمواصلة وتيرة النمو لما قبل 1986 يحتاج إلى 10 ملايير دولار. 5
ومما زاد الطين بلة أن رئيس حكومة الشاذلي بن جديد عبد الحميد الإبراهيمي اختار طريق الكذب على الدوائر المالية والسياسة الأجنبية وذلك بتقديم صورة مزيفة عن الاقتصاد الجزائري عندما اتخذ قرارا بزيادة رسمية لقيمة الدينار الجزائري، فبعد أن كان يلزم 5,028 دينار لشراء دولار واحد، أصبح الدولار يساوي 4,702 دج.
اختار الشاذلي بن جديد الهروب إلى الأمام وإلقاء مسؤولية الانحدار الكبير الذي أصبحت تعرفه الجزائر على كاهل الآخرين الذين لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية، فلقد اختفت السلع الاستهلاكية من الأسواق وارتفعت الأسعار بشكل مفاجئ وجنوني، وأضحى قطاع الإنتاج يعاني من فراغ مخازن قطع الغيار والمواد نصف المصنعة 6 وانتشر اليأس في أوساط الناس وبدا الأفق أشد حلكة وراحت الاحتجاجات تتوسع رقعتها في عدة أحياء شعبية بالجزائر العاصمة وفي وهران ومدن داخلية من أجل الحصول على سكنات اجتماعية وعلى الماء القابل للشرب، بحيث كان “عدد كبير من السدود ينذر بمؤشرات خطيرة نزلت إلى معدل 20 ٪ بوهران وتلمسان، وبعضها جف تماما في قسنطينة مثلا أصبحت حصة المواطن من الماء ساعتين فقط في اليوم و3 ساعات بالعاصمة وفي أوقات متأخرة بالليل في بعض الأحياء الشعبية كان الماء ينقطع لمدة أسبوع بالونزة". 7
لابد من حل؟!
كان ذلك هو التساؤل المحير... لم يعد الشاذلي يثق في محمد مساعدية الذي لم يكن يهمه إلا الاستيلاء على الحكم عن طريق جهاز حزب جبهة التحرير وكان عبد الحميد الابراهيمي المعول عليه من طرف الشاذلي بن جديد يفقد يوميا معركته على الأرض، وهو سوف لن يقود صديقه الشاذلي إلا إلى الهلاك المبين ومن هنا علل الشاذلي النفس بالاعتماد على مجموعة من الشباب، كما كان يردد أكثر من مرة وهم من الشباب غير المتورطين في السباق نحو السلطة، إنهم تكنوقراطيون محايدون ويمتلكون رؤية جديدة وثقافة جديدة قد تمكنهم من وضع حد لهذا السرطان الذي ينخر جسم الدولة وسلطة الشاذلي بن جديد التي أصبحت تتآكل بشكل مخيف ومفزع يوما بعد يوم وأطلقت هذه المجموعة التي تشتغل في الظل على نفسها جماعة أو عصبة الإصلاحات وهي عبارة عن حلقة ضيقة جدا كما يقول غازي حيدوسي، تكونت عام 1986 من محمد الصالح بلكحلة وغازي حيدوسي ومولود حمروش وعبد العزيز قريشي ومحمد الصالح محمدي وفوزي بن مالك ومحمد غريب لتتوسع فيما بعد، وتصبح تشكل تيارا أساسيا داخل الحكم وفي الإدارة والمؤسسات الإعلامية والسياسية يقول أحد عناصر عصبة الإصلاحات “كان الرئيس شديد الانقباض والتكدر من تشويه صورة الحداثة التي كان يرغب في تقديمها عن إدارته وعن نفسه وكانت ترتعد فرائصه من الخوف من النتائج غير المضبوطة لخياراته وخيارات حلفائه وكان هذا الخوف مكسبا ثمينا.
إذ أن كوادر القطاع العام، ومن بينهم كوادر النقابات لم يكونوا مقتنعين كثيرا أن عليهم التحول إلى قوة صياغة وتحليل واقتراح فما أكثر الذين كانوا يكرهون بصدق أن يعيدوا النظر ولو هامشيا، بتسيير استبدادي يعتبرون مستفيديه المميزين (...) كان ينبغي أن نواصل العمل بفطنة وأن نعتني بعدم التخويف قبل الأوان. فلم نكن قادرين على مهاجمة الدستور علنا فذلك كان يعني الدخول في اللاشرعية، كما أننا لم نكن نستطيع التنديد بمصادرة السلطة السياسية الاجتماعية والاقتصادية من قبل الأجهزة البوليسية غير الخاضعة للقانون العام، وكان معنى ذلك الخضوع لمحاكمات مصطنعة ودخول السجن، لم يبق سوى حل: تفكير صفو للآليات الإدارية لجرّ السلطة إلى اعتبار التسوية مع التغيير كأمر ضروري لبقائها مع إخفاء ما كانت تشكله هذه الديناميكية من خطر عليها.
تأججت النار داخل البيت بين العصب والجماعات السرية داخل سرايا النظام مجموعة عبد الحميد الإبراهيمي، مجموعة العربي بلخير الذي أصبح رئيس مكتب (ديوان) الرئيس ومجموعة حمروش الإصلاحية ومجموعة محمد الشريف مساعدية داخل حزب جبهة التحرير ومجموعة عائلة بن جديد التي يقودها صهر بن جديد أمين بوركبة وكان الشاذلي بن جديد هو نفسه من أشعل هذه النار معتقدا أن الصراع بين المجموعات سيجعله في الوقت المناسب الحكم الرئيسي الذي سيلجأون إليه في لحظة اشتداد النزاع والصراع بينهم، وهذا ما جعله يعطي لنفسه الكثير من الوقت للاستمتاع بحياته من خلال ممارسته لهواياته العزيزة على قلبه مثل العطل الطويلة على شواطئ بوسفر حيث بعض إقاماته ورياضة التزحلق على الماء، وحدث ما لم يكن في الحسبان، فلقد سقط الشاذلي وهو يمارس رياضته المفضلة التزحلق فوق الماء وكانت إصابته خطيرة وتمثلت في انزلاق غضروفي قوي في العمود الفقري كاد أن يسبب له شللا كليا، كان ذلك بمثابة الصدمة لعائلته ولقد عارض صهره أمين بوركبة أن يعالج الشاذلي بن جديد في المستشفيات الجزائرية لسببين الأول عدم ثقته في الأطباء الجزائريين، والثاني تطويق الخبر حتى لا يفتح الباب على مصراعيه أمام اتساع رقعة الشائعات، ولذا فضل أمين بوركبة أن ينقل الشاذلي بن جديد على جناح السرعة إلى الاتحاد السوفياتي لكن هذا الاقتراح ووجه بالرفض من طرف حرم الرئيس بن جديد حليمة التي تطايرت من ذكر هذا البلد الذي عولج فيه هواري بومدين وكانت نهايته الموت المفاجئ.
وبعد أخذ ورد توصلت العائلة بصحبة المقربين منها أن ينقل الشاذلي بن جديد إلى بلجيكا وهناك حيث توطدت العلاقة من جديد بين سيد أحمد غزالي الذي كان سفير الجزائر ببروكسل وبين بن جديد الذي لم يكن راضيا عن سيد أحمد غزالي، ويقول سيد أحمد غزالي، أنه سهر على صحة الشاذلي بن جديد برفقة زوجته ومنحاه كل العطف والرعاية.. وما أن تم نقل الشاذلي بن جديد إلى بلجيكا حتى انتشرت إشاعة مرضه كالنار في الهشيم، وشعرت عائلة الشاذلي بن جديد والمقربون منه بالخطر يحدق بهم من طرف الذين شرعوا يخلقون وضعا ومناخا جديدين وذلك من أجل استخلاف بن جديد، فمحمد الشريف مساعدية وجد في غياب الشاذلي بن جديد فرصته الحقيقية لقلب ميزان القوة لصالحه، أما الجيش فلقد حافظ على صمته وحياده، وظل يراقب الوضع عن كثب لكن بعين قلقة ومرتابة أما جماعة حمروش التي كان مصيرها مرتبطا بالشاذلي، فلقد شرعت ترسم لنفسها طموحات سياسية وتخرج رأسها إلى النور بعد أن تخفت لوقت داخل برنوس التكنوقراطية في حين راح الدكتور الإبراهيمي يكشف لثقاته عن طموحاته الكامنة لأن يكون الرجل رجل الإجماع القادر على إيصال السفينة الى شاطئ الأمان، لكن عودة الشاذلي من بروكسل ألجمت لحين كل تلك الخيالات التي كادت أن تذهب بأصحابها بعيدا، وبدا الشاذلي هادئا وهو يستقبل مختلف رجالات الحكم الذين جاءوا للإطمئنان على صحته، وفي جلسة حميمة أبدى له رئيس مكتبه العربي بلخير عن قلقه مما يحدث في أوساط الأفلان لكن أيضا في أوساط الرئاسة وصارحه أن غيابه كشف عن حقيقة مرة، لم يكن ليصدقها لولا أنه لم يلمسها هو شخصيا بيديه، وفهم الشاذلي أن بخلير كان يستهدف في الوقت ذاته ثلاثة رؤوس، محمد الشريف مساعدية، مولود حمروش وعبد الحميد الإبراهيمي، لكنه لم ينبس ببنت شفة عن الدكتور أحمد الإبراهيمي، الذي كان فيما يبدو قد دخل في علاقة تحالف خفية مع العربي بلخير ليكون ورقته في حال عدم قدرة عودة الشاذلي إلى الحكم... ظل الشاذلي بن جديد صامتا ولم يعلق بشيء على ما قاله له، العربي بلخير، وفي اجتماع خاص بمولود حمروش صارحه هذا الأخير.. “أنه حان الوقت لأن تذهب بعيدا سيدي الرئيس في تطبيق الإصلاحات.." ثم صارحه “سيدي الرئيس وضعنا المالي سيء وعلى الشعب أن يتحمل جزءا من المسؤولية، وهو قادر على ذلك، إذا ما قلنا له الحقيقة" الحقيقة؟! ظل الشاذلي بن جديد يصغي بانتباه شديد لرجله المدلل مولود حمروش، ليقول له في نهاية الحيلة “أجل، لا بد من قول الحقيقة، لكن سيتم ذلك في الوقت المناسب".
أما الهادي لخذيري، فلقد أراد أن يستغل تذمر الشاذلي من محمد شريف مساعدية بتقديمه للرئيس مشروعا يتمثل في إرساء تعددية حزبية على مراحل، تبدأ من القاعدة في البلدية لتتطور فيما بعد إلى أحزاب سياسية، لكن المشروع بدا للشاذلي بن جديد في غير أوانه، أوغر كل من حمروش والهادي لخذيري والعربي بلخير صدر الشاذلي ضد مساعدية، وحزب جبهة التحرير الذي أصبح يظن أن زمن الشاذلي وصل إلى نهايته، وكان الشاذلي يشعر بالألم وهو يصغي إلى من يضع ثقته فيهم.. فقرر أن يقوم بزيارة مفاجئة إلى مقر الحزب وما أن دخل حتى سارع أعضاء من اللجنة المركزية إلى تقديم القهوة للرئيس، لكن الشاذلي الذي كان في فورة غضب وهو يوجه انتقادات جارحة لهم ضرب الطاولة برجله فانقلبت فناجين القهوة على الحاضرين 8 ورشقهم بكلمات عنيفة وجارحة، وكانت تلك الخرجة رسالة واضحة إلى محمد شريف مساعدية الذي فضل الحفاظ على هدوئه والإستمرار في مواصلة مناوراته عبر أروقة الحكم.. وعلى إثر ذلك قرر الشاذلي إرباك مساعدية وامتحان قدرته أمام معارضيه، فلجأ إلى عصبة حمروش، لتعد له خطابا يرد فيه على خصومه الذي اعتقد أنهم كانوا وراء الفضائح التي تريد النيل منه ومن عائلته، مثل قضية تورط ابنه توفيق بن جديد في سرقة بنك الجزائر الخارجي.. وكان خطاب 19 سبتمبر الذي أعده كل من وزير الإعلام في حكومة الشاذلي بن جديد بشير رويس ومولود حمروش بمثابة القنبلة المهولة التي قضت مضاجع عدة مسؤولين في حزب جبهة التحرير الوطني وفي الإدارة، وكان الخطاب يرمي إلى تحقيق عدة أهداف، منها (1) البحث عن إجماع شعبي لإدانة الوضعية المتردية (2) إقالة المسؤولين وتحميلهم خطأ العجز والتسيير السيء أمام الشعب (3) إيقاف تسرب الملفات المتفجرة (4) خلق مرونة شعبية لتقبل الإصلاحات الإقتصادية. وفي لحظة غضب وجه بن جديد رسالة مبطنة لكنها واضحة لشريف مساعدية عندما قال “كفانا نفاقا هناك من يريد أن يكون لنفسه شعبية على حساب نظام الحكم.. نحن لا نريد من يصفق ولا يمكن تغطية الشمس بالغربال، الإنتقاد الهدام الذي لا أساس له لابد أن يتصدى له كل مسؤول.. وفي أغلب الأحيان هذا الكلام يصدر عن أناس في جهاز الدولة والحزب وفي المؤتمر السادس لابد من إتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك".
لم يكن الشاذلي بن جديد وهو يلقي خطابه في قصر الصنوبر أمام كوادر الحزب والدولة والجيش ذلك الرجل الضعيف، غير الواثق من نفسه وغير المتوازن الباحث عن كلماته بشق الأنفس الذي عرفه الجزائريون عشية خلافته لهواري بومدين.. بل كان رجلا ساخطا واثقا من نفسه، يتطاير الشرر من عينيه ومن كلماته، رجل على استعداد لمواجهة خصومه على الأرض التي يريدون أن ينازلوه فيها، كانت العيون مفتوحة، والوجوه مرتبكة والقلوب مصدومة وهو يشير إلى التلاعبات والفساد والترهل التي لمع بها المسؤولون.. ظل مساعدية بارد الأعصاب وهو يصغي إلى ذلك الهدير الصاخب، لأنه في أعماقه كان يدري تمام الدراية، أن الكلام هو موجه إليه أساسا، وتقف وراءه مجموعة الإصلاحات التي بدأت تخطط لأشياء أكبر من حجمها.. كان مساعدية مطمئنا، لذا ظل طيلة الخطاب يجذب أنفاسا عميقة من سيجاره الطويل وكأن الأمر لا يعنيه، لأنه كان يعتقد أن الغضب الذي عبر عنه الشاذلي، يدل أن الرجل بدأ يفقد توازنه ويخسر أوراقه، الواحدة تلو الأخرى، وأن العصب التي تختفي وراءه غير قادرة للخروج بمفردها إلى النور لأنها تفتقد إلى جيوش خلفها، أما هو، الرجل ذو السبعة أرواح، فبين يده الآن جهازا قويا، إسمه جهاز حزب جبهة التحرير وأذرع طويلة، إسمها المنظمات الجماهيرية، وحليف قوي، اسمه مال معمر القذافي الذي عرض على الشاذلي بن جديد مشروع الوحدة.. كانت عيناه تتراقصان وتخفي وراءهما كل هذا الأمل بتحقيق انتصار حقيقي على الشاذلي وحلفائها في المؤتمر السادس لجبهة التحرير الذي لم يبق له على الإنعقاد إلا أسابيع معدودات... وكان مساعدية يردد على مسمع الآخرين، أن فرصة الجزائر للخروج من أزمتها المالية الخانقة تكمن في وضع يدنا في يد معمر القذافي الذي صرح أمام نواب البرلمان الجزائري بأنه مستعد مقابل الوحدة مع ليبيا لأن يتخلى عن الكتاب الأخضر، ويقبل بالميثاق الوطني الجزائري، وأن ملف مشروع مسراتة الضخم جدا، سيتطلب في البداية حوالي 6000 عامل 200 مهندس وبقدرة تشغيل ما يقارب المليون بطال على مدى الثلاث سنوات...
ران صمت رهيب على القاعة، وبدت التساؤلات مخيفة ومحيرة على الوجوه، وشعر البعض أن حملة التطهير ستبدأ، وأن الرؤوس ستتساقط الواحدة تلو الأخرى، لكن كيف؟! وهل بقدرة الشاذلي أن يذهب بعيدا في معركته التي أعلنها بشكل مفاجئ بعد أن تخلى بشكل صاخب وصريح عن دور الحكم وبدا انحيازه واضحا إلى طرف على حساب الأطراف الأخرى في الصراع على كسب المزيد من السلط؟!
أعطيت الأوامر لوسائل الإعلام الحكومية أن تشيد بالخطاب، لكن في نفس الوقت أن تبتعد عن الحديث عن الملفات الحساسة المتعلقة بالفساد التي هزت الشارع الجزائري، ومنحت الكلمة للمواطن، للإشادة بشجاعة الرئيس وعزمه على تطهير الوضع المترتب عن الأثار السيئة للأزمة الإقتصادية، لكن كل ذلك لم يمنع باقي العصب من التحرك حفاظا على “مكتسباتها" وذلك من خلال تجديد بعضها لولاءاته للشاذلي بن جديد، والبعض الآخر إلى الركون للصمت ودفن رأسه في الرمال إلى أن تمر العاصفة.. لكن لم تمر أيام حتى انطلقت إشاعات مجنونة جابت الشوارع عن اقتراب لحظة قيامة جديدة، لحظة تظاهر الشعب ليقول، لا للفساد، لا لندرة السلع الإستهلاكية، لا لإستيلاء فئة قليلة على ثروات البلاد، لا لعبث عائلة الشاذلي بالبلاد، من أين تأتي هذه الإشاعات؟! لا أحد يعلم... الشيوعيون؟! إنهم لم يعودوا تلك القوة التي كان يحسب لها ألف حساب.. وإن كان جنرال مثل رشيد بن يلس يتهمهم مباشرة، أنهم كانوا وراء زرع مثل هذه الإشاعات والدفع إلى مجرى الأحداث التي عاشها الجزائريون.. الإسلاميون؟! هم في حالة كمون وترقب، بعد محنة الإعتقالات التي طالتهم منذ أحداث نوفمبر 1982 والنهاية المأساوية لجماعة مصطفى بويعلي، المتواطئون مع الخارج، الحاقدون على جبهة التحرير؟! تلك الأسطورة لم يعد يصدقها الجزائريون فلقد تحولت هذه الأسطورة إلى أكذوبة عقيمة ومبتذلة.. إذن من هذا الذي يقف وراء إشعال فتيل الغضب؟!
يقول أنصار محمد الشريف مساعدية، بأنهم الذين أرادوا الإنتقام من جبهة التحرير وبالتالي الإنتقام من الإستقلال، إنهم أولئك الذين أرادوا التخلص من إرث هواري بومدين، وغرروا بالرئيس الشاذلي الذي دفع به إلى طريق زين إليه على أنه طريق الإنفتاح والحرية، وهو أصلا طريق الضلال والسراب الكبيرين...
راحت أحياء العاصمة تهتز، من باب الواد إلى القبة، إلى الحراش إلى باش جراح، إلى ديدوش مراد والعربي بن مهيدي... حجارة ومولوتوف في كل مكان... النيران تمتد إلى أسواق الفلاح إلى قسمات حزب جبهة التحرير إلى محافظات الشرطة إلى المؤسسات التربوية إلى الوزارات.. ما الذي يحدث؟! تساءل الشاذلي بن جديد؟! ما الذي يريدونه؟! لماذا هم ينتفضون بهذه الطريقة المتوحشة والمجنونة، ظلت تساؤلات الشاذلي بن جديد الذي أصابه الهلع والفزع والذي كان على شفا الإنهيار معلقة في السماء.. ما العمل؟! هل يستدعي الأمر تدخل الجيش، بعد أن أصاب الشلل قوات أمن وزارة الداخلية؟!
لا بد من حل، لابد من حل، صرخ الشاذلي في وجه رجاله المقربين منه.. راح محمد شريف مساعدية يتصل برجاله في المحافظات والقسمات.. نفس التساؤلات ونفس المخاوف والحيرة المرتسمة على الوجوه والمشلة للألسنة.. من المستهدف، من وراء هذا التحريك المشبوه للشارع، تساءل محمد الشريف مساعدية، فيجيبه بعضهم، من يقف وراء مثل هذا الشغب، هم رجال الرئيس.. هم الإصلاحيون الذين يريدون قطع الطريق لمحاسبتهم ومحاسبة الرئيس في المؤتمر السادس لحزب جبهة التحرير.. يصرخ محمد الشريف مساعدية، لم يعد الوقت للتراشق بالتهم، عليكم أن تتحركوا، أن تطوقوا هذا الغضب المشبوه، أن تطفئوا النيران الملتهبة قبل أن تمتد رقعتها في كل البلاد، قبل أن تلتهمنا هذه النيران جميعا...".
يلجأ الشاذلي بن جديد في لحظة إلى قاصدي مرباح فيجيب هذا الأخير، “هناك أولوية واحدة ووحيدة، يجب تهدئة الوضع"
يستدعي الشاذلي اجتماعا طارئا لأعضاء المكتب السياسي بمقر رئاسة الجمهورية، بدا الشاذلي قلقا، مفزوعا وعلى شفا الإنهيار العصبي، خانته الكلمات وهو يفتتح الجلسة، قال، ما العمل؟! إنها للحظة خطيرة وحرجة.. هل نستدعي تدخل الجيش؟! هل نعلن حالة الطوارئ وحظر التجول.. بدأ أعضاء المكتب السياسي بالتدخل، قال الجنرال رشيد بن يلس، سيدي الرئيس، الشعب لا يريدنا.. لم نكن في مستوى المسؤولية التاريخية التي ألقيت على كاهلنا.. ليس أمامنا، سوى طريق واحد، وهو الرحيل، لكن كيف؟! أن يقدم الرئيس استقالته واستقالة حكومته، لكن مثل هذا الكلام بدا غير مسؤول، وهو أقرب منه إلى الهروب إلى الأمام ودفع البلاد باتجاه الفوضى العارمة والحرب الأهلية، ظل الشاذلي صامتا، وتدخل رئيس الحكومة عبد الحميد الإبراهيمي ومساعدية الذي رأى في هذه الإنتفاضة مؤامرة تقف وراءها مجموعات مشبوهة، تحركها أيادي خارجية انزعجت من مشروع الوحدة مع ليبيا، وتخوفت من المؤتمر السادس لجبهة التحرير، اعترف الشاذلي والدموع متحجرة في عينيه تكاد تنثال بأخطاء كثيرة ارتكبت ومن الضروري معالجتها في أسرع وقت ممكن..
أعطيت الأوامر لتدخل الجيش، لتجد المؤسسة العسكرية بدون هامش مناورة متورطة في مواجهة شبان في ربيع العمر، توجه بن جديد إلى التلفزيون عندما لم يتمكن تدخل وزير داخليته من إخماد النيران، وبدا في أقوى حالات الضعف، لم يكن ذلك الرجل الغاضب الذي ظهر منذ أيام على شاشة التلفزيون، وهو يهدد كوادر الحزب والإدارة، ويطالب الشعب بالانتفاضة من أجل الحصول على حقوقه أمام المضاربين والإنتهازيين.. قال بأنه يتحمل مسؤولية ما حدث، وأنه عازم على مواصلة الإصلاحات بشكل عميق بشقيها الإقتصادي والسياسي وكان للخطاب تأثيره على مجرى الأحداث، بحيث تراجعت المظاهرات التي تسببت في مقتل أكثر من 500 شخص وعندئذ أوحى إليه عدد من المقربين من عصبة الإصلاحيين، أنه الوقت المناسب للتخلص ممن يعرقلون مسيرة الإنفتاح والإصلاحات، وعلى رأس هؤلاء كان محمد الشريف مساعدية الذي استدعاه الرئيس الشاذلي بن جديد إلى مكتبه وقال له بصريح العبارة “لقد حان وقت الرحيل يا سي محمد، إن الشعب يريد التغيير، ولابد من تغيير بعض الوجوه التي أصبح الشعب لا يرتاح لها.." صمت محمد الشريف مساعدية، وحاول أن يفهم الشاذلي بن جديد أن المطالب غير واضحة، وما تم هو استغلال فاحش ومشبوه من بعض الأطراف التي لا تريد الخير للجزائر، لكن الشاذلي أوقفه قائلا “ربما.. ربما... لكن حان وقت الرحيل... دعني أفكر ربما أتدبر الأمر.." وما إن خرج مساعدية من عند الرئيس، حتى كان عبد الحميد مهري على أهبة مغادرة منصبه كسفير للعودة إلى الجزائر كبديل عن مساعدية على رأس جبهة التحرير الوطني...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.